مجلس النواب
صورة جماعية لنواب لجنة الصحة وممثلي الحكومة ونقيب الأطباء بعد اجتماع 31 ديسمبر 2024 والتوافق على بعض تعديلات قانون المسؤولية الطبية

يوميات صحفية برلمانية| عندما صفَّقتُ للحكومة والنواب بعد تعديل "المسؤولية الطبية"

منشور الخميس 2 يناير 2025

أبت 2024 أن تمرَّ دون أن تجدد فيّ الأمل، لأشهد مع استقبالي عام 2025 على تعديلات مشروع قانون المسؤولية الطبية، خلال اجتماع استمر 6 ساعات متواصلة، في تقليد كنت أتمنى لو اتبعه مجلس النواب في تمرير مشروع قانون الإجراءات الجنائية

رصدت على مدار يومي 31 ديسمبر/كانون الأول 2024 و1 يناير/كانون الثاني 2025، كيف أدت المرونة ومهارات التفاوض للوصول لصيغة أفضل لمشروع القانون الذي أثار غضب الأطباء، وكيف لعبت الحكومة والبرلمان والنقابات المهنية أدوارها بجدارة مبهرة في مرة من المرات النادرة تحت قبة هذا المجلس، الذي جعلني أصفق تحية للنواب والحكومة والأطباء في نهاية هذا الاجتماع الطويل الذي أعاد لي آلام الغضروف مرة أخرى.

سنوات من المحاولات

منذ بدء عملي محررة برلمانية في 2016، والحديث عن ضرورة وجود قانون للمسؤولية الطبية مستمر في مناقشات لجنة الصحة التي كان يرأسها آنذاك الدكتور مجدي مرشد، الذي تقدم بأول مشروع قانون للمسؤولية الطبية في 2017.

لكن رئيس لجنة الشؤون الصحية في مجلس النواب الحالي، الدكتور أشرف حاتم، أوضح خلال اجتماع أول أمس أن الحديث عن المشروع يعود إلى عام 2009 من خلال البرلماني الراحل ونقيب الأطباء الأسبق حمدي السيد.

يفصل قانون العقوبات حاليًا في النزاع بين الطبيب والمريض

على مدار هذه السنوات تقدم نواب من الأغلبية والمعارضة بمشروعات قوانين، كانت تعطلها إشكالية التوافق على ضوابط الأخطاء الطبية وطبيعة العقوبات التي تفرض على الطواقم الطبية حال وقوع جرائم مهنية أثناء تأدية عملها، حتى كشفت الحكومة عن مشروعها الذي وافق عليه مجلس الشيوخ، وثار عليه الأطباء ودعا مجلس نقابتهم على أثره لعقد جمعية عمومية طارئة غدًا، قبل أن يُعلن تأجيل عقدها شهرًا.

لماذا قانون المسؤولية الطبية؟

تطالب نقابة الأطباء بالقانون منذ سنوات، كما أنه كان أحد مطالب الحوار الوطني أيضًا، فـ"حاليًا أي مشكلة تحدث بين طبيب ومواطن في ظل غياب قانون المسؤولية الطبية فالقانون المنظم لها قانون العقوبات، الذي لا يفرق بين الخطأ الطبي والجسيم والمضاعفات" حسب ما يوضح وزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار، مشيرًا إلى أن المكسب الأول للأطباء هو في تحديد هذه المصطلحات.

ينشئ المشروع لجنة مختصة تفرق بين المضاعفات والأخطاء الطبية والخطأ الجسيم

بعد تعديله، يعرف مشروع القانون الخطأ الطبي بأنه "كل فعل يرتكبه مقدم الخدمة أو امتناع عن إجراء طبي واجب عليه اتخاذه وفقًا لأحكام هذا القانون أو القوانين الأخرى المنظمة لذلك، لا يتفق مع الأصول العلمية الثابتة، أو آداب وتقاليد المهن الطبية الصادرة وفقًا لأحكام القوانين المنظمة للنقابات المعنية أو المواثيق الأخلاقية المهنية التي يصدرها المجلس الصحي المصري، بحسب الأحوال".

أما الخطأ الطبي الجسيم، فهو الذي "يبلغ حدًا من الجسامة بحيث يكون الضرر الناتج عنه محققًا وينشأ عن إهمال أو رعونة أو عدم احتراز، وعلى الأخص إذا كان مقدم الخدمة متعاطيًا مسكرًا أو مخدرًا عند ارتكابه الخطأ الطبي أو نكل وقت الواقعة عن مساعدة من وقع عليه الخطأ الطبي أو عن طلب المساعدة مع تمكنه من ذلك".

أما المضاعفات وطبيعتها وحدود أثرها، فتحددها بموجب تعديلات مشروع القانون اللجنة العليا للمسؤولية الطبية التي تعد "الخبير الفني لجهات التحقيق أو المحاكمة في القضايا المتعلقة بالمسؤولية الطبية، سواء من خلال الاستعانة بها أو بالتقارير المعتمدة الصادرة عن اللجان الفرعية للمسؤولية الطبية التي تشكلها، أو الاستعانة بأحد أعضاء المهن الطبية من أعضائها أو باللجان المتخصصة التي تشكلها".

الغرامة في الخطأ الطبي والحبس في الحالات الجسيمة

يخرج إذن مشروع القانون من إطار تقديرات النيابة العامة والقضاة إلى لجنة طبية متخصصة تحدد المضاعفات وطبيعة الخطأ.

مصير حبس الأطباء

رفض النواب وضع قيد على النيابة العامة يمنع التحقيق في قضايا المسؤولية الطبية قبل صدور تقرير اللجنة العليا للمسؤولية الطبية، باعتبار أي قيود على النيابة في هذه الحالة غير دستورية، واكتفوا بحذف النص الذي يقنن الحبس الاحتياطي في جرائم المسؤولية الطبية بقرار من رئيس النيابة. فيما وافقوا على حذف عقوبات الحبس من جرائم الخطأ الطبي وأبقوا عليها في الخطأ الطبي الجسيم، الذي تحدده اللجنة العليا الطبية.

دافع النائب إيهاب الطماوي، وكيل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، عن المادة بقوله "لا يجوز تقييد النيابة العامة ومنعها من بدء إجراءات التحقيق بل على الأكثر الدستور المصري ألزم سلطات التحقيق استجواب المتهم خلال 24 ساعة".

وهو ما دفع نقيب الأطباء أسامة عبد الحي إلى ذكر بعض الأمثلة التي تضع قيودًا على النيابة في تحريك بعض القضايا مثل قانون البنك المركزي والجمارك والضرائب، والنصوص التي تتعلق بشكوى الزوج في جريمة زنا الزوجة فلا يمكن للنيابة التدخل دون تقدم الزوج بالشكوى، لكن المستشار محمود فوزي، وزير شؤون المجالس النيابية، استبعد إمكانية تحقيق ذلك فيما يندرج تحت قانون المسؤولية الطبية، موضحًا أن هذه الحالات تتعلق بالحفاظ على السمعة والشرف.

على نفس الصف جاءت كلمة وكيل لجنة حقوق الإنسان، النائب محمد عبد العزيز، الذي حاول توضيح أنه بعد الاستجابة لتعديلات العقوبات والتعريفات التي كانت تطالب بها نقابة الأطباء "لا يتصور النيابة معروض أمامها شكوى وتتخذ إجراء دون الاطلاع على تقرير اللجنة المختصة بالشؤون الطبية"، موضحًا حاجة النيابة العامة للاطلاع على التقرير الطبي قبل اتخاذ الإجراءات وأنه أمر لا يحتاج لنص وجوبي.

فيما قال فوزي "أنا وكيل نيابة جاية لي شكوى مسؤولية طبية نص القانون يقول إن اللجنة هي الجهة المعتمدة، وكيل النيابة ما هيصدق يلاقي حد متخصص منوط به العمل، هيحدفها على اللجنة على طول".

لا حبس احتياطي في جريمة عقوبتها الغرامة

لكن ظل نقيب الأطباء متمسكًا بضرورة النص على الاستثناء بموجب المادة 189 من الدستور التي تنص على أن "النيابة العامة جزء لا يتجزأ من القضاء، تتولى التحقيق، وتحريك، ومباشرة الدعوى الجنائية عدا ما يستثنيه القانون، ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى. ويتولى النيابة العامة نائب عام يختاره مجلس القضاء الأعلى، من بين نواب رئيس محكمة النقض، أو الرؤساء بمحاكم الاستئناف، أو النواب العامين المساعدين، ويصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات، أو للمدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد، أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله".

لم يتجاوب النواب والحكومة ومستشار رئيس المجلس مع طرح النقيب، فيما طمأنه فوزي نسبيًا، موضحًا أن جرائم الخطأ الطبي لن تنطبق عليها شروط الحبس الاحتياطي لأن عقوبتها الغرامة وليس الحبس، وفي كل الأحوال ينتظر وكيل النيابة تقرير اللجنة لتحديد طبيعة الخطأ قبل اتخاذ إجراءاته.

وظل اقتراح النقيب بضرورة النص على تعويض لصالح المريض الذي تعرض للضرر عالقًا، مع عدم التوصل لصياغات نهائية له مع تمسك الحكومة بفرض الغرامات في العقوبات.

لماذا الاستجابة لتعديلات المسؤولية الطبية؟

في واقعة نادرة، يخرج مشروع قانون من لجنة نوعية بهذا التوافق بين الأغلبية والمعارضة والحكومة وأيضًا المجتمع المدني، والأكثر إثارة للدهشة هي التعديلات الجوهرية بعد صدوره التي تعدل وتحسن صياغته ومضمونه لدرجة جعلت نقيب الأطباء يقول "إن حجم الإنجاز لا يمكن إنكاره".

تجنب المجلس خلافًا جديدًا مع النقابة وأدار النقيب الأزمة بذكاء

مثّل قانون المسؤولية الطبية استثناءً لم يتكرر في مشروعات كثيرة لعدة أسباب:

1- ليس من الحكمة افتعال خلافات مع قطاع مهني جديد بعد الخلافات التي نتجت عن مشروع قانون الإجراءات الجنائية وتم احتواؤها مع المحامين بينما لا يزال أثرها واضحًا مع الصحفيين بعد موقف النقابة من مشروع القانون وتقديمها ورقة قانونية بمشاركة الحقوقيين المعترضين عليه إلى مجلس النواب.

2- يضم مجلس النواب عشرات النواب من الأطباء والصيادلة، ولن يتحمل المجلس وصول مشروع القانون وتمريره بواسطة الأغلبية وسط رفض عدد كبير من النواب إضافة إلى المعارضة، إذ إن سياسة المجلس الحالي تسعى للتوافق قدر الإمكان وانضمام نواب الفرق الطبية إلى المعارضة سيفسدها.

3- استطاع مجلس نقابة الأطباء إدارة الملف بذكاء، بدءًا من الدعوة للجمعية العمومية الطارئة بحيث يكون الأطباء أصحاب القرار في أي موقف نقابي، مرورًا بإعداد مقترحات والتواصل بشكل مباشر مع النائب أشرف حاتم، رئيس لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب، ووزير الصحة، نهاية بتكثيف اتصالاته بعدد من الأطباء المؤثرين ومنهم مجدي يعقوب الذي خاطب وزير الصحة بشأن خطورة القانون.

4- تدخلت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين وعُقدت اجتماعات مع نقيب الأطباء لمناقشة مقترحاته ومحاولة الخروج بصيغة توافقية.

5- وجه رئيس مجلس النواب، المستشار حنفي جبالي، مستشاره القانوني، محمد عبد العليم، ببحث مطالب الأطباء ومناقشتها والتعهد بالاستجابة لكل ما يتوافق مع الدستور والقانون ويحقق مصالح المرضى والأطباء في آن واحد.

بعد هذه التدخلات، انعقد الاجتماع الأول للجنة الشؤون الصحية يوم 31 ديسمبر/كانون الأول وشهد إعلان التوافق العام بين الحكومة والنواب والنقابة وإن كانت الصياغات النهائية غير واضحة حينها لكن الوعود كانت قاطعة من الحكومة والمجلس بالاستجابة.

قضيت 12 ساعة على مدار يومين من المناقشات التي شارك فيها ممثلو القطاعات الطبية المختلفة، والقانونيون، وأطباء مستقلون، في مباراة تفاوض لتحقيق القدر الأكبر من المكاسب لم يعكرها سوى حزب الأغلبية البرلمانية، مستقبل وطن، الذي حاول بفجاجة الضغط على نقيب الأطباء لإلغاء الجمعية العمومية واستخدام فزاعة خطورتها على مصر.

بينما كان النقيب واضحًا في التعبير عن استقلال النقابة في قراراتها واحترام المؤسسات، موضحًا أن الجمعية العمومية لا تعني بالضرورة الخروج بقرار ضد المشروع، بل ربما تؤيد ما جاء فيه من تغييرات.

انتهى الاجتماع بالموافقة النهائية على مشروع القانون بتوافق جميع الأطراف، ومع تصفيقي وإعجابي بأداء النقيب والبرلمان والحكومة ما زلت أترقب ما يمكن تحقيقه في الجلسة العامة من تغييرات جديدة، وآمل ألا يغيب مشهد الأمس عن مجلس النواب طويلًا. على المعارضة والمجتمع المدني والأغلبية استثمار خبرة هذه التجربة وتعزيزها في تجارب وقوانين أخرى.