كنت على موعد مع جلسة عامة، أمس، جدولها مزدحم بمناقشة مشروعات لقوانين جديدة، إضافة إلى بيان وزير الإسكان. بدأت في الاستعداد للتوجه إلى مجلس النواب، فلم أجد سوى مياه الشرب التي أحتفظ بها في الثلاجة لأغسل بها وجهي، فالمياه التي عادت إلى الحنفيات في منطقة حدائق الأهرام بالجيزة بعد انقطاع دام أكثر من 14 ساعة كانت معكرة.
في المجلس، بدأ المهندس شريف الشربيني وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية إلقاء بيانه في الواحدة ظهرًا، وبينما كنت أستمع إليه يعدد إنجازات وزارته في مشروع حياة كريمة، وجهود الدولة ممثلة في وزارته للارتقاء بمستوى خدمات مياه الشرب والصرف الصحي على مستوى الجمهورية، كنت أتابعُ على السوشيال ميديا شكاوى سكان حدائق الأهرام الباحثين عن حل لانقطاع المياه الذي استمر أكثر من 24 ساعة في بعض المناطق، وتجاوز أربعة أيام في مناطق أخرى.
من بين السكان المتضررين الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد، الذي يسكن في المدينة، كتب على حسابه في فيسبوك "أربع أيام المياه مقطوعة عندنا في حدائق الأهرام. يومين تقطع من الفجر لمساء اليوم التالي وأمس قطعت نهار وليل ودخلنا الآن في اليوم الرابع وما زالت مقطوعة. إيه هو العطل اللي مايتمش إصلاحه في يومين علشان توصل المياه اللي مستنيها آلاف البشر؟".
وصل صدى الشكوى من انقطاع المياه في حدائق الأهرام وما حولها إلى برنامج "الحكاية" أحد أكثر برامج التوك شو جماهيرية في مصر، إذ أشار مقدم البرنامج عمرو أديب إلى المشكلة وطالب المسؤولين بإعادة المياه مرة أخرى إلى المنطقة.
وسبق لمحافظة الجيزة أن أعلنت تأثر خدمة ضخ المياه في حدائق الأهرام لمدة 8 ساعات لحين انتهاء جهاز مدينة 6 أكتوبر من إصلاح عطل مفاجئ بالخط المغذي لبعض المناطق، وهو التنويه نفسه الذي نشره جهاز تنمية حدائق أكتوبر الذي أوضح أن العطل تسبب في تضرر مناطق بالسادس من أكتوبر وحدائق أكتوبر وحدئق الأهرام وبعض مناطق الهرم وفيصل.
حدد الشربيني نسبة تغطية مياه الشرب بـ99% من المناطق على مستوى الجمهورية عبر ضخ كمية مياه تصل إلى 30.5 مليون متر مربع/يوم، ويبلغ عدد محطات مياه الشرب 3050 تعمل بطاقة تصميمية تصل إلى 43.8 مليون متر مربع/يوم، وجارٍ العمل على تحسين كفاءة الخدمة وتنفيذ خطط الإحلال والتجديد لتقليل الفاقد والإسراع في تنفيذ خطط تركيب العدادات.
يبرز الوزير في بيانه دور وزارته في المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" التي تتضمن خططًا لمشروعات مياه الشرب والصرف الصحي المتكامل تهدف لزيادة نسبة التغطية وتحسين مستوى الخدمات، خاصة في قرى الريف.
وتبلغ قيمة موازنة الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي 46.6 مليار جنيه، تخصص منها 35 مليار جنيه لمبادرة حياة كريمة.
حديث الشربيني عن الإحلال والتجديد والتطوير وحياة كريمة، يأتي متزامنًا مع دفع محافظة الجيزة بعربات مياه شرب للمناطق المتضررة من انقطاع المياه، تجمَّع حولها السكان لملء جراكن ودلاء، في مشهد لا يمت بصلة للحياة الكريمة أو الكرامة الإنسانية، خاصةً في منطقة حيوية ملاصقة للمتحف المصري الكبير والأهرامات من المفترض ألا تعاني تدني الخدمات.
لا يقتصر أثر غياب المياه على سير الحياة الطبيعية في البيوت، لكنه يمتد إلى خارجها في منطقة تضم عددًا كبيرًا من المدارس، ففي عصر الحياة الرقمية والـAI، واستراتيجيات التعليم التي تتبناها الحكومة، توقفت ثلاث مدارس في حدائق الأهرام عن العمل أمس الاثنين ومنحت طلابها إجازة، خوفًا من تلوث الحمامات وانتقال العدوى مع انعدام معايير النظافة. كما اضطرت عشرات الأسر لهجر منازلها والانتقال إلى منازل العائلة في مناطق أخرى.
ظل سؤال وحيد في ذهني وأنا أتابع بيان الوزير؛ عن أي حياة كريمة يتحدث الشربيني ومئات الآلاف من سكان مناطق سكنية تعتبر ذات مستوى متوسط وعالٍ تضم حدائق الأهرام والسادس من أكتوبر وحدائق أكتوبر يعانون توقف خدمة أساسية.
تعتبر الحكومة حياة كريمة واحدة من أهم إنجازاتها، وهو ما جعل الرئيس عبد الفتاح السيسي يأتي على ذكرها في قمة العشرين التي عقدت أمس الاثنين بالبرازيل، معددًا أهدافها من تحسين مستوى معيشة نصف سكان مصر فى المناطق الريفية، مشيرًا إلى تطوير جميع مناحي حياتهم بدايةً من البنية التحتية ووصولًا لمستوى الخدمات العامة وفرص العمل.
انطلق مشروع حياة كريمة بمبادرة من الرئيس عام 2021، واستهدف تطوير قرى الريف المصري وإتاحة الخدمات الأساسية الصحة، والتعليم، والصرف الصحي ومياه الشرب، والغاز الطبيعي.
الحياة الكريمة التي تتباهى بها الحكومة أصبحت مهددة ليس فقط في الريف المصري وقرى مصر المحرومة منذ عشرات السنين من مشروعات البنية التحتية الأساسية، لكن أيضًا في قلب القاهرة الكبرى ومناطقها الحيوية، ليصبح تدني الخدمات والبنية التحتية فاتورة جديدة تدفعها الطبقة الوسطى ضمن فواتير أخرى تتكبدها خلال السنوات الأخيرة، بدأت مع تحرير سعر الصرف، ورفع أسعار خدمات النقل والكهرباء والمياه والاتصالات.
مفارقة حديث الشربيني مع ما عشته في حدائق الأهرام ليست جديدةً، فكثيرة هي مفارقات الوزراء وبياناتهم الغرائبية في الصحة أو التعليم أو الأوضاع الاقتصادية البعيدة عن واقعنا وحياتنا.