"شاركونا، راقبونا، اصبروا علينا شوية"، ثلاث رسائل وجهها المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان للمواطنين في البيوت، خلال إعلان انطلاق الحوار الوطني في الثالث من مايو/آيار، في المركز الدولي للمؤتمرات.
دعا رشوان المواطنين للمشاركة بإرسال أفكار ومقترحات تتعلق بموضوعات ومحاور الحوار الثلاثة السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وطلب منهم مراقبته "ماتسيبوناش في حالنا، عبروا عن كل شيء تروا أننا لم نوفق فيه".
أما الصبر الذي طالب به رشوان فعن يقين أن الحوار السياسي الذي دعا إليه الرئيس في 27 أبريل/نيسان 2022، لن يكون العصا السحرية التي تحل الأزمات التي تواجه مصر، خاصة بعد خروج الحوار من مربع السياسة وامتداده لملفات اقتصادية واجتماعية مستعصية.
انطلق الحوار بعد أكثر من عام من الدعوة الرئاسية، لكن بعد مرور نحو أسبوعين على عمل اللجان المختلفة في محاوره الثلاثة، لا بد من التوقف أمام آليات إدارته، حتى لا يتحول لمكلمة أو مجرد منصة للتعبير عن الرأي، ويفقد هدفه وشعاره.
المشاركة وعقباتها
يرفع الحوار شعار "المساحات المشتركة"، ولكن ذلك شبه مستحيل في جلسة نقاش يشارك فيها نحو 60 شخصًا ما بين متحدثين رئيسيين ومداخلات.
الحضور الكثيف جاء على العكس من محاولات مجلس الأمناء الحد من أعداد المشاركين في الجلسات، فعضو مجلس الأمناء كمال زايد قال لجريدة الشروق في 7 مايو، إن العدد سيكون 30 شخصًا على الأكثر في الاجتماع الواحد. لكن ذلك لم يحدث، ما دفع عضوًا آخر في مجلس الأمناء لإبداء استياءه لي عقب إحدى الجلسات "اللي بيحصل إن كل واحد هنا بيقول رأيه وخلاص، مافيش مناقشة توصل لحاجة".
وبحسب الأرقام المعلنة، شارك في يوم 23 مايو، 130 متحدثًا في 4 جلسات استغرقت 14 ساعة.
العدد الكبير فخًا وقع فيه القائمون على الحوار، لتجنب تهمة استبعاد بعض الأحزاب والتيارات، ولكنه فَتحَ الباب لحالة من السيولة والإسهاب والتكرار التي لا تنتهي لمخرجات حقيقية، لتبقى السيناريوهات المعدة في الغرف المغلقة حاضرة بديلًا لتوصيات تخرج عن جلسات الحوار.
ومع زيادة الأعداد، حدَّد المنظمون 4 دقائق فقط للمتحدث الرئيسي ودقيقتين لأصحاب المداخلات الفرعية في نهاية الجلسة. وفي حال وجود اقتراحات محددة يطلب مقرر الجلسة من المتحدث إرسالها للأمانة الفنية للحوار.
يضطر المتحدث الذي لديه رؤية قانونية أو تنفيذية الاكتفاء بعبارات تلغرافية، مع إرساله مقترح مكتوب للأمانة العامة، فلا يشارك أفكاره مع غيره، مما يفقد الحوار أحد ركائزه. ومع عدم وجود وقت أو طريقة للاشتباك مع الأفكار، تتحول الجلسات لمجرد عرض وجهات نظر لا تؤدي لمساحات مشتركة محددة.
إشكالية التوافق
خلال الجلسة الافتتاحية قال المنسق العام إن هدف الحوار أن "يتسع لنا جميعًا.. وأن نتوافق حول أولويات العمل الوطني"؛ لكن مع أولى الجلسات التي فتحت ملف النظام الانتخابي، واحتدام الخلاف بين مؤيدي القائمة النسبية من جهة، ومؤيدي القائمة المطلقة من جهة أخرى، استبعد رشوان إمكانية التوافق.
وقال ردًا على انتقاد أحمد كامل البحيري ممثل حزب الكرامة، لطريقة إدارة الحوار وطلبات التقدم بمقترحات قوانين "لن يحدث توافق بين المقترحات الثلاثة على النظام الانتخابي، قولًا واحدًا، لن يحدث توافق بين القائلين بالمطلقة حتى لو لم تكن مغلقة، ولا النسبية ولو خلطوها بالفردي، أكرر كي نصل لنتيجة ونشعر أن على الأقل حتى لو لم يأخذ بها رئيس الجمهورية، على الأقل كتيار سياسي يصبح لدي مشروعي الخاص المتكامل، أقدر يكون لي تصور متكامل أقدر أتقدم به لأي برلمان".
تكررت صعوبات التوافق في جلسات أخرى لا تقل أهمية، مثل جلسة مناقشة قانون المجالس المحلية، وهو الاستحقاق الدستوري الذي كان المفترض الانتهاء منه في 2016.
يسعى رشوان لتقديم كل الآراء للرئيس في الموضوعات التي لن تنتهي إلى توافق، لكن إلقاء الكرة في ملعب الرئيس دون بذل الجهد بين الفرقاء للوصول إلى توصيات توافقية لن يؤدي إلى الهدف المعلن "الوصول لرؤية توافقية للعمل الوطني".
نفاد الصبر والخطوط الحمراء
رغم إعلان رشوان الخطوط الحمراء للحوار الوطني (الدستور- الأمن القومي- السياسة الخارجية)، فإنها اتسعت لتشمل توجيه النقد لمجلس النواب الحالي، وهو ما ظهر بوضوح في الجلسة الأولى للمحور السياسي التي فتحت ملف قانون مجلس النواب. تصدى المنسق العام بنفسه لكلمة عضو مجلس الأمناء عمرو هاشم ربيع، الذي انتقد نظام القائمة المطلقة المغلقة واعتبرها جاءت بمجلس نواب "بصمجية".
قاطع المنسق العام ربيع محتدًا، معترضًا على ما وصفه بالإساءة لمؤسسات الدولة، فحاول ربيع الذي زامل رشوان سنوات في مركز الأهرام للدراسات السياسية وضع الموقف في إطاره، معتبرًا أن هذه عبارات مسموح بها في سياق الحديث عن النظم الانتخابية والأداء البرلماني، لكن صبر رشوان نفد واستمر في مقاطعاته الحادة ورفضه القاطع لهذا النوع من النقد.
في الجلسة نفسها، حاول الناشط السياسي خالد تليمة توجيه انتقادات لمجلس النواب الحالي، فقاطعه مقرر الجلسة عضو مجلس الشيوخ محمد شوقي، واعتبره يتحدث خارج موضوع الجلسة، على الرغم من السماح لنائب رئيس حزب مستقبل وطن بالحديث عن التجربة الرائدة للبرلمان المصري، دون مقاطعة.
يرغب القائمون على الحوار الحديث عن النظام الانتخابي دون التطرق لأداء المجلس الذي أتت به القائمة المطلقة، متجاهلين لجوء الرئيس إلى حوار سياسي خارج نطاق المؤسسات الدستورية الرسمية التي لم تفتح الملفات المُلحة.
متاهة الموضوعات
غرق الحوار الوطني في لجان وتفاصيل، بعيدًا عن هدف الإصلاح السياسي، وبدأ جلساته الأولى ببعض الملفات التي لن تؤدي لمخرجات سوى كلمات تبحث في فلسفة الهوية المصرية وحمايتها، وتحديات الصناعة والاستثمار التي قُتلت بحثًا في مناقشات مجلسي النواب والشيوخ، بالإضافة للملفات الخلافية بشأن الانتخابات.
على جانب آخر، كانت جلستا مناهضة التمييز ومناقشة الوصاية (الولاية على أموال القصر) من أهم الجلسات التي توصلت لتوصيات وتوافق على الرغم من عدم الوصول لاتفاق عام بشأن القوانين المنظمة. ويؤشر هذا إلى أنه كلما كانت موضوعات النقاش محددة تنتهي الجلسات لمخرجات واضحة.
لن يتحقق التوافق على آليات العمل المستقبلية دون إعادة النظر في طريقة الإدارة واختيار الموضوعات، ففي الوقت الذي يطلب فيه المنسق العام من المواطنين المشاركة بإرسال المقترحات، نجد المتحدثين والخبراء في موقف لا يختلف كثيرًا رغم حضورهم الفعلي للجلسات.
على القائمين على الحوار إعادة النظر في أولويات الموضوعات، فالصبر عليهم يتطلب بعض الإنجازات السهلة غير المكلفة، التي لا تحتاج سوى إرادة تعطي رسائل ومؤشرات لجدية الجلسات.