"فلان الفلاني رمز كذا"، هذه هي تقريبًا آخر جملة يسمعها الناخب قبل دخوله لجنة التصويت في أي انتخابات، سواء برلمانية أو رئاسية. الجملة بسيطة وسهلة وتأثيرها في الغالب كبير. لكن هل سألت نفسك يومًا: لماذا نضع رموزًا انتخابية على أوراق الاقتراع؟ ومتى ظهرت في نظامنا الانتخابي؟ ولماذا مستمرة حتى الآن؟
عرفت مصر الحياة النيابية منذ نحو قرنين، عندما قرر محمد علي عام 1824 إنشاء "المجلس العالي"، الذي يعد بداية تأسيس أول مجلس نيابي في مصر، وكان يتكون من 24 عضوًا من نظار الدواوين ورؤساء المصالح واثنين من الأعيان من كل مديرية يقوم أهالي المديرية بانتخابهما، وجاء عام 1866 ليتأسس أول مجلس لشورى النواب.
وطبقًا للائحة التأسيس كانت عملية الانتخاب تتم بطريق غير مباشر، ففي المديريات (المحافظات) كان حق التصويت قاصرًا على العُمد والمشايخ، أما في القاهرة والإسكندرية ودمياط، والتي كان يطلق عليها اسم دوائر المدائن، فكان حق الانتخاب قاصرًا على الأعيان. بينما لم يكن للشعب أو العامة حق التصويت، ومع تطور الحياة البرلمانية أصبح من حق الشعب انتخاب برلمانه، خاصة بعد ثورة 1919، لكن هذا "الشعب" لم تكن النساء محسوبة ضمنه، فلم يُمنحن الحق في الترشح والتصويت قبل عام 1956.
تاريخ اختيار الرموز
العام ذاته (1956) شهد النص على استخدام الرموز الانتخابية للمرة الأولى في تاريخ الحياة النيابية المصرية، وذلك مع إقرار قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 47 لسنة 1956، حيث تم النص في المادة 29 منه على اقتران اسم كل مرشح للانتخابات، وكل موضوع مطروح للاستفتاء بلون أو رمز يُحدد بقرار من وزارة الداخلية، بحسب ما نصت عليه اللائحة التنفيذية للقانون.
كان السبب هو التسهيل على الناخبين الذين لا يجيدون القراءة والكتابة، كون أغلب المصريين كانوا يعانون الأمية في تلك الفترة. وبحسب دراسة، أعدها الباحث عبد المنعم عبد العظيم نُشرت في 2015، كان عدد الرموز في البداية 31 رمزًا، ووقتها كان عدد المرشحين يتراوح بين 3 و10 مرشحين في كل دائرة، وفي عام 1984 أصدر وزير الداخلية قرارًا جديدًا بزيادة عدد الرموز الانتخابية إلى 100 رمز، مع تزايد أعداد المرشحين في الانتخابات.
وهكذا ظل عدد الرموز يكبر مع زيادة أعداد المرشحين في كل انتخابات، ويتم إضافة رموز وحذف أخرى بحسب قرار وزير الداخلية. ويعطي القانون الحق للمرشح في اختيار رمزه الانتخابي من بين الرموز المنصوص عليها.
في انتخابات 2005 أثار أيمن نور ما اعتبره "فضيحة"، بعد الإعلان عن حصول مبارك على رمز "الهلال"
وإن كان ما سبق يتعلق بالانتخابات البرلمانية، لأنه لم يكن هناك انتخابات رئاسية حتى تعديل الدستور في 2005، حيث تم تغيير أسلوب اختيار رئيس البلاد من الاستفتاء على اسم واحد يوافق عليه ثلثا نواب البرلمان إلى الاقتراع الشعبي السري المباشر، للاختيار من بين أكثر من مرشح. فنُقلت التجربة ذاتها إلى أول انتخابات رئاسية تعددية في مصر عام 2005، والتي خاضها حسني مبارك مع تسعة مرشحين آخرين، أبرزهم رئيس حزب الغد أيمن نور، ورئيس حزب الوفد نعمان جمعة.
معركة "الهلال"
ربما لا يعرف الكثير من مواليد ما بعد الـ 2000 سبب غضب من أكبر منهم في العمر قليلًا من رمزي "الهلال" و"الجمل"، والإجابة كانت عند المستشار عبد المعز إبراهيم، رئيس اللجنة العليا للانتخابات التي شكلت لأول انتخابات بعد ثورة 25 يناير 2011، عندما أعلن، وقتها، تعديل اللجنة قائمة الرموز الانتخابية، وأنها تخلصت تمامًا من رمزي الهلال والجمل على وجه الخصوص لأنهما رمزان مرتبطان بالحزب الوطني المنحل، وأضافت رموزًا أخرى تدل على التقدم والرقي، مثل الكمبيوتر والتليفون المحمول. وهو ما لاقى ردود فعل إيجابية.
في انتخابات الرئاسة 2005 أثار المرشح الرئاسي وقتها أيمن نور ما اعتبره "فضيحة"، بعد الإعلان عن حصول مبارك على رمز "الهلال" رغم أن نور كان سبقه في الترشح واختار الرمز نفسه، وهو ما يُشير إلى تأثير استعمال رمز الهلال في الدعاية الانتخابية، والتي كان يستخدمها الحزب الوطني في كل انتخاباته البرلمانية، وبالتالي كان يمكن لأيمن نور أن يستفيد منها في معركته وقتها.
ويبدو أن الصراع على الرموز ليس مسألة مصرية خالصة وإنما مكررة في أماكن أخرى في العالم، ففي بلد مثل باكستان الذي يعاني من الأمية أيضًا يتم الاعتماد على الرموز المصورة في الانتخابات، وهو ما يخلق أزمات بين القوى السياسية، فهذه جماعة خصص لها رمز "الأسد" بينما منافستها كان من نصيبها رمز "القطة"، فتعترض جماعة القطة على جماعة الأسد؛ لرمزية أن الأسد غالبًا ما سيهزم القطة.
وهكذا كان الهلال والجمل في مصر يغلبان عادة كل الرموز الأخرى، حتى ولو بالتزوير، ولذلك كان القرار باستبعادهما بعد ثورة 25 يناير بسبب الصورة الذهنية والشعبية السيئة عنهما، وهو الأمر ذاته الذي حدث مع رمز "الميزان" الذي كان رمزًا شهيرًا لجماعة الإخوان المسلمين، إذ حُذف أيضًا بعد الإطاحة بجماعة الإخوان من الحكم.
ونجمة "الأمل"
في الانتخابات الرئاسية التي حدثت بعد 30 يونيو 2013، حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على اختيار رمز "النجمة"، في المرة الأولى عام 2014، وفي الانتخابات السابقة 2018، وقال محمد بهاء الدين أبو شقة، المستشار القانوني لحملة السيسي للانتخابات 2014، في تصريح له آنذاك إن هناك 3 أسباب وراء اختيار رمز النجمة؛ "أولها السلاسة والبساطة للرجل المصري البسيط، ثانيًا يستخدم النجم كمصباح في السماء لإضاءة ظلمة الليل دلالة على الأمل، ثالثًا النجم في السماء، والمراد هنا أن تكون مصر في عنان السماء".
تُستغل الرموز لازدراء المعارضة عبر منح أفرادها رموزًا مهينة
ويبدو أن السيسي مُصر على الرمز نفسه للأسباب نفسها، حيث اختار النجمة رمزًا له في انتخابات 2024، من بين 15 رمزًا تضمنها جدول الرموز الانتخابية، وهي "النجمة والشمس والأسد والحصان والنسر والديك والميزان والطائرة وساعة اليد والنخلة والمركب والمظلة والتليفون والنظارة والسلم"، بينما اختار فريد زهران رمز الشمس، واختار مرشح الوفد عبد السند يمامة رمز النخلة التاريخي للحزب، واختار حازم عمر رمز السُلم.
وبين الحين والآخر تثير الرموز جدلًا بسبب استخدامها السياسي، ففي عام 2015 أقام محامٍ دعوى قضائية يطالب فيها بإلغاء الرموز الانتخابية ووضع صور للمرشحين، أو اختيار رموز تليق بهيبة مرشحي البرلمان، بحيث لا يتعرض المرشح للتهكم والسخرية بسبب الرمز الذي يلتصق به، والذي من الممكن أن يظل مرتبطًا به حتى الممات.
وتُشير بعض التحليلات إلى الاستخدام السياسي للرموز، حيث يمكن أن تُستغل لازدراء المعارضة، عبر منح أفرادها رموزًا مهينة في معناها الشعبي مثل "الإريال" أو "القفل"، أو بغرض التمييز بين المعارضة والمستقلين، حيث انتقد البعض استخدام رموز مثل "سرنجة" و"كماشة" و"دومينو" و"فازة".
واستمر استخدام هذه الرموز حتى الانتخابات البرلمانية عام 2015، ثم قررت الهيئة الوطنية للانتخابات، في 2020 استبعادها وحذفها من القائمة، دون أن توضح السبب فيما أشارت وسائل إعلام إلى أن السبب أن هذه الرموز كانت "مثيرة للسخرية".ورغم هذا، حملت قائمة الرموز الانتخابية في 2020، أشكالًا أثارت الدهشة والتساؤل مثل الشنيور والبطريق.
تنتهي الانتخابات ولا يبقى منها مع نتائجها سوى الرموز التي تلتصق بأصحابها، لتلاحقهم حتى في حال خسارتهم، كعلامة مميزة.