"قضية العشرين يومًا"، يمكن أن يصبح عنوانًا معبرًا عن مسار تحقيقات النيابة العامة في القضية المتهم فيها الناشر الصحفي ورئيس مجلس أمناء التيار الحر هشام قاسم، إذ بدأت في 3 أغسطس/آب الماضي ببلاغ، وانتهت بقرار إحالة قاسم محبوسًا للمحاكمة في 22 من الشهر ذاته.
وحصلت المنصة على نسخة من نص التحقيقات في القضية التي يواجه فيها قاسم تهمًا بـ"سب وقذف وإزعاج القيادي العمالي ووزير القوى العاملة الأسبق كمال أبو عيطة، وضابط، وأميني شرطة بقسم السيدة زينب"، وتكشف أوراق القضية التي بلغت 105 صفحات، عن مسار متوالٍ ومتسلسل ﻷحداث بدت دراماتيكية.
أبو عيطة يُبلِّغ
في تمام الساعة 2:14 مساءً حضر أبو عيطة إلى إدارة مكافحة جرائم تقنية المعلومات التابعة للإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية، وحرر محضرًا ضد قاسم يتهمه فيه بـ"الادعاء الكاذب والتشهير به".
ويشير المحضر رقم 8 أحوال، الذي حرره المقدم "أ. ا" أن أبو عيطة يتضرر من حساب قاسم على فيسبوك لنشره بوست يتضمن "صوره الشخصية وادعاءات كاذبة". ويصف المحضر أبو عيطة بوزير للقوى العاملة والهجرة سابقًا بين علامتي تنصيص.
تحريات سريعة
ويظهر ملف القضية أن الأجهزة الأمنية أولت بلاغ أبو عيطة اهتمامًا بالغًا، عكسته تحركاتها السريعة نحو الانتهاء من التحريات والتقارير الفنية اللازمة لتحريكه.
فعقب 3 أيام فقط، حرر الضابط بمباحث الإنترنت العقيد "إ. ع" محضر تحريات أورد فيه أن تحرياته السرية أسفرت عن أن مرتكب الواقعة الواردة في بلاغ أبو عيطة هو هشام قاسم. وانتهى التقرير إلى أن الحساب مربوط برقم موبايل هو ذاته رقم قاسم.
وبناءً على ما سبق، خاطبت مباحث الإنترنت مأمور قسم السيدة زينب، لقيد محضر أبو عيطة ضد قاسم برقم قضائي وعرضه على النيابة المختصة والإفادة بما جرى فيه.
وبالفعل، عرض قسم السيدة زينب المحضر على النيابة، وجرى في اليوم ذاته تكليف أحد أعضائها بالتحقيق والتصرف فيه.
يومان من الاستماع
مثلما بدأت إجراءات التعامل مع المحضر بوتيرة سريعة، استمر تعاطي النيابة اللاحق معه. فبعد يوم واحد من صدور قرار المحامي العام الأول بالتحقيق، في الخميس 10 أغسطس، أصدرت النيابة السبت اللاحق قرارًا باستدعاء أبو عيطة لسماع أقواله في "جلسة تحقيق صباح باكر".
وفي الموعد المحدد حضر القيادي العمالي السابق إلى مقر النيابة العامة بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية، وبدأت النيابة الاستماع إلى أقواله في الساعة 5:21 مساءً.
وخلال أقواله، كرر أبو عيطة ما ذكره بالمحضر من اتهامه لقاسم بـ"السب والقذف والحط من شأنه وكرامته"، "شعرت إزاء منشور هشام بالتحقير من شأني والاستهزاء بي والمساس بكرامتي والإساءة لسمعتي أمام المقربين لي والعامة، وده سبب لي ضرر نفسي وضرر مادي تمثل في تدهور حالتي الصحية جراء كل هذه الادعاءات الكاذبة".
ونفى أبو عيطة وجود سابق معرفة بينهما، مؤكدًا أن قاسم "نشر البوست المسيء له لكونه ممن رفضوا انضمام قاسم لأحزاب تابعة للحركة المدنية".
واتهم أبو عيطة قاسم بـ"تحريض العامة ضده بصورة مغايرة للحقيقة قد تستتبع محاولات الغير لإيذائه"، على حد تعبيره.
وفي نهاية الجلسة أمرت النيابة بحضور العقيد "إ. ع" لجلسة تحقيق حددتها بتاريخ 20 أغسطس.
سؤال ضابط التحريات
لم ينتظر العقيد، الذي سبق أن أجرى التحريات التي تدين قاسم في بلاغ أبو عيطة، موعد الجلسة التي حددتها له النيابة، وتوجه للنيابة في 14 أغسطس، معللًا ذلك بـ"تعذر حضوره في اليوم الذي حددته النيابة لسماع أقواله".
وأوضح أنه استخدم في إعداد تحرياته وسائل فنية متوفرة لدى مباحث الإنترنت "يخشى البوح بها"، وتوصلت تحرياته إلى أن "الصور والعبارات المنسوبة لأبو عيطة حصلت على 413 إعجابًا و 17 تعليقًا و58 مشاركة".
كيف جاء "السب والإزعاج"؟
وتكشف التحقيقات أن النيابة عقب جلسة التحقيق مع ضابط التحريات، أعدت مذكرة حول القضية، قالت فيها إنها تحققت من صحة نشر العبارات محل شكوى أبو عيطة، من خلال الدخول من الموبايل الشخصي لوكيل النيابة على فيسبوك والبحث عن صفحة قاسم.
وأضافت أنه تبين أن قاسم نشر مقالًا بتاريخ 29 يوليو/تموز الماضي يتضمن ذات العبارات التي تظلم منها أبو عيطة، وتتلخص في "نهقت وباقي الشراديح"، و"أدرجت مباحث الأموال العامة أبو عيطة ضمن المتهمين في أكبر قضية اختلاس للمال العام".
وأشارت النيابة إلى أنه، وبناء على ما سبق، يكون التكييف القانوني للتهم التي يواجهها قاسم هي "جنحة تعمد إزعاج الغير بإساءة استعمال وسائل الاتصالات، الواردة بقانون الاتصالات، والتي تتمثل عقوبتها في حبس وغرامة لا تقل 500 جنيه ولا تزيد عن عشرين ألف جنيه"، إضافة إلى "جنحة السب والقذف بالطرق العلنية، الواردة في قانون العقوبات، والتي تتراوح عقوبتها بالغرامة من ألفين إلى عشرة آلاف جنيه".
وقررت النيابة استدعاء قاسم لجلسة تحقيق في الأحد 20 أغسطس.
في الطريق إلى الحبس
وتشير التحقيقات إلى أن قاسم ذهب منفردًا ودون محامٍ إلى جلسة التحقيق، ظنًا منه أن النيابة استدعته لسماع أقواله كشاهد في القضية، غير أنه عند مواجهته بالاتهامات المنسوبة إليه، طلب التوقف عن التحقيق لحين حضور محاميه.
وفي حضور محاميه، أنكر قاسم أنه كان يقصد بلفظ "نهقت وباقي الشراديح" أبو عيطة، موضحًا أنه كان يقصد به "كتير من العاملين بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" على حد قوله، وأن واقعة أبو عيطة باختلاس المال العام "سليمة وأنه (أبو عيطة) اضطر لرد مبلغ 75 ألف جنيه للتصالح فيه بنيابة الأموال العامة وحفظ التحقيق".
وحول مناسبة نشره البوست، قال قاسم "أنا شايف أي مسؤول سبق إدانته بالاستيلاء على المال العام يجب استبعاده من العمل العام".
وأضاف قاسم أن أبو عيطة اتهمه في حوار صحفي على موقع تحيا مصر بـ"العمالة لقوى سياسية دولية غير محددة"، "وأنا رديت عليه بالتعبير عن وجهة نظري في المنشور بتاعي على صفحتي"، بحسب أقوال قاسم.
وطلب قاسم خلال التحقيقات توجيه الاتهام لأبو عيطة بسبه وقذفه، واستمعت النيابة إلى أقوال قاسم كمجني عليه، وجاءت كل أقواله في ذلك الشأن مرتبطة بحوار أبو عيطة مع تحيا مصر، "هو اعتبرني عميل للصهاينة والأمريكان لأنه قال هشام نحسبه على الأمريكان والصهاينة، وإني أمثل خطر على الأمن القومي العربي، وكذا قال التيار الحر شامم فيه ريحة أجندة أجنبية بسبب وجود هشام، وأنا ضد أي تيار يستقوى بالخارج".
من الكفالة إلى الإحالة
وفي أعقاب سماع النيابة لأقوال قاسم كمتهم ثم كمجني عليه، قررت إخلاء سبيله بكفالة 5 آلاف جنيه، وفي قسم شرطة السيدة زينب امتنع عن السداد.
وتظهر التحقيقات مذكرة أعدتها وحدة مباحث القسم، جاء فيها أنه "أثناء مطالبة قاسم بالسداد اعترض بشدة ورفض تمامًا سدادها واعتدى على الضباط والأفراد بالسب والشتم بالقول (ياولاد المتـ...، ياجرابيع، أنا هطلع مـيـ.ـ..، وهاجيب السفارة تضربكم بالجزم)"، بحسب المذكرة.
وحرر مأمور قسم السيدة زينب محضرًا بالواقعة، ذكر فيه أن المتابعة الأمنية على السوشيال ميديا رصدت نشر قاسم بوست على حسابه الشخصي "يتضمن إساءة له لكونه أحد رجال النظام" الذين "هاجمهم قاسم" في البوست.
وعرضت قوة من قسم السيدة زينب قاسم مجددًا على النيابة في ضوء امتناعه عن سداد الكفالة، وبالمذكرة والمحضر الجديدين، وبدأت النيابة جلسة تحقيق جديدة استمعت فيها إلى أقوال النقيب خالد حسن جبر بمباحث قسم السيدة وأمين الشرطة رفعت محمد عبد العزيز ومندوب الشرطة سالمان مكاوي، وشاهدين أحدهما صاحب مقهى "ك. ي" والآخر جزار "ع. ح"، أحضرهما قسم الشرطة، وكرروا جميعًا الوقائع الواردة في المحضر.
وأنكر قاسم الاتهامات، مطالبًا بتفريغ كاميرات القسم، مؤكدًا أنه تلقى معاملة جيدة من مسؤولي القسم "رئيس المباحث دعاني لمكتب، كان في استقبالي مفتش المباحث وشربني مياه، ودارت بينا مناقشة طويلة حول سدادي الكفالة، وشرحت له أنه سدادي للكفالة يؤثر على مصداقيتي المهنية، وفي الآخر انتهيت لعدم السداد".
وفي الأخير، أمرت النيابة العامة بحبس قاسم 4 أيام على ذمة التحقيقات، وقررت في اليوم التالي، 22 أغسطس، إرسال الأوراق لنيابة الشؤون الاقتصادية بمكتب النائب العام، والتي قررت بدورها في ذات اليوم إحالة أوراق القضية للمحكمة الاقتصادية؛ للبدء في نظرها بجلسة 2 سبتمبر/أيلول الجاري، مع استمرار حبسه.
حاليًا، يُحاكم قاسم محبوسًا، ومضربًا عن الطعام منذ يوم 22 أغسطس 2023، وبحسب بيان لـ12 منظمة حقوقية، يأتي الإضراب "احتجاجًا على ممارسات السلطات المصرية تجاه قاسم، والتي تهدف إلى التنكيل به واغتياله معنويًا منذ أعلن تأسيس التيار الحر مطلع يونيو الماضي".