الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي - فيسبوك
الرئيس عبد الفتاح السيسي يدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية 10 ديسمبر 2023

الحاضر الغائب في انتخابات الرئاسة

منشور الاثنين 18 ديسمبر 2023

و"الحاضر" هنا هو "الرئيس" عبد الفتاح السيسي الذي لم يتوقف عن ممارسة دوره رئيسًا للسلطة التنفيذية، منذ أن انطلقت مرحلة الدعاية الخاصة بالاستحقاق الرئاسي في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

خلال فترة الدعاية، أجرى السيسي 57 نشاطًا رئاسيًا، تنوعت بين اجتماعات مع رئيس حكومته مصطفى مدبولي ووزرائه لمناقشة ملفات محلية، واستقبال عشرات المسؤولين العرب والأجانب لبحث وقف العدوان الصهيوني على قطاع غزة والضفة الغربية، والمشاركة في مؤتمرات وقمم إقليمية ودولية.

كما أجرى اتصالات مع زعماء وساسة أجانب للسبب الأخير ذاته، ولم تتوقف جولاته وزياراته لتفقد عدد من الطرق والكباري والمشروعات القومية تحت الإنشاء، حسب ما جاء في الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية.

الأنشطة المشار إليها في الفقرة السابقة حظيت بتغطية إعلامية واسعة من المنصات الصحفية المصرية، إذ أبرزت الصحف الورقية أخبار الرئيس كمانشيتات رئيسية في صدر صفحاتها الأولى. وفي المواقع الإلكترونية ظلت هي الخبر الرئيسي/main news لساعات، وهو ما تكرر في نشرات القنوات المصرية، أمّا في البرامج الحوارية المسائية فصُدِّرت أنشطة الرئيس كتقارير افتتاحية، تعقب إذاعتها تعليقات وتحليلات من خبراء وصحفيين.

لم يحدث أيُّ تغيير على أجندة التغطيات الصحفية لنشاط الرئيس خلال فترة الانتخابات، كما يجري الأمر في أي دولة ينافس رئيسها آخرين، وتحترم مؤسساتها مبادئ الحياد والمساواة وتكافؤ الفرص التي تفرضها القواعد والأعراف الديمقراطية.

من الأمور اللافتة في الموسم الانتخابي الذي انتهى قبل أيام، أنَّه حتى في اليوم الأول للتصويت، الذي يفترض أن يتابع فيه المرشح عبد الفتاح السيسي من داخل غرفة عمليات حملته سير  العملية الانتخابية واتجاهات التصويت كما يحدث في أي استحقاق بالعالم، فوجئ الصحفيون بالمتحدث باسم الرئاسة يبث عبر فيسبوك بيانًا عن اجتماع للرئيس بشأن الإنتاج الزراعي.

حضر الاجتماع رئيس الوزراء ووزير الكهرباء محمد شاكر واللواء أحمد العزازي رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والعقيد الدكتور بهاء الغنام المدير التنفيذي لجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، وذلك لـ"متابعة جهود تفعيل المشروع القومي للإنتاج الزراعي (مستقبل مصر)، والدور الذي يقوم به في تطوير المنظومة الزراعية".. إلخ.

وبالطبع زاحمت هذا الخبر أخبارُ "الحشود التي تدفقت على لجان الانتخابات من كل حدب وصوب للقيام بواجبها الوطني والمشاركة في العرس الديمقراطي"، وحتى خبر إدلاء الرئيس ومنافسيه بأصواتهم في لجان الاقتراع.

وتكرر اجتماع مشابه في اليوم التالي من أيام الاقتراع.

منذ أن عرفنا الانتخابات التعددية عام 2005 لم تشهد مصر غياب المرشح الرئاسي "الأوفر حظًا" عن المشهد

الرئيس السيسي إذن هو "الحاضر" المشار إليه في عنوان المقال، أما "الغائب" فهو "المرشح" عبد الفتاح سعيد حسين خليل السيسي، الذي أعلن مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي ترشحه لولاية رئاسية ثالثة، مُجددًا العهد بتحقيق طموحات المصريين وإقامة دولة المؤسسات، حسبما وعد في مؤتمر "حكاية وطن" الذي أقيم في هذا التوقيت.

السيسي قال، في ختام هذا المؤتمر، إن "المصريين حققوا ملحمة تاريخية بعدما استعادوا بلادهم من جماعة الظلام والغدر، وواجهوا إرهابًا غاشمًا، ثم واجهوا تحديات كبيرة لتحقيق التنمية والبناء وإقامة دولتهم القوية"، مشيرًا إلى أنه وجّه الحكومة لبحث مخرجات الحوار الوطني وتنفيذ توصياته وبناء دولة عصرية.

كانت فعاليات ذلك المؤتمر هي المرة الأولى والأخيرة التي تحدث فيها المرشح الرئاسي السيسي عن السباق الانتخابي، الذي يخوضه مع منافسين ادَّعى كلٌّ منهم قدرته على حسم الاستحقاق لصالحه. إذ أوكل مهمة التعاطي مع ذلك الحدث الأبرز إلى المستشار محمود فوزي، الذي استقال من منصبه القضائي نائبًا لرئيس مجلس الدولة، واعتذر عن استكمال عمله أمينًا للمجلس الأعلى للإعلام أيضًا، ليتولى رئاسة الحملة الرئاسية للمرشح السيسي؛ يحضر المؤتمرات الانتخابية ويظهر في الصحف والفضائيات لشرح "رؤية" مرشحه، ويستقبل قيادات الأحزاب والنقابات والاتحادات العمالية وغيرهم من الفاعلين والمؤثرين، ويرد على استفساراتهم ويجيب عن تساؤلاتهم.

منذ أن عرفنا الانتخابات الرئاسية التعددية عام 2005، لم تشهد مصر غياب المرشح الرئاسي "الأوفر حظًا" عن المشهد الانتخابي، فبغضِّ النظر عما إذا كانت الانتخابات محسومة أم لا، وبغض النظر عن نزاهة الإجراءات السابقة والمنظمة لها، يظهر داخل كادر المنافسة كل المرشحين بما فيهم الرئيس المرشح.

خلال انتخابات الرئاسة 2005، ظهر الرئيس الراحل حسني مبارك بـ"نيو لوك" متخلصًا من ربطة عنقه، في أول مؤتمر انتخابي جماهيري انعقد في حديقة الأزهر، وألقى بنودًا من برنامجه الانتخابي، وبُثَّ المؤتمر حصريًا على قناة دريم الفضائية الخاصة، فيما اكتفى التليفزيون المصري بإذاعة مقتطفات مسجلة لمدة ربع ساعة فقط ضمن المدد المحددة للمرشحين، احترامًا لمبادئ الشفافية والحياد والمساواة بين جميع المرشحين كما قيل حينها.


الرئيس المرشح الذي كان يواجه حينها منافسة من أيمن نور، رئيس حزب الغد، ونعمان جمعة، رئيس حزب الوفد، وعدد آخر من رؤساء الأحزاب، جاب عددًا من محافظات مصر والتقى مواطنين، تم تحضريهم وإعدادهم سلفًا للحديث معه.

لكنه كان وحملته وحزبه حريصين على إخراج مشهدٍ يوحي بشيء من الجدية، وذلك في محاولة لإقناع الرأي العام في الداخل والخارج بأنَّ هناك انتخابات ومنافسة، وأن هناك تغييرًا قد يطرأ، بصرف النظر عما حدث بعد ذلك من تطورات انتهت بسقوطه وسقوط حزبه في ثورة يناير 2011. 

وفي انتخابات الرئاسة التالية على ثورة يناير، التي يمكن القول بأنها كانت تعددية وتنافسية بالفعل، حاول كلُّ مرشح من المتنافسين الرئيسيين الخمسة مغازلة الجمهور وإرضاءه وطرح برامج واضحة المعالم ترسم محددات الولاية. بنى كلٌّ منهم حملةً انتخابيةً من أنصار ومتطوعين، وجاب معظم محافظات الجمهورية والتقى ممثلين عن فئات الشعب المختلفة. وبصرف النظر عمَّا آلت إليه، فإن تلك الانتخابات شهدت منافسة حقيقية وحضورًا وتفاعلًا جماهيريًا شعبيًا لم يحدث قبلها ولم يتكرر بعدها.

حتى الاستحقاقان الرئاسيان اللذان كان الرئيس السيسي طرفًا فيهما بعد إسقاط حكم الإخوان، لم يغب عنهما المرشح الرئيسي الذي كان يحظى حينها بشعبية كبيرة مثلما حدث في الانتخابات الأخيرة، إذ حرص السيسي على الظهور الإعلامي ومخاطبة الجماهير، مع أنَّ المنافسة كانت محسومة سلفًا كما هي الحال في الانتخابات الأخيرة.

حضور الرئيس السيسي خلال فترة الدعاية الانتخابية رئيسًا للسلطة التنفيذية، وغياب السيسي المرشح عن المشهد الانتخابي، يثبتان أنَّ المشهد بأكمله لم يكن أكثر من إنهاء إجراءٍ شكلي فرضته مواد الدستور، أما النتيجة فهي معلومة سلفًا للجميع؛ الرئيس ومنافسيه والجمهور.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.