منشور
الثلاثاء 4 يونيو 2024
- آخر تحديث
الثلاثاء 4 يونيو 2024
كشف الاجتماع الأخير لمجلس أمناء الحوار الوطني الذي عُقد مطلع الشهر الحالي، عن رؤية الحكومة وأغلبية المعارضة لهذا المسار الذي تجاوز عمره الآن العامين.
فبالنسبة للحكومة، يبدو الحوار الوطني إحدى الأوراق التي تُستدعى من طي النسيان عند الحاجة لتمرير قرارات اقتصادية، مثل اتفاقات صندوق النقد الدولي أو رفع الدعم عن رغيف الخبز، أو إيصال رسائل إلى الخارج بشأن الموقف الداخلي الموحد الداعم لموقف النظام تجاه العدوان الصهيوني المتواصل على الشعب الفلسطيني في غزة منذ ثمانية شهور، رغم استبعاد قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي من النقاش في محاور الحوار الثلاث الرئيسية: السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
أما لدى المعارضة، ورغم كل الإحباطات المتواصلة والشك في جدوى مسار الحوار الوطني برمته، فتبقى المشاركة في اجتماعاته فرصة للحصول على مكاسب، ولو ضئيلة، تحديدًا في ما يتعلق بملف إخلاء سبيل سجناء الرأي، وآخرهم العشرات الذين شاركوا في أنشطة سلمية ترفض استمرار العدوان الصهيوني على غزة وتطالب بدعم الشعب الفلسطيني.
فالحوار الوطني، بالشكل والكثافة اللذين انطلقت بهما جلساته رسميًا العام الماضي، انتهى عمليًا قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة نهاية العام الماضي، عندما أعلن مجلس الأمناء فجأة تعليقه رغم أنَّ المشاركين فيه كانوا يعملون منذ البداية على أساس أن الغرض منه هو التوصل إلى توصيات أو برنامج عمل ملزم للمرشح الفائز بالرئاسة، من أجل تحقيق الإصلاح السياسي المنشود وفتح المجال العام.
تجاهل المطالب الهامة
بالفعل انتهت بعض من اللجان التسعة عشر المقسمة على المحاور الثلاث من أعمالها، وأصدرت توصيات تعهدت الحكومة بتنفيذها جميعًا، ولكنَّ معظم هذه التوصيات لا تمس جوهر القضايا السياسية التي تقول المعارضة إنها تمثل الدليل الحقيقي على صدق نوايا النظام في إجراء عملية إصلاح سياسي جدية تُنهي الحقبة الصعبة التي انعدمت فيها المعارضة تقريبًا، بعد إحكام السيطرة على وسائل الإعلام وكافة أوجه العمل العام في الأحزاب والنقابات والمنظمات غير الحكومية، وأُلقي بمئات المعارضين إلى السجون.
لم يُستَجب لمطلب المعارضة بتعديل النظام الانتخابي والتخلي عن نظام القائمة المطلقة الذي يُنتج دائمًا مجلسًا نيابيًا يغالي في دعم كل قرارات الحكومة، ولا يقوم بدوره المفروض في مراقبة ومساءلة الحكومة وسبل إنفاقها للمال العام. ويزداد هذا المطلب أهمية مع اقتراب انتخابات برلمانية جديدة نهاية العام المقبل.
كان على ممثلي المعارضة التوجه بمطلب إطلاق المحبوسين للقيادة السياسية والجهات الأمنية بدلًا من السلطة القضائية
ورغم أنَّ مطلب تعديل قانون الحبس الاحتياطي يسبق انطلاق الحوار الوطني ويأتي على رأس القضايا التي طالبت وثيقة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان الصادرة منذ ثلاث سنوات بإعادة النظر فيه، فإنَّ البرلمان، الذي لم يبقَ أمامه سوى ما يزيد قليلًا عن العام، لم يُبدِ بعد أي مؤشرات بشأن عزمه تعديل أحكام هذا القانون بتقصير مدته القصوى عن عامين كما هو متبع حاليًا، ولمنع ظاهرة تدوير السجناء أي إعادة قيد المحبوسين في قضايا جديدة وهم داخل الحبس ليبدأوا دورة جديدة من الحبس الاحتياطي، وهو ما يعني عمليًا إمكانية حبسهم للأبد من دون محاكمة عادلة.
ولكن لأنَّ القرار سياسي وأمني في الأساس، فالمطلوب قبل تعديل القوانين في بلد يشتهر بـ"ترزية القوانين" في "برلمان موافقون"، ويُنظر فيه للدستور باعتباره وثيقة طموحة نطبق ما فيها عندما تسمح الظروف، أن يصدر ذلك القرار بالتوقف ابتداءً عن القبض على المعارضين السلميين، سواء كانوا مُسيَّسين أو مجرد شباب غاضب لا يطيق، مثل كل شباب العالم، فظائع وجرائم الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة.
في البيان الأخير الذي صدر أعقاب اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني يوم السبت الأول من يونيو/حزيران 2024، نالت الحكومة ما أرادته، إذ "أكد مجلس الأمناء بالإجماع دعم ومساندة الموقف المصري، الذي تميَّز بالصلابة والجدية.. وأكد المجلس على أهمية وضرورة استمرار الاصطفاف الشعبي والسياسي حول القيادة السياسية ومواقفها المبدئية والعملية الثابتة والحاسمة في ظل الأوضاع الدقيقة الراهنة".
وبالنسبة للمعارضة، وعلى استحياء، فإن "مجلس الأمناء يلتمس من الجهات القضائية المختصة إصدار قراراتها وفي حدود القانون، بالإفراج عن المحبوسين احتياطيًا نتيجة انخراطهم في بعض الأنشطة التي تتعلق بدعم الشعب الفلسطيني، مؤكدين على أن هذا القرار سيزيد من التلاحم بين الشعب والحكومة في حماية الأمن القومي بمفهومه الشامل".
عراقيل قد تنسف الحوار
كان على ممثلي المعارضة في مجلس الأمناء التمسك بالتوجه بمطلبهم مباشرة للقيادة السياسية والجهات الأمنية المعنية، بدلًا من توجيهه للجهات القضائية. فالكل يعلم أنه طالما استمرت سياسة القبضة الحديدية الحالية في التضييق على المعارضين، والأسوأ مؤخرًا إلقاء القبض على الشباب المتحمس الرافض للجرائم الصهيونية في غزة، فإننا سنبقى ندور في نفس الحلقة المفرغة.
تعهَّد عدد من أعضاء مجلس الأمناء بتقديم قائمة بأسماء المطلوب إطلاق سراحهم من الداعمين للشعب الفلسطيني منذ اندلاع الحرب، ولكن ما لم تُبدِ الأجهزة المعنية بعض الليونة والتفهم لحق هؤلاء الشباب الغاضب في التعبير عن دعمهم لفلسطين، كما هو حال كل الشعوب العربية في الأردن وتونس واليمن والمغرب، ستكون هناك قوائم جديدة في الأسابيع المقبلة.
من غير المفهوم مطلقًا القبض على طلبة جامعيين وشباب صغير السن، كما حدث مؤخرًا مع الطالبين زياد بسيوني ومازن دراز، واللذين توجهت جحافل من القوات الأمنية للقبض عليهما من منزليهما لمجرد مشاركتهما في أنشطة طلابية جامعية دعمًا لفلسطين.
كما كنت أتمنى، ولو من سبيل السعي للحصول على أي مكاسب متاحة للمعارضة، أن يتضمن بيان مجلس الأمناء الأخير مطلبًا للقيادة السياسية بالعفو الفوري عن رئيس حزب الكرامة السابق والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية أحمد الطنطاوي، أيضًا في نفس مسار تهدئة الوضع الداخلي وتجنب أي مبررات لزيادة الاحتقان، وكذلك للتأكيد على جدية الحوار الوطني في تحقيق الإصلاح السياسي.
قد يختلف كثيرون مع مواقف الطنطاوي وأسلوبه في المعارضة، ولكنَّ الحكم بحبسه سبَّب صدمة كبيرة في أوساط المعارضين كافة، خاصة أنَّ القضية التي صدر فيها قرار الحبس لها بعد سياسي واضح مرتبط بالمصاعب الجمة التي واجهها من أجل استكمال أوراق ترشيحه من مقرات الشهر العقاري المحاصرة بالأمن والمواطنين الشرفاء.
إجراءات من قبيل القبض على الطلبة الداعمين لفلسطين، وحبس الطنطاوي، والاستمرار في تجديد حبس معارضين احتياطيًا منذ سنوات، ورفض إصدار عفو رئاسي لمعارضين مثل علاء عبد الفتاح ومحمد عادل ومحمد أوكسجين، تقلل من مصداقية الحوار الوطني وجدواه، وتضع ممثلي المعارضة في موقف شديد الحرج.
المطلوب حوار حقيقي يؤدي إلى تحقيق الإصلاحات السياسية التي يكاد المصريون يجمعون على ضرورتها، تطبيقًا لما ورد في الدستور من أننا دولة تقوم على التعددية السياسية والتبادل السلمي للسلطة وحرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام، وليس حوارًا عند الطلب، كلما أرادت الحكومة شيئًا من معارضة ضعيفة ولا حيلة لها.