حسم ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات والمنسق العام للحوار الوطني، الجدل الذي ثار بقوة في الأسابيع الأخيرة بشأن تبكير انتخابات الرئاسة، التي ظن الكثيرون أنها ستعقد بحلول ربيع العام المقبل.
قال رشوان مساء الأحد الماضي إن الانتخابات ستجرى غالبًا في فبراير/شباط 2024، على أن يتم فتح باب الترشيح لها في ديسمبر/كانون أول من العام الحالي، ويكون إعلان الجدول الزمني للانتخابات برمتها في أكتوبر/تشرين.
وكانت انتشرت تقارير رجحت ليس فقط تبكير الانتخابات الرئاسية، ولكن أن يتزامن معها انتخابات جديدة لمجلس النواب بعد حل المجلس الحالي، وكذلك انتخابات المجالس المحلية المتأخرة منذ العام 2019، رغم وجود نص دستوري صريح يوجب عقدها خلال خمس سنوات من إقرار الدستور في 2014.
وبلغت الأوهام والتكهنات، غالبًا مدفوعة باللجان الإلكترونية والمواقع الإخوانية، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد يقرر عدم الترشح لفترة ثالثة، ليمنح فرصة لمرشح آخر من داخل المؤسسة العسكرية ليواصل المسيرة، إثر تدهور الأوضاع الاقتصادية ورغبة أطراف خارجية إقليمية ودول مانحة في رؤية تغيير حقيقي في السياسة الاقتصادية الرسمية قبل أن يقوموا بضخ أموال تحتاج إليها الخزانة المصرية بشدة.
لم يتناول رشوان الشائعات الخاصة باحتمال عدم ترشح الرئيس لفترة ثالثة
قال رشوان إن من يروجون لاحتمالية حل مجلس النواب أو تبكير موعد انتخابات الرئاسة لم يطلعوا على الدستور، الذي ينص على أنه لا يمكن حل المجلس سوى في أعقاب استفتاء شعبي، وليس بمجرد قرار من رئيس الجمهورية.
ولكنه لم يتناول الشائعات الخاصة باحتمال عدم ترشح الرئيس لفترة ثالثة، غالبًا لأنها مجرد تمنيات من خصوم الرئيس الحالي، بالإضافة إلى ثمة مؤشرات تفيد بأن استعدادات تجري على قدم وساق لاحتفالات ضخمة، وافتتاح عدد من المشروعات القومية، بمناسبة مرور عشر سنوات على مظاهرات 30 يونيو 2013، التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين والرئيس الراحل محمد مرسي، والمتوقع أن تنتهي بالإعلان الرسمي للترشح من أجل مواصلة الانجازات.
على خوانة
أربكت أنباء تبكير الانتخابات الحسابات، المرتبكة بالفعل، لدى من قد يفكر في اتخاذ المخاطرة الكبرى بمنافسة الرئيس. فإذا كان التعامل مع الانتخابات الرئاسية سيتم باستهانة وتعديل المواعيد للانتهاء من الأمر برمته خلال شهور قليلة، فمن المؤكد أننا سنكون إزاء عملية غير جادة، أقرب للمبايعة منها للتنافسية، وتكرار لتجربة 2018، التي كانت عمليًا استفتاء على تمديد فترة الرئيس في ضوء غياب أي منافس حقيقي.
والخشية من تكرار تجربة 2018 ربما يكون العامل الرئيسي وراء تأخير المنافسين في الإعلان عن نواياهم، باستثناء النائب السابق أحمد الطنطاوي. وبغض النظر عن موعد عقدها، فلا أحد يريد أن يظهر في دور الكومبارس أو المحلل إلا غلاة المؤيدين من أمثال موسى مصطفى موسى، منافس اللحظة الأخيرة في انتخابات 2018.
الكل كان ينتظر مؤشرات على حد أدنى من الضمانات التي قد تُعطي انطباعًا بالتنافس في الانتخابات المقبلة، حتى مع الإقرار مسبقًا بأن فرص السيسي في الفوز هي الأرجح بكل تأكيد. وبالتالي، قد يقضي تحديد موعد مفاجئ ومبكر للانتخابات على آمال الشخصيات الجادة التي تفكر في خوض المغامرة، ولو من باب الترويج لأفكارها وبناء قاعدة شعبية لأي منافسة مستقبلية.
البعض سيواصل الجدل بشأن مواد الدستور، وما تنص عليه القوانين، وما إذا كان الرئيس بدأ فترته الثانية في أبريل/نيسان أم يونيو/حزيران 2018. ولكن الجميع يعلم أنه في ضوء السنوات التسع الأخيرة، فإن قضايا الديمقراطية والتنافس وتداول السلطة وحرية الرأي والتعبير ليست من ضمن أولويات النظام الحالي. بل إن الأجهزة الأمنية ترى فيها تهديدًا للاستقرار وخطط التنمية، في ظل ظروف إقليمية ودولية شديدة الصعوبة. وبالتالي أطبقت الأجهزة قبضتها الحديدية، وألقت القبض على المعارضين باختلاف أنواعهم، وحبستهم احتياطيًا لسنوات دون محاكمة.
سقف التوقعات
كان الرهان الأقرب للواقعية أنه في ضوء الحوار الوطني، وحديث النظام عن الرغبة في إصلاح سياسي، وإتاحة مساحة للمعارضة في التعبير عن مواقفها دون ملاحقة أمنية، قد يساهم هذا الانفتاح المحدود في إخراج الانتخابات الرئاسية 2024 بشكل أفضل من 2018، ولو على طريقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يفوز دائمًا على مدى أكثر من عشرين سنة، ولكن أمام منافس يمثل المعارضة، ويحصل على 20 إلى 30% من الأصوات.
وفي ضوء السياق المصري، وما اعتدناه من فوز الرؤساء بأغلبية تفوق 95% دائمًا، بل وربما نكون أصحاب حق الملكية الفكرية لنسبة التلات تسعات الشهيرة 99.9%، فإن وجود مرشح معارض يحصل على 20 أو 30% من الأصوات سيكون إنجازًا ولا شك كبيرًا، وخطوة للأمام.
بعض المعارضين أخذتهم الحماسة في أعقاب انتخابات نقابة الصحفيين، التي جاءت بصحفي معارض لمنصب النقيب رغم الحشد الكبير الذي قامت به الأجهزة لصالح المنافس المنتمي لصحيفة قومية. وربما ازدادت الحماسة في أعقاب تمسك الغالبية الكاسحة من المهندسين بنقيبهم المحسوب على المعارضة ضد محاولات الإطاحة به.
الأهم على الإطلاق هو أن يتعهد الرئيس أنه لن يُقدم على تعديل ثانٍ للدستور مهما كانت الظروف
من المؤكد أن نتيجة الانتخابات في النقابتين مؤشر مهم على تزايد عدم الرضا بين الجماعات المهنية، التي وجهت رسائل لا بد أن يعيها النظام وأجهزته. ولكنها في النهاية انتخابات محدودة، شارك في الأولى خمسة آلاف، وفي الثانية 25 ألفًا، ولا يمكن تعميم نتائجها على انتخابات رئاسية يشارك بها الملايين في مختلف المحافظات ووسط آليات للحشد تختلف تمامًا عما يجري في النقابات المهنية.
وإذا كان غالبية المصريين يشعرون الآن بالضجر والغضب من تدهور الأحوال الاقتصادية وزيادة الأسعار، فإن كثير منهم أيضًا يظل قلقًا من التغيير والفوضى، خاصة إذا كان البديل مجهول.
باعتبار ما سيكون
بالتالي، سيكون الخيار الأكثر عقلانية هو التمسك بالمطالبة بضمانات واضحة لتوفير الحد الأدنى من النزاهة في الانتخابات المقبلة، وأنه لن يتم اعتقال المرشحين المحتملين أو أنصارهم، وأنه سيتم منح الفرصة كاملة لهم في حرية الحركة في العاصمة والمحافظات، وفرص متكافئة في وسائل الإعلام لشرح برامجهم واختلافها عما طبقه الرئيس على مدى السنوات التسع الماضية، والسماح لمنظمات مراقبة الانتخابات المحلية والدولية بممارسة عملها بحرية.
طريقة التعامل مع البرلماني السابق أحمد الطنطاوي لم تكن مبشرة مطلقًا، فبالإضافة لاعتقال أقاربه ومؤيديه فور إعلانه نية الترشح، تعرض لهجوم وتشويه لمواقفه من قبل الأجهزة الإعلامية القريبة من الدولة والزعم أنه ينوي السماح للإخوان بالعودة للمشهد السياسي. وربما يساهم إطلاق سراح المقربين من طنطاوي، وكذلك عدد معتبر من السجناء السياسين في خلق بعض أجواء الثقة أننا سنكون مقبلين على انتخابات رئاسية منفتحة بعض الشئ.
وفي الوقت نفسه، سيكون من المطلوب الحصول على تعهدات قاطعة من الرئيس فور إعلانه المتوقع لترشحه، أنه سيواصل مسار الإصلاح السياسي، وإجراء تغييرات حقيقية تؤكد أن سياسات القبضة الأمنية المتشددة لن تستمر على نفس المنوال، وأنه سيتم فتح مجال أوسع للعمل في إطار القانون والدستور أمام المعارضين ووسائل الإعلام والنقابات والمنظمات غير الحكومية، وأنه سيتم إجراء انتخابات برلمانية نزيهة ينتج عنها برلمان يحاسب الحكومة ويراقب الإنفاق العام، ويحدد أولوياته بعد تعديل قانون الانتخابات والتخلي عن نظام القائمة المطلقة المغلقة الذي يجعل نتيجة الانتخابات محددة سلفًا.
والأهم على الإطلاق هو أن يتعهد الرئيس في برنامجه الانتخابي أنه لن يُقدم على تعديل ثانٍ للدستور مهما كانت الظروف والضغوط، لكي يتم تمديد فترة رئاسته ما بعد العام 2030.