لا تزال عجلة الحركة المدنية الديمقراطية تدور في مكانها مع اقتراب الاستعداد للانتخابات البرلمانية المتوقع إجراؤها نهاية 2025؛ فرغم قرارها بخوض الانتخابات في قائمة موحدة لا تزال الخلافات الداخلية مع غموض النظام الانتخابي تحاصر الحركة وتعطل خطواتها.
الخلافات ليست جديدةً على الحركة، وظهر صداها بقوة خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، حينما جمَّد حزبا المصري الديمقراطي الاجتماعي والعدل نشاطهما في الحركة، بعد صدور بيان من 9 أحزاب و6 شخصيات عامة بالحركة بمقاطعة الانتخابات الرئاسية.
توابع انتخابات الرئاسة
انتهت الانتخابات الرئاسية ولم تنته توابعها. حصل رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران على المركز الثالث، لكن لم يعد وحليفه عبد المنعم إمام رئيس حزب العدل للتنسيق مع أحزاب الحركة، رغم دعوة منسق الحركة طلعت خليل للحزبين للعودة في أغسطس/آب الماضي.
يؤكد إمام عدم تلقيه اتصالات من قيادات الحركة بعد دعوة خليل. يتمسك وحزبه بضرورة الالتزام بميثاق الحركة بأنها حركة جامعة "تتفق فيما تتفق عليه وتعذر البعض فيما لا يتفق عليه وليست حزبًا سياسيًا على الجميع الالتزام بسياساته".
لكن تصريحات خليل لم تكن المحاولة الأولى لعودة المجمدين "اجتمعنا بمبادرة من الدكتور مجدي عبد الحميد، المتحدث السابق للحركة المدنية، وعرضنا وجهة نظرنا وأبلغتنا الحركة بدراستها، لكن تقريبًا لم تلق قبولًا لديهم" يوضح إمام، معتبرًا أن مسار الحركة حاليًا ليس عمليًا ولا بد من تغيير طريقة التعامل.
معضلة القائمة المغلقة
انسحاب الحزبين ليس آخر الخلافات المرشحة للتصاعد مع العد التنازلي للانتخابات البرلمانية المقبلة، وقد يدفع تطبيق نظام القائمة المغلقة في الانتخابات لمزيد من الشقاق حال تفضيل أحزاب من الحركة الانخراط في قائمة أخرى عن القائمة الموحدة التي تسعى الحركة لتشكيلها.
كان الحوار الوطني قدَّم ثلاث توصيات بتعديل القوانين المنظمة للانتخابات، ومع غياب الاتفاق في الحوار الوطني بين التيارات المختلفة، تمسكت أحزاب الموالاة خلال الحوار بالنظام الحالي الذي يعتمد على تقسيم المقاعد 50% للقائمة المغلقة ومثلها للفردي، مقابل الاختيارين الآخرين؛ تطبيق الانتخابات بنظام القائمة النسبية بنسبة 100%، أو اعتماد نظام مختلط يجمع بين القائمة المطلقة والنسبية والفردي.
يؤمن العضو المؤسس بحزب العيش والحرية (تحت التأسيس) أكرم إسماعيل بقدرة الحركة المدنية على المنافسة في الانتخابات حال إقرار القائمة النسبية، يقول لـ المنصة إن "إقرار القائمة المغلقة يعني تعيين الأجهزة الأمنية من تريد في البرلمان".
يلفت إسماعيل إلى أن "البعض لا يرى غضاضةً في المشاركة عبر قوائم الموالاة المغلقة من أجل ضمان تمثيل المعارضة في البرلمان"، ويستطرد "لا يمكن لمعارض حُمل جوًا عبر قائمة الموالاة أن يكون له أثر. شعاراتهم الزائفة لم تحدث فرقًا في الماضي".
بينما يقر المنسق العام للحركة، طلعت خليل، بأن "تطبيق القائمة المغلقة المطلقة يعني عدم قدرة الحركة على المشاركة في الانتخابات سوى في دائرة واحدة كبيرة فقط، مع المنافسة على مقاعد الفردي المتاحة".
وأمام بطء خطوات الحركة، يعتبر المحلل السياسي المقرب من الحركة عمار علي حسن أن الأمر الواقع "سيفرض نفسه على أحزاب المعارضة، مع ضياع الوقت سيرضى البعض، والبعض سيرفض ويقاطع، والباقي سيلحق بالعربة الأخيرة في القطار".
الصدام المؤجل
في الوقت الذي تسعى فيه الحركة للاتفاق على قائمة موحدة، يتخذ حزب الإصلاح والتنمية موقفًا متحفظًا، ودعا رئيسه محمد أنور السادات الحركة "ترك الحرية الكاملة للأحزاب في اختيار وتقدير المناسب لها لتحقيق أهدافها".
يقول لـ المنصة إن حزبه حاليًا يركز على اختيار المرشحين على مقاعد الفردي في ظل عدم اتضاح النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر، معتبرًا أن الحديث حاليًا عن التحالفات لا يزال سابقًا لأوانه.
لكن رئيس الحركة المدنية، مدحت الزاهد، يتمسك بما أقرته الحركة في بيانها بالمشاركة بقائمة موحدة، مشددًا على رفض المشاركة في تحالفات "ترعاها أجهزة أمنية أو أحزاب تابعة للسلطة"، مضيفًا "هذا هو الطبيعي والبديهي، فإن لم نلتزم بهذا المبدأ كحركة أو معارضة، فسنكون حينذاك نخون رسالتنا".
ورغم أن السادات يقول إن انضمام حزب الإصلاح والتنمية للتحالف الانتخابي الذي تسعى لتكوينه الحركة سيكون "خياره الأول"، فإنه يستطرد "حال امتلاكها القدرة والإمكانات على إعداد قوائمها المغلقة والنسبية"، مضيفًا "إن لم يكن، فعليها ترك الحرية للأحزاب في التحالف بالطريقة التي تحقق مصالحها وتضمن وجودها في البرلمان".
يبرر السادات لـ المنصة أسباب الإصرار على المشاركة في الانتخابات من خلال الحركة المدنية التي يعد عضوًا أصيلًا في تكوينها أو بالتحالف مع مجموعات أخرى لأنه يرى أن "أحزابًا دون تمثيل في المجالس المحلية أو البرلمان بغرفتيه ستكون أحزابًا بلا صوت مسموع، وليس لها دور وغير مؤثرة، وقلت ذلك في اجتماع الحركة، وفي النهاية هي مدارس، وليس الأمر مجرد شجب ومعارضة"، معتبرًا أن "المعارضة في البرلمان مكاسبها أكبر".
ويتوقع رئيس حزب الإصلاح والتنمية تغير شكل التحالفات الانتخابية "ليس من الضروري نجاح قائمة وطنية مثل مستقبل وطن أو حماة وطن كما حدث في الماضي، يمكن أن نفاجأ بتحالفات لأحزاب وشخصيات معارضة أخرى ليسوا بالضرورة من الحركة المدنية، كله بيجهز نفسه وينتظر قانون الانتخابات".
لكن يبدو أن الحركة لن تسمح بتكرار سيناريو انتخابات 2020، ومشاركة أعضائها في تحالفات من خارجها، يقول رئيس الحركة، مدحت الزاهد، إن "مشاركة الإصلاح والتنمية أو أي حزب آخر في الحركة ضمن قوائم أخرى غير مسموح به بعد".
ويضيف "الوضع مختلف عن الانتخابات السابقة، فبعد القرار الأخير أصبح شرط العضوية في الحركة أن يخوض المرشحون الانتخابات على قوائمنا، وليس في تحالفات أخرى، وبالتالي من سيخالف القرار لن يكون جزءًا من الحركة".
وبينما يؤجل منسق الحركة طلعت خليل حسم مصير الأحزاب التي قد تخالف قرار المشاركة بقائمة موحدة، فإنه يترك الباب مفتوحًا لكل الاحتمالات فيما يخص الأحزاب التي لا تلتزم بالقرار "هو حر وعليه تحمل نتيجة قراره".
وفيما يقلل رئيس الحركة مدحت الزاهد من تأثير خروج حزب جديد من الحركة، يرى خليل أن "الإصلاح والتنمية وغيره من الأحزاب في الحركة أضلاع أساسية، وخروجه سيكون له تأثير".
ويتوقع المحلل السياسي عمار على حسن "تحلل الحركة حال خروج أحزاب جديدة منها"، ناصحًا إياها بترتيب أوراقها لأن السلطة "تشكل حاليًا كيانات بديلة لتلعب دور المعارضة بشكل مظهري تمثيلي وفق أجندة متفق عليها".
يلفت حسن إلى أن السلطة لا تقيم وزنًا للمعارضة، وتعتبر الحركة المدنية "زائدة دودية" وتتعامل باستهانة واستهتار مع الجميع "إن لم تعتمد الحركة المدنية على سواعدها، وترتب أوراقها وتضغط لتحسين الإجراءات واستنهاض الرأي العام لمناصرتها، ستنتهي".
ستحسم قوانين الانتخابات المرتقبة، وشكل التحالفات الانتخابية خلال العام المقبل، مصير الحركة وقدرتها على تكوين تحالف يصمد في التنافس على كعكة برلمان 2025.