في 27 يناير/كانون الثاني من العام 2011، وبينما كان المتظاهرون في محيط وسط القاهرة يطالبون بإسقاط النظام، كان رئيس مجلس الشعب آنذاك فتحي سرور يبدو مطمئنًا وهو يقول لبعض محرري البرلمان "تونس هي اللي تقلد مصر"، مستبعدًا تكرار سيناريو ثورة الياسمين.
لكن عاش سرور ليشهد انهيار النظام الذي أخلص له، وساهم في تفصيل تعديلين دستوريين في العامين 2005 و2007 لتثبيت أركانه، وانتخابات برلمانية في 2010 شهدت أكثر من 1000 طعن على نتائجها، بعد هندستها لإبعاد المعارضة. وفي 8 فبراير/شباط 2011 تحول المجلس حرفيًا إلى مجلس الشعب، بعد احتشاد الثوار في محيطه.
أدار العلامة القانوني، الذي يعد أحد أهم أعمدة نظام مبارك، مجلس الشعب لأكثر من 20 عامًا، ليصبح الأقوى تأثيرًا والأكثر بقاءً في هذا المنصب الخطير بين أقرانه؛ وخلال ولايته خرجت عدد من القوانين المؤثرة للنور.
"ما في موقع أخدته أنا طلبته. لا أسعى إلى شيء. التفوق وإجادة الأداء في أي موقع هو الذي ينقلك في نظر الناس". هكذا رأى أستاذ القانون الجنائي مشواره الذي تقلد خلاله مناصب عدة، بينها وزير التربية والتعليم ثم رئيس مجلس الشعب عام 1990.
في ظهوره الأخير في إعلام مبارك، قال لخيري رمضان في برنامج مصر النهارده قبل الثورة بأيام "لا يبهجني أي منصب. يبهجني أدائي ومدى نجاحي في تحقيق الأداء. عاوز هدف معين أحققه. إذا ما نجحت في تحقيق الهدف هذا ما يبهجني"، قبل أن يؤكد رضاه عن إدارته للمجلس، و"تحقيق التوازن" بحيث لا يغضب أحد. مكنه هذا الأداء من الاحتفاظ بكرسيه نحو 21 عامًا، انتهت بحل مجلس الشعب بعد ثورة يناير.
أطاحت الثورة بقادته ثم به وبأقرانه، فواجه سلسلة من الاتهامات والمحاكمات. وقف خلف قضبان القفص، كأحد المتهمين بتدبير موقعة الجمل ضد المعتصمين في ميدان التحرير، مدافعًا عن نفسه، معتبرًا أنه تعرض لمؤامرة "سيدي الرئيس، أنا المتهم الرابع أحمد فتحي سرور. لقد عمل المتآمرون على هدم تاريخي، يا سيدي أنا ضحية مؤامرة"، في إشارة إلى ما أسماه بالمؤامرة على "رجال مصر". لم يكتفِ القانوني المخضرم بذلك، بل انتقد أداء قاضي التحقيق نفسه في القضية، واتهمه بعدم الحياد.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2012 انتهت محاكمته إلى صدور حكم برأه، ومعه 24 متهمًا آخرين، منهم قيادات نظام مبارك.
سرور في المجلس
كانت 21 عامًا قضاها سرور في مجلس الشعب، كفيلة بإعطائه قدسية ومهابة بين العاملين، يقول أحد أفراد الأمن في مجلس النواب، عاصر سرور في سنوات مجده "الدكتور سرور كان مختلف عن كل اللي جه بعده، أنا استلمت شغلي هنا في فترة الدكتور سرور، ولسه مكمل، بس وقت الدكتور سرور كان حاجة مختلفة".
يسترجع نور دور رجل مبارك في تسهيل القبض عليه بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في 2005
أقام سرور علاقات قوية مع العاملين في المجلس "الدكتور ابن بلد وصاحب واجب، وله هيبة وأستاذ الأساتذة، كل الناس حتى المعارضة كانوا بيحترموه"، يضيف فرد الأمن، الذي رفض نشر اسمه، لـ المنصة، لافتًا إلى العلاقة الطيبة التي جمعت رئيس مجلس الشعب الأسبق بنواب المعارضة في برلمان 2005، الذي شهد تمثيلًا للإخوان والمستقلين، الذين أُبعدوا عمدًا عن مجلس 2010.
يتوافق كلام فرد الأمن مع شهادات عدد من نواب المعارضة في دورات مختلفة.
كتب السياسي أيمن نور، الذي بدأ تجربته البرلمانية عام 1995 ثم نافس مبارك في انتخابات الرئاسة 2005، عن سرور في بوست على فيسبوك يكشف عن حبه للرجل "الذي حاولت، لأكثر من ربع قرن، أن أخفيه في صدري ولا أُفصح عنه".
يسترجع نور دور رجل مبارك في تسهيل القبض عليه بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في 2005 "أصدر قرارًا من منزله... برفع الحصانة عني ليلاً، لتسهيل اعتقالي يوم 21 يناير 2005 من داخل البرلمان، تعمد وضع ساعة التوقيع أسفله، وكانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، ليشير أن هناك من مارس عليه ضغوطًا عُليا للتوقيع في هذا التوقيت".
التقدير الذي يعبِّر عنه نور رغم خلافه الشديد مع النظام، ليس حالة منفردة، بل يشاركه فيه عدد من نواب المعارضة الذين عاصروا سرور تحت القبة.
يقدر النائب في مجلس 2005 علاء عبد المنعم، التزام سرور ببعض من متطلبات وظيفته، فيقول لـ المنصة "كنت نائبًا معارضًا، ومع ذلك كان يحميني من بطش الأغلبية، حين أتحدث ويثور النواب على كلامي كان يسمح لي باستكمال الحديث بصرف النظر عن ضوضاء وجلبة الأغلبية".
لكن هذا الحياد الشكلي لم يمنعه من خدمة نظام مبارك بإخلاص، فلعب دورًا بارزًا في ضم النواب الذين نجحوا كمستقلين للحزب الوطني الحاكم، الذي أحرق الثوار مقره بالقرب من البرلمان فور إطاحتهم بالنظام. يقول النائب السابق في برلمان 2005 مصطفى الجندي، لـ المنصة "نجحت بـ 20 ألف صوت، ودخلت المجلس أول يوم أعمل الكارنيه، لقيته سايب ورقة إنه عايز يقابلني".
رفض الجندي عرض سرور "قلت له أنا مستقل، ونجحت مستقل وهفضل مستقل، وتقبل الكلام، هو وكمال الشاذلي". غير أن الحزب الوطني الذي لم يحصد سوى 149 مقعدًا في تلك الانتخابات، أبى إلا الحصول على الأغلبية، فضم إليه 71 مستقلًا، من بينهم أعضاء منشقين عن الحزب، كانوا ترشحوا "على مبادئ الوطني".
دويتو سرور ومهران
يذكر من اقتربوا منه الجانب الإنساني، يقول عنه الجندي "ابن بلد ومثقف ومحبوب جدًا"، أما الجانب السياسي "سرور وسامي مهران كانوا دويتو"، لافتًا إلى "خبرة مهران، الأمين العام الأسبق لمجلس الشعب، المتودك في إدارة دولاب المؤسسة وعلاقاتها مع الجهات الأخرى، ذراع سرور الأيمن في تعديل القوانين".
لم يجد سرور غضاضة في وصفه بـ "الترزي" فقال في 2005: نحن ترزية قوانين نفصلها على مقاس الزبون
الفارق كبير في الخبرة والحنكة بين برلمان سرور وبرلمان 30 يونيو، حسب الجندي ، "الخبرة كانت بتحافظ على استخدام الأدوات الرقابية، وفي نفس الوقت تنتهي الجلسة بتوجيه الشكر للحكومة وتجديد الثقة. الخبرة كانت بتقول مفيش برلمان دون معارضة، ولا استجوابات وشد وجذب، وفي بعض الأحيان كانت الأغلبية ما بتاخدش صف الحكومة".
ينفي الجندي أن يكون ذلك دليلًا على الديمقراطية، مؤكدًا "مكانش فيه ديمقراطية، كان فيه مساحة بتكمل صورة اللا ديمقراطية".
سلق القوانين وتفصيلها
اشتهر فتحي سرور بكونه صاحب اليد السحرية في القوانين التي صدرت أثناء توليه المجلس، "شفنا قوانين بتطلع في 48 ساعة"، يقول الجندي "لما كان ييجي أمر من الرئاسة بسرعة الفصل في القانون، تتفق الحكومة والبرلمان والأغلبية، ويتسلق القانون"، لا يشير الجندي إلى قانون بعينه، لكن عددًا منها كان "يخص الاستثمار ورجال الأعمال".
وهو ما جعل سرور يستحق لقب "ترزي القوانين". وللعجب، لم يجد سرور غضاضة في وصفه بـ "الترزي"، وقلب معناه، فقال لصحيفة المصري اليوم في 2005 "نحن ترزية قوانين، نفصلها على مقاس الزبون، والزبون لدينا ليس الحكومة ولكنه الشعب. نحن ترزية قوانين على مقاس الشعب".
أما الجندي فيرى أنه "كان ترسًا في النظام"، مضيفًا "أي نظام شمولي لازم يكون عنده ترزية دساتير وقوانين".
وهو ما تمثل في التعديلات الدستورية لعام 2007، التي تعد واحدة من المحطات الهامة التي شهدها المجلس "وقت التعديلات الدستورية كان شد وحذب بين المعارضة والأغلبية بسبب حذف شرط الإشراف القضائي على الانتخابات. الناس عارفة هييجي أحمد عز ويجيب 99% من البرلمان حزب وطني، النواب كانوا عارفين إنهم مش هيرجعوا تاني. وده اللي حصل في انتخابات 2010" يقول النائب المستقل.
سيد قراره
استخدم سرور ذكاءه في خدمة النظام، يتذكر النائب السابق علاء عبد المنعم مناقشة أحد مشروعات القوانين في جلسة مسائية "كنّا في القاعة أغلبية من نواب المعارضة والمستقلين، كان نواب الحزب الوطني مشيوا، وفي التصويت على المشروع رفضنا، فأدرك أن القانون لن يمر، فطلب مناداة الأسماء"، يستطرد ضاحًكا "تصويت نداء بالاسم ياخد ساعتين، دا كان وقت كافي لحد ما لموا نواب الموالاه من على القهاوي بالتليفون، رجعوا القاعة واتمرر القانون".
اشتهر سرور بعبارة "المجلس سيد قراره"، رافضًا تطبيق أحكام محكمة النقض بشأن الفصل في العضوية، مستندًا إلى المادة 93 من دستور 1971، التي تنص على اختصاص المجلس "بالفصل في صحة عضوية أعضائه. وتختص محكمة النقض بالتحقيق في صحة الطعون المقدمة إلى المجلس بعد إحالتها إليها من رئيسه"، مغفلًا عمدًا عشرات الأحكام التي قضت بعدم صحة العضوية.
انتهت حقبة سرور ومرحلة سيد قراره مع ثورة يناير، لكن تأثير الرجل وبصماته التي تركها على مدار أكثر من 20 عامًا ظلّا واضحين في التشريع المصري من خلال القوانين التي طالت الصحافة والقضاء. أما المعارضة، فتتباكى على أيام سرور أملًا في مساحة للحراك، بعدما شهدت ما هو أسوأ.