منشور
الاثنين 26 أغسطس 2024
- آخر تحديث
الثلاثاء 27 أغسطس 2024
في جلسة الحوار الوطني المغلقة التي ناقشت قبل أسابيع تعديل مواد الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية، طلب الكلمة شخص متوسط العمر قال إنه كان يعمل في وظيفة مرموقة في الدولة عندما وجد نفسه لأسباب تتعلق بخلافات في العمل محبوسًا احتياطيًا على ذمة اتهامه بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام التواصل الاجتماعي، وهو الذي قضى حياته موظفًا وفيًا للدولة ولم يرتكب يومًا أي مخالفة.
أقرَّ الرجل بأن مشكلته حُلَّت سريعًا بفضل علاقات أسرته واتصالاتها، فلم يقضِ محبوسًا إلا ستة أشهر. ولكن الرجل الوقور اختنق صوته وهو يقول إن حياته دُمِّرت بعد تلك التجربة. فقَدَ وظيفته وتعرضت حياته الأسرية لمشاكل عدة ولا يعرف حتى الآن "مين اللي هيعوضني عن كل الظلم اللي تعرضت له". طبعًا لم يجبه أحد ولم ينل سوى بعض نظرات التعاطف قبل الانتقال سريعًا للمتحدث التالي.
لم تبدُ قصة هذا الرجل غريبةً بالنسبة لي. ففي إحدى جلسات تجديد حبسي الاحتياطي أمام إحدى دوائر الإرهاب، قابلت محاميًا أقسم لي بأغلظ الأيمان أنه عضو في حزب مستقبل وطن، بل وكان من قادة مظاهرات تفويض السيسي في يوليو/تموز 2013 وتربطه علاقات جيدة بالأجهزة الأمنية. ولكنَّ خلافًا وقع مع امرأة تشغل منصبًا مرموقًا في الحزب نفسه جعله يجاور معارضًا مثلي في جلسة التجديد، وبالتهم نفسها.
كان حظي عاثرًا للغاية. فقد جاءت وقفتي خلف الرجل مباشرة وهو يكرر التفاصيل نفسها أمام القاضي، وبالغ في التعبير عن حبه للرئيس ولأجهزة الأمن. ابتسم القاضي وسأله "ملف القضية قدامي. متأكد مفيش أي كتابات كدا ولا كدا؟"، ليجيب بكل أنواع الحِلفان أنه لن يجد عنده سوى كل الحب والعرفان للحكومة.
بالطبع كان ملفي أيضًا أمام القاضي نفسه وكل بوستاتي الـ"كدا وكدا" في انتقاد النظام وسياساته، ولم يكن هناك مفر من الاعتراف بذلك مباشرة مع التنبيه أنها انتقادات في إطار القانون والدستور، ومن المؤكد أنني لم أشارك جماعة إرهابية في أي شيء ولم أنشر أخبارًا كاذبة ولم يخبرني أي قانون كيف أستخدم وسائل التواصل الاجتماعي ولا حدود إساءة هذا الاستخدام.
حصل الرجل الذي سبقني على إخلاء السبيل بعد شهور طويلة قضاها في السجن، أما أنا فعدت إلى زنزانتي لـ45 يومًا آخر.
ما جدوى إقرار أي تعديلات لقانون الإجراءات الجنائية طالما استمرت السياسة الأمنية القائمة؟
هناك الكثير من الأمثلة التي يمكن استعراضها، تؤكد كلها أن مشكلتنا ليست قانون الحبس الاحتياطي بحدِّ ذاته، رغم التعديلات التي تم إدخالها عليه في عام 2014 في سياق الهجمات الإرهابية التي كانت تتعرض لها مصر.
كان النص القديم لقانون الإجراءات الجنائية يضع حدًا أقصى للحبس الاحتياطي ستة شهور، ولكن بدعوى مكافحة الإرهاب وافق المشرعون على أن تمتد فترة الحبس الاحتياطي لسنتين دون الإحالة للمحاكمة للمتهمين في قضايا إرهابية. فالأصل كما يعلم الجميع هو حق المواطن في محاكمة عاجلة وعادلة لكي لا تطول فترة تقييد حريته إذا كان بريئًا.
بدأ تطبيق التعديلات على قانون الإجراءات الجنائية بالفعل على المتهمين بالانتماء للإخوان أو منظمات إرهابية أخرى، ولكن مع تدهور العلاقة بين السلطة والمعارضة المدنية منذ تمرير قانون التظاهر، ثم التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير و"انتخابات" 2018 ثم التعديلات الدستورية في العام التالي، توسعت الأجهزة الأمنية في استخدام القانون نفسه في مواجهة كل المعارضين حتى أننا كنا نتندر داخل السجن كيف توجه الاتهامات بالإرهاب لشيوعيين ومسيحيين، ولأعضاء الأحزاب المدنية ممن لعبوا دورًا حاسمًا في الإطاحة بالإخوان.
كان مجرد الاستماع لوكيل النيابة أو القاضي وهو يتلو عليَّ تهمة مشاركة جماعة إرهابية، يجعلني أشعر بمرارة وألم شديدين، وأبدأ في التساؤل عن اتهامي بأي شيء له علاقة بالإرهاب وكل عملي السياسي يهدف لإقامة دولة مدنية ديمقراطية تمثل بديلًا للأفكار الظلامية والداعية للعنف؟ ليكون الرد جملة واحدة: هذه جلسة تجديد وليست جلسة تحقيق.
وبينما يتجدد حبسي وحبس الآلاف غيري تلقائيًا وبشكل قانوني طالما وُجدت تهم الإرهاب، كان كل أملي ورجائي أن ينتهي الأمر عند هذا الحد، وألَّا يتم تدويري بالاتهامات نفسها وأنا داخل السجن، لأبدأ التجربة من جديد لعامين آخرين.
لذلك، لا أعتقد أن المشكلة ستُحل حتى بعد تنفيذ توجيهات السيد الرئيس للحكومة بدراسة توصيات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الحوار الوطني بتقصير مدة الحبس الاحتياطي في القضايا المرتبطة بالإرهاب من عامين إلى 18 شهرًا. فالأزمة في إساءة استخدام السلطات للقانون ليشمل المعارضين وأصحاب الرأي، ولا يمكن لأي تعديلات أن تكتسب أي مصداقية في بلد اعتاد القائمون عليه لي القوانين وتفصيلها وإساءة استخدامها بكافة الوسائل والحيل.
ما جدوى إقرار أي تعديلات لقانون الإجراءات الجنائية طالما استمرت السياسة الأمنية القائمة على القبض على المعارضين والصحفيين لمجرد ممارستهم حقوقهم المنصوص عليها في القانون والدستور، وبينهم أشرف عمر وخالد ممدوح اللذان قُبض عليهما في الأيام التي كنا نناقش فيها تعديل القانون؟
هل سنكون أكثر سعادة لو حُبس الصحفيون والمعارضون 18 شهرًا بدلًا من عامين قبل أن يخضعوا للتدوير؟
هناك إجراءات عملية عاجلة يمكن للقائمين على الدولة اتخاذها فورًا، من شأنها خلق الانطباع بأننا مقبلون على إصلاح سياسي حقيقي، على رأسها التوقف عن إلقاء القبض على المعارضين وأصحاب الرأي، وإخلاء سبيل كل من أمضوا سنوات داخل السجون من دون محاكمة، وإطلاق حرية العمل لوسائل الإعلام والنقابات العمالية والمنظمات غير الحكومية.
إطلاق سراح مروة عرفة الأم لطفلة صغيرة والمحبوسة احتياطيًا منذ ما يقترب من خمسة أعوام، وكذلك نرمين حسين وشريف الروبي وحمدي الزعيم، وكثرين غيرهم، هو المطلوب بشكل فوري قبل إقرار تعديلات القانون على أهميتها.