تبدأ اليوم الجلسة التمهيدية لمراجعة سجل حقوق الإنسان في مصر بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في جنيف بسويسرا، استعدادًا لاستعراض الملف في يناير/كانون الثاني المقبل، في إطار المراجعة الدورية الشاملة UPR التي تتم كل 4 سنوات.
وخلال الاستعراض الأخير لمصر في 2019، تلقت الحكومة 375 توصية شملت 28 توصية بشأن وقف توقيع عقوبة الإعدام، و7 توصيات تتعلق بالاختفاء القسري، و29 توصية متعلقة بوقف التعذيب وسوء المعاملة، و19 توصية تتعلق بالمحاكمات العادلة والمنصفة.
وتأتي مراجعة ملف مصر في وقت تشهد فيه حالة حقوق الإنسان فترةً هي الأسوأ في تاريخها، حسب نشطاء حقوقيين تحدثوا لـ المنصة.
ويستمع المجلس خلال جلسة اليوم لمداخلات من ممثلي المنظمات الحقوقية المستقلة، ومن بينهم مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت، ومدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات محمد لطفي، ومديرة مؤسسة نظرة للدراسات النسوية مزن حسن، ومدير برنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان محمد زارع.
ما هو الـUPR؟
الاستعراض الدوري الشامل UPR هو آلية تتبعها الأمم المتحدة من خلال مجلس حقوق الإنسان منذ 2007، لمتابعة الوضع الحقوقي في الدول الأعضاء. ويناقش المجلس ملفات الدول كل أربع سنوات، إذ سبق استعراض الملف المصري ثلاث مرات في 2010 و2014 و2019، ويشمل استعراض تقرير حكومي عن أوضاع حقوق الإنسان، وتقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، والتقارير المقدمة من المنظمات غير الحكومية، وفق دراسة قانونية منشورة بالعدد العاشر من دورية دراسات في حقوق الإنسان.
ويستهدف الاستعراض تحسين حالة حقوق الإنسان والتحقق من التزام الدول الأعضاء بالوفاء بالالتزامات والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان التي تعهدت بالوفاء بها. ويُحرَّر في نهاية الاستعراض تقرير يعتمده مجلس حقوق الإنسان، ويشمل موجزًا لوقائع الاستعراض والتوصيات الموجهة إلى الدولة المعنية، وما قطعته على نفسها من التزامات وتعهدات طوعية.
توسعت السلطات في إصدار أحكام الإعدام على خلفية محاكمات جائرة بعد الاستعراض الدوري في 2019
ومن بين 375 توصية تلقتها الحكومة في الاستعراض السابق 2019 قبلت مصر تنفيذ 288 توصية، تنوعت بين توصيات تتعلق بالنظر في إعلان وقف تنفيذ بعض أحكام الإعدام الصادرة مؤخرًا، والتحقيق في البلاغات والشكاوى المتعلقة بما سمته مزاعم التعذيب والقتل خارج نطاق القانون والإخفاء القسري، كما قبلت توصيات أخرى تخص مراجعة تعريف الإرهاب بقانون مكافحة الإرهاب.
فيما رفضت مصر 87 توصية أخرى ارتبط بعضها بالوقف الفوري لعقوبة الإعدام، وأخرى تتعلق بوقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، كما رفضت 11 توصية بالإفراج عن معتقلي الرأي وضمان حقهم في محاكمة عادلة.
ورغم التوصيات الـ375 تفاقمت أزمة حقوق الإنسان في أعقاب استعراض 2019، وفقًا لتقييم أجرته منظمات حقوقية مصرية في يناير/كانون الثاني 2023، أشارت خلاله إلى تصاعد الانتهاكات في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 حتى نوفمبر 2022، خاصة فيما يتعلق بالحق في الحياة ومكافحة الإعدام، والحق في حرية التجمع السلمي والتنظيم، والحق في حرية التعبير واستقلال الإعلام.
وحسب تقرير حقوقي، توسعت السلطات في إصدار أحكام الإعدام على خلفية محاكمات جائرة، واستمر التعذيب الممنهج في أماكن الاحتجاز فيما واصل منفذوه الإفلات التام من العقاب، واستمر الإخفاء القسري ممارسةً منهجيةً، فضلًا عن مواصلة حبس الصحفيين والمعارضين السياسيين السلميين وحتى المواطنين تعسفيًا.
دفاع الحكومة... استراتيجية وحوار!
في وقت تالٍ على استعراض 2019، بالتحديد في 11 سبتمبر/أيلول 2021، أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي ركزت على عدة مبادئ، من بينها أن جميع الحقوق والحريات مترابطة ومتكاملة، مع التأكيد على ضرورة تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، واستقلال السلطة القضائية باعتبارها وسيلة الإنصاف الأساسية.
فيما بدا واضحًا من تصريحات وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أن الحكومة ستلجأ في الرد على مدى التزامها بتوصيات مجلس حقوق الإنسان، إلى الحديث عن مبادراتها بشأن إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والحوار الوطني، وتفعيل لجنة للعفو الرئاسي عن السجناء، عوضًا عن تبني حزمة تشريعات من بينها مشروع قانون الإجراءات الجنائية الأخير.
غير أن مشروع القانون يواجه انتقادات واسعة من الحقوقيين والنقابات المهنية والأحزاب، كما أعرب مسؤولون أمميون، في خطاب أرسلوه إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن مخاوفهم من المشروع، لا سيما فيما يتضمنه من صلاحيات موسعة تمنحها التعديلات الجديدة لممثلي الشرطة والنيابة العامة دون مراجعة قضائية، فضلًا عما تضمنه مشروع القانون من صياغات فضفاضة لبعض الأحكام، والمخاوف من المساس بالمحاكمة العادلة.
لكن يبدو أن مشروع قانون الإجراءات ليس التشريع الوحيد الذي ستلجأ له الحكومة في دفاعها، إذ يلفت مؤسس المنبر المصري لحقوق الإنسان، معتز الفجيري، إلى مشروع قانون تنظيم لجوء الأجانب، معتبرًا أن الحكومة تسعى من خلاله لإرضاء الطرف الأوروبي بشكل خاص، بالنظر للمساعدات الأوروبية التي تلقتها في مارس/آذار الماضي في إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة، التي شملت ضمن بنودها موضوع الهجرة واللجوء.
تستخدم الحكومة في دفاعها الحوار الوطني ولجنة العفو الرئاسي وقانون لجوء الأجانب
يتوقع الفجيري استخدام الحكومة هذا القانون خلال الاستعراض الدوري بوصفه مكسبًا حقوقيًا "لكنه بالتأكيد سيؤدي إلى ظلم كبير لطالبي اللجوء إلى مصر، لوجود فجوات كثيرة وتعارضه مع المعايير الدولية المتعلقة بحماية اللاجئين".
فيما يعتبر مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت أن مبادرات الحكومة من قبيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والحوار الوطني ولجنة العفو الرئاسي غير كافية لتسويقها دوليًا "الوضع بعدها إما أنه لم يتحسن على الإطلاق أو شهد تدهورًا".
ويضيف "بعد سنتين ونصف السنة من إطلاق لجنة العفو الرئاسي انتهى الأمر بيننا إلى زيادة أعداد المحبوسين بتهم سياسية"، منوهًا بأن الحكومة لا تزال أمامها فرصة حتى موعد انعقاد المراجعة في نهاية يناير لإجراء بعض الإصلاحات التي لا تحتاج وقتًا أو جهدًا أو ميزانيةً، مثل إطلاق سراح أعداد كبيرة من السجناء السياسيين، ورفع الحجب عن المواقع، وتوسيع مساحات العمل الأهلي والحزبي والإعلامي "أو أضعف الإيمان التوقف عن الاعتقالات المتزايدة، ووقف سياسات تدوير المحبوسين، وتأجيل تمرير المشروع الكارثي لقانون الإجراءات الجنائية".
استعدادات الحركة الحقوقية
مثلما تستعد الحكومة بتقريرها ودفاعها، تشارك الحركة الحقوقية في الداخل والخارج في تقديم تقارير بشأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر في مواجهة تقرير الحكومة، ويعوِّل مؤسس المنبر المصري لحقوق الإنسان معتز الفجيري على النشاط الذي تقدمه المنظمات منذ عدة أشهر في لعب الدور الأكبر في توجيه دفة الاستعراض الدوري المقبل.
يقول لـ المنصة "رغم كل الضربات التي تلقتها الحركة الحقوقية المصرية، فإنها صامدة ومستمرة وتصدر تقارير وشهادات، طالما ظلت هذه الحركة قوية سيكون الاستعراض الدوري قويًا".
ويوضح "أرسلنا أكثر من تقرير خلال الفترة الماضية من بينها تقرير عام، وتقارير نوعية أيضًا"، مشيرًا إلى أن المنبر المصري قدَّم تقريرًا عن استهداف السلطات للمدافعين عن حقوق الإنسان خارج مصر أو ما يعرف بالقمع العابر للحدود.
في السياق نفسه، يكثف الحقوقيون في الفترة الحالية ولحين عقد جلسة يناير المقبل، عقد مشاورات مع ممثلي مختلف الدول لمناقشة القضايا والتوصيات التي يمكن طرحها على الحكومة خلال الاستعراض المرتقب، حسب الفجيري، الذي استبعد تأثير المتغيرات الدولية على نتائج الاستعراض، بعد الحرب على غزة وتبعاتها، وتداعيات فوز ترامب، وتركيز الأوروبيين على قضايا الهجرة واللجوء، مؤكدًا أن "أوضاع حقوق الإنسان في مصر ما زالت تحظى باهتمامٍ دولي".
استعراض بلا أعذار
يتوقع مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة ناصر أمين أن الاستعراض الدوري سيكون مختلفًا هذه المرة، بالنظر إلى أن الحكومات المصرية المتعاقبة اعتادت في المرات السابقة التحجج بأحداث داخلية كانت تشهدها البلاد، وتقدمها مبررًا لعدم وفائها ببعض الالتزامات أو التوصيات التي تعهدت بها.
يضيف لـ المنصة "الحكومة تذرعت بعد استعراض عام 2010 باندلاع ثورة 25 يناير كسبب في إبطاء إحداث تقدم بملف حقوق الإنسان بها، وكذلك الحال خلال السنوات التالية على استعراضي 2014 و2019 اللذين تحججت فيهما بالحرب على الإرهاب وجائحة كورونا".
ويستطرد "حاليًا لا يوجد إرهاب ولا كورونا وبالتالي فلا أعذار لبطء اتخاذ أي تدابير حقيقية من أجل تحسين حالة حقوق الإنسان"، مؤكدًا أن سجل حقوق الإنسان في مصر "من الأسوأ بين دول العالم".
انتهاء الترويج لإنجازات الحقوق الاقتصادية بعد سنوات الإفقار
فيما يرى مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت أن الحكومة لن تتمكن هذه المرة من عزف المعزوفة المعتادة في المرات السابقة الخاصة بـ"انظروا إلى سجلي في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ولا تنظروا فقط إلى الحقوق المدنية والسياسية".
ويضيف "ببساطة المراجعة ستشمل ما نطلق عليه سنوات الإفقار التي شهدت اتخاذ إجراءات متتالية وسياسات متعمدة أدت إلى إفقار غير مسبوق لغالبية الشعب المصري وارتفاع غير مسبوق ليس فقط في معدلات الفقر وإنما في معدلات اللامساواة في الدخل والأجور والحقوق الاقتصادية".
ويوضح أن المراجعة ستكشف أن سجل النظام في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية شهد تدهورًا لا يقل عن التدهور الرهيب الذي شهدته الحقوق المدنية والسياسية "لأن الحقيقة الأرقام مفزعة".
مستقلون وحلفاء
على صعيد مواقف الدول الأعضاء في المجلس الدولي لحقوق الإنسان ومدى مناصرتها لقضايا حقوق الإنسان في مواجهة الحكومة، يوضح مؤسس المنبر المصري لحقوق الإنسان معتز الفجيري أن بعض الدول الأوروبية مثل اليونان وقبرص والمجر وإيطاليا، تصنف بوصفها حليفة بشكل كبير للنظام المصري "لا نتوقع أن يكون لها موقف مؤثر".
ويضيف "هناك دول أوروبية أخرى أتوقع إثارتها لقضايا وتوصيات مهمة مرتبطة بوضع السجون واستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان واستهداف حرية التعبير في الداخل"، مشيرًا إلى النرويج وأيسلندا والسويد وفنلندا والدنمارك، فيما يتوقع أن تتبنى المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا موقفًا جادًا من الاستعراض.
ويستبعد الفجيري تأثير فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية في موقف بعثة الولايات المتحدة بمجلس حقوق الإنسان "مش هيلحق يأثر، لأن تحضيرات البعثة تجري الآن، فلن يكون لترامب تأثير مباشر على خطاب الوفد الأمريكي".
أما الدول العربية وبعض الدول الإفريقية، ومعها روسيا والصين، فيتوقع الفجيري أن تجامل الجانب المصري في إطار رد الجميل "لأن الحكومة المصرية أيضًا كانت تجامل بعض هذه الحكومات في الاستعراضات السابقة، خاصة بعض الدول العربية مثل السعودية والإمارات".
ماذا بعد الاستعراض الدوري؟
حول الأثر المتوقع للاستعراض المقبل، ومدى تأثيره في تحسين حالة حقوق الإنسان، يرى الفجيري أنه "عادة ما يصاحب انتقادات حالة حقوق الإنسان خلال الاستعراض الدوري الشامل لمصر التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات والشراكات الخارجية، سواء مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد وغيره، بإحداث تغييرات مثل الإفراج عن معتقلين".
لكن الأثر المهم للاستعراض المقبل، وفقًا للفجيري، يكمن في المداخلات التي قد تكشف زيف خطاب الدولة بشأن وجود إصلاح داخلي في مصر "حاولت الدولة كثيرًا خلال السنة الأخيرة أن تصور الحوار الوطني ولجنة العفو الرئاسي بوصفهما إصلاحات نوعية، وتسويقها على هذا النحو لدى الشركاء الدوليين والمانحين".
يضيف "من هنا تأتي أهمية الاستعراض الدوري الشامل من خلال التأكيد على أن هذه الإصلاحات شكلية، وأن الواقع مغاير تمامًا، وبالتالي يصبح هذا الأمر توثيقًا مهمًا يضرب تمامًا خطاب الدولة الذي تسوقه دوليًا".