تصوير أحمد جمال- المنصة
توافد المواطنين في الانتخابات الرئاسية بالمطرية- 10 ديسمبر 2023

انتخابات 2025.. من "الحيز المتاح" إلى "الأمر الواقع"

منشور الثلاثاء 8 يوليو 2025

عندما قررت مجموعة من أحزاب المعارضة التي لم تدعم الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ انتخابات 2014 وعارضت التعديلات الدستورية 2019، خوض انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب 2020 ضمن قائمة موحدة مع أحزاب الموالاة، بررت خطوتها هذه بمحاولة الاستفادة من "الحيز المتاح"، أو أي "خرم صغير" حسب وصف أحد قيادييها، من أجل التقدم نحو نظام يضمن الحد الأدنى من قواعد المنافسة الديمقراطية، بطريقة تسمح بمحاسبة الحكومة ومساءلتها، والمشاركة في القرارات الاقتصادية والسياسية الحيوية.

ولأن ذهاب الحزب المصري الديمقراطي تحديدًا في هذا الاتجاه، كونه الأقرب لمواقف أحزاب المعارضة المنضوية تحت مظلة الحركة المدنية الديمقراطية بحكم تركيبة عضويته وتمسكه بأهداف ثورة يناير، تزامن مع وجود الكثير من أعضاء الأحزاب الديمقراطية المدنية في السجن، سواء من الدستور أو الكرامة والتحالف الشعبي وحتى المصري الديمقراطي نفسه؛ فقد اعتبر من أيدوا تشكيل القائمة الموحدة التي حملت اسم "القائمة الوطنية من أجل مصر" أن تلك الخطوة قد تساهم في الضغط نحو الإفراج عن السجناء السياسيين عن طريق الحوار المباشر مع السلطة والأجهزة المعنية.

أما حزبا الإصلاح والتنمية والعدل اللذان انضما مع المصري الديمقراطي للقائمة الموحدة، فانطلقا من موقف ثابت، وبغض النظر عن مواقف غالبية أحزاب الحركة المدنية هو المشاركة الدائمة في كل انتخابات واعتبار ذلك ممارسةً للدور المنوط بأي حزب مهما كانت المصاعب، لأن المقاطعة المتواصلة تقتل الأحزاب حتى لو كانت مواقفها صائبة من النواحي القانونية والدستورية.

ورغم الانشقاق الذي شهدته الحركة المدنية الديمقراطية بعد قرار الأحزاب الثلاث المشاركة في انتخابات 2020، وتجميد عضويتها في الحركة، عادت الحركة المدنية بمجملها إلى الحياة وتوسعت عضويتها في أعقاب دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لما عُرف بـ"الحوار الوطني" في ربيع عام 2022.

مولد "الحوار الوطني"

من إحدى جلسات الحوار الوطني

كان اللافت أن الحركة المدنية استخدمت تقريبًا الحجج نفسها التي بررت بها أحزاب المصري الديمقراطي والإصلاح والتنمية والعدل قرارها الانضمام للقائمة الموحدة من قبيل الاستفادة من الحيز المتاح، واختبار رغبة النظام في بدء إصلاح سياسي حقيقي. ولكن قيادة الحركة كانت أكثر تمسكًا هذه المرة بمطلب الإفراج عن السجناء السياسيين بادرة حسن نية من النظام تتزامن مع المشاركة في الحوار الوطني، بينما لم تؤدِّ مشاركة الأحزاب الثلاثة في القائمة الموحدة على مدى عامين تقريبًا إلى الإفراج عن أي سجين.

وبينما صمم القائمون على الحوار الوطني على اعتباره "مناسبة قومية" تطرح فيه كافة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية للنقاش، بمشاركة كل الأطياف والتوجهات، بما في ذلك أحزاب الموالاة، حاولت الحركة، دون نجاح، قَصْرَ الحوار على الحكومة والمعارضة فقط لطرح قضيتين رئيستين: رفع القيود الصارمة المفروضة على العمل الحزبي، على رأسها حبس أعضائها وقياداتها احتياطيًا دون سقف قانوني، وتعديل قوانين الانتخابات القائمة التي تقتل المنافسة وتجعل النتيجة معروفة سلفًا وتضمن خروج مجالس موالية تمامًا للنظام لا تمارس أدوارها الأساسية في سن قوانين تعبر عن مصالح أغلب المواطنين، وتحاسب وتسائل الحكومة باستمرار. 

أُفرِج بالفعل عن مئات السجناء، لكن ليس كلهم، بل وأضيف إليهم سجناء آخرون. وبقيت قوانين الانتخابات كما هي عقبة أمام ممثلي أحزاب المعارضة ممن شاركوا في الحوار الوطني عبر لجان المحور السياسي. وانتهى الأمر برفع توصية ثلاثية إلى رئيس الجمهورية تتضمن مواقف كل الأطراف؛ أحزاب الموالاة التي تمسكت بالإبقاء على نظام القائمة المطلقة التي تمنح كل المقاعد للقائمة التي نالت 50%+1 من أصوات الناخبين، وبعض أحزاب المعارضة التي تمسكت بنظام القائمة النسبية الذي يمنح كل قائمة مقاعد تساوي النسبة التي حصلت عليها من أصوات الناخبين، وصيغة توافقية تحاول دمج النظامين معًا. 

كل ذلك الجدل، سواء فيما يتعلق بقضايا الانتخابات، رئاسية وبرلمانية، والحريات وإطلاق سراح السجناء السياسيين، توارى وانتهى تقريبًا مع انفجار طوفان الأقصى ثم حرب الإبادة الجماعية التي يشنها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة.

صرفت هذه الحرب الأنظار أيضًا عن انتخابات الرئاسة التي كان البعض يأمل أن تكون ساخنةً نسبيًا، مع إعلان السياسي والبرلماني السابق أحمد الطنطاوي ترشحه في مواجهة الرئيس السيسي. وساعد على ذلك ما تعرَّض له وحملته من انتهاكات في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023 أجبرته على إنهاء الحملة قبل ملاحقته قضائيًا وسجنه لمدة عام، في سياق من التوتر بشأن مستقبل مصر والمنطقة من امتدادات الحرب، لم يسمح لـ"جماهيره" الغاضبة بالتظاهر في الشوارع احتجاجًا، ودون أن تكون هناك فرصة لدى وسائل الإعلام لمتابعة تطورات المشهد السياسي الداخلي في مصر في ضوء ما يجري في غزة من مجازر.

كما انتهى عمليًا مولد "الحوار الوطني" كما عرفناه عند انطلاقه عبر عقد اجتماعات لـ19 لجنة متنوعة، واقتصر الأمر على مدى العامين الماضيين على الاحتفاظ بـ"مجلس الأمناء" كواجهة يُستدعى أعضاؤها لإصدار بيانات الاصطفاف مع القيادة السياسية في مواجهة العدوان الصهيوني ضد شعب غزة. وانتهى الأمر بالتمسك بالنظام الانتخابي القائم منذ عام 2015 من دون تعديل، رغم رفض كل أحزاب المعارضة.

التمثيل المشرف

على هذا الأساس، لم يكن مستغربًا موقف الأحزاب الثلاث، المصري الديمقراطي والإصلاح والتنمية والعدل، بالعودة لتشكيل نفس التحالف السياسي مع أحزاب الموالاة من أجل خوض الانتخابات المقررة العام الحالي لمجلسي الشيوخ والنواب، بنفس اسم "القائمة الوطنية من أجل مصر" تمامًا كما حدث عام 2020.

لن تتمكن غالبية أحزاب المعارضة المتبقية في الحركة المدنية من المنافسة في القوائم المغلقة المطلقة

ولكن كان اللافت في الاستعداد لانتخابات 2025 تعبير المزيد من أحزاب المعارضة عن استعدادها لخوض الانتخابات، هذه المرة غالبًا ليس تحت شعار "الحيز المتاح" وحسب، بل بشعار التعامل مع الأمر الواقع، وحقيقة أن الأجهزة المعنية لن تسمح سوى بانتخابات برلمانية نتائجها محسومة سلفًا، مع أمل أن تتمكن الأحزاب المعارضة والشخصيات المستقلة المحسوبة على المعارضة من زيادة تمثيلها البرلماني بضع مقاعد.

كما أراد النظام بدوره أن يمنح الانتخابات بعض المظهر التنافسي، بتشكيل حزب جديد جمع بين ليلة وضحاها ما يزيد عن 500 ألف توكيل، الجبهة الوطنية، حتى لا ينفرد حزب مستقبل وطن وحده بالمشهد، ولرسم صورة برلمان فيه بعض التنوع.

لن تتمكن غالبية أحزاب المعارضة المتبقية في الحركة المدنية من المنافسة في القوائم المغلقة المطلقة، لأنها ببساطة لا تملك الموارد البشرية أو المادية. ولكن حتى لو قررت معظم أحزاب المعارضة مثل الدستور والكرامة والتحالف الاشتراكي مقاطعة انتخابات القوائم، فإن التوجه الغالب لدى أعضائها أن تنافس على عدد من المقاعد الفردية، ولو من قبيل التمثيل المشرف.

المنافسة على المقاعد الفردية ليست سهلة بكل تأكيد، ويلعب المال السياسي والعصبيات العائلية والقبلية أدوارًا كبيرةً في تحديد نتيجتها، لكنها على الأقل الفرصة الوحيدة المتاحة لأحزاب المعارضة الراغبة في البقاء على قيد الحياة، التي ستقبل التعامل مع الأمر الواقع، لا ما يفترض أن يكون، في وقت بات واضحًا تمامًا أن اهتمام النظام بقضية الإصلاح السياسي برمتها قد تراجع، رغم كل أجواء التفاؤل التي صاحبت انطلاق الحوار الوطني.

يدرك النظام أن الدول الغربية التي كانت تضغط عليه لإجراء إصلاحات سياسية، على رأسها الولايات المتحدة، لن تعود لطرح هذه القضايا اليوم، بينما تموج المنطقة بالحروب. لذلك، ستواجَه أي أطراف معارضة تحاول أن تجعل من قضية الانتخابات المقبلة نقطة مواجهة، بهجمات سريعة مضادة تتهمها بإثارة الاضطرابات والبلبلة الداخلية في وقت يتمنى فيه موالو النظام ألَّا تجري أي انتخابات من الأصل، وأن يصدر قرار جمهوري بتعيين كل أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، لأن المطلوب هو الاصطفاف والوحدة الوطنية.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.