تروي لنا سيدة حصلت على شنطة التموين: "أخدنا كارت من منفذ تموين، وروحنا اللجنة ننتخب، وبعد ما خرجنا قالولنا نسأل عن الراجل اللى بيختم، لقيناه واقف برا المدرسة ومعاه ختم، ختم لنا الكارت ورجعنا للبقال، وأخدنا الشنطة".
أمام منفذ تموين في حي عين شمس شمال القاهرة، اصطفت نسوة مُتّشحات بعباءات سوداء في طابور طويل، مُنتظرين دورهن في الحصول على شنطة، يفترض إنها "هدية" ملفوفة في كيس أبيض يتوسّطه العلم المصري. تحوي الشنطة أكياس أرز، سُكر، مكرونة، وفرخة واحدة، تفيد الهمهات المنخفضة من جانب الواقفات أن الهدية ليست بلامقابل أو بدون مناسبة، فوسط تلك الهمهات يعلو صوت شابة ثلاثينية "خلصونا بقى عاوزين نروح ننتخب".
لا تُظهر النساء بطاقاتهن التموينية، كل ما تحتاجه إحداهن هو إظهار بطاقاتها الشخصية، ليسجّل بياناتهن الرجل المسؤول عن توزيع الأكياس، ومن ثم يعطيها كارت أبيض عليه علم مصر تتوسطّه صورة الرئيس. وما عليها سوى الذهاب للتصويت وختم الكارت من قبل شخص يقف أمام اللجان بعد أن يتأكد من بصمة الحبر الفسفوري على أصبعها، لتذهب بعدها ثانية إلى منفذ التموين وتستلم شنطتها بالبطاقة المختومة.
يستقبل ذلك الرجل الخمسيني بيانات النساء ويعطيهن كروت الانتخاب، فيما يسند ظهره إلى واجهة المنفذ المزيّن بصورة للرئيس الراحل، محمد أنور السادات، وبعض المُلصقات التي تحث على أهمية المشاركة في ثورة 30 يونيو، بعنوان: ''انزل شارك.. صوتك أمانة".
''روحي انتخبي السيسي دلوقتي''، يقولها مسؤول توزيع الأكياس، لسيدة أربعينية بعدما أعطاها الكارت، فيما منحَ أخرى الكيس الأول، لتنفك بذلك عقدة الطابور الطويل، وتطلق السيدة زغاريد متواصلة، مرددة: ''هروح اشتري ملوخية من السوق عشان شوربة الفرخة متروحش هدَر''.
اللافت فيما ما رصدته المنصّة أنه تم من قبل منفذ تموين رسمي دون شعار واضح لحملة أو جمعية، لكن المسؤولين عن التوزيع طلبوا بشكل واضح من النساء انتخاب السيسي.
هذا الموقف الذي رصدته المنصة لتقديم شنط التموين كرشاوي انتخابية في منطقة عين شمس ليس الأول من نوعه، فقد نشرت صحيفة الشروق خبرًا في اليوم الأول للتصويت، يوثّق ظهروها بمنطقة 15 مايو، حلوان، من قبل حملة "تحيا مصر"، لكن الخبر تم حذفه بعد نشره بساعات، دون توضيح من الموقع عن سبب حذف الخبر.
قبل بدء الانتخابات بأيام قليلة، نشطت عدة حملات لدعم الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي لولاية ثانية، دعاية هذه الحملات تضمنت قوافل طبية وقوافل توزّع مواد للسلع التموينية في محافظات كأسوان والمنيا، ومناطق في القاهرة كالجمالية، وهي نفس طريقة الدعاية التي كان يستخدمها الإخوان المسلمين خلال حشدهم من أجل المناسبات الانتخابية المختلفة، وجعلتهم محل نقد من العديد من التيّارات السياسية.
لا تعرف السيدة الخمسينية، إحدى الواقفات في الطابور، الكثير عن المعترك السياسي الحالي ولا يشغلها مدى تأثير المعروض عليها على العملية الانتخابية"إحنا كده كده هنروح ننتخب السيسي"، تقولها لتكسَر طول انتظارها، بعدما قطعت مشوارها الصباحي للحصول على أدوية للأمراض المزمنة التي تعاني منها '' قلت آجي أخد أكل للعيال، ما أنا كده كده عيانة".
حكت للمنصة سيدة من المُنتظرات، أن عملية الحصول على الشنطة، بدأت أمس: ''إحنا مقدمين من إمبارح ولسه مأخدناش حاجة''، فبعد تسليم البطاقة الشخصية لمسؤول التوزيع، يُدرج أسمائهن في قائمة الكشوفات، ثم يمنح كل سيدة كارت للانتخاب، تذهب به إلى اللجنة خلال أيام الاقتراع الثلاث، ثم تعود به إلى بقال التموين مرة أخرى، كما تقول إحدى السيدات اللائي حصلن على "كرتونة" تموين، مُقابل انتخاب مُرشح بعينه، حسب توصيات بقال التموين.
تروي لنا السيدة التي حصلت على "كرتونة" رحلتها بدايةً من الحصول على الكارت، إذ تقول: "أخدنا الكارت، وروحنا اللجنة ننتخب، وبعد ما خرجنا قالنا نسأل عن الراجل اللى بيختم، لقيناه واقف برا المدرسة ومعاه ختم، ختم لنا الكارت ورجعنا للبقال، وأخدنا الكرتونة".
لا تعرف السيّدة هوية الشخص الذي قام بختم الكارت، فقط أخذت تُردد لنفسها طوال الرحلة، الوجبة التي ستطهوها لأبنائها الخمسة بعد الحصول على "الكرتونة"، والتعليمات التي أملاها عليها بقال التموين: "محدش يطلع الكارت جوا اللجنة"، مؤكدة أن من قام بإظهار الكارت من جيرانها داخل اللجنة، تم تمزيقه وبالتالي لم يتمكنوا من الحصول على "الكرتونة".