مجلس النواب
مجلس النواب خلال جلسة 15 يناير 2024 لمناقشة قانون الإجراءات الجنائية

يوميات صحفية برلمانية| كواليس إحباط المعارضة في "الإجراءات الجنائية"

منشور الأربعاء 22 يناير 2025

أنهى مجلس النواب مناقشة 171 مادة من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، خلال 6 جلسات عامة انعقدت خلال الأسابيع الماضية، دون تعديلات جوهرية في مضمون النصوص التي تثير مخاوف الحقوقيين والصحفيين والمؤسسات الأممية

كان المجلس استكمل مسار مناقشات مشروع القانون رغم الانتقادات الموجهة له بشأن توسيع صلاحيات مأموري الضبط القضائي، وسلطات النيابة العامة، والحد من حقوق المتهم ومحاميه. مضى المجلس في مساره دون الالتفات لدعوات الحوار المجتمعي التي جددها معارضو القانون، بل إن رئيس المجلس اعتبر المناقشات المطولة للمشروع تحت القبة حوارًا مجتمعيًا.

طوال الجلسات الست، لم يستجِب مجلس النواب سوى لتعديل واحد للمعارضة، يسمح للمحامي بتسجيل ملاحظاته أثناء تحقيق النيابة مع موكِّله، فيما رفض كافة التعديلات التي تحد من توسيع سلطات النيابة ومأموري الضبط القضائي على المتهمين.

كشفت الاقتراحات التي تبنتها المعارضة حجم الشرخ الذي أصاب جدار ثقة المجتمع في منظومة العدالة. ربما لو كنا في سياق سياسي أو أمني آخر، لكانت العديد من النصوص مرَّت بصياغتها الحالية دون هواجس الانتقاص من حقوق الإنسان. لكن في وضع تتراجع فيه مساحات الحريات وتضيق السلطات بالكلام وتضيع أعمار عشرات السجناء في الزنازين بسبب كلمة، يصبح الأمر أكثر تعقيدًا ويكون لمقاومة النصوص مبررٌ.

سأحاول في السطور التالية وضع القارئ في أجواء المناقشات التي امتدت ساعات وأيامًا في قاعة الجلسة العامة، مع بعض كواليس ما جرى.

حزب النور وحقوق الجار

كان حزب النور مهمومًا في مناقشات المشروع بأمر واحد فقط. لم يبحث عن حقوق المتهم، ولم يسأل عن ضمانات المحامي، أو سلطات النيابة وآليات الضبط والمراقبة، بل انصبَّ اهتمامه على ضرورة السماح لغير الزوج أو الزوجة بتحريك دعوى الزنا ضد الطرف الآخر في علاقة الزوجية. وحاول النائب أحمد حمدي خطاب إقناع القاعة بضرورته، معتبرًا أن هذه جريمة تتعلق بالشأن العام وليست جريمة شخصية. وتساءل "أين حق الله، الأب، الأخ، الخال، والجار؟". 

كشفت مداخلات وزير العدل عددًا من السقطات التي تعكس ربما قلة خبرته في آليات التعامل مع البرلمان

بترتيب يبدو مسبقًا، أتاح رئيس المجلس حنفي جبالي الكلمة للنائب علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق، الذي دافع عن مقاصد الشريعة من الستر وعدم التفتيش في البيوت، وقال "الدين كما علمنا رسول الله النصيحة وليس الفضيحة". 

وخلال الجلسة، تحدث خطاب أكثر من مرة وفي كل مرة كان يتصدى له جمعة مُسهبًا في مواجهة أفكار حزب النور التي تتعلق بالحياة الشخصية. دافع جمعة عن الحياة الخاصة من خلال الاستناد لعدد من القصص في التراث الإسلامي. وتحوَّل جانب كبير من المناقشات في الجلسة العامة لسجال فقهي.

جرائم بلا مساءلة

على غرار القانون الساري، حافظ المشروع الجديد على حماية الموظفين العموميين وعدم جواز تحريك الدعوى الجنائية ضد الموظف العام أو مأمور الضبط القضائي، نتيجة ممارسة وقعت خلال تأدية وظيفته، إلا من خلال رئيس نيابة. 

رفض المجلس الاقتراحات التي تعدِّل هذا المسار بحجة أن النيابة كافية لضمان عدم سقوط حق المواطن فهي الأمينة على الدعوى العمومية، واعتبر أن هذه الحماية ضمانة لممارسة مهامه "لتجنبه الوضع تحت مقصلة تحريك الدعوى مباشرة في أي قرار يتخذه".

يضعنا هذا النص في المربع نفسه المتعلق بجرائم التعذيب، وتكرار حالات الإفلات من العقاب نتيجة عدم تمكن الضحايا من تحريك الدعوى الجنائية مباشرة.

سقطات وزير العدل

كانت جلسات مناقشة تفاصيل قانون الإجراءات الجنائية فرصةً للتعرف على المستشار عدنان فنجري وزير العدل الذي تولى حقيبة الوزارة مع التشكيل الحكومي الجديد. 

كشفت مداخلات فنجري عددًا من السقطات التي تعكس ربما قلة خبرته في آليات التعامل مع البرلمان، وأُسس التنسيق الحكومي للتقدم بتعديلات على المواد التي يناقشها مجلس النواب، حيث قضى الرجل سنوات عمره في القضاء.

ففي إحدى الجلسات وبالمخالفة للائحة، طلب فنجري العودة مرة أخرى لمناقشة مادة تم التصويت عليها، فنبهه رئيس المجلس المستشار حنفي جبالي، والضيق بادٍ على ملامحه، لهذه المخالفة التي كشفت غياب التنسيق مع زميله المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية.

لم تكن هذه السقطة الوحيدة للوزير في المجلس، إذ اقترح تعديلًا يسمح للنيابة العامة في حالات تعذُّر حضور المحامي، باستجواب المتهم دون حضور دفاع، بعد الحصول على موافقة كتابية منه.

رئيس مجلس النواب المستشار حنفي جبالي أثناء مناقشة مشروع الإجراءات الجنائية، 13 يناير 2025

حاول فوزي الخروج من المأزق بسلاسة دون إحراج الوزير، لكن جبالي أصر وسأله بوضوح عن موقف الحكومة من التعديل وقبولها لهذه الصيغة، وقال فوزي إن النص الذي أوجب حضور المحامي دون استثناءات يتفق مع الدستور والقانون، فيما أصر جبالي على الاستماع لرأي فوزي، وسأله مرتين عن موقف الحكومة، ثم سأله بوضوح "متفق مع وزير العدل؟ عايز إجابة واضحة المادة مفصلية ومهمة جدًا".

ابتسم فوزي ونظر لزميله، ثم طلب من رئيس المجلس منحه دقائق للتشاور مع وزير العدل، أعلن بعدها تمسُّك الحكومة بنص المادة كما هو دون تعديل. 

لم يكن هذا الاقتراح الوحيد الذي تقدم به وزير العدل، إذ طالب بتعديل في المادة التي تنظم ضوابط التحفظ على الأموال. فالنص الذي يربط التحفظ على أموال المتهمين وذويهم بأحكام قضائية تصدر عن القاضي الجزئي، يَسمح للنائب العام في حالة الضرورة بإصدار قرار مؤقت بالتحفظ على أموال المتهم لحين صدور حكم القاضي، وحاول وزير العدل مدَّ هذا الاستثناء ليشمل ذوي المتهم الزوجة والأبناء القُصَّر. 

غير أن ترتيب الردود على وزير العدل، أوحى بتنظيم مسبق ومخطط للكلمات، فسمح رئيس المجلس للنواب محمد عبد العزيز، وضياء الدين داود، وأحمد الشرقاوي، بالرد على الوزير دفاعًا عن الذمة المالية للمرأة، أمام تبريرات الوزير بتجنب أي عمليات مالية من وإلى حسابات ذوي المتهمين. 

ثم رفض المجلس اقتراح الوزير، وألقى جبالي كلمة قصيرة مشيدًا بما انتهى إليه المجلس لحماية الملكية الخاصة، وصدر بيان مقتضب عن الأمانة العامة للمجلس يحتفي برفض الاقتراح والدفاع عن الذمة المالية المنفصلة للنساء وعدم جواز المساس بها دون حكم قضائي.

وجوه المعارضة

حتى الجلسة السادسة، غاب النائب ضياء الدين داود عن اقتراحات التعديل لتحسين مشروع القانون، بل شارك داود الذي كان عضوًا في اللجنة الفرعية التي وضعت مشروع القانون في الرد على بعض التعديلات المقترحة، وإن لم يتطرق في ردوده إلى النصوص التي تثير القلق بشأن حقوق المواطنين. 

وكان نواب الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي حاضرين بقوة في التعديلات المقترحة في أول جلستين، ثم لمع بعدهم النائب عاطف مغاوري رئيس الكتلة البرلمانية لحزب التجمع، والنائب الوفدي محمد عبد العليم داود، والنائب المستقل رضا غازي

انضمام مغاوري لنواب المعارضة في مقترحاتهم ليس معتادًا بالنظر إلى المواقف السابقة لحزب التجمع تحت القبة، لكن صمودَه في محاولات التعديل كان مستفزًا للأغلبية من حزب مستقبل وطن، إذ هاجم النائب إيهاب الطماوي، مغاوري، الذي حضر مناقشات مشروع القانون في اللجنة التشريعية، وقال يبدو أن هناك اتفاقًا حدث بين الأحزاب اليسارية، ما دفع جبالي للتدخل وتأكيد احترام كل التيارات والآراء.

أما عبد العليم داود، فاتخذ موقفًا مختلفًا عن الكتلة البرلمانية لحزب الوفد، بل إن بعض زملائه في الحزب حاولوا مقاطعته خلال اقتراح أحد التعديلات، ومازحه رئيس المجلس "اللي بيعاكسوك من حزب الوفد"، فرد داود "أنا منتمي لمبادئ الوفد القديم".

وظهر النائب رضا غازي النائب المستقبل عن طلخا ونبروه بمحافظة الدقهلية، في الجلسات العامة من خلال عدد من الاقتراحات التي قدمها، لتحسين وضع القانون وضمان المزيد من الحقوق، مثل تحديد الجرائم التي يجوز فيها صدور قرارات المنع من السفر وتقييد مدد المنع.

تعديلات مرفوضة

مجلس النواب يناقش مشروع قانون الإجراءات الجنائية، 30 ديسمبر 2024

مرت النصوص دون تعديلات جوهرية، معظمها تغييرات بسيطة في الصياغة غير مؤثرة في جوهر المواد وتأثيرها على حقوق الإنسان. لكن المقترحات التي كان يمكن أن تحدث فرقًا وتضيف قدرًا من الضمانات كان مصيرها الرفض:

1- رفض المجلس اقتراحًا يضمن عدم سؤال المتهم أمام مأمور الضبط القضائي إلا في حضور محاميه. وخلال المناقشات علق رئيس مجلس النواب حنفي جبالي "هذا الاقتراح يعني حضور المحامي في مرحلة جمع الاستدلالات"، وأضاف "الدستور أوجب حضور المحامي في مرحلة الاستجواب وليس الاستدلالات".

2- رفض النواب اقتراحًا بتصوير عمليات الضبط والمعاينة.

3- رفض المجلس اقتراحًا بتقليص صلاحيات مأموري الضبط القضائي في القبض على المتهمين في حالة التلبس، لتكون في الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس لأكثر من 6 أشهر، مُبقيًا على النص الحالي الذي يتضمن مدة تزيد على 3 أشهر.

4- رفض المجلس اقتراحًا بأن يترتب البطلان على انتهاك ضوابط تفتيش المنازل أو مراقبتها.

5- رفض المجلس اقتراحًا باشتراط أن تقوم بتفتيش الإناث أنثى من مأموري الضبط القضائي، واكتفى بالنص على أن تكون أنثى دون شرط أن تكون من مأموري الضبط.

6- رفض المجلس اقتراحًا يُلزم بتمكين المحامي من الانفراد بموكله قبل التحقيق.

7- رفض المجلس اقتراحًا يُلزم عضو النيابة في حالة قرر عدم إطلاع محامي المتهم على التحقيق قبل بدء الاستجواب لأسباب تستلزمها مصلحة التحقيق، أن يثبت هذه الأسباب.

8- رفض المجلس اقتراحًا باعتبار الأسورة الإلكترونية ضمن التدابير البديلة للحبس الاحتياطي.

9- رفض المجلس اقتراحًا بوضع أي إلزام على النيابة باتخاذ التدابير الاحترازية بدلًا من الحبس الاحتياطي.

10- رفض المجلس اقتراحًا بوضع حد أقصى لقرارات المنع من السفر بحيث لا يتجاوز المنع ثمانية عشر شهرًا.

11- رفض المجلس اقتراحًا بوضع حد أقصى لمدة التحفظ على الأموال وأبقى على حق المتهم في التظلم من هذه الأحكام كل ثلاثة أشهر.

12- رفض المجلس اقتراحًا بتقييد مدد مراقبة المراسلات التي تصدر بأمر القاضي الجزئي بما لا يزيد على مدتين.

13- رفض المجلس اقتراحًا بتصوير تحقيقات النيابة بالفيديو.

14- رفض المجلس اقتراحًا بتعديل يبطل إجراءات الضبط في حالة عدم إظهار هوية مأمور الضبط القضائي للمتهم.

15- رفض المجلس اقتراحًا بإلغاء اعتبار مندوبي الشرطة ومعاوني الأمن والعمد ومشابخ البلد والخفراء من مأموري الضبط القضائي .

16- رفض المجلس اقتراحًا بتحديد الجرائم التي يجوز فيها صدور قرارات المنع من السفر بحيث لا تشمل  إلا الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وأبقى على النص الحالي الذي يجيز المنع في جميع الجنح.

لم تكن هذه كل المقترحات وإنما محاولة لتوضيح أهم التعديلات المرفوضة التي كان يمكن بتمريرها ضمان مزيد من الحقوق، لكن الأغلبية أبت ويبدو أن هناك إصرارًا على صدور المشروع بفلسفته المقلقة دون تغيير. 

ما زال المجال مفتوحًا والسيناريوهات المحتملة قائمة، وخلال الجلسات المقبلة يستكمل المجلس مناقشات المشروع، لكن لو قرر أحدهم في جهة ما وقف قطار الإجراءات الجنائية أو تعديل مساره ربما نصل إلى نتائج أفضل تنقذ ما يمكن إنقاذه.