إن أعلن السيد عبد الفتاح السيسي ترشحه لفترة رئاسة ثالثة، فهل سيسأله الصحفيون عن موقفه من ختان الإناث أو مجتمع الميم؟
ينتمي هذا السؤال لعالم الفانتازيا، فمن يجرؤ على سؤال الرئيس؟ لكنه راودني وأنا أستمع لبودكاست مع المرشح المحتمل للرئاسة أحمد الطنطاوي، ثم تذكرته لاحقًا وأنا أشاهد حوارًا مصورًا معه. في المرتين، احتلت مسألة ختان الإناث حيزًا من الحوار، وفي البودكاست أضيفت إليها إشارتين لمجتمع الميم وحقوقه، دون أن تُصاغ في سؤال واضح.
الوحيد في سياق التعدد
ربما يضايق عنوان هذا المقال البعض في صفوف المعارضة، بجبهاتها وتكتلاتها المختلفة، بسبب تعبير "الوحيد" المُضاف لصفة "المحتمل"، وبالذات بعد إعلان بعض المعارضين رغبتهم في الترشح.
تعبير "الوحيد" له ثلاثة معانٍ؛ الأول محدد ومباشر. والثاني متعلق بمضمون خطاب الطنطاوي، والثالث يتحقق أو ينتفي بناء على موقع المواطن المتفاعل مع العملية الانتخابية.
ينحصر المعنى المباشر في أن الطنطاوي هو الوحيد، حتى كتابة هذا المقال، الذي يتحرك ويعمل فعلًا كمرشح جاد؛ يخاطب الجهات المسؤولة عن الإشراف على الانتخابات طلبًا لضمانات، يتحرك في المحافظات، يحشد المؤيدين، يطرح تصورات سياسية واضحة. وأخيرًا، وهو المُضحك المُبكي في حالتنا المصرية؛ يتلقى ضربات السلطة، سواء بمحاصرته والتجسس عليه واختراق هاتفه، أو بملاحقة أعضاء حملته وحبس بعضهم.
أما المعنى المتعلق بمضمون ما يقوله، فسندركه من أدائه وتطويره لخطاباته، كمرشح بديل حقيقي للسلطة الحالية. يعرف ما يتحدث عنه، لديه خبرة سياسية، وتصورات واضحة عن طبيعة الوظيفة التي يطمح إلى شغلها. وهو والوحيد الذي يطرح ما يختلف جذريًا عن ميكانيزم "الفرعنة" الذي تُدار به الدولة طوال عقود طويلة.
نقطة ضعف الطنطاوي الأساسية نجدها في من يُفترض بهم دعمه؛ المعارضة، التي أعلنت طرح مرشحين آخرين
لكن، ماذا عن المعنى الثالث المتعلق بموقع المواطن المتفاعل مع المعركة الانتخابية؟ إذا كان المتفاعلون مع المعركة ممن انتموا لثورة يناير، فغالبًا سيكون الطنطاوي المحتمل الوحيد، حتى كتابة هذا المقال، الذي ينتسب لثورة يناير فعلًا. فهو كان في بداية عقده الرابع عند اندلاعها، ونضج وعيه مع اشتباكه السياسي عبرها، ومن خلالها.
لا ينتمي الطنطاوي، أفكارًا وأداءً، للمنظومة الحزبية التي سبقت يناير، والتي كان من المفترض أن تختفي لو كانت الثورة نجحت. وبسبب أدائه البرلماني طوال خمسة أعوام؛ أصبح من الوجوه البارزة لذلك الجيل من يناير.
وهو ما يتضح أكثر من عدم تجنبه الإشارة المباشرة لرئيس الجمهورية الحالي، باعتباره خصمًا فشل في إدارة الدولة المصرية، وقادها إلى كوارث، بوضوح وبأرقام، وبتصورات مبنية على أساس سياسي متماسك، ودون شعبوية.
رفض الانفراد بالسلطة هو جوهر خطاب الطنطاوي، لدرجة أنه لن يُدِهش أحدًا إذا أجاب يومًا عن سؤال ما بـ"لا أعلم". ستكون ساعتها ميزة، وليس نقصًا. ففي نقده لما أُسمِّيه هنا بـ"الفرعنة"، يتحدث عن دولة قانون ودستور ومؤسسات، رئيس الجمهورية فيها مجرد موظف عمومي، عليه الالتزام باختصاصاته دون تجاوزها، والحكومة دستوريًا مسؤولة أمام البرلمان لا أمامه، واضعًا مهمة إصلاح مؤسسة الرئاسة، وتعديل القوانين لتسمح بنزع الثقة عن رئيس الجمهورية ومحاسبته، خلال وبعد ممارسته لوظيفته، ضمن مهامه الأولى في حالة فوزه.
"الوحيد" كتعبير عن الضعف
لا تنحصر في تقديري نقطة ضعف الطنطاوي في التضييق عليه وملاحقة السلطة لمناصريه، ما يُكسبه في المقابل مزيدًا من المؤيدين. لكن نقطة الضعف الأساسية نجدها في من يُفترض بهم دعمه وتشكيل جبهة تأييده الأساسية؛ المعارضة نفسها، بعد إعلانها طرح مرشحين آخرين.
على الأغلب لن يتعرض أيٌّ من هؤلاء الآخرين لمضايقات أمنية، فالسلطة وأجهزتها تعرفهم جيدًا، تعلم مدى هشاشة قدرتهم على التحرك، وعلى تشكيل خطاب طازج يواجهها حقيقةً، وتعلم أنهم لا يتمتعون بأي قاعدة شعبية من الممكن أن تثير قلقها.
بينما ستستمر ملاحقة الطنطاوي ومؤيديه، لأنه يملك الخطاب والقبول ودوائر التأييد، على عكس أولئك المحتملين. ولأنه غالبًا سيكون الوحيد المُلاحق، الوحيد مرة أخرى، أما الآخرون لا يُلاحقون، ستكسب السلطة من خلالهم الورقة التي تبرئها من تهمة الملاحقة نفسها، وستمتلك مفردات الدعاية الكاذبة بنزاهة المنافسة.
يرفض الطنطاوي بعض الأفكار التي طُرحت في كواليس المعارضة بعمل ما يشبه المجلس الرئاسي. ويتحمس أكثر، بعمومية ودون التورط في تفاصيل، لفكرة "الفريق". لكنَّ غياب هذه التفاصيل من الممكن أن يشكل إحدى نقاط ضعفه الأساسية. فقطاعات يناير المنجذبة للطنطاوي تحتاج المزيد من الضمانات والوجوه "الينايرية" حوله، من غير نجوم النخب ومحترفي الاجتماعات في الغرف المغلقة. دون أن ننسى سؤالًا إضافيًا لا إجابة عنه: من يجرؤ من المطاريد أن يشكل فريقًا رئاسيًا مع مرشح ملاحق؟
الفريق المقصود هنا ليس مساعدين، أو خبراء يكتبون برامج أو خطابات، أو أشخاصًا يديرون حملة انتخابية، بل فريقًا واضحًا، كواجهة، يُفترض فيه أن يدير سياسيًا، وبشكل جماعي، مؤسسة الرئاسة، ويصلحها، إن فاز الطنطاوي. وهو نموذج ظهر وتكرر في بلدان كثيرة، وربما يقلل العبء عليه، ويوسع دوائر مؤيديه، ويُكسب معركته أفقًا سياسيًا أوسع، ويجعلها ممتدة بعد إجهاض محاولته الآنية. فنعم، ستُجهض، لأن "دولاب" السلطة المصرية لن يسمح حاليًا بأي منافسة ديمقراطية حقيقية.
ليس مطلوبًا أن يتفق كل الفريق، أو أن نتفق نحن كمؤيدين أو كناخبين، مع كل تصورات وآراء المرشح المحتمل/الوحيد. فقد يكون كافيًا الآن الاتفاق على المفتاح الأساسي للمرحلة الجديدة؛ فتح المجال العام والسياسي من جديد، والخلاف والصراع من داخله، وبدء مرحلة انتقالية، وسياسات عاجلة للإنقاذ الاقتصادي والمجتمعي.
الينايريون بين الهتاف والسياسة
لنعد إلى سؤال الختان ومجتمع الميم.
مثلما أشرت في البداية، لن يجرؤ أحد على سؤال الرئيس عن هذه القضايا أو غيرها. لكنهم إن سألوه، فعليه الإجابة، وبوضوح. فبما أن رئيس الجمهورية الحالي له موقف ورأي وقرار مُلزم في كل شيء، وفق نموذج "الرئيس هو ظل الله على الأرض"، فعليه الإجابة.
معركة المواطن المصري الكبرى هي الحصول على قوت يومه. وهو الطرح الذي سيحسم مواقع الكثيرين
لكنني لا أرى ضرورة لطرح ذلك السؤال حين يكون المرشح الرئاسي من نوعية أحمد الطنطاوي؛ الذي يؤكد مرارًا على أنه مرشح لشغل وظيفة عمومية، يحكم اختصاصاتها وسلطتها القانون والدستور، رافضًا أن يتجاوز هذا الموظف حدود صلاحياته، أيًا كان نوع وسبب التجاوز. فهذا التجاوز في جوهره، حتى وإن كان لمصلحتنا، يشكّل بداية الاستبداد.
ورغم ذلك، أجاب الطنطاوي عن سؤال الختان أكثر من مرة، وأوضح ملابسات النقاش البرلماني القديم حيث طُرحت هذه المسألة، واضطر للدخول في خصوصيات عائلته وأبنائه، ليوضح أن ابنته الأولى ولدت قبل صدور قانون تجريم الختان في 2008، ولم يختنها لأنه كان يرى الختان "خطأً وضارًا". أما ابنتاه المولودتان بعد صدور القانون فلم يختنهما؛ فما يزال يرى الختان خطأً وضارًا، وأصبح جريمة بعد القانون.
نعرف الآن عن بنات الطنطاوي ما لا نعرفه عن صديقاتنا الأقرب، وما لا نعرفه بالطبع عن حياة من يوجهون إليه هذه الأسئلة.
لا أنفي أهمية تلك القضايا، بل إن على المرشح تطوير تصوراته في قضايا النساء تحديدًا، وأن يكون أكثر وضوحًا تجاه حقوق نصف المجتمع الذي يأمل في أن ينتخبه، بما يتجاوز الخطابات العامة من نوعية أن المرأة تستحق التقدير، وأهمية أن تتمتع بشارع آمن، وأنها وزيرة المالية في البيت... إلخ، نحو خطاب يطرح بوضوح المساواة الكاملة على أرضية المواطنة، كنقيض لـ"الرعاية الأبوية الذكورية".
وإن كانت قضايا الحريات الشخصية، بما فيها قضايا مجتمع الميم، شديدة الأهمية، لكن هذه الأخيرة لا يجوز تصويرها وكأنها قضية قومية في بلد تم تدميره وتدمير شعبه تمامًا في عهد مبارك، ليستكمل هذا التدمير، وببطش بالغ، خلال السنوات العشر الأخيرة.
يقول الطنطاوي إن معركة المواطن المصري الكبرى واليومية هي الحصول على قوت يومه. وهو الطرح الذي سيحسم مواقع الكثيرين. إما أن يرهنوا موقفهم منهم بممارسته الهتاف، لا السياسة، فيقول ما يرضيهم وإن أدى لانتحاره سياسيًا، أو أن يتفقوا معه في أن دورنا، كأفراد ومجموعات وفئات وقوى سياسية، أن نخوض المعارك المجتمعية في الكثير من قضايا الحريات الشخصية، ليتطور مجتمعنا عبر الحوار والصراع، وليس عبر الهدايا الرئاسية.