دون أي صوت رفض أو تحفظ من جانب نواب المعارضة مرَّ مشروع قانون تنظيم لجوء الأجانب بسلام في مجلس النواب، ليصل محطته الأخيرة انتظارًا لتوقيع رئيس الجمهورية لنشره في الجريدة الرسمية.
صاغت مواد مشروع القانون الجديد لجنةٌ تابعةٌ لرئيس مجلس الوزراء، بموافقة مجلس النواب بعد مناقشات استمرت ثلاثة أيام اتبع فيها رئيس المجلس حنفي جبالي تكنيك إتاحة الكلمة لأكبر عدد ممكن من النواب، وهو النهج الذي يتبعه في المشروعات المهمة التي تثير الجدل.
ولم يكن مشروع قانون تنظيم لجوء الأجانب بعيدًا عن الجدل، سواء على السوشيال ميديا أو على مستوى النشطاء والمنظمات الحقوقية التي حذرت من تأثيره السلبي على أوضاع اللاجئين وحقوقهم بسبب تناقض بعض مواده مع الاتفاقيات الدولية، إذا يَصدُر هذا القانون للمرة الأولى في تاريخ مصر.
ليس مفاجأة
ظَهَر الحديث عن مشروع القانون، بالتزامن مع حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن وجود 9 ملايين "ضيف" في مصر إذ بدأ الحديث عنه للمرة الأولى في يونيو/حزيران عام 2023، بعدما أعلن مجلس الوزراء موافقته على مشروع قانون ينظم لجوء الأجانب في مصر.
يستحدث مشروع القانون تشكيل لجنة دائمة لشؤون اللاجئين تتبع رئيس مجلس الوزراء، لتكون الجهة المهيمنة على شؤون اللاجئين بما في ذلك المعلومات والبيانات الإحصائية.
تتولى اللجنة الدائمة بالتنسيق مع وزارة الخارجية التعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وغيرها من المنظمات والجهات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين، والجهات الإدارية داخل مصر لضمان تقديم أوجه الدعم والرعاية والخدمات للاجئين كافة.
ناقش مجلس النواب مشروع القانون بعد عام ونصف العام من تقديمه
وبحسب بيان مجلس الوزراء حينها، يلتزم اللاجئون وطالبو اللجوء بتوفيق أوضاعهم، طبقًا لأحكام هذا القانون خلال سنة من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية، ويجوز لرئيس الوزراء بعد موافقة مجلسه مد المدة المشار إليها لمدد مماثلة.
تزامن الإعلان عن صياغة مشروع القانون مع توافد النازحين من السودان بعد النزاع المسلح الذي يشهده البلد المجاور منذ أبريل/نيسان 2023، إذ استقبلت مصر أكثر من مليون سوداني منذ اندلاع الحرب وفق تقديرات الأمم المتحدة.
أحال مجلس الوزراء المشروع إلى مجلس النواب، ورفعه رئيس المجلس حنفي جبالي للجنة الدفاع والأمن القومي في 20 يونيو 2023. بقي المشروع في أدراج المجلس حتى أعلنت لجنة الدفاع والأمن القومي في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي موافقتها على نصوصه تمهيدًا لإعداد تقرير بشأنه وعرضه على مجلس النواب.
التزم نواب الحزب المصري الديمقراطي الصمت واصطفت المعارضة مع الأغلبية
وكعادة اجتماعات لجنة الدفاع والأمن القومي في المجلس، لا يُسمح للصحفيين المعتمدين لتغطية جلسات واجتماعات البرلمان بحضور اللجنة، فلم نرصد أو نوثق طبيعة المناقشات ولم نتعرف على النصوص الكاملة لمشروع القانون، حتى جرى تسريب نسخة منه قبل نحو أسبوعين من صدور التقرير النهائي للجنة وإرساله للنواب والصحفيين.
المعارضة.. موافقة أو صامتة
في موقف لم يتكرر مع مناقشات مشروعات القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، اصطف نواب المعارضة مع الأغلبية في دعم مشروع القانون وتمريره بسلام، دون صوت معارض وحيد على المشروع.
بينما أعلن نواب الإصلاح والتنمية والمستقلون المحسوبون على المعارضة موافقتهم على مشروع القانون، التزم نواب الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الصمت، ولم يتحدث أي من نواب هيئتهم البرلمانية خلال المناقشات من حيث المبدأ أو أثناء مناقشة المواد التفصيلية.
وأبدى النائب المستقل المحسوب على المعارضة ضياء الدين داود دعمه لمشروع القانون واعتبره "التزامًا وطنيًا عروبيًا قوميًا"، ودافع عن المشروع نافيًا كونه مقدمة لتوطين الفلسطينيين في وطن بديل.
وقال داود "مش معقول وأنا قومي عروبي في ظل أوضاع إقليمية بهذا الشكل وحجم المخاطر الموجودة في الوضع الاستراتيجي الإقليمي والعمق الاستراتيجي المصري نقف مكتوفي الأيدي وممتنعين عن اتخاذ ما يؤمِّن وضعنا الداخلي وحماية الوضع الإقليمي".
وبشأن الانتقادات الموجهة للمشروع، أوضح "من الممكن أن تطرب آذاني وأنا في مقاعد المعارضة الهجمات على النظام، لكن فيه فرق بين الدولة والنظام الذي نختلف مع توجهاته".
النهج نفسه تبناه النائب أحمد فرغلي المحسوب على المعارضة، فيما روج رئيس لجنة حقوق الإنسان النائب طارق رضوان، ووكيل اللجنة النائب محمد عبد العزيز لمشروع القانون باعتباره يساهم في تقنين أوضاع قائمة بالفعل "التقديرات تذهب إلى 9 ملايين ضيف من ضيوف الدولة المصرية"، معتبرًا أن المشروع يضمن التوازن بين الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحماية الأمن القومي المصري.
تعديلات شكلية
وافق المجلس على المشروع دون تعديلات جوهرية في صياغته النهائية، وكانت جميعها تغييرات تتعلق بضبط الصياغة مثل إضافة "أو" بدلًا من "و"، أو إضافة كلمة لتطابق عبارات ورادة بالاتفاقية الدولية لحقوق اللاجئين، وهو ما تكرر في مقترحين قدمهما نائبان عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، ووافق عليهما النواب وقبلت بهما الحكومة.
إذ وافق المجلس على مقترح نائب التنسيقية عماد خليل بتعديل المادة 12 التي كانت تنص على "يُحظر تسليم اللاجئ إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة"، فاستبدل بها عبارات "يحظر رد اللاجئ إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة".
يواجه المشروع انتقادات حقوقية، تثير مخاوف بشأن تأثيره سلبًا على حقوق اللاجئين، وعدم الالتزام بالاتفاقية الدولية، رغم أن الحكومة وأعضاء مجلس النواب ينفيان هذه الاتهامات.
ومن بين الانتقادات الموجهة للمشروع تعريف اللاجئ، فهو "كل أجنبي وجد خارج الدولة التي يحمل جنسيتها أو خارج دولة إقامته المعتادة، بسبب معقول مبني على خوف جدي له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه، أو دينه، أو جنسيته، أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية، أو بسبب عدوان أو احتلال خارجي".
واعتبر بعض النواب خلال المناقشات أن استخدام كلمة جدية قد تحمِّل اللاجئ عبء إثبات الضرر. بينما رد وزير شؤون المجالس النيابية والتواصل السياسي المستشار محمود فوزي "النص على التخوف الجدي لا يضع إثقال على اللاجئ، ولا تزيُّدًا لكنه للإيضاح"، ولفت إلى أن أي قرار من اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين يمكن الطعن عليه.
لماذا القانون الآن؟
يأتي مشروع القانون في وقت تستخدم في السلطة المصرية ورقة اللاجئين في مفاوضاتها الدولية، وخطاباتها السياسية للداخل والخارج، مع خلط متعمد مغلوط بين أعداد اللاجئين الذين لا يتجاوز عددهم وفقًا للمفوضية الأممية 800 ألف شخص، والوافدين الذين تقدرهم الحكومة بنحو تسعة ملايين شخص.
ولا تقف الدوافع السياسية الخاصة بتنظيم الأعداد وتدقيقها وحدها خلف مشروع القانون لا سيما مع تحجج الحكومة باشتعال المنطقة، لكن هناك دوافع اقتصادية أيضًا تلوح بها السلطة، ولفت إليها النواب في مداخلاتهم في المناقشات.
كانت مصر وقعت تفاهمات مع دول الاتحاد الأوروبي من ضمنها برامج تتعلق بمكافحة الهجرة غير الشرعية، مقابل حصولها على مساعدات وقروض، وتأتي التمويلات المقدمة من الأوروبيين في الأغلب مدفوعة بمخاوف الهجرة غير الشرعية.
وانعكست الأهداف الاقتصادية لمشروع القانون في بعض كلمات النواب، منها النائبة إيمان العجوز التي قالت "نطالب المجتمع الدولي بتحمل ما اقترفته أيديهم وتقاسم الأعباء مع الدولة المصرية".
أما النائبة دينا عبد الكريم فلوحت في كلمتها إلى الهدف نفسه، خلال مطالبتها بالنص على عضوية وزير الصحة والتعليم في اللجنة العليا لشؤون اللاجئين، لتحديد مدى القدرة على توفير حياة جيدة لهم "فنقدر نكلم المجتمع الدولي ونقول لا مش قادرين".
الأمر نفسه تحدث عنه نائب المعارضة ضياء الدين داود "لم نتاجر في أي يوم من الأيام لا في الماضي ولا الحاضر لكن العالم يقف يتفرج علينا في ظل وضع اقتصادي، هذه فاتورة تدفعها مصر عن طيب خاطر، لكن لا ندفع ده وكمان نتهاجم".
ما بين دوافع سياسية واقتصادية خرج مشروع القانون، وننتظر لائحته التنفيذية التي ستبين المزيد من التفاصيل بعد انتقال مسؤولية إدارة شؤونهم من المنظمة الأممية للجنة عليا تتكون بالأساس من ممثلي وزارات الداخلية والعدل والمالية.