"هذا الحوار هدفه إعادة اللُحمة لتحالف 30 يونيو الذي يستعيد اليوم عافيته"، قالها المنسق العام للحوار الوطني، ضياء رشوان، خلال افتتاح جلسات مجلس أمناء الحوار الوطني لوضع خارطة طريق الحوار، العام الماضي.
يعتبر رشوان أن نجاح الحوار منذ يومه الأول تمثّل في لم شمل شركاء 30 يونيو مرة أخرى على طاولة واحدة، فجمع مجلس الأمناء في تشكيله شخصيات محسوبة على المعسكر الديمقراطي الذي شارك في ثورة يناير، واستكمل مساره في الانتفاضة ضد حكم الإخوان، التي شارك فيها مجموعات محسوبة على السلطة الآن.
لكن هناك ما يعطل نجاح رشوان وخطواته، بل ويعيدها للخلف؛ فالحكم على الباحث والناشط الحقوقي باتريك جورج بالحبس ثلاث سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة يمثل عاصفة جديدة تزلزل تحالف 30 يونيو الهش، الذي عاد الآن للعمل المشترك لأول مرة منذ 2013.
نجح رشوان في جمع شركاء 30 يونيو باختلاف أطيافهم في قاعة واحدة، يقول خلال الجلسة الافتتاحية للحوار في مايو الماضي"أرى اليوم الأمة كلها، هذا البلد المتنوع كما يجب أن يكون"، ويوضح "استغرقنا عامًا في حوار لفتح أبواب كان بعضها مغلقًا تمامًا وجسور كان بعضها مقطّعًا تمامًا. عامًا كاملًا عقدت فيه مئات الجلسات البعيدة عن الكاميرات".
ضربة لإنجازات الحوار
بذل رشوان بالفعل جهدًا كبيرًا قبل بدء الجلسات لإعادة قنوات الاتصال مرة أخرى، عقد اجتماعات مصغرة مع مجموعات مختلفة، ابتعدت عن المشهد السياسي يأسًا، أو نتيجة حبس سنوات على ذمة قضايا سياسية، أو بعد حملات تشويه من قنوات وإعلاميين محسوبين على السلطة.
التقى رشوان أعضاء حركة 6 أبريل، المحظورة بموجب حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة الصادر في 2014، واجتمع مع أعضاء حزب مصر القوية، الذي أسسه عبد المنعم أبو الفتوح المدرج على قوائم الإرهاب، والذي يقضي عقوبة بالحبس 15 سنة بتهمة نشر أخبار كاذبة.
يدرك رشوان صعوبة مسار الحوار، والعقبات التي تواجهه منذ اليوم الأول، لكنه تحدث بوضوح خلال اجتماع لجنة حقوق الإنسان لمناقشة قانون حرية تداول المعلومات عن وجود مقاومة للعملية الإصلاحية، يعلق على مطالب المعارضة "التنفيذ الفوري ليس من شأن عمليات الإصلاح. لن تنجزه في دقائق. الإصلاح عملية صعبة، فيها مقاومة باللي معاك ومن اللي عليك، كلنا فاهمين مين معاك ومين عليك".
يقر بوجود مقاومة من داخل النظام دون الإفصاح عن مصدرها، بينما يستند لأحاديث متكررة للرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن جدية الحوار واحترام توصياته، مؤكدًا وجود إرادة سياسية، إذ قال ردًا على المحامي والناشط الحقوقي وسجين الرأي السابق، عمرو إمام بشأن غياب الإرادة السياسية "هناك إرادة وبموجبها نحن هنا".
أصبحت عودة تحالف 30 يونيو، الذي يمثل القيمة الأكبر التي يحرص منسق الحوار على تصديرها منذ انطلاقه، مهددة اليوم بعد الحكم على باتريك وإعلان المحامي والناشط الحقوقي نجاد البرعي انسحابه من مجلس الأمناء، وتقديم المحامي والحقوقي أحمد راغب اعتذارًا عن الاستمرار في مهمة المقرر المساعد للجنة حقوق الإنسان، وكذلك تجميد المقرر المساعد للجنة الأحزاب السياسية خالد داود مشاركته في الحوار.
يحاول رشوان احتواء الغضب الذي يهدد مسار الحوار؛ فبعد نحو ساعتين من صدور الحكم على باتريك، نشرت صحف الشركة المتحدة أن مجلس أمناء الحوار أصدر بيانًا يناشد فيه رئيس الجمهورية باستخدام صلاحياته القانونية والدستورية للإفراج الفوري عن زكي، وعدم تنفيذ العقوبة، مع دعوة الرئيس لاستخدام حقه الدستوري في العفو عن باقي العقوبة إذا تطلب الأمر.
وجاء في البيان أن المجلس "أكد ثقته الكاملة في حرص الرئيس على مستقبل الناشط المحكوم عليه، وخاصة أنه طالب علم حصل منذ أيام على درجة الماجستير، وأنه في مقتبل عمره"، واعتبر "أن اتخاذ السيد الرئيس هذا القرار سيضيف تأكيدًا جديدًا على حرص سيادته المستمر، على توفير مزيد من عناصر المناخ الإيجابى لنجاح الحوار الوطني".
في الوقت نفسه بادر عضوا لجنة العفو الرئاسي، طارق العوضي ومحمد عبد العزيز، بالتبشير بأخبار سعيدة قريبًا.
ربما يخرج باتريك بتدخل رئاسي، لكن الحوار فقد بالفعل مزيدًا من المصداقية بعد الضربة التي تلقتها المعارضة وأدت لتصدع جديد في تحالف 30 يونيو؛ إنجاز الحوار الوحيد حتى الآن.
أزمة المعسكر الديمقراطي
يأتي الحكم على باتريك وسط حالة من الإحباط تسود المجموعة المحسوبة على المعسكر الديمقراطي في الحوار، بسبب استمرار حبس سجناء على ذمة قضايا رأي، عكس الوعود التي حصلوا عليها منذ دعوة الرئيس للحوار في أبريل/نيسان 2022 وحتى الآن. تركزت أسباب المشاركة في البداية في هدفين رئيسيين: الإفراج عن سجناء الرأي المحكوم عليهم بأحكام قضائية أو المحبوسين احتياطيًا، والهدف الثاني الذي أعلنه بوضوح أعضاء الحركة المدنية؛ الدفع في اتجاه فتح المجال العام بعد انسداد سنوات.
ورغم الانتقادات التي طالت المشاركين منذ اليوم الأول، صدر الحكم على باتريك بالتزامن مع تباطوء مخرجات الحوار وتوقف جلساته منذ 22 يونيو/حزيران، وتعرُّض النشطاء والحقوقيين لانتقادات شديدة، بلغت حد التشويه والشتائم على السوشيال ميديا، من جانب الرافضين للمشاركة.
اليوم، يجد النشطاء أنفسهم محاصرين بين حملات تشويه وسباب من جهة، والاستمرار في الحوار دون تحقيق الحد الأدنى من الضمانات التي طلبوها، أو بدء إجراءات تنفيذية تعزز فتح المجال العام من جهة أخرى. بل على العكس، استمرت حملات القبض على النشطاء وتوجيه نفس الاتهامات المكررة لهم، انتهاءً بحكم محكمة استثنائية بالحبس على زميلهم.
قد ينتهي حبس باتريك بتدخل رئاسي، لكنه لن يعيد تماسك تحالف 30 يونيو إذا استمرت تدخلات السلطة بمنطق المنح والعطايا وقرارات العفو من الحاكم دون فتح المجال العام واتخاذ خطوات نحو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
فاتورة هذه القرارات لا تكلف النظام كثيرًا، لكن المقاومة التي تحدث عنها رشوان لا تزال تعطلها، ولا يبقى للمؤمنين بالحريات والديمقراطية سوى التصدي للضربات واستمرار المحاولات، لعل إرادة الإصلاح تتحقق وتؤتي ببعض الثمار.