تصوير: محمد الراعي، المنصة.
الأمين العام لمجلس أمناء الحوار الوطني خلال الجلسة الافتتاحية.

حبس أقارب "الطنطاوي".. بداية محبطة للحوار الوطني والانتخابات الرئاسية

منشور الثلاثاء 9 مايو 2023

الإعلان عن إلقاء الأجهزة الأمنية القبض على أقارب وأنصار المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي، بعد يوم واحد من الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني، يعود بنا جميعًا إلى نقطة الصفر، ويفرغ الحوار من مضمونه مسبقًا، ويضرب في مقتل مصداقية كل من روجوا لجدوى المشاركة فيه.

ولكن حتى قبل تلك الواقعة المخيفة التي تمثل نوعًا من أنواع "العقاب الجماعي" للمرشح المحتمل والنائب السابق في البرلمان، لم تكن المؤشرات مشجعة بالنسبة لكثيرين للمشاركة في الحوار، وبدا أن الجميع يتعامل مع جهتين منفصلتين داخل الدولة: الأولى تؤكد أنها راغبة في حوار شفاف بلا خطوط حمراء واتخاذ خطوات ملموسة نحو تحقيق الإصلاح السياسي المنشود، والثانية مصممة حتى صباح يوم افتتاح الحوار أنها هي فقط من تحدد سقف الحريات المسموح به، وستعاقب المخالفين من وجهة نظرها بالسجن والحبس الاحتياطي الممتد.

السؤال الصعب

قبل عدة أيام من انطلاق الحوار، قامت الأجهزة الأمنية بإلقاء القبض على عدد من أعضاء أحزاب الحركة المدنية التي مال أغلبها للمشاركة في الحوار، ولو من باب إبداء حسن النية ولأهمية أن تقول المعارضة كلمتها وألا تترك فرصة من دون محاولة الاستفادة منها: الكرامة والدستور والمصري الديمقراطي الاجتماعي والتحالف الاشتراكي.

اجتمعت أحزاب الحركة المدنية، التي تضم كذلك عددًا من الشخصيات العامة، قبل يومين من انطلاق الحوار، لتقرر بشكل نهائي إذا ما كانت الضمانات التي طالبت بها للمشاركة قد تحققت، وعلى رأسها إطلاق سراح عدد من السجناء السياسيين المحبوسين منذ سنوات طويلة، سواء الصادر ضدهم أحكام نهائية مثل أحمد دومة وعلاء عبد الفتاح ومحمد الباقر، أو المحبوسين احتياطيًا، مثل محمد عادل ومروة عرفة ونرمين حسين وآخرين كثيرين.

لم يتم إطلاق سراح أي من هذه الأسماء التي يتم تداولها في إطار الحوار منذ عام، ووجدت الحركة المدنية، وأطراف أخرى عدة خارجها، نفسها أمام سؤال صعب للغاية: هل مقاطعة الحوار ستؤدي إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين رغم عدم وجود أي مبررات حقيقية لاستمرار حبسهم، أم أن المشاركة هي التي ستدفع الأطراف المعنية إلى الاستمرار في الوعد بإطلاق سراحهم في وقت قريب؟

الدولة صممت أنها لن تسمح أن "يلوي ذراعها أحد"، وكان واضحًا أنه ستكون هناك عواقب سلبية لعدم المشاركة، والأمر لن يقتصر على تعطيل إطلاق سراح السجناء السياسيين.

وبالنسبة لأحزاب الحركة المدنية، كان هناك سؤال محوري آخر، هل سيؤدي عدم المشاركة إلى الحفاظ على وجود ووحدة الحركة، أم إلى انفراط عقدها وانقسامها خاصة بعدما تبين مشاركة بعض أحزابها في جميع الأحوال بشكل أكيد.

تبنى موقف دعم المشاركة عدد معتبر من منظمات حقوق الإنسان ذات المصداقية، وشخصيات وصفت بـ"العامة" و"المستقلة" و"الشبابية"، بعد لقاءات جرت مع الأستاذ ضياء رشوان، المنسق العام للحوار الوطني ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات.

كيف سنصدق أن النظام بصدد قبول فتح المجال العام بينما يتعامل بهذه الطريقة مع معارض بارز؟

جاءت نتيجة التصويت الداخلي قريبة للغاية، إذ قرر 13 من المصوتين المشاركة، بينما عارض القرار تسعة، ووافقت الأقلية على قبول القرار حفاظا على وحدة الحركة المدنية.

ونفذت الجهات المعنية وعدًا قدمته للحركة بإطلاق سراح معظم أعضاء الأحزاب الذين جرى اعتقالهم مؤخرًا، اثنان من حزب الكرامة، واثنان من حزب الدستور، وواحد من الحزب الديمقراطي، بينما بقي رهن الاحتجاز عضوة في الحزب العربي الناصري، وعضو في حزب التحالف الاشتراكي.

قلب الطاولة

كما أثمرت الجهود الحثيثة التي قام بها نقيب الصحفيين المنتخب حديثًا خالد البلشي وزملاؤه في مجلس النقابة عن إخلاء سبيل الصحفي حسن قباني، والذي ألقي القبض عليه، ويا للهول، صباح الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني!

ولم يكد الجميع يلتقط أنفاسه بعد أيام وساعات عصيبة من النقاش والخلاف، حتى جاءت أنباء القبض على عم أحمد الطنطاوي، وخاله، وعدد من أنصاره وأقاربه، وعرضهم على نيابة أمن الدولة بتهم الانضمام لجماعة إرهابية وحيازة منشورات، لقلب الطاولة على رؤوس الجميع.

علت مجددًا نبرة معارضي المشاركة في الحوار بدعوى أن السلطات الحالية غير جادة في تحقيق إصلاح سياسي أو فتح المجال العام والتخفيف من القبضة الأمنية التي ميزت السنوات الأخيرة وشملت كافة الأوجه، سواء تلك المتعلقة بالأحزاب أو وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية أو النقابات العمالية المستقلة.

المؤكد أن الجهة صاحبة القرار في الدولة قادرة على توجيه الجهات الأمنية بالتوقف عن ملاحقة المعارضين السلميين

شخصيًا لم أكن أتعجل انطلاق جلسات الحوار رسميا. كنت أتطلع للاستفادة لأكبر درجة ممكنة مما يمكن وصفه بـ"أجواء الحوار" لكي يتم اتخاذ خطوات ملموسة تؤكد جدية السلطات في تغيير السياسات المتبعة خلال السنوات الماضية.

وعلى رأس تلك الخطوات التوقف عن إلقاء القبض على أصحاب الآراء المعارضة عبر السوشيال ميديا والإعلام، وإطلاق سراح العشرات من السجناء السياسيين، ورفع الحجب عن المواقع الإخبارية والحقوقية داخل وخارج مصر، وتخفيف القيود المفروضة على وسائل الإعلام لكي تعكس تنوع الآراء داخل المجتمع والسماح للمعارضين بطرح وجهات نظرهم.

وبينما كان الجدل قائمًا بشأن جدوى التوسع في القضايا التي سيتم طرحها في مختلف محاور الحوار الوطني، ما بين سياسي واقتصادي واجتماعي، والخشية من تحوله إلى مهرجان خطابي، كنت مقتنعًا أنه لو تمكنت الأحزاب المعارضة والمستقلين من تحقيق إنجازات محدودة، مثل تعديل قوانين الحبس الاحتياطي والانتخابات البرلمانية، لكان ذلك يكفي ويزيد. 

ولكن الاختبار الأقرب والأهم بالنسبة لمشروع الحوار الوطني، من وجهة نظري، يتمثل في الانتخابات الرئاسية ربيع العام المقبل. فإذا كان الحوار ناجحًا وحقيقيًا ونجم عنه خطوات ملموسة لتحقيق الإصلاح السياسي، فسيكون هناك بعض الأمل أن نشهد انتخابات رئاسية منفتحة نسبيًا، وألا يتكرر سيناريو الاستفتاء الذي شهدناه قبل أربع سنوات، عندما تم منع أي مرشح له مصداقية من منافسة الرئيس عبد الفتاح السيسي.

لم يكن هذا المشهد في مصلحة مصر وسمعتها الدولية، ورسخ صورة النظام الحالي على أنه غير مهتم ولا يرى ضرورة للقيام بأي إصلاحات سياسية تؤدي إلى تحسين سجله في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة.

ومن هذا المنطلق، فإن البداية ولا شك سيئة للغاية ومحبطة، ولا تعطي أي انطباع أننا بصدد إصلاح سياسي أو فتح المجال العام وتخفيف القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير.

وإلا كيف يمكن تفسير تلك الخطوة الاستباقية المبكرة المتمثلة في حبس أقارب وأنصار المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي؟ غني عن القول أن الأمر لا يتعلق بالموقف من المرشح نفسه، ودعمه من عدمه. نحن هنا نتحدث عن المبدأ: كيف سنصدق أن النظام بصدد قبول فتح المجال العام بينما يتعامل بهذه الطريقة مع معارض بارز؟

وبعيدًا عن الجدل الدائر حول وجود جهات داخل النظام تدعم بعض الانفتاح السياسي، مقابل جهات أخرى تتبنى موقفًا متشددًا يحذر من أي انفتاح قد يؤدي إلى تكرار ثورة 25 يناير 2011، فإن المؤكد أن الجهة النهائية صاحبة القرار النافذ في الدولة قادرة على منح توجيه سياسي نافذ لكل الجهات الأمنية بالتوقف عن ملاحقة المعارضين السلميين، وخاصة المرشحين المحتملين لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذا أرادت أن تكون لها أي مصداقية.

رأت الأجهزة الأمنية طوال السنوات الماضية أن من حقها إدارة المشهد السياسي والإعلامي لمواجهة مخاطر عاجلة مثل الإرهاب والملف الاقتصادي وإعادة بناء البنية الأساسية للدولة. وقال الرئيس السيسي في دعوته للحوار قبل عام  أن الوقت قد حان للإقدام على إصلاحات سياسية حقيقية، مؤكدًا أن "الوطن يتسع للجميع" وأن "الخلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية"، فهل يستقيم ذلك مع إلقاء القبض على أقارب وأنصار مرشح محتمل تزامنًا مع إطلاق الحوار الوطني وموسم الانتخابات الرئاسية؟

هل المطلوب أن يختار النظام منافسيه وأن ينالوا الموافقة أولًا على خوض الانتخابات، وإلا سيتم اعتقال أقاربهم والتنكيل بهم؟ أتمنى أن يكون لا يزال هناك بعض العقل.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.