كان خطابًا واثق النبرة، ذلك الذي أعلن فيه أحمد شفيق نيته الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية 2018، بتفاصيل تضمنها عن أوضاع البلاد لم يكن متوقعًا معها أن يتبعه الفريق بعد أيام قليلة، بمُداخلة هاتفية لبرنامج "العاشرة مساءً" تحمل قرارًا بالتمهل الذي يمهد لفتح باب المراجعة أو التراجع.
بين خطاب التاسع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 ومداخلة الثالث من ديسمبر/ كانون الأول التي أعلن فيها أنه "سيُزيد اﻷمر تدقيقًا"، عاد الفريق لمصر وأعلن مقربون منه كابنته ومحاميته جهلهم بمصيره، كما تحركّت ضده بلاغات وشن عليه هجوم كان منه اعتباره "متحالفًا مع الإخوان".
لم يستغرق الأمر سوى أيام قليلة تلت المداخلة الهاتفية، حتى هدأت الأمواج تجاه شخص الفريق دون مؤيديه، والذين اعتذر لهم قبل أربعة أيام عما يلاقونه، بعد انتشار أنباء القبض على ثلاثة منهم كانوا بدأوا تحركاتهم لتأييده علنًا.
الأسبوع الذي حمل الحبس الاحتياطي لمؤيدي شفيق، حمل حُكمًا عسكريًا بالسجن 6 سنوات مع الشغل والنفاذ ضد العقيد أحمد قنصوه، الذي شارك شفيق في اختيار اليوم نفسه من شهر نوفمبر ﻹعلان النية نفسها بالترشح؛ فألقي القبض عليه وخضع لتحقيقات ومحاكمة عاجلة باتهامات أبرزها "الإضرار بمقتضيات النظام العسكري".
كان الحقوقي خالد علي سابقًا لشفيق وقنصوه في الترشح للرئاسة، وعقد لإعلان قراره مؤتمرًا صحفيًا استبقته مداهمة المطبعة الموكل إليها طباعة أوراق المؤتمر ومصادرة بعضها وتمزيق الآخر، فيتهم علي قوات الأمن بأنها منفذتها وتُنكر الثانية علاقتها باﻷمر.
فريق مُتمّهل، عقيد سجين ومُحامٍ يشكو مضايقات أمنية وقانونية له ولمؤيديه، حال ثلاثة مرشحين محتملين لانتخابات رئاسية صار إجراؤها محل شك، في ظل تصاعد المضايقات ضد مرشحيها وعدم تسمية أجل رسمي لها حتى الآن، ما يدفع للتساؤل حول سبب ما يتعرّض له المرشحون، وبالتبعية الصورة التي تريدها مصر لصُندوق اقتراع 2018.
إقصاء الآخر
نظرة سريعة للخلفية المهنية والأيديولوجية للمرشحين الثلاثة المحتملين، تبين الاختلاف الجليّ بين مَن ترافقه أفكار حملها منذ كان أحد رجال دولة مبارك من جهة، وصاحب الأفكار الحقوقية والانتماءات الثورية من جهة ثانية، ومُتدرج في السُلم العسكري وصولاً لمنصب عقيد يرغب في الرحيل عن المؤسسة من جهة ثالثة.
وباستثناء العسكرية الجامعة بين شفيق وقنصوه، وانتخابات الرئاسة 2012 التي جرّبها شفيق وعلي، لا قواسم مُشتركة أخرى بين المرشحين المحتملين الثلاثة، إلاّ حوادث غير سارّة يتعرضون لها الآن، وصفها المُحاضر بالعلوم السياسية في الجامعة الأمريكية الدكتور أشرف الشريف بـ"المنطقية"، باعتبار أن الانتخابات القائمة على التنافس والتعددية السياسية "غير مسموح بها من النظام الحاكم"؛ ما يستتبع "إقصاءً تامًا للمنافسين، أيًا كانوا".
في تفسير وجهة النظر هذه، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور حازم حُسني إن الفكرة المُريحة للنظام هي "الرئيس المُستدعى واﻷمل الوحيد لمصر، الذي لا يوجد على الساحة من يستطيع منافسته"، وبالتالي "أي منافس سيتعرض لمضايقات".
سبب آخر للمضايقات يسوقه حُسني، بقوله إن النظام "يتعامل (بمضايقات) مع كل المنافسين الذين من الممكن أن يطرحوا قضايا لا يريد النظام طرحها أصلاً، مثل تيران وصنافير التي ستصبح مشكلة خالد علي كمرشح أنه الشخصية البارزة في قضيتها، ومن الأكيد سيتطرق لها أثناء الحملة الانتخابية، بينما قال النظام صراحة إن أمرها انتهى ولن يسمح بفرصة لفتحه من جديد".
اقرأ أيضًا: خالد علي مُرشحًا.. الحقوقي يواجه الجنرال
لكن الشريف يذهب في تفسيره إلى طبيعة النظام التي تحاول تشكيل هيراركية (تراتبية سلطة) تتحكم عبر آليات مُعيّنة؛ ما يجعله "مقتنعًا بأنه مسيطر وقادر على التحكم ولا يوجد ما يدفعه للتنازل، سواء بمعنى قبول الديمقراطية والتعددية أساسًا أو بمعنى إجراء تغييرات في هيكل السُلطة".
رتوش النظام
يرى الشريف أنه لا توجد دوافع لتنازل النظام عن وضعه. لكن بجانب ملف الحقوق والحريات، لطالما كان المسار الديمقراطي ملفًا يحظى بمتابعة المجتمع الدولي والقوى الكبرى، على رأسها الولايات المتحدة التي تعد مصر صاحبة نصيب كبير مما توجهه لدول المنطقة من مساعدات، تبيّن أن عرقلتها أمر وارد الحدوث بسبب أي إجراءات ترى فيها تلك القوة "انحرافًا عن المسار".
لكن الشريف يرى أن النظام "أثبت على مدار السنوات الأربع الماضية عدم اهتمامه حقيقة بفكرة صورة مصر لدى الخارج، ﻷنه مقتنع- ولديه الحق- بأن النظام الدولي- إن عاجلاً أو آجلاً- سيصل إلى تفهم واقعي للوضع في مصر وقبول الأمر الواقع التعامل على أساسه، لاسيما وأن الخارج يريد من مصر نظام حُكم قوي قادر على منع تدفق اللاجئين والتعامل تجاه تحدي الإرهاب، وهو ما استطاع النظام تحقيقه إلى حد ما".
ويلفت الشريف إلى نقطة أخرى هي الرتوش التي يضعها النظام على صورة البلاد ممثلة في "فكرة تم تصديرها للعالم الخارجي بأن الوضع في مصر مُعقّد ولا مخرج له إلا اﻷوتوقراطية"، وهو ما يجد قبولاً عند دوائر اليمين الغربي والتحالفات السياسية الإقليمية والدولية مع الخليج وترامب وبوتين، على حدّ قوله.
كانت دول الخليج في طليعة الجهات التي ساعدت مصر بعد 30 يونيو 2013، كما تشهد العلاقات بين مصر وروسيا تعاونًا على أصعدة مختلفة سياسية واقتصادية، وهكذا تجري الأمور بصورة أو بأخرى بين القاهرة وواشنطن منذ تولى ترامب الرئاسة، وهو المرشح الذي كان يلقى قبولاً لدى القاهرة على العكس من منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.
صندوق مختلف
لو استمرت المضايقات ونجحت الدولة في تخطي الانتقادات الدولي، غير المؤكدة حتى الآن، ولم تُجر انتخابات رئاسية، فما الصورة التي تريدها الدولة للجان وصناديق اقتراع 2018، العام الذي تنتهي فيه ولاية الرئيس؟
"نحن مقبلون على استفتاء" هكذا رجّح الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو هاشم ربيع، ما ستشهده البلاد العام المقبل، مُستبعدًا احتمالية إجراء الانتخابات، في ظل "عدم الجدّية في الإعداد لها".
باستثناء تكهنات تنقلها وسائل الإعلام عن مصادر، لم يُعلن بصورة رسمية أية إجراءات حيال الانتخابات الرئاسية المقبلة، وموعد إجرائها أو فتح باب الترشح لها، والذي يجب أن يسبق بأي حال الثاني من فبراير/ شباط المقبل، حيث يتبقى على نهاية ولاية الرئيس الحالي للبلاد مائة وعشرون يومًا فقط، هي الحد الأدنى الذي نصّت المادة 140 من الدستور على فتح باب الترشح للانتخابات قبل بدء العد التنازلي لها.
يتفق الدكتور حازم حسني مع ربيع، فيما ذهب إليه من أن النية تتجه إلى "المُبايعة" وإلغاء الانتخابات؛ ليصبح المطلوب من الرئيس في هذه الحالة الحصول على نسببة مُحددة من أصوات الناخبين.
لم يرد لنظام الاستفتاء أو المُبايعة ذكر في الدستور، لكن المادة 36 من القانون 22 لسنة 2014 الخاص بالانتخابات الرئاسية تنص على أنه في حالة تقدّم مُرشح وحيد للانتخابات، فإن فوزه بها سيكون رهينة حصوله على 5% من إجمالي عدد الناخبين.
لكن "حُسني" يفتح الباب أمام احتمالات ﻹجراء الانتخابات "لو وُجِدَ ناس (مرشحين) قادرين على تجاوز المضايقات والمصاعب" أو مرشح "يؤدي دور كومبارس"، والخيار الثاني هذا اعتبره "يعني انهيار الشرعية"، في وقت وصف الشريف أمر الانتخابات المقبلة بـ"المُعضلة نوعًا ما بالنسبة للنظام".
لم يُعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، حتى هذه اللحظة، قرار بشأن انتخابات 2018، إلا أن حملة تحمل شعار "علشان تبنيها" انطلقت قبل حوالي شهرين لجمع استمارات تطالبه بالترشح، فيما يعدّ بمثابة تفويضًا للحكم وتكرارًا لحملة مماثلة سبقت انتخابات 2014 تحت شعار "كمّل جميلك".
اقرأ أيضًا: "علشان تبنيها".. بساطُ أحمر في طريق شبه خالٍ للاتحادية
يقول المُحاضر بالجامعة الأمريكية إن النظام لا يُفضل الانتخابات ولو انتهت إلى فوز السيسي "ﻷنه يحكم بشرعية التفويض التي تعني تأييد كل الشعب بنسبة 100%، وهو ما سيتعارض مع احتمالية حصد المنافس لأصوات ناخبين ولو بنسبة 20%"، وعلى الرغم من ذلك إلا أن الشريف استبعد تمامًا فكرة الاستفتاء، ﻷن تغيّر الزمن والأوضاع السياسية يستحيل معه إعادة إنتاج "مشاهد المُباركية"، سواء انتخابات الرئاسة 2005 أو ما قبلها من استفتاءات".
وطرح الشريف تصورات لحلول للخروج من هذه الأزمة "أولها كسب مزيد من الوقت بالتأجيل وإعلان إطالة الفترة الرئاسية من 4 لـ6 سنوات، وهو ما طرحه البعض ولم يلق صدى، أو محاولة إعادة إنتاج مشهد انتخابات 2014، دون مشاركة مرشحين يمثلون خطرًا، وهنا قد يؤدي الأمر لعزوف الناخبين عن المشاركة".