مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية مطلع العام المقبل، يدعو البعض المعارضة المصرية للتوحد خلف مرشح واحد لمنافسة الرئيس عبد الفتاح السيسي. ولكنه مطلب صعب المنال وغالبًا لن يتحقق. وذلك بسبب عدم وجود مرشح واحد قادر على جمع صفوف المعارضين، الذين تتنوع توجهاتهم الفكرية ما بين يسارية وقومية وليبرالية وإسلامية. كما يغيب عن الساحة حتى الآن المرشح الذي يتمتع بشخصية كاريزمية تحظى بدعم شعبي واسع، قبل دعم المعارضين.
ولأن الشعور العام أن نتيجة المنافسة الرئاسية معروفة سلفًا، خاصة مع توقع حشد الدولة بمختلف أجهزتها وبالسبل كافة لدعم الرئيس لفترة رئاسية ثالثة، وبسبب السعي المنظم لتشويه سمعة أي معارض بارز والتضييق الأمني عليه وعلى أنصاره، فإن كل ذلك يجعل الإقدام على الترشح مخاطرة كبيرة في الأساس.
ومنذ التعديلات الدستورية التي قام بها الرئيس الراحل حسني مبارك في 2005، والتي سمحت بإجراء أول انتخابات رئاسية تعددية منذ قيام الجمهورية قبل سبعة عقود، كانت الحجة الأساسية التي يستخدمها النظام لتبرير بقاء مبارك في الحكم، رغم مرور نحو ربع قرن على توليه المنصب، أنه لا يوجد بديل للرئيس العجوز يستطيع تحمل المسؤولية الضخمة الملقاة على عاتقه. كما كان يتم الترويج أنه في أفضل الأحوال، فإن خير من يستطيع خلافة مبارك لن يكون سوى نجله، جمال.
ولكن ظهور الدكتور محمد البرادعي كمرشح محتمل للرئاسة قبل عامين من ثورة 25 يناير، أدى لتفنيد الكثير من تلك الحجج الواهية. فهو شخصية دولية مدنية ودبلوماسية، تحظى بالكثير من الاحترام على مستوى العالم، وله علاقات متعددة وثرية اكتسبها من خلال عمله مديرًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأدرك قادة المعارضة حينها تلك الحقائق، وبالتالي كان قرارهم التوحد خلفه كمرشح منافس لمبارك.
"معارض" لم يظهر
أما في وقتنا الحالي، وقبل شهور من عقد انتخابات التمديد للرئيس السيسي لفترة ثالثة، لم تظهر حتى الآن تلك الشخصية القوية المعارضة للنظام بوزن الدكتور البرادعي.
ولكن الطنطاوي لا يعول على قادة المعارضة في "الحركة المدنية الديمقراطية"
صحيح أن أحمد الطنطاوي النائب السابق والوحيد الذي أعلن ترشحه حتى الآن لمنافسة الرئيس، له خطاب قوي ومعروف بانتقاداته الحادة للنظام، ولكنه لا يبدو مقنعًا كمرشح منافس حتى لقادة المعارضة الحالية أنفسهم، غالبًا بسبب خلفيته السياسية وانتماءه للتيار القومي العربي أو الناصري، إلى جانب صغر سنه نسبيًا وانعدام خبرته الدولية.
ولكن الطنطاوي لا يعول على قادة المعارضة في "الحركة المدنية الديمقراطية" منذ قراره رفض مشاركتهم في الحوار الوطني، الذي رأى فيه "مناورة سياسية" منذ بدايته ومحاولة لتلميع صورة النظام قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية.
ويعتمد الطنطاوي أساسًا على التحرك في الشارع والسعي لاكتساب دعم الشباب تحديدًا، سواء في القاهرة أو الأقاليم. ويقول مقربون من حملته إنه لن يسعى للحصول على تزكيه عشرين نائبًا في البرلمان لخوض المنافسة، وسيتمسك بدلًا من ذلك بجمع 25 ألف توكيل من عشر محافظات، كما ينص الدستور.
انطلقت حملات التشويه ضد الطنطاوي منذ وقوفه في مجلس النواب لإعلان رفضه للتعديلات الدستورية في 2019، التي أدت لتمديد الفترة الثانية للرئيس السيسي عامين كما سمحت له استثناءً بمرة تمديد واحدة لفترة ثالثة. ومنذ قوله إنه "لا يحب الرئيس" اكتسبت الحملة ضده بعدًا آخر من خلال القبض على أنصاره وحبسهم احتياطيًا.
تغيرت الأمور نسبيًا منذ عودة الطنطاوي إلى مصر، وأُطلقَ سراح معظم من اُعتقلوا من أقاربه وأنصاره، كما يُسمح له بهامش محدود من الحركة في المحافظات، وإن لم تتوقف حملات التشويه بحقه. ولا يزال البعض يتشكك إذا ما كانت الأجهزة المعنية ستسمح له بجمع العدد المطلوب من التوكيلات الشعبية لخوض المنافسة.
جمال و"مفاجأة"
مقابل ذلك تتردد شائعات بشأن أسماء مرشحين محتملين، لم يعلنوا هم أنفسهم عن خوض السباق، مثل أكمل قرطام رئيس حزب المحافظين، ومحمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية، وجميلة إسماعيل رئيسة حزب الدستور.
أعتقد أنه لو بقي لدى نجل الرئيس العاقل أي عقل لما أقدم على هذه الخطوة
ومن المعروف أن هذه الأحزاب الثلاثة شكلت مؤخرًا ما يعرف بـ التيار الليبرالي الحر، الذي يقول إن حل الأزمة الاقتصادية بموجب آليات السوق ودعم القطاع الخاص، مقابل تضخم دور الدولة وأجهزتها، على رأس أولوياته.
وفي أفضل الأحوال، قد يتمكن ذلك التحالف من الاتفاق على مرشح أو مرشحة، ولكن اختيارهم لن يحصل غالبًا على دعم بقية القوى الوطنية اليسارية والناصرية، وستنتفي عنه/عنها صفة مرشح المعارضة، وسيكون مرشحًا معارضًا من بين آخرين.
كما تدور العديد من الشائعات بشأن احتمال ترشح جمال مبارك للرئاسة، وتحقيقه ما لم يتم يتمكن من إنجازه في عهد أبيه. ولن أخوض هنا في قانونية ترشح جمال في ضوء صدور حكم نهائي وبات بحقه في القضية المعروفة بنهب أموال القصور الرئاسية. ولكن أعتقد أنه لو بقي لدى نجل الرئيس العاقل أي عقل لما أقدم على هذه الخطوة، حتى لو كان يحظى بدعم الدولة الخليجية الأكثر نفوذًا في مصر منذ سنوات؛ الإمارات.
فبعد أن عانى جمال من تجربة السجن لسنوات لم تطل، فإنه يعلم جيدًا أنه "ياما في الجراب يا حاوي" وأنه سيكون في انتظاره غالبًا سلسلة طويلة من قضايا الفساد، التي قد تعيده بسهولة للسجن مجددًا لو أقدم على المنافسة.
ولكن أخطر أنواع التكهنات حتى الآن هي تلك التي يتم الترويج لها بشأن "المرشح المفاجأة" الذي يُنتظر أن يأتي من "المؤسسة العسكرية"، مع الترويج لأسماء خرجت من الخدمة قبل سنوات، ولا نعلم عمليًا أي شيء عن طريقة تفكيرها أو برنامجها سوى أنها لا تحمل اسم عبد الفتاح السيسي.
يروج قادة جماعة الإخوان وآخرين لمقولة عهدناها من قبل وهي "أي حد غير السيسي"، وتكمن خطورتها في أننا اختبرناها وعرفنا نتائجها السلبية، إن لم تكن الكارثية. ثار الشعب من أجل الإطاحة بمبارك في يناير 2011، واُعتبر ذلك غاية المنى، وهو ما فتح الباب لصفقات الإخوان مع المجلس العسكري التي لم تستمر طويلًا، وما صحبها من تهميش للقوى المدنية.
وفي خضم المظاهرات الواسعة ضد حكم الإخوان في 2013، كان الشعار العام هو التخلص من حكم المرشد وفقط، من دون أن يكون هناك خطة واضحة لما يلي ذلك.
ومع الوضع في الاعتبار التعديلات القانونية التي أُدخلت على شروط ترشح العسكريين السابقين، في أعقاب المحاولة الفاشلة لرئيس الأركان السابق سامي عنان خوض المنافسة في 2018، لا يبدو من السهل الآن أن تتكرر أي من الأسماء التي يجري تداولها.
حلول بديلة
وربما يكون الوقت حان لكي تتخلى بعض قطاعات المعارضة عن أفكار بالية من قبيل أنه لا يمكن لأحد أن يمثل تهديدًا حقيقيًا للرئيس الحالي إلا إذا كان قادمًا من داخل المؤسسة الحاكمة نفسها، وذلك إذا كانوا صادقين بالفعل في هدف بناء الدولة المدنية الحديثة، وليس فقط الخلاص من الرئيس الحالي وانتظار المجهول.
ومع الوضع في الاعتبار أن موعد الإعلان عن الجدول الزمني لانتخابات الرئاسة اقترب، فإن أكثر السيناريوهات تفاؤلًا هو أن يخوض عدة مرشحين معارضين، ربما اثنان أو ثلاثة على أقصى تقدير، المنافسة ضد السيسي، وذلك في حالة حصولهم على الحد الأدنى من الضمانات التي تسمح لهم القيام بذلك، من قبيل منحهم الأمان وعدم القبض على أنصارهم والسماح لهم بحرية الدعاية والحركة في القاهرة والمحافظات.
أما الأجهزة المعنية، فبدأت الاستعداد مبكرًا هذه المرة، عن طريق استنتاخ سيناريو موسى مصطفى موسى عام 2018، ولكن من خلال أسماء أخرى يقوم برنامجها لمنافسة الرئيس على دعم الرئيس، ولكن ليس بالضرورة قبل أيام فقط من غلق باب الترشح.