كشفت واقعة القبض على ثلاثة أفراد بتهمة تخريب الممتلكات العامة، خلال مشاركتهم في مؤتمر غير عادي للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي قبل أيام، عن عمق الانقسامات التي يعيشها الحزب الذي تأسس عقب ثورة 25 يناير.
رغم أن الثلاثي الذي قبض عليهم خلال المؤتمر الذي عقد بإحدى القاعات الخاصة في أبو النمرس بمحافظة الجيزة ليسوا أعضاء في الحزب المصري الديمقراطي، بحسب تأكيدات قيادات بالحزب تحدثوا إلى المنصة، فإن اقتحام قوات الأمن لمقر انعقاد المؤتمر سلط الضوء على الأزمات الداخلية المتصاعدة بين قيادات الحزب، ووضع رئيسه فريد زهران في مرمى الانتقادات مع تحميله المسؤولية عما آلت إليه الأمور لعدم إنجازه ملف الانتخابات الداخلية، لا سيما وأن فترة ولايته انتهت منذ مايو/أيار الماضي.
للخلافات التي تضرب الأحزاب سوابق تاريخية في المشهد السياسي المصري، وتكررت في تلك التي تأسست بعد 25 يناير بعد تراجع الزخم الثوري، فقد أدت الانقسامات لنزاعات على الشرعية في حزب المصريين الأحرار، وكذلك إلى الخلافات الأخيرة في حزب الدستور.
ينقسم الحزب لجبهتين تتنافسان على خلافة فريد زهران
كان ثلث أعضاء الهيئة العليا للحزب دعوا إلى عقد مؤتمر عام غير عادي في الثالث عشر من سبتمبر/أيلول الجاري، لمناقشة أزمة العضويات المنتسبة للحزب، في ظل رفض مجموعات حزبية ضمَّ آلاف العضويات الجديدة دون الرجوع إلى أمانات المحافظات. لكن الحزب لم يعتد بسلامة الطلب لعدم توقيع ثلث أعضاء الهيئة العليا وفقًا لشروط اللائحة، إذ وقع 51 عضوًا من أصل 152، بينما لم تتسلم إدارة الحزب إلا 42 توقيعًا فقط، حسب بيان إيهاب الخراط، النائب الأول لرئيس الحزب.
يتصدر بورصة المرشحين لخلافة زهران، محمود سامي رئيس الهيئة البرلمانية للحزب بمجلس الشيوخ، وباسم كامل الأمين العام، وتنقسم آراء مؤيدي الثنائي حول آلية إجراء الانتخابات المقبلة وفقًا لجداول الناخبين، حيث يطالب أنصار سامي بإجراء الانتخابات وفقًا للعضويات القديمة، بدعوى أن العضويات الجديدة وهمية، فيما يرى مؤيدو كامل، وهم من أعضاء هيئة المكتب الحاليين، أنها عضويات جدية تطابق شروط الانضمام لعضوية الحزب.
وعلى وقع ما جرى في أبو النمرس، تتجه قيادات الحزب الآن لحل الأزمة بين الجبهتين ومحاولة الحد من الخلافات التي قد تؤثر على مستقبل الحزب وترتيباته من أجل الانتخابات البرلمانية المقبلة.
الطريق إلى أبو النمرس
لم يكن مؤتمر أبو النمرس الأول من نوعه، فعلى أثر تأخير الدعوة لإجراء الانتخابات الداخلية لرئيس الحزب وهيئة المكتب، دعا عدد من قيادات الحزب، ومن بينهم عضوا مجلس الشيوخ محمود سامي وحنا جريس وعضوة مجلس النواب سميرة الجزار، بالإضافة إلى 11 أمين محافظة، إلى عقد مؤتمر عام غير عادي بمنطقة شبراخيت بمحافظة الجيزة في 18 أغسطس/آب الماضي، لكن النصاب القانوني لهذا الاجتماع لم يكتمل، فحددوا موعدًا آخر في 13 سبتمبر الجاري.
أصرت جبهة سامي على عقد المؤتمر الذي انتهى بتدخل الشرطة
وبينما اعتبر الخراط أن إقامة المؤتمر جاءت مخالفة للائحة الحزب، بسبب عدم تمكنهم من جمع التوقيعات المطلوبة وتجاهُلهم توجيه خطاب لرئيس الحزب بالأسباب الداعية لطلب عقد الاجتماع، أقر عضو مجلس الشيوخ محمود سامي بأن الدعوة خاطئة شكلًا لكنها صحيحة موضوعًا.
أصرت جبهة سامي على عقد المؤتمر، وهو ما حدث في 13 سبتمبر، واستمر نحو 6 ساعات. ورغم إعلان سامي والجزار وجريس اكتمال النصاب القانوني، انتهى المؤتمر دون قرارات بسبب تدخل الشرطة، بدعوى ورود بلاغ باعتداء أشخاص على القاعة ودخولها عنوة.
"المؤتمر غير لائحي واستمر ست ساعات، ثم أُلقي القبض على ثلاثة من المشاركين، اتضح لنا أنهم ليسوا أعضاء في الحزب ولا في المؤتمر العام. لكن الحزب ساند هؤلاء الشباب وأُفرج عنهم لاحقًا" يقول إيهاب الخراط، نائب رئيس الحزب لـ المنصة.
في خضم الخلافات، أُشيع بين مجموعات الحزب أن الثلاثي المفرج عنهم تم دعوتهم ضمن آخرين لزيادة أعداد الحاضرين في المؤتمر بغرض تحقيق النصاب القانوني وتمرير القرارات الناتجة عنه، إلا أن النائبة سميرة الجزار نفت تلك المزاعم ووصفتها بالأكاذيب، مؤكدة لـ المنصة أن هذه المجموعة دُعيت عن طريق أعضاء بالجمعية العمومية للمشاركة في حدث سياسي دون أن يكون لحضورهم أي علاقة بمسار التصويت.
يتهم معارضو زهران فريقه بالتحريض ضد أعضاء الحزب، استنادًا إلى الخطاب الذي سبق وأرسله إلى مالكي إحدى القاعات التي استضافت المؤتمر الذي عقد في أغسطس الماضي ولم يكتمل نصابه القانوني. في ذلك الخطاب حذر زهران من أن السماح بعقد المؤتمر يؤدي لإشاعة الفوضى وإثارة الخلاف.
حاولت المنصة التواصل مع رئيس الحزب فريد زهران عدة مرات للرد على استفساراتنا بشأن الانتقادات الموجهة له، لكنه لم يجب على الاتصالات أو على رسائل واتساب حتى موعد النشر.
أكد الخراط صحة ما ورد في الخطاب، لكنه لم يعتبره تحريضًا ضد أعضاء الحزب "الخطاب للإيضاح أن رئيس الحزب غير داعٍ لهذا التجمع لإخلاء المسؤولية عن الحزب ورئيسه وليس للتحريض".
يستطرد الخراط "الخطاب ليس دعوة لتدخل الأمن، بل للجهات التي تستقبل أفرادًا من الحزب، لأن الجمعية العمومية تُعقد في أماكن كبيرة مثل النقابات بعد الحصول على الموافقات اللازمة، ولا تنعقد في قاعات وأماكن سياحية، فالحزب يُخلي مسؤوليته طالما الدعوة ليست من قبل رئيسه أو جمعيته العمومية".
مصالحة من أجل المصلحة
لا يمكن فصل ما يجري من أزمات داخلية في الحزب عن مشهد الانتخابات البرلمانية المرتقبة في 2025، يقر الخراط بأن هذا المؤتمر وما سبقه من خلافات واعتصامات تسببت في أزمة حقيقية وأثرت على صورة الحزب الذي يحاول إعداد نفسه للانتخابات.
كان الحزب الذي حصل رئيسه على المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية يستهدف من وجوده في السباق الرئاسي انتشارًا للحزب وأفكاره، يُمكنه من حصد مقاعد أكثر في الانتخابات البرلمانية القادمة.
"قرر المتنازعون تغليب المصلحة العليا" يشير نائب رئيس الحزب إلى وجود توافق بين قيادات الحزب والمتنافسين المحتملين على منصب الرئيس، لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر لإنهاء حالة التوتر والانقسامات التي ضربت الحزب في الأشهر الأخيرة.
جبهة سامي تتجه لقبول المصالحة
وأكد الخراط لـ المنصة أن الحزب ماضٍ في خطوات تنفيذية لدعوة الأعضاء لمؤتمر عام عادي لبحث وتنقيح العضويات المنتسبة التي تسببت في الأزمة المثارة، حيث استقبل الحزب منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة نحو 4500 عضوية.
يرجع الخراط الأزمة إلى عدم تنظيم اللائحة الداخلية لضوابط الاعتصام الداخلي اعتراضًا على قرارات بعينها، وهو الأمر الذي يحتاج إلى تطوير وتصحيح، كما يتوقف أمام ما وصفه بـ"ارتباك" عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة "كنا مرهقين وغير قادرين على إجراء انتخابات، استقبلنا عضويات كثيرة كانت محل اعتراض من البعض، الآن نحاول فرزها وتنقيحها من قبل لجنة مشكلة من المتنافسين على رئاسة الحزب النائب محمود سامي والأمين العام باسم كامل، على أن يحدث ذلك بقرار من الجمعية العمومية".
تلقى جهود التهدئة قبولًا من جبهة سامي، الذي قال لـ المنصة "هناك اتجاه الآن للمصالحة واحتواء الأزمة بتأجيل الانتخابات الداخلية وإعادة حوكمة الحزب بالبت في العضويات".
وأوضح أن المبادرة التي يقودها زهران تتضمن تأجيل الانتخابات الداخلية على منصب الرئيس وهيئة المكتب إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية، مقابل إعادة النظر في ملف العضويات الجديدة المنتسبة.
"ارتأينا تغليب المصلحة العامة وبدء صفحة جديدة لإعادة الحزب إلى طريقه"، يضيف سامي معتبرًا أن المصري الديمقراطي "من الأحزاب القليلة في مصر التي يمكن أن يُطلق عليها حزب بجد، ونهاية هذه التجربة هي خسارة للبلد كلها".
يحاول الحزب تجاوز الأزمة العاصفة التي قد تؤثر على حساباته وتحالفاته في الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها العام المقبل، لا سيما وأنه يعول على زيادة حصة تمثيله داخل البرلمان، وهو ما يؤكده الخراط إذ إن الأزمة الحالية وضعت الحزب في موقف مفعم بالتحديات والصعوبات.