أحد المشاركين في الانتخابات الرئاسية مارس 2018. الصورة: مريم عمر

النظام الانتخابي للنظام والمأزق الصعب للمعارضة

منشور الثلاثاء 25 فبراير 2025

لا توحي المؤشرات القائمة حتى الآن، وقبل أشهر من انتخابات البرلمان بغرفتيه، أننا سنكون بصدد منافسة حقيقية من شأنها إعادة الحراك للحياة السياسية المجمدة منذ أكثر من عشر سنوات، بعكس ما كان مأمولًا مع انطلاق مسار الحوار الوطني في 2022.

وأغلب الظن أن الانتخابات سيتم "سلقها" والانتهاء منها على عجَل من دون الاستجابة لأحد أهم مطالب أحزاب المعارضة، المتمثل في تعديل النظام الانتخابي التعجيزي القائم الذي لا يسمح لها بالمنافسة والتمثيل داخل البرلمان.

عندما شاركت في الجلسات التحضيرية للحوار الوطني طوال عام كامل منذ دعوة الرئيس لإطلاقه في أبريل/نيسان 2022 ثم انطلاقه رسميًا في مايو/أيار 2023، لم تُرِد أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية أن يتوسع الحوار ليشمل كل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر 19 لجنة، وبمشاركة المئات من كل حدب وصوب، حتى لا يتحول الحوار إلى مهرجان كلامي أو كرنفال.

وضغطنا، من دون نجاح، في اتجاه أن يكون الحوار سياسيًا بشكل أساسي بين النظام والمعارضة، بعد تجربة مريرة امتدت سنوات لم نشهد خلالها أي منافسة حقيقية، سواء في انتخابات 2015 أو 2020، بسبب نظام القائمة المغلقة المطلقة القائم، الذي يجعل نتيجة الانتخابات معروفة سلفًا، ويحد من فرص الأحزاب الصغيرة في التنافس.

فتح طريق مسدود

مجلس النواب يناقش مشروع قانون الإجراءات الجنائية، 29 ديسمبر 2024

كانت العلاقة وقتها بين أحزاب المعارضة والنظام وصلت إلى طريق مسدود، مع اعتقال مئات المعارضين السلميين وكثير منهم أعضاء في أحزاب شرعية تعمل في إطار القانون والدستور، بعد سلسلة من الصدامات بدأت مع الاحتجاجات الواسعة على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، ثم ما شهدته الانتخابات الرئاسية عام 2018، ونهاية بتعديل الدستور لكي يتم التمديد للرئيس فترة ثالثة في مطلع 2019.

ولذلك، كان موقف أحزاب الحركة المدنية أن نتجه للحوار الوطني بقائمة قصيرة من المطالب السياسية تتعلق بفتح المجال العام المغلق بالضبة والمفتاح، سواء في ما يتعلق بالأحزاب السياسية أو وسائل الإعلام والنقابات المهنية والعمالية والمنظمات غير الحكومية.

وكان من الطبيعي أن تتصدر قائمة مطالب المعارضة التشديد على ضرورة الإفراج عن المئات من سجناء الرأي الذين تم احتجازهم بموجب قانون الحبس الاحتياطي الذي تحول إلى أداة قانونية لحبس المعارضين.

وبينما كنا نواصل في الحوار الوطني محاولات الخروج من الأزمة السياسية القائمة، وكان أبرزها قوائم العفو والإفراج التي أطلق بموجبها سراح المئات، واصلت الأجهزة المعنية سياسة القبض على المعارضين، لتنضم أسماء جديدة لقائمة المحبوسين مثل رسام كاريكاتير المنصة أشرف عمر والمهندس يحيى حسين عبد الهادي وعبد الخالق فاروق وآخرين. كما ظلت الأجهزة ترفض إنهاء معاناة عدد محدد من الأسماء رغم طول فترة حبسهم، كما هو حال علاء عبد الفتاح ومحمد عادل ومحمد أكسجين ومروة عرفة ونرمين حسين وآخرين كثيرين.

كل ذلك تزامن مع استمرار الأجهزة الرسمية في الحديث عن التمسك بالحوار الوطني و"نجاحه" وتنفيذ مطالبه، حتى لو كان مشروع الحوار برمته انتهى عمليًا ولم يتبقَّ منه سوى مجلس أمناء يتم دعوته للاجتماع كلما أرادت الحكومة بيانًا يدعم موقفًا ما خارجيًا أو داخليًا.    

وكما تعثر ملف المحبوسين ولم تتغير السياسة الرسمية في التعامل مع المعارضين ولم تخفَّف القبضة على وسائل الإعلام، بات من الصعب عمليًا أن يتوقع أحد استجابة الأجهزة المعنية لمطلب تعديل النظام الانتخابي قبل الانتخابات المتوقعة لمجلسي الشيوخ والنواب في النصف الثاني من العام الحالي.

ومع تمسك أحزاب المعارضة في الحوار الوطني بنظام انتخابات القائمة النسبية بالكامل في الانتخابات المقبلة، فإنها أبدت مرونة نحو قبول نظام مختلط بين القائمة النسبية والفردي. وعندما تحجج ممثلو أحزاب الموالاة بأن ما ينص عليه الدستور الحالي من تخصيص مقاعد لفئات محددة مثل المرأة والمسيحيين وأصحاب الاحتياجات الخاصة والشباب سيجعل من الصعب اعتماد القائمة النسبية، كانت هناك مقترحات بأن تكون هناك قوائم مغلقة لتلك الفئات، بجانب نظام القائمة النسبية والفردي.

ولغير الخبراء، فالموضوع ببساطة أن نظام القائمة المغلقة المطلقة المعمول به حاليًا يحول دون مرور الأحزاب الصغيرة التي لا تحظى بدعم مالي كبير مثل مجموعة أحزاب حب الوطن وآخرها حزب الجبهة الوطنية الصاعد الواعد، إلى مجلس النواب.

ووفق النظام الحالي، فإن 50% من نواب البرلمان يُنتخبون من أربع قوائم وفق نظام القائمة المغلقة المطلقة، و50% ينتخبون بالنظام الفردي المعروف في مصر منذ عقود، بكل ما يرتبط به من إنفاق مالي بذخ وترسيخ للعصبيات ونفوذ العائلات.

وتنقسم القوائم الأربعة لقائمتين كبيرتين كل منهما بمائة مقعد، وأخريين صغيرتين كل منهما تضم 42 مقعدًا، بإجمالي 284. والقائمة التي تحقق 50%+1 من أصوات الناخبين، يصبح جميع أعضائها نوابًا، وتُهدر بقية أصوات الناخبين التي ذهبت إلى بقية القوائم.

انسداد طريق مفتوح

وفي ظل الظروف القائمة حاليًا، وبناءً على تجارب انتخابات 2015 و2020، فإن أحزاب الموالاة الثرية هي فقط من تستطيع استكمال تلك القوائم الممتدة على مساحات جغرافية شاسعة، لتكون بذلك نتيجة نصف مقاعد البرلمان على الأقل مقررة سلفًا، وقبل أن يدلي الناخبون بأصواتهم.

يتحرك النظام بثقة على اعتبار أن قضايا الديمقراطية والانتخابات وحقوق الإنسان لم تعد أولوية

أما نظام القوائم النسبية التي تطالب بها أحزاب المعارضة فهي تدعم تصويت الناخبين على أساس الانتماء الحزبي والتوجهات الفكرية والبرامج الاقتصادية والاجتماعية لتلك الأحزاب. وتكون تلك القوائم أصغر حجمًا مقارنة بالقوائم المغلقة المطلقة الحالية، والأهم أنها تعتمد قاعدة النسبية.

وبالتالي لو أن قائمة تضم عشرة مرشحين حصلت على 40% من أصوات الناخبين، فإنها تحصد بالتالي أربعة مقاعد برلمانية. ومن يحصل على 30% يشغل ثلاثة مقاعد، وتحصل بقية الأحزاب على مقاعد بناء على نسبة الأصوات التي فازت بها، في احترام لإرادة الناخبين قدْر الإمكان.

وبعد جلسات ممتدة تحت سقف الحوار الوطني، قدمت كل الأطراف حججها وكان من المستحيل أن يتم التوصل إلى اتفاق. فأحزاب الموالاة تمسكت بالنظام القائم حاليًا دون تغيير ورفضت مطلب المعارضة بنظام القائمة النسبية، وكذلك كان موقف ممثلي الدولة في الحوار مثل محمود فوزي وزير الشؤون النيابية الحالي، الذي لا يزال عضوًا في مجلس أمناء الحوار ويرأس أمانته الفنية. وانتهى الأمر برفع تقرير للرئاسة يقدم مختلف وجهات النظر بشأن النظام الانتخابي المطلوب من دون تبني توصية محددة.

وبعد أن جرت المداولات بشأن تسوية قد تؤدي على الأقل إلى تصغير حجم القوائم المغلقة المطلقة المكونة، تحديدًا تلك المكونة من مائة مقعد، تراجعت هذه التوقعات مؤخرًا، وبات تطبيقها صعبًا مع اقتراب موعد عقد انتخابات مجلس الشيوخ.

وربما يكون التعديل الوحيد المتوقع حتى الآن هو زيادة عدد مقاعد مجلس النواب الذي سيعقد جلساته في القاعة الضخمة التي تتسع لألف نائب في العاصمة الإدارية الجديدة. ومن المؤكد أن هذا التوسع لا علاقة له بمطلب الانفتاح الديمقراطي وتوسيع المشاركة السياسية، لكنها وسيلة تقليدية متبعة من دولتنا العتيدة لتوزيع الهبات والعطايا.

يتحرك النظام بثقة على اعتبار أن قضايا الديمقراطية والانتخابات وحقوق الإنسان لم تعد أولويةً في ظل الظروف الإقليمية المتفجرة والصعبة، بداية بغزة والسودان وليبيا ونهاية بسوريا، وحالة الفزع التي انتابتنا جميعًا من مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن وقتل القضية الفلسطينية وحلم إقامة الدولة. لذلك فإننا غالبًا سنكون أمام خمس سنوات أخرى من حالة الجمود السياسي الداخلي التي نعيشها.

وهذا سيضع أحزاب المعارضة بكل تأكيد أمام خيارات صعبة ترتبط بكيفية التعامل مع الواقع الحالي، وهل سترفع شعار "الحيز المتاح" وقبول تكرار سيناريو انتخابات 2020 عندما انضم مرشحون عن أحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي والإصلاح والتنمية والعدل إلى قوائم حزب مستقبل وطن، على اعتبار أن ذلك هو السبيل الوحيد المتاح للحفاظ على وجودها وتقديم ما لديها من بدائل وأفكار معارضة، أم ستقاطع الانتخابات على اعتبار أن نتيجتها معروفة سلفًا ولن تسفر سوى عن برلمان يقر ويدعم كل ما ترغب الحكومة في تمريره من تشريعات وقرارات من دون محاسبة أو مساءلة أو رقابة حقيقية على إنفاق المال العام.

الخيارات صعبة بكل تأكيد، وسيكون من المهم دراسة تجربة السنوات الخمس الأخيرة والمكاسب مقابل الخسائر التي حققها كل طرف من الموقف الذي تبناه في انتخابات 2020، والأهم التعامل مع الواقع الصعب الحالي الذي نعيشه، سواء على المستوى الاقتصادي الداخلي وزيادة معاناة الغالبية الكاسحة من المصريين من ارتفاع الأسعار وتدهور مستويات المعيشة، أو الواقع الإقليمي المتفجر الذي لا يمكن تصور سوى أنه يزداد سوءًا، طالما بقي الرئيس الأمريكي الحالي ترامب في منصبه بكل اقتراحاته العبثية والعنصرية.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.