20 يومًا قضتها رئيسة حزب الدستور، جميلة إسماعيل في بناء حملة الانتخابات الرئاسية لحشد الأنصار وجمع التوكيلات، وطرق أبواب البرلمان لجمع تزكيات تأييد من النائبات والنواب. كان حلم دخول السباق الرئاسي يراودها لتصبح أول امرأة مرشحة في انتخابات رئاسة الجمهورية؛ حال استيفاء شروط الترشح، بينما كان لحزبها رأي آخر.
لم تكن ابنة كلية الإعلام، جامعة القاهرة، تدرك أن الحزب سينهي رحلتها بعد ثلاثة أسابيع فقط من بدايتها، بقرار رفض المشاركة في الانتخابات الرئاسية؛ فرغم موافقة الهيئة العليا للحزب على ترشحها، أوضح المتحدث الرسمي باسم حزب الدستور، وليد العماري أن موافقة الهيئة العليا كانت مشروطة بالعرض على الجمعية العمومية لاحقًا.
ولفت العماري في حديثه لـ المنصة إلى أن اللائحة الداخلية لحزب الدستور تُلزم بعرض القرارات الهامة على الأعضاء، وقال "في كل المرات التي كنا فيها أمام انتخابات رئاسية أو برلمانية كان يتم العرض على الأعضاء".
كانت إسماعيل أعلنت في 20 سبتمبر/أيلول الماضي عزمها الترشح لرئاسة الجمهورية، بعد توصية المكتب السياسي وموافقة الهيئة العليا للحزب، وبدأت بعدها حملتها التي انتهت بإصدار بيان التراجع عن الترشح عقب قرار حزب الدستور يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول.
القرار المفاجأة
أجمعت المصادر المقربة من إسماعيل في الحملة الانتخابية، والهيئة العليا لحزب الدستور، التي تحدثت معهم المنصة، على أن نتيجة التصويت الإلكتروني للجمعية العمومية للحزب برفض المشاركة في الانتخابات الرئاسية، بأغلبية 305 غير موافق مقابل 133 موافق، كانت "مفاجأة"، فرئيسة الحزب كانت تعتمد على ما أنجزته على مدار عشرين يومًا من تحركات تلت قرار الترشح، واستمرت حتى ليلة التصويت.
تقول إسماعيل لـ المنصة إن القرار "كان مفاجأة إلى حد ما"، مضيفة "كنت أتابع الجدل الذي دار في أروقة الحزب على مدار شهرين كاملين حول الترشح، وكنت أراه أحد المكاسب الديمقراطية الكبيرة، فالعادة كانت المقاطعة أو الامتناع عن المشاركة في الانتخابات بما أنها تمنح شرعية للنظام، وتغيير الفكرة أو نقلها إلى مساحة انتزاع الحق في الديمقراطية، ليس انتقالًا سهلًا؛ خاصة عندما يضاف إليها صدمة أن تكون المرشحة امرأة".
لم يكن الموضوع سهلاً، خاصة أن النتيجة وفق هندسة النظام معروفة سلفًا
وتتابع "التصور الذي تربينا عليه في المعارضة منذ أيام مبارك هو إما الامتناع أو الفوز بالضربة القاضية، هذه المرة كنا أمام مسار آخر و هو الفوز بالنقاط، لقد كسبنا عدة نقاط في هذه الانتخابات؛ من بينها ما حققه ترشحي من إمكانية أن تخوض امرأة الانتخابات على أعلى مناصب الدولة، ومنها المعارك التي تمت أمام وحدات الشهر العقاري، وكنا طرفًا فيها، ومواجهة وتوثيق المنع الممنهج الذي قوبل به مؤيدين لي في محافظات كثيرة، وكذلك بالنسبة لحملة المرشح أحمد الطنطاوي".
وشهدت مرحلة جمع التوكيلات "تضييقًا" في مكاتب الشهر العقاري بدعوى "السيستم واقع"، بالإضافة إلى اعتداءات جسدية وثقتها شهادات بالفيديو لعدد من السياسيين، عرضت الحركة المدنية بعضها في مؤتمر صحفي، وطالبت الحركة، في بيان لها في الأول من أكتوبر الجاري، بوقف هذه الممارسات محذرة من عواقب استمرارها، إلا أن الأمر انتهى بانسحاب المرشح أحمد الطنطاوي مع عدم تمكنه من جمع التوكيلات المطلوبة لاستيفاء شروط الترشح نتيجة لسياسة "المنع والتضييق".
لم تقض إسماعيل وقتًا طويلًا في التفكير لحسم قرارها، ففي صباح اليوم التالي لتصويت الحزب على رفض المشاركة في الانتخابات الرئاسية، أصدرت بيانًا بتراجعها عن المشاركة؛ التزامًا بقرار الجمعية العمومية، وانحازت لقرار الحزب والحفاظ على تماسكه وفي الوقت نفسه "الحفاظ على صورتها الذهنية، وحرصها على قيم الديمقراطية".
تفسِّر "كانت أمامي فرصة لاستكمال الحملة والترشح بشكل مستقل، لكن هذا ضد خطتي لأنني من البداية قررت اختيار مسار الحزب والالتزام بالديمقراطية، ارتضيت الالتزام بالقواعد التنظيمية لتوصيل رسالة بأن الالتزام الحزبي يسري على الجميع".
لماذا ترشحت جميلة؟
رغم ما يتردد في الأوساط السياسية قبل عدة أشهر عن رغبة جميلة إسماعيل في الترشح وطموحها السياسي، توضح رئيسة حزب الدستور سبب إقدامها على هذه الخطوة "في البداية لم أرغب، لكن توصية المكتب السياسي، ثم طلب الهيئة العليا بدراسة التوصية استدعت تفكيري بجدية في الأمر"ز
وتضيف "لم يكن الموضوع سهلاً، خاصة أن النتيجة وفق هندسة النظام معروفة سلفًا، والمطلوب هو رفع سقف الخطاب السياسي الهادف للتغيير، وطرح حلول اقتصادية لشعب ينتظر طوق النجاة"، فضلًا عن "منح دفعة سياسية لحركتنا في الشارع، واقتناص فرصة اتصال مع قطاعات شعبية بدلاً من الاكتفاء بالمقرات، وتكوين كوادر سياسية".
لكن رئيسة حزب الدستور تؤكد "أيضًا التفكير في موضوع يشغلني منذ فترة، وهو كيف ننتزع حق المرأة في المناصب العليا والرفيعة، وهو مطلب في صلب الديمقراطية يخص حق أكثر من 40 مليون امرأة في مصر، وهو مطلب مسكوت عنه، باعتباره أمر واقع".
لم يسبق جميلة إلى الترشح سوى الإعلامية بثينة كامل، التي حاولت الترشح في الانتخابات الرئاسية في 2014، لكنها تعثرت في مرحلة جمع التوكيلات المطلوبة لاستيفاء شروط الترشح.
خطايا الرحلة
تعد إسماعيل واحدة من أشهر النساء في المجال العام في مصر، فتاريخها السياسي ممتد منذ التسعينيات في حزب الوفد، ثم خاضت مواجهات انتخابية مع مرشحي الحزب الوطني قبل الثورة، وشاركت في تأسيس حزب الغد.
وأثبتت صلابتها في معركة دعم زوجها السابق أيمن نور الذي كان محبوسًا عقب حصوله على المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية 2005، بتهمة تزوير توكيلات مؤسسي حزب الغد، واستكملت إسماعيل مسارها السياسي خارج حزب الغد، بمشاركتها في حركات التغيير قبيل ثورة يناير، ثم مساهمتها في تأسيس حزب الدستور.
رغم التاريخ السياسي الطويل، يبدو أن إسماعيل ارتكبت بعض الخطايا في مسارها كمرشحة في الانتخابات الرئاسية، خاصة مع تأخرها في إعلان هذه الخطوة، وهو ما اعترفت به في بيانها، فضلًا عن عدم تأمين ظهيرها الحزبي، فتجاهلت تركيبة الحزب وطبيعته الممانعة، وغفلت عن قوة تأثير أحمد الطنطاوي، وتصورت أن الجمعية العمومية لن تخذلها وستوافق على ترشحها، فلم تبذل أي جهود لضمان صدور قرار يدعم ترشحها.
ضيق الوقت
يقول عضو بالهيئة العليا للحزب "تأخرت جميلة إسماعيل في اتخاذ قرار الترشح، الوقت كان ضيقًا، كنا نقدر نعمل شغل أكثر لو خدت قرارها بدري، كان ممكن نقدر نستقطب ناسنا اللي دعموا أحمد الطنطاوي لو اتحركنا بدري".
لكن إسماعيل تعزو تأخر القرار "لأسباب تتعلق بغموض موضوع الانتخابات، وضبابية أجوائها وموعدها منذ البداية، وقراري بالتركيز في خطة بناء الحزب و تجديده، بعد فترات من الانكماش".
تأثير الطنطاوي كان جليًا في عملية التصويت ويعتبر سببًا رئيسيًا في رفض الحزب
يضيف عضو الهيئة العليا للحزب إنها سعت لتفعيل دور الحزب وإخراجه من دوائر المقاطعة التي ينتهجها، مشيرًا إلى غياب الحزب عن كافة الاستحقاقات الانتخابية ومقاطعتها منذ 2014، ويوضح "يبدو أن جناح رفْض المشاركة في الحزب في الوضع الحالي أكبر من الرغبة في الحركة وكسب المساحات"، ويلفت إلى ما يصفه بـ "التركيبة الثورية للحزب" التي يعتبرها "لا تمارس السياسة ولا تزال في حالة ثورة".
وتأسس حزب الدستور في 2012، عقب ثورة يناير بقيادة البرادعي وعدد من الشخصيات العامة وشباب الثورة، منهم أحمد حرارة وشادي الغزالي حرب. ونجحت هالة شكر في الوصول إلى رئاسة الحزب بعد مواجهة مع قائمتين كانت تتصدر إحداهما جميلة، ولم يشارك الحزب في أي انتخابات برلمانية منذ تأسيسه، غير أن عددًا من أعضائه تعرض للحبس على مدار السنوات الماضية على ذمة قضايا رأي.
يوضح مصدر بالحملة الانتخابية لجميلة إسماعيل، أن تأثير الطنطاوي كان جليًا في عملية التصويت ويعتبر سببًا رئيسيًا في رفض الحزب الدفع برئيسته مرشحة في الانتخابات الرئاسية "عندنا 50 عضو في الحملة الرسمية للطنطاوي، منهم اثنين من أعضاء الهيئة العليا للحزب قيادات في حملته"، مشيرًا إلى أمير عيسى، أمين العمل الجماهيري في حملة الطنطاوي، وبلال حبيب، أمين الأمانة القانونية.
يضيف "ما بالك بالأعضاء اللي تم استقطابهم طول الفترة السابقة"، فضلًا عن دور علاء الخيام، رئيس الحزب السابق والمستقيل من حزب الدستور، الذي تولى أمانة الاتصال السياسي في حملة الطنطاوي، يختتم "حملة الطنطاوي السبب في النتيجة لأن جزءًا كبيرًا من الحزب شارك فيها".
بينما تفسر إسماعيل أسباب قرار الجمعية العمومية بعدة مواقف داحل الحزب "إما بسبب الوقت ضيق والموارد، أو بسبب أن المجتمع لن يقبل بترشيح امرأة. وأن المهمة شديدة الصعوبة وتحتاج إلى وقت إضافي، أو أننا غير جاهزين بينما يوجد مرشحون سبقونا إلى الشارع، أو أنهم لن يسمحوا لنا بجمع التوكيلات وستكون المحصلة ضارة بالحزب وصورته".
وتقول إسماعيل "كان البعض يرى أنه لابد أن يكون للمعارضة مرشح واحد تتوافق عليه الحركة المدنية، وهناك من كان يرى الدعم والتضامن مع المرشح أحمد الطنطاوي باعتبار أنه سبق الجميع في إعلان ترشحه، ولديه حملة جاهزة، واستطاع أن يحقق أرضية بالفعل تسهل من دورنا في هذه المعركة".
طرقت إسماعيل أبواب البرلمان، محاولة جمع التزكيات التي لم تتحرر على مدار أسبوعين كاملين
لم تنجح الحركة المدنية الديمقراطية في التوافق حول مرشح واحد، فقد بادر أحمد الطنطاوي إلى إعلان نيته الترشح، بينما تأخرت خطوات جميلة إسماعيل وفريد زهران، ومع إعلانهما الترشح عقدت الحركة اجتماعًا لمناقشة سبل التوافق على مرشح واحد، لكن تمسك جميع المرشحين بحقهم في الترشح، في محاولة لتخطي العتبة الانتخابية.
لعنة التزكيات
في رحلتها للترشح، حاولت إسماعيل منذ اليوم الأول فتح الباب لتحرير التوكيلات الشعبية، وتزكيات التأييد من نواب البرلمان، اعتمدت على المسارين، فخاطبت النواب والنائبات عبر رسائل على واتساب، وطالبت بتحرير نماذج تزكية لصالحها، كما بدأت حملة لجمع توكيلات تأييد شعبية لتمكينها من الترشح.
طرقت إسماعيل أبواب البرلمان، محاولة جمع التزكيات التي لم تتحرر على مدار أسبوعين كاملين، وحدد لها الأمين العام موعدًا للحضور للمجلس في 3 أكتوبر عقب الجلسة العامة لمجلس النواب، لكنها لم تذهب في الموعد، وأصدرت بيانًا قالت فيه إن "الفخامة وكرم الاستقبال اقترن بحظر تجول داخل البرلمان والحرمان من فرص التشاور الحر مع النواب"، موضحة "تحديد وجودها وزملاءها في الحملة في قاعة خاصة"، مشيرة إلى "رغبتها في مقابلة النواب والنائبات في البهو الفرعوني حيث يتم تحرير التزكيات لعرض برنامجها ومناقشتهم".
وكان مجلس النواب أعد قاعة البهو الفرعوني لاستقبال النواب الراغبين في توقيع استمارات تزكية المرشحين، وشهد اليوم الأول والثاني توافد عشرات النواب لتوقيع استمارات دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أعلنت حملته الانتخابية الرسمية حصوله على 424 تزكية من النواب، فيما وقع نواب حزب الوفد لعبد السند يمامة، وحزب الشعب الجمهوري لحازم عمر، بينما لم يعلن المرشح فريد زهران عن هوية النواب الذين منحوه 30 تزكية، إذ يبلغ عدد نواب حزبه المصري الديمقراطي سبعة فقط، ونواب حزب العدل الذي يدعمه اثنين فقط.
بعد أيام من تخلف إسماعيل عن موعدها في مجلس النواب، ترددت أنباء عن وجود 22 تزكية من النائبات لصالحها في مجلس النواب، وحتى كتابة هذه السطور لم نتمكن من التيقن من وجود هذه التزكيات التي إن حدثت ستكون تمت بعيدًا عن أعين الصحافة ومحرري البرلمان، كما لم يُعلن أي من النواب أو النائبات في مجلس النواب عن دعمه لجميلة إسماعيل، سوى نائبة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، نشوى الشريف، التي نشرت التنسيقية صورة من نموذج تزكيتها لرئيسة حزب الدستور على صفحتها الرسمية السبت الماضي، ضمن نماذج تأييد وتوكيلات أعضاء التنسيقية لمرشحين آخرين.
وضع هذا الأداء علامات استفهام عن كيفية توقيع نماذج التزكية لصالح جميلة إسماعيل، ومدى صحة ما تردد عن توجيه السلطة لعدد من النواب والنائبات بتحرير التزكيات، وهو ما انعكس على الوضع الداخلي في الحزب.
لكن إسماعيل توضح "تضاربت الأخبار والمعلومات التي كانت تصلنا في الحملة حول تزكيات النواب والنائبات، وتضاربت الحصيلة من تزكيات النائبات والنواب على خلفية الاتصالات المباشرة، التي تولاها مسؤولو الاتصال السياسي والبرلماني، أو غير المباشرة والتي تمت من جانب رؤساء أحزاب آخرين وسياسيين وأصدقاء وصديقات للنواب، في محاولات مستمرة لدعمنا، وتحقيق الهدف بجمع العدد اللازم من التزكيات من المستقلين و ليس من أحزاب السلطة".
انتهت رحلة جميلة إسماعيل في 2024، لكنها تعهدت أن هذه التجربة بما شهدته من أفكار ومقترحات وتواصل مع الأجيال الجديدة، التي انضمت إليها لن تذهب هباء، وأعلنت استمرار الحملة في التنظيم استعدادًا للاستحقاقات الانتخابية الأخرى.