هذه قصة حقيقية بأسماء مستعارة عن: كيف أدارت الأجهزة الأمنية انتخابات الرئاسة عبر شبكات المصالح في المناطق الأكثر تهميشًا في القاهرة الكبرى.
مكالمة من مجهول
قبل انتخابات الرئاسة بثلاثة أشهر، تلقى زين مكالمة بلا رقم على شاشة الهاتف. أخبره المتصل أنه ضابط في الأمن الوطني. كانت بداية المكالمة مهذبة، فقط مجموعة من الأسئلة عن أحواله، ثم دعوة إلى زيارة مكتب الضابط بمقر الجهاز في مدينة نصر. عندما استفسر زين عن سبب الزيارة؛ سأله الضابط: لماذا يرفض التعاون؟ أهو ضد الرئيس؟
عندما رد زين بالإنكار على تلك الأسئلة التي تنتهي عادة بمحضر يتضمن اتهامًا بإضرار الأمن القومي وتعطيل المؤسسات الرسمية، لم يتردد الضابط بوضع الكرة في ملعبه؛ أخبره أن محبي الرئيس يجمعون له توكيلات من أجل الترشح في الانتخابات مرة ثانية، وقد حان الوقت لإثبات وطنيته والتعبير عن حبه للرئيس، وطلب منه إقناع سكان الحي الفقير على أطراف القاهرة بتحرير توكيلات للرئيس.
زين.. لماذا؟
زين، يجلس معي الآن على مقهى أمام قضبان أحد خطوط السكك الحديدية القديمة. يرتدي بدلة تبدو غريبة على الحي المُطل على المقابر. يقول إنها جاءته هدية من رئيس المباحث حتى يكون واجهة مشرفة للرئيس السيسي أثناء انتخابه.
يعمل زين بائع ملابس في ميدان العتبة، ويعيش مع زوجته و5 أطفال في حي غير رسمي يواجه سكانه تهديدًا يوميًا بإخلائه. وضع لا يختلف عن أحياء أخرى في العاصمة تقول الحكومة إنها عشوائية، ويتعرض سكانها للخطر.
على مدار العشر سنوات الماضية هدمت الحكومة أحياء أمام أعين ساكنيها كانت مملوكة لهم، وأسكنتهم في أحياء على أطراف العاصمة بعدما ألزمتهم بدفع أموال مقابلها. وسط هذا الصراع اليومي؛ حفر زين لنفسه مكانًا خاصًا بين أبناء الحي، فهو يتمتع بصلات واسعة بالصحفيين الذين يتواصل معهم لنقل مشاكل الحي، وفي نفس الوقت يحتفظ بروابط قوية برجال المباحث باعتباره عنصرًا مؤثرًا بين أوساط السكان.
وثّق زين كل أحداث الهدم في حيه السكني بصور وفيديوهات على صفحته، وشارك في صفحة سميت "روابط العدالة الاجتماعية"، اعتمدت الصفحة على مشاركة المواطنين في إنتاج محتواها الساعي لتطوير أحيائهم وليس طردهم منها. كان هذا سؤالًا آخرًا من الضابط: "أعرف أنك تتعاون مع الصفحة، لكن من هو الأدمن، هل هو عضو في 6 إبريل؟". تهرب زين من الإجابة. وبعد المكالمة اتصل زين بـ "أدمن" الصفحة، كانت العلاقة بينهما مجرد صداقة على موقع فيسبوك، يرسل له موادًا توثّق تجاوزات الحكومة في الحي. أخبره بما جاء في المكالمة مع الضابط، طلب منه زين الحذر لأن الصفحة باتت "مرصودة". وانتهت مكالمتهما سريعًا.
اقرأ أيضًا: "الأصليين".. أو كيف هدمت الدولة عشوائيات الدويقة ثم أعادت إنتاجها؟
في اليوم التالي تلقى زين اتصالًا من الضابط، سأله إن كانت صدفة أن يتم إغلاق الصفحة، وأغلق الخط دون انتظار تبرير منه.
طريق مسدود
بعد المكالمة الثانية انغلق طريق المماطلة أمام زين، لم يجد سوى جمع التوكيلات كمَخْرَج لعدم التورط في قضية أكبر منه. هو لا يعتبر نفسه جزءًا من الصراع السياسي، وموقفه محايد تجاه استمرار الرئيس من عدمه، فهو يدافع فقط عن حيّه المهدد بالهدم حتى وإن بدا ذلك معارضًا لسياسات الحكومة، لذلك، فلا عيب في جمع التوكيلات.
بعد أسبوع تلقى اتصالًا أخر من الضابط، هذه المرة ظهر الرقم واضحًا على شاشة تليفونه، أخبره عن نجاحه في جمع 142 توكيلًا من رجال الحي، لم يصدق الضابط في البداية ما سمع، أرسل له ضابطًا أقل رتبة ليتسلم التوكيلات.
في اليوم التالي اتصل الضابط به وحياه على موقفه. قال له إنه قدر على ما لم يقدر على فعله نواب البرلمان، كان يقصد توكيلات الرجال المجانية التي جمعها زين، لأن أغلب التوكيلات التي جمعها النواب كانت لنساء، والنساء لا يبيعن أصواتهن بالمجان في هذا الحي.
يحكي لي زين عن نائب برلماني سابق للحي يدفع 50 جنيهًا مقابل كل صوت في اليوم الأول للانتخابات، وأغلب جمهوره من النساء، أشكك في كلامه فيعرض عليّ أن آتي في اليوم التالي لتصوير النساء من على سلم المشاة الذي يطل على مكتب النائب السابق، ويقول إن نائبًا آخر يوزع أكياس تموين عليهن، ويفتخر بأن لجنته لا يحدث فيها ذلك.
في نهاية المكالمة أخبره الضابط أنه اتصل به من رقمه الشخصي، وطلب منه ألا يتردد في الاتصال به إذ احتاج شيئًا.
استفاد زين من الاحتفاظ برقم الضابط مرة واحدة، في أحد الأيام استنجد به جاره بعدما احتُجِز أخيه بقسم مدينة نصر أثناء مروره بموتوسيكل على كمين شرطة على طريق الأوتوستراد، لم يهتم بمعرفة السبب وذهب معه إلى القسم، اتصل بالضابط وأخبره بالموضوع، طلب منه الضابط التحدث إلى ضابط المباحث في القسم، أعطاه التليفون ليحدثه، بعد دقائق أخلي سبيل الشاب اعتقادًا من ضابط المباحث أن الشاب المُحتجز كان في مهمة لجهاز الأمن الوطني.
ترشيح بالتزكية
يوافق الخامس والعشرين من يناير من كل عام ذكرى الثورة، يغلق فيه ميدان التحرير ويملأ المخبرون الشوارع خوفًا من مظاهرات لا يُعلن عن تنظيمها أبدًا. في ذلك اليوم من العام الجاري؛ أعلنت حملة الرئيس نقل توكيلات ترشحه إلى اللجنة العليا للانتخابات المطل مقرها على ميدان التحرير.
انتقلت آلاف التوكيلات وسط حراسة أمنية مشددة، من بينها التوكيلات التي جمعها زين مجانًا من رجال الحي. وانتشرت قوات الأمن مانعة السيارات من المرور في الشوارع المحيطة بالمقر أثناء تلك اللحظة. تقدم المستشار القانونى للحملة بـ 549 تزكية من نواب البرلمان و173 ألف توكيل محرر من المواطنين.
مرت التوكيلات من باب المبنى الرئيسي لمقر اللجنة، في استقبالها وضعت لافتة كبرى في مدخل الباب تتضمن رموز المرشحين المحتملين، وكان رمز النجمة يتقدم الرموز كلها في انتظار الرئيس الذي أطل على المواطنين قبلها بأسبوع في مؤتمر حكاية وطن، من مدينة شرم الشيخ.
اقرأ أيضًا: نص كلمة السيسي أثناء جلسة المشروعات القومية والبنية التحتية بمؤتمر حكاية وطن
هناك تحدث الرئيس عن المدن الجديدة والعشوائيات الموجودة داخل القاهرة، كان صريحًا للغاية، قال: "يعني نفضل قاعدين في الدولة وتبقى كلها عشوائيات؟. أنا هاقول للمصريين كلام صعب، مظاهرتين يهدوا بلد! نحاصر البرلمان، ونحاصر مجلس الوزرا، خلصت مصر".
دخول الحمام
لم يكن اصطياد زين صدفة، بل عمل جاد لسنوات من رقابة تولتها الإدارات الأصغر في وزارة الداخلية، في العام الماضي نظم مظاهرة لبعض سكان الحي اعتراضًا على قرار صادر من الحكومة بهدم منازلهم وتهجيرهم من المنطقة.
ولأن التظاهر دون تصريح جريمة تخالف القانون الذي صدر تحت أعين الرئيس، ذهب زين إلى النيابة التابعة للحي ليحصل على موافقة بالمظاهرة. استلم تصريحًا سمح لهم بالتظاهر في حديقة عامة محاطة بأسوار عالية، اعترض على المكان الذي لن يراهم أحد فيه، وسمح لنفسه بتنظيم مظاهرة في الحديقة المقابلة لمبنى محافظة القاهرة.
نجح في حشد عشرات المواطنين من الحي، ذهبوا بلافتات تعترض على تهجيرهم، وطلبوا مقابلة المحافظ لعرض مطالبهم عليه، لم يوافق محافظ العاصمة على مقابلتهم، وقبض على زين وحرر ضده محضر تضمن سلسلة من الاتهامات من ضمنها التحريض على التظاهر ومحاولة قلب نظام الحكم. استمر التحقيق معه في النيابة، وغادر وكيلها مكتبه بعد انتهاء التحقيق دون إصدار قرار، بقى ساعات مقيدًا بكلبش مع أمين شرطة. وقبل دقائق من انتهاء الفترة المسائية للنيابة، صدر أخيرًا قرار بإخلاء سبيله مع طلب من المباحث باستكمال تحرياتها.
بهذه الطريقة ظلت القضية مفتوحة في أدراج الحكومة، لكن ذلك كان مُرضيًا للجميع كحل وسط، خرج هو؛ لكنه ظل تحت إمرة التحريات، وانصرف أهالي الحي بعد إخلاء سبيله ليعاودوا استكمال حياتهم.
يقول إن تلك الحكاية كانت بمثابة دخوله الحمام وفقدانه القدرة على الخروج منه، لأن طلب استكمال تحريات المباحث المرفق باخلاء سبيله جعل القضية مفتوحة، ويمكن إعادته للحبس في أي وقت.
اقرأ أيضًا: من الدويقة للأسمرات للشارع.. مقابل 300 جنيه
بدا هذا مفهومًا لي بدرجة أكبر مما ظننته أول مرة حين رأيت صورًا على صفحته يرافق فيها المحافظ الذي لم يوافق على مقابلته. تضمنت الصور حضوره فعاليات تدعو إلى المشاركة في الانتخابات "كفعل وطني، يمكن من خلاله قياس مقدار حب الوطن، حتى لو ذهب المواطنون لإبطال أصواتهم، الأهم أن يقفوا في الطوابير أمام اللجان من أجل مظهرنا أمام العالم، وعلينا أن نؤجل خلافاتنا بعد الانتخابات". هكذا كانت تقول الدعاية في الأيام الأخيرة قبل بدء الاقتراع.
3 أسابيع من الدعاية الانتخابية السيئة
لم يحضر الرئيس أي مؤتمر لحملته الانتخابية التي تشكلت قبل شهر واحد من الاقتراع، وأنشأت صفحتها على فيسبوك بعد يومين من تقديم التوكيلات، ولم يتخط عدد مشتركيها 100 ألف حتى الآن. ضمت الحملة محمود كارم في منصب المنسق العام، ومحمد بهاء الدين أبو شقة مستشارًا قانونيًا لها، ومتحدثًا رسميًا باسمها، ولا يجوز أن نغفل إنه ابن رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب.
نفى أبو شقة وجود أى دور حكومي في الحملة الانتخابية، لأن "ضميره كرجل قانون لا يقبل إلا الفصل التام بين رئيس الدولة وحملته كمرشح محتمل، وقد طلب الرئيس نفسه أن يكون الإنفاق على حملته فى أضيق الحدود".
كان دور أعضاء الحكومة واضحًا، لم يكن هناك أوامر بتأييد الرئيس في الانتخابات، كان الدور المطلوب منهم هو حث المواطنين على المشاركة لزيادة نسبة الحضور، بغض النظر عن اتجاهات التصويت.
كان هذا تكليفًا لكافة مديريات الأمن التي طلبت من أقسام الشرطة التابعة لها التدخل في العملية الانتخابية، والأوامر كانت واضحة بارتفاع نسبة المشاركة، أو ألا تقل في أي حال من الأحوال عن 35% في كل دائرة، بحسب الضابط أسامة عبد الجواد، أحد المشرفين على "غرفة إدارة الأزمات" التي فعلّتها الوزارة في 17 مارس، قبل الاقتراع بنحو 10 أيام، وزارها الرئيس قبل تفعيلها بأسبوع.
كانت للشرطة دور كبير في تلك المؤتمرات، دور أبعد من التأمين، امتد ليحتضن المؤتمرات والمشاركة في تصويرها.
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Falsisiofficialcampaign%2Fposts%2F156131728427070&width=500صور التقط بعضها من فوق مبنى قسم شرطة السيدة زينب لمؤتمر لدعم الرئيس
لا يعلم الضابط أسامة عبد الجواد الغرض الرئيسي من نسبة الـ 35 %، ولا مَن حددّه؛ لكنه يتصور أن نسبة الـ 35% التي تمثل ثلث المواطنين المقيدين بالجداول هو رقم كافي لـ "شرعنة" الانتخابات، يمكننا اعتبار الثلث الثاني معارضًا بامتناعه عن المشاركة، أما الثلث الأخير فهو غير مهتم، لكن هذا تحليله الشخصي أثناء حديثه معي.
تلك الأوامر تُرجمت بأشكال مختلفة في كل دائرة قسم شرطة، بحسب ما يقول لي الضابط أسامة. في إحدى محافظات الدلتا طلب قسم الشرطة من الكافيهات والمقاهي بعاصمة المحافظة تأجير "دي جي" يوم الانتخابات يشغل أغاني وطنية، وإن لم يفعل المحل؛ عليه أن يغلق أبوابه. كما طُلب من السائقين في مواقف الميكروباصات وضع صورة الرئيس أو علم مصر في أيام الانتخابات وإلا يتعرضون لسحب التراخيص.
امتد ذلك إلى المحافظين، ففي اليوم الثاني أعلن محافظ القليوبية، اللواء محمود عشماوي، في بيان رسمي نشرته المحافظة، عن رحلتي عمرة لكل حي إذا تجاوزت نسبة التصويت فيه الـ 40%، ولكل إيبارشية تحقق النسبة ذاتها سيخصص لها 100 ألف جنيه.
وبعد انتهاء التصويت، أعلن العشماوي في بيان رسمي أيضًا نشرته المحافظة تراجعه عما قاله، بعدما تأكد "أن مواطنى القليوبية هم وطن واحد وكتلة واحدة تحت راية مصرنا العزيزة وتحيا مصر" هكذا قال البيان، دون أي إضافة أخرى.
تفكيك العالم يبدأ من قرى الدلتا
كانت الحملات الدعائية آخر الأدوات، فقبل الانتخابات بثلاثة أسابيع انتشرت لافتات في شوارع القاهرة تحت مسمى حملة "انزل.. شارك". تلك الحملة نُشر عنوانها الدعائي لأول مرة في خبر عن مؤتمر سيُنظَّم في فندق شيراتون الكورنيش بمدينة أبوظبي، يقوده مجدي الألفي الذي عرّف نفسه كمنسق حملة انزل شارك بالإمارات، وسمية محمد عسلة، التي عرفت نفسها في الصحف القومية بـ "منسق مؤتمر انزل شارك" بأبوظبي وعضو بحملة "مصري بالخارج".
قالت سمية إنها تولت تنسيق "انزل شارك" لاستهداف 200 ألف مواطن مصرى من المقيمين في الإمارات للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، فيما بدا مبالغة منها لأن مجموع عدد من أدلوا بأصواتهم في الخارج 157 ألف و60 ناخبًا.
البحث عن سمية محمد عسلة غير مجدٍ، فلا توجد معلومات حول أي دور سياسي لها يمكنها من إدارة حملة انتخابية، لكن اختصارًا للوقت والمساحة وجدوى العملية الانتخابية، إن جاز وصفها، فإن سمية تنتمي لعائلة طيبة تحب وطنها، لها لفتات طيبة تُنشر باسمها في الجرائد الحكومية، كتكريم أبناء العائلة الناجحين في الشهادات العامة بمحافظة الشرقية، مثلًا، ضمن احتفالات تنظمها العائلة وتنشر أخبارها في الصحف القومية بعنوان "نحو لم شمل العائلة" لخدمة الوطن، ويكتب الخبر صحفي من أبناء العائلة.
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2FAssal.family%2Fposts%2F498625420198502&width=500تؤمن العائلة بأن التتار هزموا على يد المصريين بعد احتلال بلاد الإسلام من أفغانستان إلى العراق، وهذا الشيء نفسه فعلته أمريكا، بطبيعة الحال. ومن منطلق أن التاريخ يعيد نفسه، وأن سنة الله في الأرض لن تجد تبديلًا، يصبح الجيش المصري هو العقبة في وجه المشروع الأمريكي الآن.
هذه النظرة على القضايا الفاصلة في تاريخ العالم، والتي تشغل بال العائلة المتمسكة بنسلها العائد إلى النبي محمد، تحمّل عليهم عاتق التمسك بوحدتهم في مواجهة المشروع الأمريكي لتفكيك العالم، لأن تفكيك العالم سيبدأ من قرى الدلتا التي تنتشر فيها شجرة العائلة، فهم ليسوا كمن يقيم في المدينة ممن لا يهتمون بلقب العائلة ويكتفون بالاسم الثالث، وهو شيء يقلق راغبي وحدة عائلة عسلة الذين أنشأوا صفحة على فيسبوك باسم العائلة في محاولة لوأد القطار الحضري الذي يدهس العائلة الآن.
هذا كل ما لدى سمية، لكن مجدي الألفي الذي أعلن عن نفسه منسقًا لحملة "انزل شارك" في الإمارات، ضمن خبر دعائي للمؤتمر المقام في فندق شيراتون أبوظبي، تولى تنسيق الحملة بموجب منصبه كرئيس تنفيذي وعضو مجلس إدارة شركة "إمارات مصر للاستثمار والتنمية"، وهو مندوب لحملة إعادة انتخاب الرئيس في دولة الإمارات.
أصبح الدكتور مجدى الألفي، المنسق العام لحملة دعم «الرئيس» فى الإمارات، هكذا سمى نفسه في الأخبار المنشورة عن المؤتمر، ولم يُجْرِ أي نشاط أخر بعد المؤتمر الذي عُقد في 10 مارس.
وفي الداخل نظم النواب مؤتمرات لتأييد الرئيس
فبعد مؤتمرين كبيرين في إمبابة، ألغت مديرية أمن القاهرة، مؤتمرًا دعت إلى تنظيمه نشوى الديب، عضو مجلس النواب، لأن يوم المؤتمر صادف موعد الصمت الانتخابي أثناء تصويت المصريين في الخارج.
في شارع مظلم بأرض الجمعية وقف شقيق نشوى وحيدًا، يتابع إنزال الفراشة التي استمر العمال في إقامتها يومًا كاملًا، يتلقى اتصالات من عائلته تسأله عن سبب إلغاء المؤتمر، بعدما خولت له شقيقته النائبة تقديم الاعتذارات التليفونية لمن كان قادمًا من العائلة، يلعن على تليفونه قاعدة "الصمت الانتخابي" التي لا يفهم منطقيتها.
شرح لي أن دائرة إمبابة لها 4 مقاعد في البرلمان، سبق نشوى في تنظيم مؤتمرين إيهاب الخولي وبعد منه اشترك النائبان عمار السعيد وشادية ثابت مع رجل الأعمال عمرو اللطامي في تنظيم مؤتمر آخر. جاء الدور على نشوى، "راحت لأمن الدولة عشان تاخد تصريح، وبعتت للمحافظ والحي ليكون عندهم علم بيوم المؤتمر والمكان".
أكمل شقيقها "خبطت مع نائب مدير الأمن النهارده لما لقيته بيقولي الغوا المؤتمر ومشوا الناس، قُلت له أنا مش هعمل مؤتمر أنا هعمل فرح. قاللي أنت هتتحايل على القانون؟. قُلت له مش هتحايل على حد، أنا ماليش دعوة بسيسي ولا بيصي، أنا هعمل فرح وأجيب رقاصة، لولا محسن بيه مأمور قسم إمبابة جاء وقالي يا محمد عشان خاطري خد ناسك وأمشي، والدنيا اتلمت".
وأضاف: "أصل أنا جالي من ناسي كتير. جالي 800 وواحد اصطباحة على الريق من العيلة. والدنيا كلها بتحب التراب اللي بتمشي عليه نشوى. أخدنا وعد إننا نعمل المؤتمر الاتنين الجاي، بس أنا مش عامل مؤتمر تاني، احنا مش على هوى حد، أنا بعمل للبلد لكن البلد تقولي أنا مش هعمل".
لدى نشوى 7 أشقاء وتنتمى لعائلة الديب، تقول إن العائلة من محافظة أسيوط، و"إن أصل عائلتها من الأشراف ونسل الرسول"، ترشحت في الانتخابات البرلمانية عن الحزب العربي الناصري، وقالت بعد فوزها إنها لا تعلم من هو رئيس الحزب. ولم يتصل بها أحد من الحزب لتهنئتها على الفوز في الانتخابات.
للحكومة رأي آخر
كانت تلك المؤتمرات والفعاليات فرصة لزين بعدما امتد تنظيمها من النواب إلى الحكومة. استغل المشاركة لالتقاط صور لنفسه مع محافظ العاصمة ورئيس الحي، بدت ابتسامته نادرة الحدوث جليَّة في تلك الصور، وقف يصور نفسه أمام أتوبيسات هيئة النقل العام المكتوب عليها "انزل شارك.. خليك ايجابي"، تلك الأتوبيسات التي يفتقدها أهالي حيه ممن نُقلوا إلى المدن الجديدة، وفرها محافظ القاهرة لرؤساء الأحياء من أجل تسييرها في الشوارع لدعوة المواطنين للمشاركة في الانتخابات، بعد أيام من إطلاق الرئيس حملته الانتخابية.
هذه اللقاءات التي تحدث الآن بمنتهى السهولة لم يكن ليصدق حدوثها قبل ذلك، لسنوات حاول لقاء المحافظ للشكوى من طرد الأهالى من الحي دون خطة واضحة. ذات مرة حاصرت الشرطة البيوت فجأة وطلبت من الأهالي إخلائها وأخذ ما يريدون منها قبل هدمها، وقفوا يشاهدون بيوتهم تهدم بالجرافات، وأودعتهم في بيوت على هامش المدينة، نُقلوا إليها في سيارات نقل القمامة التابعة للمحافظة.
استغل تلك المساحات لطرح آراءه على المسؤولين، تحدث ذات مرة عن عدم السماح لأبنائه بدخول الكلية الحربية والشرطة أو تولي مناصب مناصب قضائية، طالب الضابط السابق تأجيل الخوض في تلك المناقشة إلى ما بعد المؤتمر، ووقف معه خارج الصوان، ثم مدح في الشروط الاجتماعية وأهمية التعامل الطبقي المبني على قواعد الانتماء العائلي في تلك الحالات.
يخبرني صراحة أن بعض الخطابات أثرت به "كانوا يقولوا لنا إن المؤامرات التي تحيكها الدول الخارجية ضدنا تجعل من مسؤوليتنا التكاتف، وبقاء الجيش في السلطة ضرورة حتى يظل الصراع بين التيارات السياسية مكتوم، إذ أنه المنظومة الوحيدة التي استطاعت ضبط الشارع"، لكنه يعاود الحديث بكلامه عن التمييز عند محاولة إلحاق أبناءه أو أبناء الحي ضباطًا في الجيش أو الشرطة.
اقرأ أيضًا: كواليس حلف اليمين.. المجلس كامل العدد والصحافة في غرفة مغلقة
انتهاء اليوم الأول للاقتراع
توقف حديثنا لدقائق عندما قطعه اتصال ونحن في المقهى، تبقت ساعتان على انتهاء اليوم الأول للاقتراع، وسمعته يخبر المتصل عن نجاحه اليوم في إقناع 517 مواطنَا بالتصويت من إجمال 5700 مقيدين في لجنته، ما يقرب من 10%، ووعده بإقناع المزيد من الأهالي في اليوم الثاني حتى تتعدى نسبة التصويت الـ 35%.
انصرفت عنه أثناء المكالمة بالنظر إلى البيوت المطلة على مقابر المدينة، وآخر معلومة قالها لي إن البدلة التي يرتديها وصلته كهدية من رئيس المباحث حتى يكون واجهة مشرفة للرئيس أثناء انتخابه.
ينهي المكالمة ويضع ليّ الشيشة في فمه، ومن دون أدنى درجة من درجات الحرج، ينظر إلى ما أكتبه في كراستي، ويفكر فيما ورط نفسه فيه خلال الـ 3 أشهر السابقة على لقائنا هذا.
يسألني إن كنت أسجل له، فأجيبه بـ نعم. ثم أسأله إن كان لا يثق بي، فيسكت. يقطع صمتنا رسالة نستلمها على هواتفنا بانتهاء اليوم الأول للاقتراع، وانصرف عنه مع وعد بزيارته غدًا أمام اللجنة الانتخابية حتى أراه وهو "وجهة مشرفة للرئيس"، فيوافق.
عرس ديمقراطي
أغادر منزلي في صباح اليوم الثاني، أقرر عدم الذهاب للمكتب ومتابعة العمل من الموبايل، والذهاب لرؤيته بالبدلة الجديدة كما وعدته، أمر بسيارة التاكسي على ميدان التحرير فألمح أمام المجمّع سيارة دودج أمريكي نصف نقل تقف أسفل شاشة كبيرة تحمل صورة الرئيس، وعلى السيارة تقف 4 فتيات في بداية العشرينات يرتدين تيشيرتات بيضاء ويرقصون بالأعلام على أغاني أُلِّفَت ولًحنت وغُنت لمدح الرئيس والمشاركة في انتخاباته.
أسأل السائق من هؤلاء الفتيات؟ وأنظر حولي فأجد طلبة المدارس يقفون على مسافة منهن يشاهدون ضحك الفتيات الذي لا يتوقف، بين رجال ببدلات رسمية يقفون حول السيارة من أجل الحماية، يخبرني سائق التاكسي أنهم "مستأجرون"، فأطلب منه التوقف وأغادر سيارته أقف أتابع طلبة المدارس وهم يجلسون أمام الفتيات الراقصات ويتبادلون السجائر.
أتلقى تنبيهًا على الموبايل برسالة من زملائي في المكتب، أرسلوا روابط من فيسبوك لبوستات مصحوبة بأرقام تليفونات أشخاص يطلبون فتيات للعمل بالانتخابات مقابل 100 جنية طوال اليوم، انتشرت تلك البوستات آلاف المرات على فيسبوك وتويتر مصحوبة بتعليقات من نشطاء سياسيين تلعن الفقر.
أتصل بواحد من مستأجري الفتيات الراقصات، وأسأله إن كان العرض لايزال مستمرًا في اليوم الثاني فيخبرني أن العدد اكتمل منذ الصباح، أسأله عن طبيعة عمله فيسألني لماذا؟ أخبره أنني صحفي فيقول لي: لو أنت صحفي بلاش تودي نفسك في داهية. أرد على صوته الحاد بالضحك، وأسأله إن كان يريد أن أعتبر هذا تهديدًا من شخصه، فينفي ويعتذر لي.
يطول الحديث، يخبرني أنه مخرج برامج تلفزيونية في قناة تقدم برامج سياسية، وكان لديه مكتبًا للإعلانات قبل أن يغلقه، طُلب منه إحضار الفتيات للوقوف أمام اللجان من أجل الدعاية بالمشاركة في الانتخاب، ثم رفض أن يقول لي من الذي طلب منه ذلك، أطلب مقابلته فيوافق، ويطلب مني تحديد موعد بعد الانتخابات، ونغلق الخط بعد أن نتفق على اليوم التالي لانتهاء التصويت.
أستأجر تاكسي إلى لجنة زين، أمر على لجنة بحي السيدة زينب تقف أمام أبوابها على الرصيف امرأة خمسينية قوية، ترتدي عباءة سوداء وشبشبًا وتربط رأسها بباندانا، قابلت 3 طلاب يمرون أمام المدرسة بابتسامة قلقة، سألتهم بصوت عالي: "إيه يا شباب انتخبتوا ولا لسه؟"، ودعتهم إلى الدخول للتصويت دون أن تعرف مقرهم الانتخابي، ضحك الشباب ومضوا في طريقهم.
في كل لجنة أمر عليها مشهد واحد لا يتغير فيه سوى شكل المواطنين فقط وملابسهم، دي جي ونساء يقفون أمام باب اللجنة، وعلى الخط الفاصل بينهن وبين اللجنة المدرسة عساكر وضباطًا من الجيش أو الشرطة.
أمر على ميدان العتبة فأغرق في الزحام، ظننت أن شوارع البلد كلها خالية لكن الباعة الجائلين كان لهم رأي أخر، فقرروا النزول إلى المواطنين ليصرخوا في وجوههم في دون أي سبب أو إشارة تقسِّر ذلك النداء "ولعت.. ولعت"، يفترض أن يكون زين الآن بينهم.
بصعوبة أصل إلى الحي من خلال المقابر، أتلقى رسالة جديدة من خدمة الرسائل القصيرة بأحد الجرائد المستقلة ذات التوزيع الواسع وأنا في طريقي، تقول لي الرسالة "أيًا كان موقفك، تقول نعم أو تقول لأ، صوتك أمانة، أنزل شارك!".
أنصرف عن أسئلتي وقلقي على مستقبل الجريدة، بمشاهدة ميكروباصات تقف قرب اللجنة مرقمة ومكتوب عليها أسماء شوارع الحي، يقترب زين مني ببدلته عندما أصل إلى اللجنة، يقعد على ترابيزة أمام باب المدرسة بين شابين يرتديان بدلة من نفس اللون والتفصيل، واضعين أمامهما لابتوب، أصافح أصدقاءه وأقعد معهم تحت صوان نُصب بمحازاة سور المدرسة.
يشيرون بأيديهم إلى أتوبيسات هيئة النقل العام المرقمة بجانب الميكروباصات، يقولون إنها جاءت بالسكان من الأحياء البعيدة اليوم بعد أن طردتهم الحكومة من هنا، فهناك لا توجد مدارس أو لجان انتخابية.
يقطع حديثنا سيارة تتوقف أمام المدرسة وينزل منها شخصان بشنط من وجبات الغداء. علب بلاستيكية بيضاء تحتوى على أرز مع قطعتين فراخ بانيه، يأخذها زين منهم ويضعها على الطاولة، ويعرض علي واحدة فأشكره، يبتسم لي ويقول إنها جاءت نظير تطوعهم لأنهم يقفون هنا دون مقابل، يصطحبني بعد انتهائه من الغداء إلى مقهى ليدخن الشيشة.
نذهب إلى مقهى أمام لجنة انتخابية خالية تمامًا من المواطنين، يقول لي إن الحكومة الآن تفكر في مد فترة التصويت ليوم الخميس، العدد لم يتجاوز الـ 15 بالمائة في الحي حتى الآن، ويعتقد أنه لن يتجاوز هذه النسبة في كل الدوائر، ويخبرني بأنه سمع أيام المؤتمرات التي كان يحضرها حرص الحكومة على ألا تقل المشاركة عن 35 % كحدًا أدنى.
اليوم الأخير
"عندما تحاول اختيار حبة رمل من شاطئ تظن أن الأمر سهلًا"
بصعوبة ألحق عربة المترو وقت خروج الموظفين، بالكاد ادخل الباب أثناء اغلاقه، الثانية عشر ظهرًا بتوقيت اليوم الثالث للانتخابات، زحام عادي على الخط الأول، طلبة وموظفون غير مهتمين بمن حولهم، تنكفئ وجوههم على موبايلاتهم، يمررون الوقت في بناء مكعبات وتحطيمها.
أصل إلى المكتب فينصحني المحرر بالكتابة التقريرية. يطلب مني أن أوثق كل معلومة. هذا العبث غير المنطقي هل يستحق منا عناء التوثيق؟
كل ما يدور حولي كان بالأمس مخالفات انتخابية، ميكروباصات تمتلئ بنسوة ذوات عباءات سوداء، ينزلن إلى اللجان ممسكين بأطفالهن. تعلمت حين بدأت العمل بالصحافة أن (هذا يسمى حشدًا جماعيًا، وهو مخالفة ضمن أشهر المخالفات في مدونات السلوك الانتخابي)، الآن أصبحت الميكروباصات مرقمة بأرقام اللجان، هل يعرف ذلك الصحافيون حديثو التخرج؟.
أفكر في كيفية توثيق المعلومات التي سمعتها عن أن الشرطة هددت سائقي الميكروباصات بوضع صور رئيس الحكومة وإلا تسحب رخصتهم، عن تخيير الكافيهات والمقاهي بين تأجير دي جي ووضعه أمام المحل أو الغلق أيام الانتخابات.
أفتح اللابتوب وأبدأ في فرز إسهامات المواطنين على فيسبوك وتويتر لحصر الانتهاكات. في محافظة شمال سيناء رجل أعمال يمتلك مصنع للأسمنت وجامعة يقول إنه وضع أربعة ملايين جنية كهدية لأعلى قرية تصويتًا، في محافظة القليوبية 100 ألف جنيه لأي إبرشية ستحقق 40% من نسبة التصويت. ورحلات حج وعمرة لكل قرية إذا وصلت لنفس النسبة من التصويت، محافظة المنوفية ترصد مكافأة مالية قدرها 350 ألف جنيه للمركز صاحب المركز الأول في المشاركة بالعملية الانتخابية. محافظة البحيرة تقول إن القرية الأعلى تصويتها ستعمل الحكومة على إدخال الصرف الصحي لها. ومحافظ كفر الشيخ يهدد المقاطعين للانتخابات الرئاسية، قائلا: «جتكم ستين نيلة»… نهر المكافآت لم يجف طوال اليوم الأول والثاني، بينما الثالث كان يوم التهديد.
أتلقى تقريرًا أرسلته لنا صحفية، رفضت جريدتها المستقلة نشره، لتوثيقها مخالفات في أحد أحياء شمال القاهرة، محل تموين يوزع كروتًا على مجموعة من السيدات، يذهبن بها إلى اللجنة للتصويت وبعد الإدلاء بأصواتهن يضعن بصمتهن بالحبر الفسفوري على الكارت، ويعدن به إلى محل التموين لصرف حصصهن؛ كيسي أرز ومكرونة وزجاجة زيت ودجاجة مجمدة.
اقرأ أيضًا: ما تطلبه صالة التحرير.. مشاهدات صحفية في الانتخابات الرئاسية
بعد كل هذه الهدايا التي اتضح أنها لم تؤثر في شعور المواطنين بالانتماء؛ تعلن اللجنة العليا عن غرامة فورية قدرها 500 جنية لكل من لم يذهب إلى التصويت، تجتهد الصحف في النقل على لسان نواب البرلمان أن الغرامة سيتم تحصيلها على فاتورة الكهرباء، تمامًا مثلما فعلت الحكومة المصرية من قبل في رسوم جمع القمامة، فينزل الناس أفواجًا إلى اللجان.
جميع الأسماء الواردة في هذا التحقيق تم تغييرها حفاظًا على أمان أصحابها ولعدم تعريضهم للمساءلة.