تصوير إيناس مرزوق، المنصة
هشام قاسم في حواره مع المنصة، 27 فبراير 2024

هشام قاسم: لن أتراجع عن مساري السياسي ويجب إنهاء الحكم العسكري

منشور الثلاثاء 5 مارس 2024

بعد قضاء ستة أشهر في السجن، يُصر الناشر والحقوقي ورئيس مجلس أمناء التيار الحر هشام قاسم على استكمال مساره السياسي "أنا مستمر، لي رأي واضح وصريح فيما يخص مستقبل مصر السياسي، لابد من إنهاء الحكم العسكري، وإنهاء سيطرة الحكم العسكري على الاقتصاد". 

يشدد قاسم في حواره لـ المنصة "لن أتراجع. أتسجن مرة، أتسجن اتنين، أتسجن خمسة، أنا مستمر في المسار ده".

يعتبر قاسم، الذي قضى حكمًا بالحبس ستة أشهر، أن الانتخابات هي سبب حبسه، "رسمي على الورق التهمة سب وقذف للسيد كمال أبو عيطة، وتوجيه ألفاظ نابية لضباط السيدة زينب أثناء رفضي سداد الكفالة. لكن أعتقد إن الحبس كان لأسباب سياسية مرتبطة بانتخابات الرئاسة".

يشير إلى موقفه المعلن قبيل الانتخابات برفض ترشح الرئيس عبد الفتاح السيسي " كان عندي اعتقاد إنه لازم يعيد النظر في الترشح، وأعتقد دي عملت مشكلة"، يعتقد قاسم أن النظام كان لديه حساسية مفرطة قبيل الانتخابات. 

ورغم حصول قاسم على إخلاء سبيل بكفالة في الاتهام الأول بسب وقذف وزير القوى العاملة الأسبق كمال أبو عيطة، إلا أنه يرجح أن سداد الكفالة المقررة حينها لم يكن كافيًا لإنهاء الأزمة "أعتقد كان فيه قضية تانية جاهزة". بالإضافة لعدم اعترافه بالخطأ.

هشام قاسم في حواره مع المنصة، فبراير 2024

لم يندم على عدم دفع الكفالة، فالاتهام الموجه له كما يقول "مرتبط بوقائع أنا نسبتها لشخص، بالنسبالي كانت ستكون سقطة لو سددت الكفالة. وكأني وجهت اتهامات لشخص، مالهاش أساس من الصحة. إنما أنا وجهت (اتهامات) بناء على ما هو موجود في محاضر النيابة، وما نُشر في الإعلام المصري مرات ومرات". ويشدد على أن سداد الكفالة "فيه اعتراف بإن أنا أخطأت، وأنا لا زلت مصمم أني لم أخطئ".

التخشيبة.. وأفلام الديناصورات

لم تبدأ رحلة قاسم في الحبس من مركز تأهيل العاشر، بل بدأها بقضاء ثلاثة أيام في حجز السيدة زينب "ده أقذر مكان قضيت فيه وقت في حياتي. شيء مخزي إنه يُحتجز فيه بشر، خاصة مقارنة بمكاتب الضباط"، في إشارة إلى فخامة تجهيزات المكاتب.

 يستطرد مسترجعًا مشاهد الحجز "قلت لمأمور السيدة زينب، أنا شفت هنا حشرات ما شفتهاش غير في أفلام الديناصورات. مش عارف الحشرات دي فين تاني، زي ما تكون عايشة فقط في قسم السيدة زينب".

ورغم ذلك، تلقى قاسم معاملة مميزة مقارنة بالآخرين "دخلوني تخشيبة فيها 8 أشخاص، طلعوا 4 ودخلوني"، لافتًا أنه بخلاف المساحة كانت لديه امتيازات في الوجبات في الأوقات التي لم يكن فيها مضربًا عن الطعام.

تجربة الحبس جديدة على الحقوقي والسياسي المعارض، رغم أنه كان يتوقعها "الحبس اتأخر. كتير قبل كدا حضَّرت نفسي إنه يبقى فيه قرار بالقبض عليَّ أو احتجازي". يسترجع قاسم اللحظة "لما بيتحط الكلبش في إيدك بيبقى واقع، إما هتنهار أو تمارس ظبط النفس".

ورغم أنه يعد تجربته الشخصية مميزة، لا تزال الشكاوى من وجود انتهاكات في السجون ومراكز التأهيل مستمرة، تبدأ بانتهاك لائحة السجون التي تنظم حقوق النزلاء، مرورًا بتردي الأوضاع الصحية، وحالات التكدس، وعزل السجين عن أسرته، ومنع تلقيه الرسائل. وهي الشكاوى التي وثقها محامون في مركز تأهيل العاشر من رمضان الذي قضى به قاسم فترة حبسه.

امتلك قاسم على مدار تاريخه السياسي علاقات قوية بدوائر سياسية أمريكية وأوربية، فكانت التوقعات تذهب إلى أن الضغط الدولي من أجل خروجه لن يتوقف. لكنه يعتبر أن الحماية الدولية "ليست حماية نهائية"، مشيرًا إلى حالات سابقة انتهت باستمرار الحبس، مثل سعد الدين إبراهيم وأيمن نور رغم تحول القضيتين لشأن دولي.

أما بشأن وضعه "في حالتي أنا، يوم حكم الاستئناف حصل موضوع غزة. وبعدما كانت قضيتي متصدرة الإعلام الدولي، سقطت تمامًا. وأصبحت القضية الأساسية هي الحرب".

خارج الزمن

بعد ثلاثة أيام قضاها قاسم في قسم السيدة زينب انتقل قاسم إلى مركز تأهيل العاشر من رمضان "بيسموه ستوديو السجون، لأن كل التصوير الخاص بالعلاقات العامة للسجون يتم هناك".

المعاملة المميزة التي بدأت في تخشيبة السيدة زينب رافقت قاسم طوال فترة حبسه في مركز التأهيل "كان فيه اجتهاد من القائمين على السجن إنهم يريحوني، وإني أخرج كما استلموني". قضى فترة حبسه في زنزانة مع اثنين فقط، رغم أنها مخصصة لـ12 نزيلًا.

تقتصر شهادة قاسم على تجربته الشخصية "كنت في زنزانة 11 في الدور الأرضي، عنبر 1، في تأهيل رقم 4. وشهادتي تقتصر على ده"، حرصًا على عدم ترك انطباع أن ظروف كل المحبوسين مماثلة. 

هشام قاسم في حواره مع المنصة، فبراير 2024

كان معزولًا عن العالم الخارجي باستثناء المعلومات التي تلقاها في الزيارات، "المعلومات اللي كنت بسمعها من النزلاء ما كنتش بقدر أعتمد عليها، لدرجة إن واحد قال لي إن حماس نفذت عملية قُتل فيها فوق ألف إسرائيلي، قلت له أكيد إنت غلطان في الأرقام"، ورغم وجود تليفزيون به 35 قناة في الزنزانة، كانت كلها ترفيهية.

أدرك قاسم حقيقة ما حدث في فلسطين بعد أول زيارة لمحاميه ناصر أمين عقب الأحداث، أما الانتخابات الرئاسية فلم يتابعها "عرفت مين المرشحين وخلاص". 

لم يأخذ قاسم الانتخابات على محمل الجد"انتخابات صورية في تقديري، والمرشحين غير مؤهلين للترشح للمنصب". كان موقفه واضحًا قبل دخوله السجن وبعده "الرئيس السيسي مش لازم يترشح، 10 سنوات كفاية، وأنا أحمله كثير من أسباب التدهور في الـ10 سنوات الأخيرة".

يذكر قاسم من أسباب التدهور "ترأس السلطة التنفيذية عمليًا للقضاء، وهي مسألة مرفوضة تمامًا. وغير كدا تقريبًا هناك تعطيل لكل جهات الرقابة أو الأجهزة الرقابية المحصنة دستوريًا من خلال تعيين قائم بأعمال لمدة سنة"، محذرًا من أن استمرار الوضع بهذه الطريقة "في غاية الخطورة على البلد". 

لا يعتبر قاسم خوض مرشحين محسوبين على المعارضة لانتخابات الرئاسة حراكًا مؤثرًا على المدى الطويل "تضايقت إن الأستاذ فريد زهران ترشح، لأنه بشكل شخصي عزيز عليَّ، وأقدره". يضيف قاسم "وصلنا لمرحلة لا الناس شايفة إن فيه تغيير هيحصل من خلال الانتخابات، ولا الناس عندها ترف إنهم يدوا جهد للمسار السياسي". 

خاض فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الانتخابات الرئاسية مدعومًا بتوقيعات أعضاء مجلس النواب، وهو الأمر نفسه الذي تمكن من خلاله رئيس حزب الوفد، عبد السند يمامة، ورئيس حزب الشعب الجمهوري، حازم عمر من خوض الانتخابات التي حصد فيها الرئيس المرشح عبد الفتاح السيسي على نحو 90% من الأصوات.

رأس الحكمة والحل المؤقت

في الأيام القليلة التالية لخروجه من السجن، أعلنت الحكومة عن صفقة رأس الحكمة. تابع قاسم الاحتفاء الحكومي بالصفقة التي توفر 35 مليار دولار لمصر، لكنها لا تسهم في حل الأزمة الاقتصادية حسب ما يرى، وإنما تساعد في سداد الديون "بدل التعثر، ستسدد الديون في الموعد. إنما الأثر على النمو في الناتج القومي من الصفقة دي لا يقترب من المطلوب".

يعتبر قاسم أن "الصفقة حل مؤقت"، مشبهًا إياها بمن يملك مصنع متعثر، فباع قطعة أرض يملكها لضخ أموال في المصنع، "لكن لو محصلش تحول هيكلي في طريقة إدارة المصنع، الوضع لن يتغير".


كان رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي أعلن عن تطوير مدينة رأس الحكمة في الساحل الشمالي، بشراكة إماراتية، وتمويل يصل إلى 35 مليار دولار.

في الوقت الذي تراجع فيه دور القطاع الخاص، وهو ما يعتبره قاسم سمة من سمات حكم الرئيس السيسي "لم تجتذب مصر استثمارات من الخارج. بل أعلن مستثمرين مصريين نقل استثماراتهم خارج مصر".

يضع قاسم حلًا لإنهاء أزمة الوضع الاقتصادي الحالي تتلخص في قوله "اقتصاد الجيش هو الأساس الآن، ولازم يتراجع أو ينتهي تمامًا. ولن يتحقق النمو اللازم، ولن ينتهي حزام الفقر الذي يحاوط القاهرة، ومظاهر التدهور الاقتصادي الأخرى، لن تنتهي طول ما ده الأساس في الاقتصاد"، في مقابل تبنيه الدعوة لتحفيز الاستثمار وتشجيع القطاع الخاص.

مفاوض ولست مطبعًا

قبيل حبسه انتشرت تصريحات صحفية وأخرى على السوشيال ميديا لسياسين وجهوا انتقادات حادة لقاسم باعتباره مطبِّعًا وصوتًا للصهاينة، ما جعله يدافع عن موقفه "أقول إنه لا يوجد حل عسكري للصراع العربي الإسرائيلي"، مستشهدًا بأراضي سيناء "حرب أكتوبر أعادت 4500 كليومتر فقط منها، بينما عادت 60 ألف كيلومتر إلى مصر بالتفاوض".

وكأن الولاء ليس لفلسطين، وإنما للحل العسكري. بينما الحل السياسي قائم وموجود

مستنكرًا اعتبار التسويات والمفاوضات خيانة، يتحدث قاسم عن القضية الفلسطينية "آن الأوان لتحدث تسوية. بدون تسوية السيناريو المأساوي اللي إحنا شايفينه في غزة دلوقتي هيتكرر". 

يقلل السياسي الليبرالي من تأثير الاحتجاجات والتظاهر، وحملات المقاطعة لإسرائيل، ويتساءل "هل نذاكر المؤشرات الاقتصادية؟ أو أي مؤشرات دبلوماسية؟ هل مثلًا هناك سفارات لإسرائيل يتم إغلاقها؟ هل المؤشرات الاقتصادية لإسرائيل هبطت بسبب الحملات دي؟". مجيبًا بيقين "مفيش. في تقديري التفاوض هو الحل الوحيد".

لا يؤيد قاسم تحرك حماس في السابع من أكتوبر ، إذ يرى أنه من المستبعد الدفع بحل سياسي بعد إجراء عسكري، متسائلًا "إيه الفكرة من إن أنا أدفع أهالي عزل في مواجهة عسكرية مفيش منها جدوى؟".

كان القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، محمد الضيف، أعلن صباح السابع من أكتوبر، بدء عملية "طوفان الأقصى"، وإطلاق أكثر من 5 آلاف صاروخ من قطاع غزة، والاستيلاء على أسلحة وآليات عسكرية، واحتجاز عشرات الجنود والمستوطنين واقتيادهم داخل القطاع.

وردًا على بقاء الوضع في فلسطين على ما هو عليه على مدار سنوات دون أي مبادرات للتسوية، علَّق "مش هيحصل تسوية غير لما يبقى فيه طرف عربي عايز يعمل التسوية، وده حصل مع الرئيس السادات ومع الملك حسين، إنما المبادرات اللي بتيجي من برة دي زي قلتها"، مشيرًا إلى المبادرات الأمريكية.

يقول منتقدًا الأفكار التي تعارض التسوية "وكأن الولاء ليس لفلسطين، وإنما للحل العسكري. بينما الحل السياسي قائم وموجود". يرفض المعارض السياسي اتهامات التطبيع "أنا لا عمري رحت إسرائيل ولا عندي مصالح مع إسرائيل"، بينما يقر بمشاركته في اجتماعات مع مسؤولين وصحفيين إسرائيليين "مظبوط، لازم ده يحصل، أمال هنتفاوض إزاي؟".

يؤمن مؤسس التيار الحر بأن المفاوضات تحتاج خبرة "أزعم أن لدي هذه الخبرة"، مستعرضًا دوره في مسار التفاوض غير الرسمي "فيه حاجة اسمها المسار التاني، أو ما يُعرف دوليًا بـ Track 2، يكون هناك مفاوضات أو مناقشات ما بين ناس غير رسميين، لأن المسار الرسمي متخشب". 

ويوضح "المسار الثاني فيه ناس من الخارجية، ومن أجهزة المخابرات، وكتاب وصحفيين، وسياسيين متقاعدين. هناك تُطرح أفكار، ممكن تصعد للمسار الأول (الرسمي) لو فيه فكرة واعدة". يشير قاسم إلى أن الاتفاقات الإبراهيمية كانت مطروحة أساسًا في المسار التاني.

مستقبل السياسة والتيار الليبرالي

قبيل حبس قاسم بعدة أسابيع، شارك ورؤساء أحزاب الإصلاح والتنمية والمحافظين والدستور ومصر الحرية في تدشين التيار الحر، الذي بدأ يشهد حالة من التفكك بعد تدشينه بوقت قصير. 

واستهدف التيار الحر، حسب مؤسسيه، تحرير الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة على مدار 70 سنة، ووضع ضمانات للانتخابات الرئاسية.

يلفت قاسم إلى تجميد عمل التيار بعد حبسه، لكنه لا يستبعد استكمال مساره مرة أخرى "الرؤية التي تأسس عليها التيار الحر لا تزال قائمة، بدءًا من 1961 بدأت السيطرة على مفاصل الدولة من خلال الاقتصاد، ودا وصلنا للاقتصاد العسكري الحالي، ولن تقوم لمصر قائمة طول ما دا مستمر". 

التباين بين مواقف الأحزاب والخلافات التي شهدها التيار في عمره القصير لا يعتبرها قاسم انهيارًا، فالخلاف الأساسي كان نتيجة مواقف أعضاء في حزب الدستور "لديهم مشكلة معي تحديدًا".

رغم عدم وضوح مصير التيار الحر بعد خروج رئيس مجلس أمنائه من الحبس، يعتقد قاسم أن "التيار الليبرالي لا بد أن يعود لمصر، لأنه أساس الثروة المصرية من قبل 1952"، فالليبرالية تمثل مصالح الأغلبية من المصريين "80% من الوظائف يوفرها القطاع الخاص، وهنا أنا لا أتحدث فقط عن أصحاب الأعمال"، يصر قاسم على ضرورة استكمال المسار الليبرالي "ستكون هناك محاولة بالتأكيد سواء من خلال التيار الحر أو من خلال تأسيس حزب ليبرالي واضح".

رغم تأكيده حتمية التغيير، يرجو قاسم أن يكون التحول من خلال مسار سياسي "أتمنى إلا تحدث أي اضطرابات، ولا حد ينزل الشارع، ولا يبقى فيه تمرد"، ويلفت النظر إلى محدودية الرؤى التي تعتبر أن المعارضة قادت 2011. 

لا يرى قاسم بديلًا عن استكمال مسار التحول الديمقراطي، وما يستلزمه ذلك من استمراره في محاولة خلق تيار ليبرالي أو حزب ليبرالي، دون أن يستبعد احتمالية ترشحه في انتخابات البرلمان المقبلة، مشددًا على ضرورة إنهاء "الحكم العسكري".