سكرين شوت من لايف المؤتمر من صفحة الحركة، فيسبوك
أستاذ العلوم السياسية الدكتور مصطفى كامل السيد خلال مؤتمر للحركة المدنية الديمقراطية للرد على برنامج الحكومة، 4 أغسطس 2024

الحركة المدنية تبحث عن دور.. انتقاد لـ"تكرار أخطاء الحكومة" بعد أسابيع من "الثقة"

محمد نابليون
منشور الاثنين 5 أغسطس 2024

نظمت الحركة المدنية الديمقراطية، مساء أمس الأحد، مؤتمرًا صحفيًا لاستعراض ردها على بيان الحكومة الجديدة الذي أقره مجلس النواب في 18 يوليو/تموز الماضي، متشككةً في إمكانية إحداثه أي تطورات مستقبلًا لاعتماده على تكرار الأخطاء السابقة.

وبدا واضحًا من خلال مداخلات أعضاء الحركة التي شهدها المؤتمر بحث الأحزاب والشخصيات العامة المكونة لها عن دور سياسي مستقبلي يقربها من الشارع المصري، تمهيدًا لمشاركتها في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

وقال منسق عام الحركة طلعت خليل "عايزين المواقع الإخبارية والصحف والإعلام المصري يقول إن هناك أحزاب سياسية مع المواطن المصري وتتصدى لمشاكله".

كانت الحركة المدنية أعلنت لأول مرة في 9 يوليو/تموز الماضي، نيتها خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2025، مع بدء الاستعداد لها، لتكون هذه أول مرة تتجه فيها الحركة ككيان لخوض انتخابات.

ومع تكرار خليل التأكيد على أن الحركة لن تدخل في أي تحالفات انتخابية مع الأحزاب الموالية للسلطة خلال المؤتمر أمس، دعا حزبي العدل والمصري الديمقراطي إلى التراجع عن قرارهما السابق الانسحاب من الحركة والعودة مجددًا لعضويتها بعد رفض نوابهما لبرنامج الحكومة داخل البرلمان.

وهذه ثاني مرة تعلن فيها الحركة رفضها التحالف مع أحزاب الموالاة، رغم أن الإعلان الأول تضمن تحفظ بعض أحزابها، باعتبار أن هذا الحديث سابق لآوانه.

لم تعتبر الحركة المدنية أن ردها على الحكومة لإحداث صدى في الشارع متأخر، إذ ردَّ رئيس حزب المحافظين وعضو الحركة أكمل قرطام على سؤال لـ المنصة حول سبب التأخر في إصدار رد الحركة على برنامج الحكومة بعد إقراره من البرلمان بنحو 20 يومًا، قائلًا إن الرد على برنامج الحكومة لم يمض وقته؛ لأن الحركة استهدفت من ردها تقييم البرنامج وتقييم رد البرلمان عليه في الوقت ذاته.

من جهة أخرى، أكد رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وعضو الحركة مدحت الزاهد، خلال المؤتمر، أن ما في جعبتهم ليس المؤتمر فقط، مؤكدًا أن خيار تجميد أحزاب الحركة يظل قائمًا حال لم تستجب السلطات لدعواتهم وإضرابهم الرمزي المرتقب للإفراج عن أحد مؤسسي الحركة يحيى حسين عبد الهادي وفتح المجال العام عمومًا.

وأكد الزاهد أن أحزاب الحركة لن تقبل الاستمرار في اعتبارها "ديكور تتزين بيه الدولة القائمة على القمع والتسلط والقهر ومصادرة الرأي الآخر".

تكرار أخطاء قديمة

واتفقت مداخلات أعضاء الحركة خلال المؤتمر على أن أبرز مساوئ برنامج الحكومة الذي أقره البرلمان مؤخرًا هو اعتماده على ذات تجاربها السابقة التي أدت بالبلاد للأزمة الحالية وانتظار نتائج مختلفة.

ففي الوقت الذي أكدت فيه رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل إعادة إنتاج بيان الحكومة لذات سياسات أدت إلى أزمات متلاحقة، وهي "لا ترى المواطن إلا باعتباره عبئًا، ولا تضع في حسابها أنه يدفع ثمن الفشل، ولا يعرف كيف يعود لأطفاله بثمن العشاء"، أكد عضو لجنة الخبراء التي أعدت رد الحركة مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية، أن "برنامج الحكومة غاب عنه إعلان تحملها للتجربة الماضية التي أدت إلى الأزمة العميقة التي تواجهها مصر في كافة المجالات".

وتابع السيد الذي تولى عرض رد الحركة "الحكومة لم تستخلص الدروس المفيدة من هذه الأزمة التي أدت بها إلى المديونيات الخارجية والداخلية، وتأخر مستوى معيشة المصريين، بفعل الإجراءات الاقتصادية التي شهدتها السنوات الأخيرة، والتي هبطت بنصف المصريين تحت خط الفقر".

ولا يرى السيد منطقًا في إلقاء الحكومة اللوم على الحرب الروسية الأوكرانية أو أزمة كورونا أو أي اعتبارات خارجية أخرى كسبب للأزمة، مؤكدًا "الأزمة سببها أوضاع داخلية في مصر تتمثل في خطأ النموذج الاقتصادي الذي استرشدت به الحكومة في الفترة الماضية، والذي أدى إلى ضعف الطاقات الإنتاجية والوقوع في فخ المديونية وتأثير ذلك على مستوى معيشة المواطن".

ولا تقف السياسات الاقتصادية للحكومة وحدها خلف هذه الأزمة، حسب السيد، الذي لم يُغفل أيضًا الأسباب السياسية ممثلة في "تضييق المجال العام وتقييد حرية التعبير والتنظيم وخنق المجتمع".

غزة التي غابت

واحتل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة محورًا مهمًا من نقاشات المؤتمر الذي بدأ بالوقوف دقيقة حداد على روح رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، ثم جاء ضمن تهديدات الأمن القومي التي تجاهلها برنامج الحكومة.

وفي هذا السياق أكد أستاذ العلوم السياسية أن الأخطار التي تحيط بمصر من كل الجهات تقتضي أن تتفرغ القوات المسلحة لواجبها الأساسي في الدفاع عن أمن الوطن ولا تُستغرق في أنشطة أخرى كُبلت بها في الفترة الأخيرة.

وانتقد السيد تجاهل بيان الحكومة في المحور الخاص بالأمن القومي "ذلك العدوان الذي يجري على حدود مصر، وكأن الاقتصاد المصري يعمل في جو منسجم تمامًا، على الرغم من أن العدوان الوحشي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية هو تهديد أساسي للأمن القومي في مصر، ومع ذلك لم يتناول بيان الحكومة في القسم الخاص بالأمن القومي هذا الخطر".

ولم يكن التهديد الإسرائيلي وحده الغائب عن برنامج الحكومة، وفقًا للسيد الذي تساءل "كيف يمكن لمثل هذا التقرير الذي يتحدث عن الأمن القومي لمصر أن يَغفل عن تناول مسألة سد النهضة وإخفاق الحكومة المصرية في التعامل مع هذا الملف؟".

وكان رئيس الحكومة مصطفى مدبولي تطرق بالفعل خلال كلمته أمام البرلمان لعرض برنامج الحكومة إلى مسألة سد النهضة باعتباره أحد التحديات التي تواجه أمن مصر.

وعلى صعيد أمن الطاقة، شدد السيد على أن التقرير لا يشرح كيف يمكن الخروج من أزمة الطاقة التي تعاني منها البلاد، والتي تعتبر أحد تهديدات الأمن القومي المصري، على حد وصفه.

واعتبر السيد أن الأخطر من ذلك أيضًا "حديث تقرير الحكومة عن مشروعات طموحة للهيدروجين والدخول في مجال الاقتصاد الأخضر، علمًا بأن محطات الطاقة الكهربائية في مصر لو أتيح لها العمل بكامل طاقتها سوف يكون هناك فائض في إنتاج الكهرباء في مصر".

"وما دام يمكن الوصول إلى هذا الفائض فما الداعي لمشروعات طاقة مكلفة جدًا تقتضي التعاقد مع شركات أجنبية بما سيترتب على ذلك من ارتفاع لسقف المديونية"، عقَّب السيد.

مدن الأشباح

وفي حديثه عن المحور الاقتصادي ببرنامج الحكومة، قال السيد إن الخطأ الكبير في الشق الاقتصادي في بيان الحكومة أنه "لم يخرج عن نموذج الاقتصاد الذي ساد في الفترة الماضية والذي اعتمد على التوسع في مشروعات البنية الأساسية والتنمية العقارية".

وتابع "وهذا الذي أدى بنا إلى هذا الوضع، فبدلًا من الحديث عن الزراعة والصناعة، تحدثت الحكومة في بيانها عن مشروع سياحي طموح يسمى ساوث ميد، وهذا يعني أن نموذج التنمية السابق الذي اعتمد على تنمية مدن الأشباح، سوف يستمر".

وتوقف السيد عند الآثار الاجتماعية السلبية لذلك النموذج، ليؤكد أن السلطة لم تجد في سبيل حل مشاكل الصحة والتعليم سوى اللجوء للقطاع الخاص "ونحن لسنا ضد ذلك، ولكنه يعني بالتأكيد زيادة النفقات التي يتحملها المصريون كي يحصلوا على خدمات الصحة والتعليم، والحكومة لها دور رئيسي يجب أن تتحمله".

مخاطرة لا مشاركة سياسية

وعلى الصعيد السياسي، أقر السيد بعلم الحكومة بضعف المشاركة السياسية إلا أنها لم تحاول أن تتساءل عن أسباب ذلك، مؤكدًا أن وراء ذلك العقبات الهائلة الموجودة، في مقدمتها عدم ضمان فرصة المواطن الذي يريد أن يشارك، فضلًا عن العقبات المفروضة على حرية التعبير والتنظيم.

وأضاف أن المشاركة السياسية منخفضة لأنها أصبحت مخاطرة "الذي يريد أن يشارك في السياسة عليه أن يتوقع أنه سيلقى عقابًا على ذلك"، ضاربًا المثل بنموذج أحمد الطنطاوي "الذي أراد ممارسة حقه القانوني في الترشح لرئاسة الجمهورية، وزي ما أنتم تعرفون أين يوجد الأستاذ أحمد الطنطاوي الآن وأين يوجد من تحمسوا لترشحه سلميًا في الانتخابات".

كما أشار إلى نموذج يحيى حسين عبد الهادي "الذي أراد ممارسة حقه في التعبير عن رأيه، فتم اتهامه بالإرهاب".

واعتبر السيد أن برنامج الحكومة في الشق السياسي لم يتضمن سوى استمرار لممارسات سابقة أدت إلى وجود آلاف من المصريين قيد الحبس الاحتياطي بعضهم كان يريد أن يشارك في السياسة.