
يوميات صحفية برلمانية| قانون المسؤولية الطبية.. قصة نجاح مقارنة بأخواته
في طرقات مجلس النواب الثلاثاء الماضي، التقيت نقيب الأطباء دكتور أسامة عبد الحي قبل أن يغادر متوجهًا لمقر النقابة في دار الحكمة، عقب الموافقة النهائية على مشروع قانون المسؤولية الطبية وسلامة المريض.
رغم أن المجلس لم يستجب لجميع التعديلات التي طالب بها النقيب، إلا أنه يرى أن القانون في صورته الحالية أحسن من الوضع بدونه، آملًا في تطبيق النصوص الجديدة على الأطباء المحبوسين بسبب أخطاء طبية، وموضحًا أن النقابة لا تعرف حتى عددهم.
عبد الحي الذي ألغى الجمعية العمومية الطارئة بشأن مشروع القانون في يناير/كانون ثاني الماضي، مازال يواجه ضغوطًا من الأطباء ظهر جانب منها في التعليقات على الفيديو الذي نشره لتوضيح التعديلات التي جرت على مشروع القانون.
بين التحذيرات المبالغ فيها من خطورة القانون السوشيال ميديا وزعم نواب الأغلبية أنه الأفضل، أتوقف معكم اليوم عند بعض التفاصيل الشارحة للمشروع وطبيعة ما جرى من مناقشات وحدود الاستجابة لمطالب الأطباء.
رحلة طويلة
استغرقت رحلة مشروع قانون المسؤولية الطبية سنوات قبل وصولها لمحطة الموافقة النهائية، فما بين محاولات نواب ونقباء الأطباء المتعاقبين والتخوفات من المساس بملف شائك ينظم العلاقة بين الأطباء والمواطنين؛ تعطل المشروع كثيرًا في الأدراج.
حقق مسار التفاوض المزيد من التعديلات لصالح الأطباء
في بداية نقاش مشروع القانون الحكومي بمجلس الشيوخ، وافقت عليه الأغلبية باعتراضات محدودة، ورفضته نقابة الأطباء رفض قاطع. ولكن عند وصوله لمجلس النواب وفتح قنوات الاتصال بين النقابة والبرلمان والحكومة ظهرت فرص التوصل إلى صيغة توافقية.
كتبت قبل نحو شهرين في هذا العمود عن التفاوض الذي أدى لتغييرات جوهرية خلال المناقشات في لجنة الشؤون الصحية، لكن استكمال مسار التفاوض حقق المزيد من التعديلات لصالح الأطباء في الجلسة العامة خلال الموافقة النهائية على مشروع القانون.
الخطأ الطبي ومن الذي يحدده
وفق المشروع، تقع المسؤولية عن كل خطأ طبي ناتج عن تقديم الخدمة سبب ضررًا لمتلقيها، وتنتفي إذا كان الضرر هو أحد الآثار أو المضاعفات المعروفة في مجال الممارسة المتعارف عليها علميًا، أو إذا كان الضرر وقع بسبب فعل مُتلقي الخدمة، أو رفضه للعلاج، أو عدم اتباعه للتعليمات الطبية.
لا حبس في الخطأ الطبي.. وتقليل الغرامة من مليون إلى 100 ألف جنيه
وعرّف القانون الخطأ الطبي بأنه كل فعل يرتكبه مقدم الخدمة، أو امتناع عن إجراء طبي واجب عليه اتخاذه وفقًا لأحكام هذا القانون أو القوانين الأخرى المنظمة لذلك، أو ارتكاب إجراء لا يتفق مع الأصول العلمية الثابتة، أو آداب وتقاليد المهن الطبية الصادرة وفقًا لأحكام القوانين المنظمة للنقابات المعنية أو المواثيق الأخلاقية المهنية التي يصدرها المجلس الصحي المصري.
في حال توفر هذه الشروط، لا يُترك للقاضي أو للنيابة العامة تحديد الخطأ دون استرشاد بلجان فنية، فأقر القانون بإنشاء لجنة عليا تتلقى الشكاوى وتحدد إن كانت أخطاء واردة الحدوث أو مجرد مضاعفات متعارف عليها علميًا للإجراءات التي اتخذها مقدم الخدمة.
وفي حال ثبوت الخطأ، لا تتضمن العقوبة الحبس، بل تقتصر على غرامة خفض مجلس النواب حدها الأقصى إلى مائة ألف جنيه بعدما كانت مليون جنيه.
هل تقرير اللجنة ملزم؟
حاول نقيب الأطباء ونواب المعارضة الدفع لإجراء تعديلات تنص بوضوح على التزام المحكمة بتقرير اللجنة الطبية، كما حاول النقيب إقناع المجلس والحكومة بتعديل يُلزم النيابة بإرجاء التحقيقات لحين صدور التقرير الفني من اللجنة العليا المختصة بتلقي الشكاوى، وهو التقرير المنوط به الجزم بوقوع الخطأ من عدمه.
التقرير ملزم بالأمر الواقع تجنبًا لعدم الدستورية.. واقتراح بصدور كتاب من النائب العام للنيابة
غير أن الحكومة والأغلبية رفضتا الاقتراحات المقدمة من النائبة مها عبد الناصر والنواب عاطف مغاوري ومحمد عزت عرفات وطلعت عبد القوي وأحمد حمدي خطاب. وقال وزير الشؤون النيابية والتواصل السياسي، المستشار محمود فوزي ردًا على المطالبات بأن يكون رأي اللجنة ملزمًا لجهة قضائية "الفرق بين رأي اللجنة ورأي المحكمة أن رأي القاضي ملزم وواجب النفاذ".
كان طلعت عبد القوي، النائب عن حزب مستقبل وطن، طالب أن يكون تقرير اللجنة وجوبيًا لبدء إجراءات المحاكمة "هذا لب القضية، هذه أهم مادة ... أطالب بأنه في جميع الأحوال لا يجوز سماع أقوال الطبيب المشكو في حقه أو استكمال إجراءات التحقيق أو الإحالة للمحكمة قبل صدور تقرير اللجنة".
لكن النائب أشرف حاتم قدم حلًا آخر خارج الصندوق "نطلب من النائب العام إصدار كتاب دوري بعد صدور القانون لجهات التحقيق في النيابات المختلفة، يقول بأن اللجنة العليا يحال لها الشكوى ثم يتم التحقيق مع الأطباء بعد صدور تقاريرها".
الحبس في الضرر المحقق تحت تأثير مسكر أو مخدر أو الامتناع عن مساعدة المريض
فيما تساءل النائب أحمد حمدي خطّاب عن جدوى اللجان الفنية "طالما غير وجوبية"، فكان رد فوزي "الرأي الفني معروض على المحكمة، من الناحية العملية لا يمكن أن تتجاوز الرأي الفني إلا برأي فني أقوى منه، ولو فعلت غير ذلك يصبح قرارها عرضة للطعن من محكمة أعلى".
في الوقت نفسه حاول فوزي طمأنة النقيب والنواب "الواقع العملي يفرض نفسه ويقول إن الرأي اللي ييجي من اللجنة، المحكمة تأخذ به. الواقع العملي يشير إلى أن اللجان تكون على قدر من المسؤولية".
الخطأ الجسيم وعقوبة الحبس
مع انتفاء الحبس في الخطأ غير المقصود، بقي في المشروع نص يعاقب مقدم الخدمة بالحبس حال ارتكاب خطأ جسيم، وخلال المناقشات أعاد مجلس النواب تعريف الخطأ الجسيم بعد اقتراح من أمين سر لجنة الشؤون الصحية، كريم بدر حلمي.
وانتهت المناقشات أن الخطأ الجسيم هو الذي يبلغ حدًا من الجسامة، بحيث يكون الضرر الناتج عنه محققًا، ويشمل ذلك على وجه الخصوص ارتكابه تحت تأثير مسكر أو مخدر أو غيرها من المؤثرات العقلية، أو الامتناع عن مساعدة من وقع عليه الخطأ الطبي، أو الامتناع عن الاستجابة لطلب المساعدة على الرغم من القدرة على ذلك وقت وقوع الحادث، أو تعمد ممارسة المهنة خارج نطاق التخصص وفي غير الحالات الطارئة.
حذف المجلس تعبيرات "الإهمال والرعونة وعدم الاحتراز" استجابة للأطباء
حذف مجلس النواب بعض التعبيرات المطاطة مثل "إهمال أو تقصير أو رعونة أو عدم احتراز". ورفض والحكومة اقتراحًا بحصر الحالات، وقال رئيس لجنة الشؤون الصحية "لو حددت في الخطأ الجسيم 10 حاجات وطلع فيه 11، اللجنة العليا مش هتقدر تعمل حاجة".
وبموجب النص تحدد اللجنة العليا طبيعة الخطأ وتقدم في تقريرها تفصيلًا لنوعه، وفي حالة الخطأ الجسيم تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن خمسة، وغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه ولا تتجاوز مليوني جنيه، أو بإحدى العقوبتين.
من يدفع الحساب
اقترح نقيب الأطباء أسامة عبد الحي تعويض المريض في حالات الخطأ بدلًا من الغرامة، لكن الحكومة والأغلبية رفضتا الاقتراح، فطالب بأن تتراوح الغرامات "بين مرتب شهر إلى ثلاثة أشهر أو أربعة لتكون مجرد ضمان لحق المريض، ليتمكن بعدها المريض من إقامة دعوى التعويض بعد إثبات الضرر".
وقال عبد الحي إن"غرامة كبيرة في خطأ طبي وارد حدوثه أمر غير منطقي. كل دول العالم تتبع تعويض مدني لجبر الضرر، لا يجب أن تكون الغرامة مُبالغ فيها لأن شباب الأطباء لن يستطيعوا دفعها".
يساهم صندوق التأمين في سداد الغرامات
لم يلق مقترح النقيب تأييدًا من الأغلبية، التي بادر زعيمها النائب عبد الهادي القصبي باقتراح تعديل يخفض قيمة الغرامة في حالات الخطأ الطبي فقط. لكن المجلس وافق على المادة 20 التي تنص على إنشاء صندوق حكومي لتغطية الأخطار الناجمة عن الأخطاء الطبية مباشرة أو عن طريق التعاقد مع شركة تأمين أو أكثر أو مجمعة تأمين توافق على إنشائها الهيئة العامة للرقابة المالية، كما يجوز للصندوق المساهمة في تغطية الأضرار الأخرى التي تلحق بمتلقي الخدمة أثناء وبسبب تقديم الخدمة، واستنادًا إلى الدراسات الفنية والاكتوارية التي تعد في هذا الشأن. وبالتالي يساهم الصندوق في سداد الغرامات.
ما قبل وقوع الخطأ
ألزم مشروع القانون مقدم الخدمة ببعض الخطوات الأساسية قبيل التعامل مع المريض، تضمنت اتباع الأصول العلمية الثابتة وتطبيق القواعد المهنية للتخصص، وتسجيل الحالة الطبية والسيرة المرضية الشخصية والعائلية قبل التشخيص والعلاج، واستخدام الأدوات والأجهزة الطبية الصالحة للاستعمال والمناسبة لحالة متلقي الخدمة، وتبصير المريض بالإجراء الطبي والمضاعفات المحتملة، وتدوين كل إجراء طبي في ملف المريض.
الطوارئ وإنقاذ الحياة لا تضع الطبيب غير المختص تحت طائلة المسؤولية
في الوقت نفسه، حدد مشروع القانون بعض المحظورات منها الامتناع عن علاج متلقي الخدمة في الحالات الطارئة أو التي تشكل خطرًا على حياته حتى تستقر حالته الصحية، وفي حالة خروج الإجراء الطبي عن اختصاص مقدم الخدمة لأي سبب يتعين عليه إجراء الإسعافات الأولية الضرورية لمتلقي الخدمة، وتوجيهه إلى مقدم الخدمة المختص أو إلى أقرب منشأة إذا تطلب الأمر، مع إعداد تقرير مختصر عن النتائج الأولية لفحصه.
وبالتالي إنعاش القلب الرئوي والتدخل في الحالات الطارئة لن يُدخل طبيب الباطنة تحت المساءلة في حال عدم وجود زميل من نفس الاختصاص.
ضوابط الكشف على المريض
وضع مشروع القانون ضوابط للكشف السريري على المريض في غير الحالات الطارئة، فألزم بعدم الكشف السريري على متلقي الخدمة من جنس آخر دون موافقته، أو فى حضور أحد أقاربه أو مرافق له أو أحد أعضاء الفريق الطبي، إلا في الحالات الطارئة أو التي تشكل خطرا على حياته.
ورغم أن المناقشات السابقة في اللجنة كانت تشيد بالنص وتعتبره أمانًا للمريض وللطبيب في آن واحد، إلا أن النائبة إيرين سعيد تقدمت بتعديل لم يوافق عليه المجلس في النهاية.
حاولت إيرين إقناع النواب والحكومة بضرورة أن يكون عضو الفريق الطبي الذي يحضر الكشف من نفس جنس المريض "لو دخلت سيدة على طبيب وليس معها أي مرافق ما النفع لو أحضر دكتور"، وأضافت "لما يدخل راجلين في الكشف مالهاش لازمة وهذه المادة حفاظًا على السيدات"، مشددة على أن "وجود شخص من نفس الجنس معايا يزيد طمأنينة المرأة".
وعقب وزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار "الغرض عدم الانفراد بالمريض أثناء الكشف، بوجود طبيب أو طبيبة حققنا الغرض، لكن هذا التعديل يضع تقييد".
الحبس في مواد أخرى
خارج النصوص الخاصة بالخطأ الطبي، وضع مشروع القانون نصًا يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وغرامة لا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين، في عدة حالات.
تضمنت هذه المخالفات تجاوز حدود الترخيص، أو معالجة متلقي الخدمة دون رضاه فيما عدا الحالات الطارئة أو التي تشكل خطرًا على حياته والتي يتعذر فيها الحصول على الموافقة، أو الحالات التي يكون فيها مرضه مُعديًا ومهددًا للصحة أو السلامة العامة.
كما تتضمن هذه المخالفات الامتناع عن علاج متلقي الخدمة في الحالات الطارئة أو التي تشكل خطرًا على حياته حتى تستقر حالته الصحية، وفي حالة خروج الإجراء الطبي عن اختصاص مقدم الخدمة لأي سبب يتعين عليه إجراء الإسعافات الأولية الضرورية لمتلقي الخدمة.
وتضمنت أيضًا استعمال وسائل غير مرخص بها أو غير مشروعة في التعامل مع الحالة الصحية للمريض، أو إفشاء سره الذي اطلع عليه أثناء مزاولة المهنة.
التزامات المريض
ولحماية مقدمي الخدمة من الاعتداءات التي يتعرضون لها أثناء ممارسة عملهم داخل المنشآت الطبية حدد مشروع القانون عقوبات تقع على المريض الذي يتجاوز في حق مقدم الخدمة.
وافق المجلس على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو غرامة لا تتجاوز عشرة آلاف جنيه، كل من أهان بالإشارة أو القول أو التهديد أحد مقدمي الخدمة أثناء تأدية مهمته أو بسب تأديتها. فيما لا تزيد المدة عن سنة أو غرامة لا تتجاوز خمسين ألف جنيه، في حال الإتلاف العمدي للمنشآت الطبية أو محتوياتها، أو التعدى على أحد مقدمي الخدمة أثناء تأدية مهمته.
وباقتراح من علاء عابد، نائب رئيس حزب مستقبل وطن، وافق المجلس على استحداث عقوبات على البلاغات الكيدية للحد من البلاغات التي تستهدف من سمعة الطبيب أو المنشأة، بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر وغرامة لا تزيد عن 30 ألف جنيه، أو إحدى العقوبتين.
هذه هي رحلة القانون دون سرد للمداخلات التفصيلية والمناوشات الجانبية بين النواب وبعضهم أو والحكومة، وهكذا وصلنا من نسخته الأولى التي كانت تنتقص من حقوق الأطباء، وانتهينا بنصوص جيدة، وإن كانت ليست الأفضل.
في إطار ما شهدت، كان هذا أفضل الممكن في حدود قدرات الأطراف جميعًا على التوافق وخلق المساحات المشتركة، خصوصًا عند مقارنة هذا المشروع بقوانين أخرى محصنة من التعديلات الجوهرية، مثل قانون الإجراءات الجنائية وقانون العمل، الذي سيكون لنا معه وقفة لاحقًا.
ويبقى الأمل في الحد من الأخطاء الطبية ووقف الاعتداءات على مقدمي الخدمة وإتاحة بيئة عمل ملائمة تؤدي لتحسين المنشآت الطبية وتوفر المستلزمات والأسرّة والأطباء أنفسهم، بعدما هاجر عدد هائل منهم بحثًا عن حياة وبيئة عمل أفضل.