مرَّ عام كامل على إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوته لحوار وطني بين السلطة والمعارضة، وهي الدعوة التي قبلتها الحركة المدنية الديمقراطية "إدراكًا لحجم الأزمة الكبرى التي تمثل تهديدًا خطيرًا لحاضر البلد ومستقبله"، واعتبرت أنها تمثل المعارضة المصرية بالداخل، وربطت قبولها المشاركة بمجموعة من الضوابط والمطالبات، كان على رأسها إطلاق سراح سجناء الرأي ممن لم تتلوث أيديهم بالدماء، ولم يمارسوا العنف أو يحرضوا عليه.
هذه المشاركة كانت محلًا لانتقادات كثيرة، رأت أن الحركة "تبيض وجه السلطة" عن طريق المشاركة في الحوار دون إحداث اختراق سياسي ملحوظ؛ فوتيرة الإفراجات تسير ببطء شديد، والحوار نفسه لم يبدأ بعد.
واليوم، وبالتزامن مع مرور سنة على دعوة الرئيس للحوار، يحل موعد التحضير لاستحقاق دستوري هام هو انتخابات رئاسة الجمهورية، التي لم تعلن الحركة المدنية بعد عن موقفها منها، في وقت أعلن فيه أحمد الطنطاوي، رئيس حزب الكرامة الذي استقال احتجاجًا على استمرار مشاركة حزبه في الحوار دون التزام السلطة بوعودها، عزمه "تقديم البديل المدني الديمقراطي" في الانتخابات المقبلة.
قبل أسبوعين، التقت المنصة المتحدث باسم الحركة المدنية، خالد داود، في منزله، وبينما هممنا بالجلوس على أريكة مقابلة لشاشة التليفزيون، كتم السياسي صوت الأخبار الصادرة عن إحدى القنوات، ليبدأ معنا مناقشة ودية صريحة حول الشأن العام، وموعد بدء الحوار، وأيضًا عن رد فعل الحركة حال عدم الإفراج عن قائمة السجناء التي تقدمت بها إلى السلطة.
وصباح اليوم، اتصلنا به للوقوف على آخر المستجدات حول كيف ستتعاطى الحركة مع الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024؟ ومن هو مرشحها.
كان داود يتوقع أن تُعقد الجلسة الافتتاحية للحوار قبل شهر رمضان، وذلك بناء على اتصالات أجرتها الحركة في وقت سابق مع رئاسة الجمهورية، وهو ما لم يحدث، "في السابق سمعنا عدة مواعيد، قيل لنا إن الجلسة الافتتاحية للحوار ستعقد قبل قمة المناخ، ثم قيل لنا بعد قمة المناخ، ثم تم إبلاغنا أن ذلك سيتم بعد كأس العالم لانشغال الناس بالبطولة".
يستنكر داود الاتهام الذي يوجهه البعض للحركة بأنها سبب تأخر انطلاق الحوار، معتبرًا أن الحركة "تجاوبت منذ اللحظة الأولى إيجابيًا مع كل متطلبات الحوار"، من تقديم الأسماء التي تمثلها في لجانه المختلفة، إلى المقترحات الواجبة في المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، "رغم تأخر ممثلي السلطة في تقديم ذلك من جهتهم".
"كل ما طالبنا به هو أن يتم الحوار في إطار أجواء مشجعة عليه، ليكتسب جديته ومصداقيته وثقة الرأي العام فيه. وكان على رأس مطالبنا الإفراج عن مجموعات من السجناء الذين ينتمون إلى التيار المدني بشكله الواسع، وليس فقط من أعضاء الحركة، ومنهم من ألقي القبض عليهم في أعوام 2018 و2019 و2022. لذا فنحن منفتحون بشدة على الحوار وساعون لإنجاحه"، يقول داود.
ورغم إطلاق سراح المئات من السجناء الذين طالبت الحركة المدينة بالإفراج عنهم، ومن بينهم مجموعة مهمة أمثال وكيل مؤسسي الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي زياد العليمي، وعضو حزب الكرامة حسام مؤنس، والمنسق العام للحركة المدنية يحيى حسين عبد الهادي، إلا أن هناك مجموعة أخرى لم يجر تحريك ملفاتهم، سواء من الصادر ضدهم أحكام مثل النشطاء السياسيين علاء عبد الفتاح وأحمد دومة ومحمد أكسجين، أو المحبوسين احتياطيًا، مثل عضو حركة 6 أبريل محمد عادل، والمترجمة مروة عرفة، والناشطة نرمين حسين، والمصور الصحفي حمدي الزعيم.
يضيف داود "علاوة على من أضيفوا مؤخرًا إلى قائمة المحبوسين بعد دعوات 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، نضيف الناشط السياسي شريف الروبي، الذي أعيد القبض عليه بعد إخلاء سبيله. لذا لا نزال نطالب بالإفراج عن جميع مسجوني الرأي، ونتطلع في الأيام المقبلة إلى خروج أعداد أكبر، لأن ذلك سيشجعنا في الحركة المدنية ويحفزنا للمشاركة في الحوار بشكل إيجابي وتقديم المقترحات الخاصة بنا".
لا تشعر الحركة المدنية بالرضا بسبب عدم حدوث انفراجة واسعة، "كنا نتمنى أن نكون أمام سيناريو مختلف يترك انطباعات إيجابية حول الحوار، سيناريو يقوم على إطلاق سراح أعداد كبيرة من مسجوني الرأي، والسماح بعودة المعارضين من الخارج، ورفع الحجب عن المواقع الصحفية، لكن من الواضح أن الأجهزة المعنية بالدولة لا تفضل هذا التوجه وتفضّل التقطير بدلًا منه".
لكن بمجرد إعلان موعد رسمي لانطلاق الحوار، يرى داود أن الحركة المدنية ستكون مطالبة بعقد اجتماع موسع لحسم مسألة المشاركة، "لأن هناك وجهتي نظر داخل الحركة، واحدة ترى أنه لا بد من التمسك الصارم بمطلب إطلاق سراح جميع الأسماء التي تقدمنا بها عند الدعوة للحوار، وإن لم يكن فإنه الانسحاب، حفاظًا على مصداقية موقفنا أمام الرأي العام. والثانية، ترى أنه رغم تحفظ الحركة على عدم تنفيذ ذلك المطلب الرئيسي، يظل خيار المشاركة والاستمرار في دفع مطلب إطلاق سراح السجناء وتقديم بدائل في جميع الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو الخيار الأفضل والأكثر واقعية".
ويشرح داود أن حجة هذا الرأي الأخير في السؤال العكسي؛ "ماذا سيكون تأثير الانسحاب على عمليات الإفراج عن السجناء؟ وهل سيعني ذلك إغلاق الباب بالكامل أمام أي إخلاءات سبيل في المستقبل؟ ثم ماذا سيكون مصير هذا الهامش القليل من حرية التنظيم والاجتماع الذي تتمتع به أحزاب الحركة حال الانسحاب؟".
ويقول أن "هناك من يرى أيضًا أن الحركة تخاطب بالأساس الرأي العام. وعلى أهمية الملف السياسي وملف الحريات، فهناك الملف الاقتصادي، الذي يمثل أولوية لجميع المواطنين، مؤيدين ومعارضين. هناك حالة رعب وقلق من تصاعد الديون إلى معدلات غير مسبوقة، وعلى الحركة أن تحاول المساهمة في حلحلة هذا الأمر أيضًا. لذا يرجح التيار الغالب داخل الحركة المشاركة في الحوار على أمل أن تتغير الأوضاع تدريجيًا".
ومنذ أن أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوته إلى حوار وطني خلال إفطار الأسرة المصرية في نيسان/أبريل الماضي، تجري الاستعدادت لإطلاق الحوار، بتشكيل هيكله التنظيمي، وإطلاق نحو ألف من السجناء والمحبوسين احتياطيًا في قضايا رأي، لكن حتى الآن لا يزال جدوله ومواعيده غير محددين.
عن تبييض وجه السلطة
لا يعتقد داود أن الحركة تساهم في "تبييض وجه السلطة" بحسب بعض الانتقادات الموجهة لها، قائلًا إن سقف التوقعات للحوار منذ البداية لم يكن مرتفعًا؛ "كنا ندرك أننا نذهب إلى حوار مع السلطة للنقاش حول قضايا عاجلة يتم تقديم توصيات بها إلى رئيس الجمهورية. ولم ندخل مفاوضات مع الحكومة من أجل إقرار قوانين جديدة أو إحداث تغييرات جوهرية. وما نطالب به هو تطبيق الدستور والقانون، والذي ينص على عقد انتخابات تعددية، وتداول للسلطة، واحترام حريات وحقوق المواطنين. أما المطالبة بالإصلاح السياسي فهي عملية مستمرة، والحوار ما هو إلا نقطة فيها".
يدفع المتحدث باسم الحركة بأن معارضتهم للسياسات الحالية قائمة، وأنهم يرفضون عمليات القبض على المواطنين لمجرد التعبير عن الرأي. كما رفضت الحركة اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي لما به من اشتراطات تصل حد التدخل في إدارة الشأن الاقتصادي الداخلي، وكذلك رفضت سياسة "مزيد من الاقتراض، وإهدار أموال المصريين في مشاريع ليس لها أولوية".
وردًا عن سؤال للمنصة عما يمكن أن يدفع الحركة المدنية لإعلان فشل الحوار، قال داود إن ذلك "مرهون باستمرار عمليات القبض على الناس لمجرد التعبير عن آرائهم، والتوقف الكامل عن إطلاق سراح المسجونين على ذمة قضايا الرأي، وعدم الاستجابة لمطالب رفع الحجب عن المواقع الصحفية".
ويرى داود أن "أيُّ فاهمٍ للوضع السياسي والأمني في مصر، لا بد أن يدرك صعوبة توقع اختفاء جميع الممارسات التي نرفضها ونطالب بانتهائها. أنت تتحدث عن تراث متجذر في طريقة تعامل الأجهزة الأمنية مع الوضع السياسي في مصر، لذا ليست هناك مفاجأة في أن تسمع أخبار القبض عن شباب لمجرد عمل فيديوهات كوميدية في وقت تسعى فيه السلطة للحوار مع المعارضة. ومن ثم لا يمكن تصور أن تنقلب الأمور 180 درجة بمجرد إطلاق الحوار وإعلان النية للانفتاح السياسي. الأمر يحتاج وقتًا طويلًا".
وكانت وزارة الداخلية العام الماضي ألقت القبض على أربعة من محافظة أسيوط لنشرهم فيديوهات ساخرة عن ارتفاع الأسعار، عبر قناة "ظرفاء الغلابة". وجهت لهم نيابة أمن الدولة تهمة نشر أخبار كاذبة وتم حبسهم لشهر قبل الإفراج عنهم.
وفي يناير الماضي، أمرت نيابة أمن الدولة العليا بحبس أربعة من صناع المحتوى الكوميدي على تيك توك بعد نشرهم مقطع فيديو كوميديًا عن فتاة تزور حبيبها في السجن، ووجهت إليهم تهم نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية، وما زالوا محبوسين.
نرفض أن تحصل قائمة على جميع مقاعد البرلمان لمجرد حصولها على 51% من الأصوات، كل حزب من حقه التمثيل بمقاعد تتناسب مع ما حصده من أصوات
الحرية الحزبية
سألنا داود عن مشروعه للحوار الوطني، بصفته مقررًا مساعدًا للجنة الأحزاب السياسية في الحوار، فقال إنه يسعى "إلى إطلاق حرية إنشاء الأحزاب وتشكيلها، ورفع القيود أمام العمل الحزبي. ويشمل هذا إعادة النظر في دور لجنة شؤون الأحزاب، والذي أصبح معقدًا وبيروقراطيًا جدًا ويعيق عمل الأحزاب. وكذلك البحث عن وسائل لتمويل الأحزاب، بعيدًا عن تدخل الدولة المباشر، لأن هناك بعض المقترحات أن توفر الدولة التمويل للأحزاب، وهذا ما نرفضه لأن 'محدش بيدفع حاجة ببلاش'".
كما يوضح داود أنه يهدف، مع الحركة المدنية، إلى "تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية، وفي القلب منه قوانين الانتخابات، واعتماد نظام القائمة النسبية وتصغير القوائم"، وهو مطلب قديم يعود إلى أيام الرئيس الراحل حسني مبارك. "لأننا نرفض أن تحصل قائمة على جميع مقاعد البرلمان لمجرد حصولها على 51% من الأصوات، كل حزب من حقه التمثيل بمقاعد تتناسب مع ما حصده من أصوات الناخبين، لأنه من غير المنطقي أن تُؤخذ أصوات الناخبين لصالح حزب لم ينتخبوه لمجرد أنه حاز أغلبية الأصوات. كما نهدف إلى تسهيل عملية امتلاك الأحزاب لوسائل الإعلام وإطلاق حريتها، لأنه على سبيل المثال تم حجب موقع درب التابع لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي".
لكن، هل لمس داود استعدادًا لدى السلطة، لإحداث أي اختراق في تلك الملفات؟ يرد "تقول السلطة إنها مستعدة لإحداث مثل هذا الاختراق، بينما التجاوب على الأرض شديد البطء، بحكم العقلية الأمنية المسيطرة والتقاليد الراسخة منذ عقود، بالتالي فإن المسار طويل ومعقد وصعب، لكن من المهم أن نبدأ الآن، فلا يصح أن نستمر في ترديد مقولات من عينة أن الشعب المصري غير مستعد للديمقراطية، وأن الظروف غير مناسبة، فمتى ستكون مستعدًا؟ ومتى ستسنح الظروف؟".
المرشح الرئاسي للحركة المدنية
وعن استعداد الحركة المدنية للانتخابات الرئاسية المقبلة، ومدى ارتباطها بنجاح الحوار الوطني أو حتى إجرائه، يؤكد داود إنه "لا يوجد ارتباط بين توافق الحركة على مرشح للرئاسة وبين الحوار الوطني"، وإن كان "اتخاذ خطوات ملموسة توحي بالتغيير والرغبة الحقيقية في إحداث إصلاح سياسي هو ما سيمنحنا الثقة لخوض انتخابات الرئاسة 2024".
ويضرب داود أمثلة "كأن يحدث الحوار بشكل إيجابي وبنّاء، وكأن تكون هناك رغبة من قبل السلطة في إجراء انتخابات دون قيود. بمعنى أن يتم السماح لمرشح المعارضة بطرح برنامجه على وسائل الإعلام، وبخاصة أن المنافس هو مرشح الدولة والمسخَّرة له كل إمكانياتها".
ويرى داود أيضًا أن المرشح لا بد أن يُسمح له "باللف بين المحافظات ولقاء الناخبين، وألا يتعرض للتشويه أو 'الضرب تحت الحزام'، وبالطبع ألا يتم اعتقاله أو أي من أعضاء حملته، لأننا لن نشارك كمحلل للعملية الانتخابية على أي حال، ولن يقبل أحد في الحركة أن يشارك في انتخابات مسرحية، كما حدث في انتخابات العام 2018، والتي لم تقنع أحدًا، ولم تكن في مصلحة البلد".
وفي ظل إعلان أحمد الطنطاوي، رئيس حزب الكرامة المستقيل، موعد عودته إلى مصر في 6 مايو القادم "لأقوم بواجبي في تقديم البديل المدني الديموقراطي الذي تحتاج إليه مصر ويقدر عليه شعبها العظيم" بحسب ما نشر على فيسبوك، يقول داود إن قرار عودة النائب البرلماني السابق للاشتباك مع الاستحقاق الرئاسي 2024 هو "قرار شخصي يمثله منفردًا، جاء دون تنسيق مع الحركة".
ويوضح أن "هناك نقاشًا يدور الآن داخل الحركة" حول مرشحها ولكنه ما زال في مرحلة الـ "عصف الذهني"، وأن الحركة "لم تحسم الأمر بعد".
وعن الأسماء المتداولة، قال داود "لدينا أسماء كثيرة، منهم جميلة إسماعيل رئيسة حزب الدستور، وأكمل قرطام رئيس حزب المحافظين، ومحمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية، وزياد بهاء الدين نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق، ونبيل فهمي وزير الخارجية الأسبق، والنائب البرلماني السابق أحمد الطنطاوي أيضًا من ضمن الأسماء".
لكنه يستدرك متسائلًا "هل سيكون النظام مستعدًا لمعارضة شرسة؟ هذه واحدة من مؤشرات الحكم على جدية الانتخابات الرئاسية في 2024".