بعد محطات عدة من التفكك والانقسام التي واجهها حزب الدستور منذ عام 2014، يترقب أعضاؤه والوسط السياسي الانتخابات التي يجريها الحزب غدًا الجمعة، لعلها تكون طوق نجاة للكيان الذي تأسس في 2012 من رحم ثورة يناير، على يد محمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية السابق، بمشاركة عشرات من الشخصيات العامة، وعشرات الآلاف من الشباب، تضاءلت أعدادهم خلال السنوات الماضي لتصل إلى 600 عضو فقط.
الانتخابات التي تتنافس فيها قائمتان، الأولى برئاسة جميلة إسماعيل بينما يقود الثانية خالد داود، تأتي بالتزامن مع انطلاق فعاليات الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في أبريل/ نيسان الماضي، خلال حفل إفطار الأسرة المصرية الذي شارك فيه داود.
ورغم حصول الحزب على تعهدات بمراجعة ملف سجناء الرأي من خلال لجنة العفو الرئاسي، أعقبها الإفراج عن مجموعة من السجناء المنتمين للحزب. شهدت الأسابيع الماضية وفاة أحمد ياسين، أحد أعضاء الحزب الذي كان محبوسًا احتياطيًا منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، بذات التهم المكررة "الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي"، بداخل مستشفى سجن جمصة، بعد إصابته بأزمة قلبية.
خلافات وملاحقات
علاء خيام، رئيس الحزب الحالي، قال للمنصة إن الحزب لديه عضو واحد فقط رهن الحبس، بعد أن كان العدد 40 محتجزًا عام 2019، وهو ما اعتبره "إنجازًا كبيرًا"، بعد سنوات عصيبة تعرض فيها عدد كبير من أعضاء الحزب لضغوط أمنية واحتجاز وتوجيه اتهامات وحبس احتياطي بسبب مواقفهم.
يتوقف الخيام الذي ترأس الحزب في انتخابات داخلية جرت عام 2019، أمام ما شهده الحزب من انقسامات واستقالات لقياداته على مدار السنوات الماضية، بعد سنوات تأسيس الحزب الذي ضم مجموعات غير متجانسة، تجمعت حول فكرة ومبادئ الثورة تحت قيادة مؤسس الحزب محمد البرادعي.
غياب التجانس الأيديولوجي يعتبره الخيام "سببًا رئيسيًا" في الانقسامات التي بدأت في 2014 بعد أشهر قليلة من استقالة البرادعي من منصب نائب رئيس الجمهورية عقب مذبحة رابعة العدوية، ومغادرته مصر وابتعاده عن المشهد السياسي "تجميعة الحزب كانت على أسس ومبادئ الثورة، كان الاعتقاد أن مظلة يناير كافية لجمع الناس".
الحزب الذي تقدم بأكبر عدد من الأعضاء المؤسسين للجنة شؤون الأحزاب في 2012، بدأت الانقسامات تضربه بعد نحو سنة واحدة من تأسيسه نتيجة خلافات داخلية، و"محاولة الأجهزة الأمنية تفجيره من الداخل"، بحسب تعبير الخيام.
يسترجع داود الذي قضى في السجن 19 شهرًا من الحبس الاحتياطي نتيجة مواقفه المعارضة، بدايات الحزب الذي قاد البرادعي تأسيسه بمجموعات يجمعها إيمانها بمبادئ عامة عن الديمقراطية والعدل والحرية والعدالة الاجتماعية "ظروف تشكيل الأحزاب بعد يناير مختلفة، وكانت توجد كتل غير متجانسة في كثير من الأحزاب، لكن الانطباع عن حزب الدستور أنه سيكون حزب المستقبل والحاكم الذي يتولى إدارة شؤون البلاد، نتيجة أهمية البرادعي في ثورة يناير ".
ألقت الصراعات التي شهدها الحزب بظلالها على الانتخابات التي جرت على مدار السنوات التالية لابتعاد البرادعي، حيث استقالت هالة شكر الله بعد سنة واحدة من انتخابها لرئاسة الحزب عام 2014 بعد زيادة الانقسامات الداخلية.
وشكر الله لم تكن الوحيدة التي استقالت بعد أشهر من نجاحها في انتخابات رئاسة الحزب، فقد حذا خالد داود حذوها في عام 2018 بعد نحو سنة من انتخابه رئيسًا للحزب في 2017 بسبب الخلافات الداخلية.
قائمتان و600 ناخب
من جانبها، تعتبر جميلة إسماعيل تراجع تأثير وشعبية الحزب أمرًا طبيعيًا بالنسبة للظروف التي مرت بها مصر والحزب خلال السنوات الماضية، وفق ما قالته للمنصة "بالطبع كان لا بد أن يحدث تراجع، ليس فقط كما حدث في أغلب الأحزاب التي تكونت في ظل المزاج السياسي لثورة 25 يناير، لكن حزب الدستور تعرض لصدمات أكبر".
وتوضح أكثر أن هذه الصدمات كانت "نتيجة الإقبال الكبير والذي وصل إلى 20 ألف مؤسس وطبائعهم المتعددة والمتنوعة والتي كونت كيانًا هو الأقرب إلى الأحزاب الشعبية وليدة الثورات"، بينما اعتبرت تجرية الحزب كانت أصعب "بسبب الضغط على مؤسسه للانسحاب من المشهد السياسي بل ومغادرة البلاد وبالتالي غيابه عن محبيه من شباب الحزب"، بالإضافة إلى "الموجة العنيفة لحصار كل ماهو سياسي".
ويبدو داود متفقًا معها إذ قال إن "الحزب انكمش لدرجة كبيرة بعدما بدأنا بعشرات الآلاف، تناقصت العضويات خاصة بعد 2014 مع التوجهات السياسية الجديدة، وابتعاد الرئيس السيسي عن السياسية وفرض رؤية واحدة على الوضع السياسي، ثم تعديل الدستور، والقبض على أعضاء من الأحزاب المشاركين في ثورة يناير؛ كلها عوامل أضعفت حزب الدستور والأحزاب الأخرى".
لم يكن أكثر أمنًا
انضم الخيام للحزب في وقت متأخر، كان مكتفيًا بمشاركته في مجموعات سياسية غير حزبية، حتى قرر الانضمام في 2018 باعتبار العمل السياسي الحزبي "أكثر أمنًا" على حد تعبيره. يربط الخيام بين فترة انضمامه للحزب وزيادة الضغوط السياسية على الحركات والأشخاص، خاصة بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية التي تنازلت مصر بموجبها عن سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير، والهجمة العنيفة التي شنتها الأجهزة الأمنية على النشطاء والسياسيين الذين عارضوها.
هذه السنوات وما شهدتها من تضييقات أمنية على الحزب وأعضائه انتهت إلى تقلص عدد أعضاء الجمعية العمومية من عشرات الآلاف إلى بضع مئات
ولفت الخيام إلى "الضغط الأمني العنيف" الذي تعرض له الحزب في 2018 على خلفية موقفه الرافض للتنازل عن الجزيرتين، حيث ألقي بعدد من أعضاء الدستور في السجن وصدرت أحكام ضد بعضهم بغرامات مالية، بالإضافة إلى موجة جديدة من الملاحقات نالت أعضاء الحزب خلال رفض التعديلات الدستورية عام 2019.
يعدد الخيام "تم إلقاء القبض على أمين الإعلام وكوادر من الحزب في المنوفية والقاهرة وأسوان، العدد وصل في فترة رئاستي للحزب لنحو 40 اسم بشكل رسمي، لكن غير الرسمي كان نحو 300 وهم الذين رفضوا الربط بينهم وبين الحزب معتقدين أن هذا الربط يضر بهم بشكل أكبر".
لكنه يعتبر أن الوضع الآن أفضل كثيرًا مما كان عليه في 2018 و2019، مشيرًا إلى حماس عدد من الأعضاء للعودة للعمل الحزبي مع الانتخابات الحالية.
هذه السنوات وما شهدتها من تضييقات أمنية على الحزب وأعضائه انتهت إلى تقلص عدد أعضاء الجمعية العمومية من عشرات الآلاف إلى بضع مئات. فبينما يشير داود إلى أن "أعضاء الجمعية العمومية للحزب في بداية مراحل الانقسام الأولى في انتخابات 2014 كانوا 6000، أصبحوا 2000 فقط في 2019".
أما أعضاء الجمعية العمومية الذين يحق لهم التصويت في انتخابات الغد، فيبلغ عددهم نحو 600 عضو، وفقًا للخيام الذي قال "هذا الرقم نتيجة تحديث البيانات الذي أجريناه مؤخرًا، وربما لو كنا بدأنا في وقت مبكر كان وصل للآلاف من الذين يرغبون في إعادة تفعيل عضوياتهم مرة أخرى في الحزب"،لافتا إلى وجود 650 طلب جديد للانضمام.
يعتبر داود أن الهاجس الأمني جزء كبير وأساسي من انصراف الأعضاء عن الحزب "لفيت حوالي 9 محافظات الهم الرئيسي عند الناس وسؤالهم الأساسي هو: أمان يا أستاذ خالد نرجع تاني نعمل حزب الدستور؟"، مضيفًا "الناس خايفة تسجل في كشوف الناخبين خايفين يتعرضوا لمشاكل".
وبشأن الأزمة المالية التي أدت إلى عدم وجود أي مقرات للحزب قال الخيام "الحزب يعتمد على التبرعات واشتراكات الأعضاء وأمام المشاركات الضعيفة خلال الأعوام السابقة كان الملف الأكثر أهمية هو لجنة الإعاشة والدعم المادي للمعتقلين"، مشيرا إلى أن القائمتين المتنافستين أعلنتا العمل على توفير مقرات للحزب على الأقل في ثلاث محافظات.
وقال "مع عودة الأعضاء ودفع الاشتراكات سنتمكن من فتح مقرات أكثر ومع تحسن الوضع السياسي سيتحمس ناس أكثر للمشاركة".
توازنات داود
اليوم وفي ظل بوادر انفتاح ما في المجال العام، يخوض داود جولة حزبية جديدة بعد نجاح قائمة "نعم نستطيع" في انتخابات 2017، وتوليه رئاسة الحزب حتى 2018، ولكن هذه المرة تحت شعار "بنبني لبكرة".
يشهد الحزب الذي أصبح بلا أعضاء أو مقرات محاولات إعادة بناء يقول عنها داود "أصبح الحزب بلا مقرات لا توجد أموال ولا يوجد ناس تريد أن تعمل سياسة، نريد هيكلة حزب الدستور نلم الأعضاء والناس الذين ابتعدوا عن الحزب وفقدوا الأمل وخافوا، سنعمل على استعادتهم مرة أخرى لاستكمال رسالة الحزب".
يستهدف داود وقائمته في برنامجهم "هيكلة الأمانات وإجراء انتخابات على مستوى المحافظات التي ما زال لنا فيها أعضاء". لكنه يربط بين القدرة على إحياء الحزب مرة أخرى، وبين جدية الحوار الوطني وانفتاح المجال العام والتوقف عن القبض على المواطنين بسبب التعبير عن آراءهم والإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا رأي منذ 2019 مثل هيثم محمدين ومحمد عادل، وضرورة صدور عفو رئاسي عن عدد من المحكوم عليهم في قضايا رأي مثل محمد الباقر وأحمد سمير وزياد العليمي وهشام فؤاد.
يضيف داود "خطتنا هيكلة الحزب لكن لو الأجواء العامة لم تتحسن ماحدش هيعرف يعمل أي حاجة".
يواجه داود في هذه الانتخابات تحديًا جديدًا يتعلق بانقسامٍ أحدث في الحزب بعد مشاركته في حفل إفطار الأسرة المصرية، وبدء المرحلة الأولى من الحوار الوطني، وأوضحت مصادر أن مواقف داود من المشاركة في حفل الإفطار لم تلقَ إجماعًا داخل الحزب الذي يعتبر بعض أعضائه ذلك "تنازلًا وتخليًا عن ثوابت الحزب".
ستحسم انتخابات الجمعة مصير تركة البرادعي بين القائمتين، ولكن على المدى الأبعد قليلًا فإن الشهور المقبلة ستكشف قدرة "بنبني لبكرة" أو "بناء.. التئام..تجديد"، على إحياء الحزب مرة أخرى
.. وصقور "جميلة"
في المقابل تظهر جميلة إسماعيل على رأس قائمة توصف بأنها "قائمة صقور الحزب" الذين لم يقدموا "تنازلات" للسلطة.
تعتبر إسماعيل أن الانتخابات الحالية "محطة جديدة في لحظة صعبة"، مضيفة "أتصور أننا سنكون فريق اللحظة الصعبة"، معتبرة التراجع الذي شهده الحزب وانسحاب عدد كبير من أعضائه أمرًا منطقيًا وفق ما حدث خلال السنوات الماضية.
وتنظر جميلة لتركيبة الحزب الحالية "من خلال ما سبق نستطيع فهم ماحدث في حزب الدستور الذي ضم أجيالًا عدة. بل إن جيل تحت السن في 2012 أصبح عمره الآن يقترب من الثلاثين، رغم كل شيء الحزب كان قادرًا في كل المراحل على الاستمرار والحفاظ على مساراته الديمقراطية".
وبشأن توقيت ترشحها مرة أخرى على رئاسة الحزب وربطه بالحوار الوطني الذي بدأ، وما يعتبره البعض بداية أمل في حراك وانفتاح سياسي تقول "الموضوع لا يتعلق بالأمل، لكنه يتعلق بالسياسة، لا يمكن أن تكون هناك دعوة من السلطة لحوار سياسي ونحن نرفض من منطلق سياسي، لكن علينا التجاوب بطرح أسئلة واستكشاف كل ما يجعل هذه الحوار جديًا".
وأوضحت إسماعيل التي خاضت انتخابات رئاسة الحزب في مواجهة هالة شكر الله في 2014، أن خوضها الانتخابات الحالية من أجل استعادة قوة وفعالية الحزب للمساهمة في تحريك المجتمع بطرح أفكارٍ ومواقفَ ورؤىً يمكنها أن تشارك في توسيع المجال العام الذي يعني أن مستقبلنا في مصر يخصنا جميعًا.
ولكنَّ جناحًا في الحزب يعتبر أن جميلة إسماعيل قد تعرقل مسيرة الدستور وتقدمه، خاصة مع ما يعتبره البعض بداية انفتاح نسبي في المجال السياسي، مع تداول أنباء عن عدم السماح باستضافتها في وسائل الإعلام المحسوبة على الدولة على غرار رموز المعارضة الآخرين، الذين عادوا إلى وسائل الإعلام مرة أخرى عقب إفطار الأسرة المصرية.
ولكن إسماعيل ترى أن "هذه الانتخابات ورغم تزامنها مع الكلام حول الانفتاح السياسي هي جزء من رحلة طويلة تشاركنا فيها جميعًا في الحزب في الحفاظ على وجود مسار ديمقراطي يضمن البقاء والقدرة على بناء كيان سياسي وليس مجرد لافتة أو عنوان مراسلات أو عنوان بريد لمجموعة بعينها".
ستحسم انتخابات الجمعة مصير تركة البرادعي بين القائمتين، ولكن على المدى الأبعد قليلًا فإن الشهور المقبلة ستكشف قدرة "بنبني لبكرة" أو "بناء.. التئام..تجديد"، على إحياء الحزب مرة أخرى، وتختبر قدرته على استعادة حضوره الجماهيري ومساره السياسي، إما إلى صعود جديد، أو نحو المزيد من التآكل.