عادة ما تدخل الأحزاب بوابات التجميد عبر نزاعات داخلية، تفتح الطريق أمام تدخلات لجنة الأحزاب السياسية والقرارات القضائية. ويبدو أن حزب الدستور يخطو نحو هذا المصير، خاصة عقب إعلان لجنة الأحزاب خلو مقعد رئيس الحزب لحين انعقاد المؤتمر العام.
كانت لجنة الأحزاب السياسية اعتمدت في أكتوبر/تشرين الأول 2022 انتخاب جميلة إسماعيل رئيسة لحزب الدستور، ومحمد خليل أمينًا عامًا، وإسلام أبو ليلة أمينًا للصندوق، وأشّرت اللجنة على سجلات جمعية الحزب العمومية وقراراتها الأخيرة.
لكن مياهًا كثيرة جرت في النهر خلال العامين؛ تفاقمت الصراعات الداخلية بعد صدور بيان منسوب للهيئة العليا يعلن إسقاط عضوية جميلة إسماعيل، والأمين العام محمد خليل قاسم، وأمين الصندوق إسلام أبو ليلة، دفعة واحدة، من الهيئة العليا للحزب.
جاء قرار فصل جميلة من رئاسة الحزب بعد انقسام داخلي، أعقب فصل ثلاثة من أعضاء الهيئة العليا؛ مدير الشؤون القانونية محمد حمدون، وأمين التنظيم والعضوية المركزية ريهام الحكيم، وأمين الحزب في محافظة الجيزة محمد عادل، وحذفهم من مجموعات التواصل الخاصة بالحزب.
تدخل سافر أم انتصار للديمقراطية؟
قرأ كل فريق قرار لجنة الأحزاب السياسية بمنظور مختلف، كل حسب موقعه، فبينما اعتبره فريق جميلة تدخلًا سافرًا في شؤون الحزب، استقبله المعسكر الآخر باعتباره انتصارًا لإرادة الهيئة العليا وإنهاء للممارسات الاستبدادية.
تقدم فريق جميلة بالطعن على القرار الذي وصفوه بـ"المعيب" معتبرين أن لجنة الأحزاب تستخدم سلطة ليست لها، لتلغي قرار الجمعية العمومية المنعقدة في 22 يوليو/تموز 2022، الذي اعتمدته اللجنة ذاتها في 24 أكتوبر قبل عامين.
وصف فريق جميلة قرار اللجنة بأنه "صدمة"، مدللين بأنه "ليس من حقها (لجنة الأحزاب) قبول أو رفض قرارات الجمعية العمومية، أعلى سلطة"، معتبرًا "القرار مخالفة صارخة للقانون والدستور وتدخلًا سافرًا في شؤون الحزب وإرادة أعضائه".
أما الفريق المعارض، فاعتبر قرار اللجنة انتصارًا لإرادة الهيئة العليا ورفضًا لحالة تجميد مؤسسات الحزب، مشيرًا إلى أن لجنة الأحزاب السياسية إنما اعتمدت قرارات الهيئة العليا عندما أسقطت عضوية جميلة وقاسم وأبو ليلة.
وأصدرت المجموعة المعارضة بيانًا موقعًا باسم الهيئة العليا، استعرضت فيه جهود ومحاولات احتواء الأزمة داخليًا، وكيف "قوبلت بالرفض من رئيسة الحزب، ووصلت إلى إصدار قرارات فصل باطلة بحق ثلاثة أعضاء من الهيئة العليا، بالإضافة إلى تجميد عضوية ستة آخرين".
وقالت المجموعة في بيانها "أمام هذه الممارسات الاستبدادية الفردية من رئيسة الحزب (...) التي استهدفت دون مواربة اختطاف الحزب وتحويله إلى حزب يخدم مصالح شخص واحد، وهو رئيسته، قررت الهيئة العليا التمسك بدورها المحوري في الحفاظ على نسيج الحزب (...) كما قامت باتخاذ الإجراءات اللائحية اللازمة لاستعادة الحزب من حالة التجميد".
وبينما يؤكد أمين الصندوق إسلام أبو ليلة أن "اللجنة لم تعتمد خطابات المجموعة المعارضة"، يقول عضو الهيئة العليا ناصر خطاب إن "قرار اللجنة بمثابة اعتماد لقرارات الهيئة العليا ضد جميلة إسماعيل".
ومع عدم إتاحة نص قرار لجنة الأحزاب، يصعب فهم مرجعيات وحيثيات قرارها، إلا أن ناصر خطاب أوضح في تصريحات إلى المنصة أن اللجنة لا تُصدر قرارات مكتوبة، ولكنها جهة إخطار تؤشر بالرفض والموافقة على القرارات التي ترد إليها والطلبات التي تستقبلها.
لغز اللائحة المفقودة
أعاد القرار الصادر عن لجنة الأحزاب دور المؤتمر العام، الذي نظمته لائحة الحزب في 2014 وألغته لائحة 2018، بحسب البيان الصادر عن فريق جميلة.
وكان أمين الشؤون القانونية وعضو الهيئة العليا للحزب محمد حمدون كشف في تصريحات سابقة إلى المنصة عدم اعتداد لجنة الأحزاب بقرارات الفصل التي صدرت بموجب اللائحة الداخلية للحزب 2018، موضحًا أن "اللجنة لم تعتمد هذه اللائحة، وما زال العمل ساريًا بلائحة 2014".
يبقى السؤال بشأن حصول جميلة على قرار الاعتماد بموجب لائحة 2018 دون إجابة واضحة من الطرفين، يقول حمدون لـ المنصة إن "قرار لجنة الأحزاب الأخير يستند للائحة الحزب السارية، لائحة 2014، التي تعمدت رئيسة الحزب إخفاءها عن الهيئة العليا والأعضاء على مدار سنة ونصف، ولما اكتشفنا وقررنا نوفق الأوضاع ونعمل تعديل لائحة فصلت 9 من إجمالي 14 عضوًا بالهيئة العليا".
بينما يوضح أمين الصندوق إسلام أبو ليلة، الذي يقف في جبهة جميلة، لـ المنصة أن الانتخابات جرت بموجب لائحة 2018 التي غيرت شكل الانتخابات ونظمت التصويت الإلكتروني، وبناء عليه تم اعتماد المنتخبين واستلام جميلة لخطاب الصفة.
"اللجنة الآن تقرر خلو منصب رئيس الحزب والعودة للمؤتمر العام، وتقول إن لائحة 2018 ضاعت مش عندهم، وهذا يعني إن كل المنتخبين بموجب هذه اللائحة مش موجودين وليست لهم صفة"، يقول إسلام.
في المقابل، يقول ناصر خطاب عضو هيئة الحزب العليا، إن "اللجنة أعلنت فقط خلو منصب رئيس الحزب، لكن المنتخبون في الهيئة العليا يحتفظون بمراكزهم القانونية حتى الآن"، مؤكدًا أن "خلو منصب رئيس الحزب جاء استجابة لقرار فصل جميلة من الهيئة العليا".
وفي شأن إعطاء لجنة الأحزاب صفة رئاسة الحزب لجميلة، رغم عدم اعتماد اللائحة، يرجّح خطاب "يبدو أنه كان اتجاهًا من الدولة بإعطائها الصفة في هذا الوقت لحضور الحوار الوطني"، مشيرًا إلى أن الرئيسين السابقين للحزب علاء الخيام، وخالد داود، لم يحصلا من قبل على خطاب الصفة من لجنة الأحزاب "كانت نقلة حدثت بعد انتخاب جميلة؛ حصولنا على الصفة أعطانا شرعية في الشارع".
الحزب في طريقه إلى الثلاجة
تُنذر هذه الخلافات والقرارات بدخول حزب الدستور، الذي أسسه محمد البرادعي في ذورة الزخم الثوري، بوابة التجميد والانقسام، الذي سبق وطال عدة أحزاب قبل ثورة يناير منها الغد، وبعدها مثل المصريين الأحرار.
"هذه ليست خناقة داخلية، أكيد اللجنة لن تخفي لائحة وتطلع لائحة قديمة"، يقول أبو ليلة، مضيفًا "المؤتمر العام الذي قررت لجنة الأحزاب الرجوع له مش موجود، والقرار لم يُرجعنا للجمعية العمومية للحزب. هو بيدخل الحزب الثلاجة"، وبينما رفض تسمية الطرف الخارجي الذي يدفع بالحزب إلى الثلاجة في هذا التوقيت، اكتفى بإعادة التأكيد "الحزب من وجهة نظري راح للتجميد".
يعتقد أبو ليلة، المناصر لجميلة، أن "اللي بنتخانق عليه (الحزب) هيضيع، لازم نحاول نوصل لشكل توافقي"، وفي الوقت نفسه يوضح "لم تبدأ اتصالات حتى الآن بين الفريقين".
أما الفريق اللآخر فيرى ممثله، ناصر خطاب أن الحزب يمكنه تجاوز هذه الأزمة، وأن المؤتمر العام أصله الجمعية العمومية، التي يمكن استدعاؤها للخروج من هذا المأزق "المؤتمر العام كانوا وكلاء للأعضاء، نستدعي الأصلاء وتحضر الجمعية العمومية وتقرر مستقبل الحزب".
أمام هذه الخلافات والأزمات لم ترد رئيسة الحزب جميلة إسماعيل على أسئلة المنصة هاتفيًا أو عبر واتساب، بشأن مستقبل الحزب، حتى موعد النشر، كما رفض المتحدث باسم الحزب وليد العماري، الرد على أسئلتنا.
تكتب الأسابيع المقبلة مصير حزب الدستور، وتكشف مدى قدرة أعضائه على التعامل مع المأزق أو الانزلاق لمصير الأحزاب الأخرى التي سبقته.