رغم نفيه المتكرر لما يتردد عن ترشحه في انتخابات الرئاسة المقبلة، فإن ثمة دلائل بعضها ظاهر وبعضها خفي، تشير إلى أن حسام بداوري، مستشار الحوار الوطني وآخر رئيس للحزب الوطني المنحل، قد يعدل عن قراره بعدم خوض السباق الرئاسي، الذي ستبدأ إجراءاته مع نهاية العام الجاري.
تحركات بدراوي في الساحة السياسية، وانتقاداته اللاذعة لممارسات وسياسات النظام في الشهور الأخيرة، تطرح فرضيتين، الأولى؛ أن الرجل يُمهد الأرض قبل أن يُصبح طرفًا جديًا في المنافسة الرئاسية، إما مدفوعًا بقناعة شخصية بأهمية تغيير المسار السياسي القاتم، الذي أسهب في شرح مساوئه والتحذير من تبعات الاستمرار فيه، أو مشحونًا برغبات سياسيين يراهنون على أن خبراته ومهاراته وعلاقاته، قادرة على حشد كتلة حرجة من شأنها خرق السياج الحديدي الذي فرضته السلطة على موقع الرئاسة، وحظرت على أي بديل الاقتراب منه إلا بتصريح منها.
أما الفرضية الثانية؛ فهي أن يخوض بدراوي الانتخابات وفق ترتيبات ومحددات يضعها مُهندسو الاستحقاقات الانتخابية، لزوم إكمال الديكور وإخراج مشهد يمكن تسويقه للرأي العام في الداخل والخارج بجديّة، لا باعتباره مسرحية معدة سلفًا، كما جرت العادة في الانتخابات المصرية.
نقد ثم تهدئة
بعد ساعات من نشر حواره الذي تحول إلى "ترند"، بسبب ما جاء فيه من انتقادات طالت كل مؤسسات الحكم بما فيها الرئيس والحكومة والبرلمان والمؤسسة العسكرية والسلطة القضائية، نفى بدراوي نيته الترشح لرئاسة الجمهورية "لا أفكر ومش هيحصل.. أنا بقول رأيي الحر دون أهداف خفية ولا أريد سوى مصلحة بلدي".
بدراوي شدد في تصريحاته التي أدلى بها لموقع اليوم السابع على احترامه للمؤسسة العسكرية التي يرى أنها "ملجأ الشعب وحامية الدستور"، وتقديره لرئيس الجمهورية باعتباره أيضًا "حامي الدستور"، لافتًا إلى أن قبول النظام لاختلافه السياسي "يحسب له ولا يحسب عليه".
قرأ البعض تصريحات بدراوي هذه على أنها اعتذار وتراجع عما جاء في حواره مع الموقع السعودي إندبندنت عربية، الذي مس فيه خطوطًا حمراء محظور على منصات الإعلام المصرية الاقتراب منها، إذ انتقد فيه حبس السياسيين المعارضين وأصحاب الرأي المخالف احتياطيًا وتدويرهم في قضايا جديدة، مطالبًا بالإعلان عن العدد الحقيقي لـ"المعتقلين" في مصر، وداعيًا إلى ضرورة احترام القانون والدستور.
في ظل هذا المشهد، بدأت تحركات سياسيين ونواب سابقين، لحشد أحزاب وشخصيات وازنة للتوافق على ترشيح بدراوي
في ذات الحوار تمنى بدراوي على الرئيس السيسي ألا يترشح لفترة رئاسية ثالثة فلو فعلها "سيدخل التاريخ، وإن ترشح فهذا حقه، لكن ما ليس من حقه استخدام أجهزة الدولة لصالح بقائه"، مبديًا انزعاجه من فكرة الاعتداء المادي والمعنوي على أي سياسي له رصيد شعبي "الأخطر هو القناعة في العقل الجمعي للسياسيين أنه سيتم أذية أي منافس جاد، معنويًا وماديًا، إن ظهر له تأييد شعبي"، كما أبدى أسفه على تعديل الدستور بما يسمح بترشح الرئيس الحالي لولاية ثالثة، "المكسب الوحيد لثورة 2011 هو تحديد فترات الرئاسة بولايتين محددتي المدة، وقد خسرنا هذا المكسب ومن الممكن أن نخسر أكثر منه مستقبلًا".
وضع هذا الحوار بدراوي في الواجهة، فلم تخلُ جلسة من جلسات السياسيين أو مناقشة بين المهتمين بالشأن العام على السوشيال ميديا، من الإشارة إليه، وإلى أن ما جاء فيه من نقد لم يأتِ من معارض تقليدي أو ناشط سياسي من الذين اعتاد الرأي العام سماع انتقاداتهم، بل على لسان رجل دأب على تعريف نفسه كإصلاحي من داخل النظام عندما كان قياديًا بالحزب الوطني الحاكم قبل حله بعد ثورة يناير، ولم يُعرف يومًا بأفكاره الثورية أو آرائه المتمردة.
مرشح المعارضة؟
خلال الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني في مايو/أيار الماضي، أدلى بدراوي بكلمة أثارت حينها جدلًا، بعدما طالب بعدم وضع القوات المسلحة أمام المسؤولية السياسية والتنموية "حتى لا تفقد قيمتها"، ودعا إلى احترام قيمة "تداول السلطة" باعتبارها الطريق الوحيد لاستدامة أي عمل سياسي.
كلمة حسام بدراوي، مستشار الحوار الوطني، خلال جلسته الافتتاحية
وكما حازت كلمة الأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى في ذات الجلسة استحسان الحضور، ليتوقع البعض أن يكون الحوار الوطني بداية لسقف جديد من المناقشات، فاجأت كلمة بدراوي القاعة، فقلما تجد أحدًا يقترب من تلك المساحة في مناقشات علنية.
في تلك الآونة، أُثير أن بدراوي يخطط لخوض انتخابات الرئاسة وأن كلمته في جلسة الحوار الوطني الافتتاحية كانت محاولة للفت نظر الرأي العام، لكنه سارع بالنفي، وخرج في مداخلات تلفزيونية يؤكد أنه لا نية لديه للمشاركة في الاستحقاق.
وحسب ما تردد حينها، فإن قراره بخوض المعركة من عدمه مرهون بعدد من العوامل أبرزها أن يحوز ترشيحه على إجماع المعارضة المدنية، وهو ما لم يحدث، إذ تعارض أحزاب في الحركة المدنية الديمقراطية دعمه، باعتباره أحد رموز النظام الذي خرجوا عليه في 25 يناير.
وفي حين تنوي أحزاب وشخصيات من داخل الحركة المدنية دعم المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي، رئيس حزب الكرامة المستقيل، يبحث الحزب الديمقراطي الاجتماعي عن تأييد أحزاب الحركة لدعم ترشيح رئيسه فريد زهران.
في ظل هذا المشهد، ومع عدم وجود رأي موحد داخل المعارضة المدنية على دعم مرشح بعينه في الانتخابات المقبلة، بدأت خلال الأسابيع الماضية تحركات يقودها سياسيون ونواب سابقون في البرلمان لحشد أحزاب وشخصيات ذات ثقل للتوافق على ترشيح بدراوي.
يرى هؤلاء أن بدراوي هو المرشح الأوفر حظًا في ظل رفض شخصيات تولت في أوقات سابقة مناصب سياسية وتنفيذية فكرة خوض المعركة الرئاسية القادمة، يمتلك بدراوي من وجهة نظرهم "رصيدًا شعبيًا بحكم مواقعه السياسية السابقة، وليس عليه محاذير كثيرة قد تعوقه عن الترشح الرسمي في الانتخابات كما هو متوقع مع النائب السابق أحمد الطنطاوي"، وفق ما أشار أحد هؤلاء، وهو قيادي في الحركة المدنية، لكاتب هذه السطور.
ووفق رأيه، فإن بدراوي "قادر على صناعة معركة انتخابية تُمكِّنه من تصدر مشهد المعارضة في حال عدم حسمه للسباق الرئاسي كما هو متوقع، وهو ما يمهد إلى مرحلة جديدة خلال الولاية الثالثة للرئيس السيسي، يُسمح فيها بوجود معارضة وتنوع محسوب في البرلمان بغرفتيه".
أيًا كانت دوافع ونوايا بدراوي وغيره ممن أبدوا رغبتهم في خوض المعترك الرئاسي، فالمهم أن تشهد مصر في تلك اللحظة الحرجة سباقًا رئاسيًا تضمن فيه مؤسسات الدولة المختلفة الحد الأدنى من النزاهة والشفافية، ليثق الناس في أن إرادتهم ستكون نافذة ولن يلتف أحد عليها، فيعود مشهد الطوابير أمام اللجان الانتخابية، ويتحقق الهدف الأسمى للعملية الديمقراطية، وهو تداول السلطة بشكل سلمي ومن خلال صناديق الاقتراع.