مع واقعة تبادل الاشتباك بين الجيش المصري، وجيش الاحتلال الإسرائيلي، على الشريط الحدودي في رفح، ومقتل الجندي المصري عبد الله رمضان، تتوالى التساؤلات بشأن المصير والمستقبل، بينما صمتت أغلبية الأحزاب والقوى السياسية، والبرلمان المصري، واتحاد القبائل العربية، وقررت السلطة استدعاء الحوار الوطني للمشهد مرة أخرى.
بعد ساعات من إعلان مقتل جندي مصري على الجبهة الشرقية أثناء خدمته في رفح، وجه رئيس مجلس أمناء الحوار الوطني، ضياء رشوان، الدعوة للمجلس لعقد اجتماع السبت المقبل بعد انقطاع استمر نحو ثلاثة أشهر.
الاجتماع الذي أعلن عنه عضو مجلس الأمناء، نجاد البرعي، عبر فيسبوك، وأكده في تصريحات لـ المنصة عضو المجلس عمرو هاشم ربيع؛ يناقش "الأوضاع الخطيرة التي خلقها العدوان الإسرائيلي الدموي على قطاع غزة، والتوصل إلى مقترحات تدعم موقف مصر الثابت والمستقر في مواجهته؛ وفي دعم القضية الفلسطينية وعدم تصفيتها".
كيف توظف الدولة الحوار؟
لا تعد هذه المرة الأولى التي توظف فيها السلطة الحوار الوطني في سياسات وإجراءات وقرارات لا تتعلق بدوره الأساسي، فسبق وحشد الحوار الوطني المتظاهرين للتظاهر أمام النصب التذكاري لرفض مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وهو اليوم نفسه الذي خرجت فيه مظاهرات دعت لها أحزاب لتفويض الرئيس في اتخاذ الإجراء الملائم تجاه مهددات الأمن القومي.
تستدعي السلطة الحوار للواجهة الآن وتفرض عليه مناقشة قضية تتعلق بالأمن القومي
وجاءت هذه التظاهرات بعدما هدد الرئيس السيسي خلال مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتس بخروج المصريين إلى الشوارع "وإذا استدعى الأمر أن أطلب من الشعب المصري الخروج للتعبير عن رفض هذه الفكرة، ستروا ملايين من المصريين لدعم الموقف المصري".
بعد توقف مسار الحوار عدة أشهر، وغموض توصيات المحور الاقتصادي، وتعطل تنفيذ توصيات المرحلة الأولى؛ تستدعي السلطة الحوار للواجهة الآن، وتفرض عليه مناقشة قضية تتعلق بالأمن القومي خارج اختصاصه وأغراضه.
بينما لم يتعامل مجلس الأمناء بأي صورة حتى الآن مع وقائع إلقاء القبض على المتظاهرين المدافعين عن القضية الفلسطينية، أو الانتهاكات التي واجهها المرشح المحتمل السابق للانتخابات الرئاسية، أحمد الطنطاوي، الذي أُدين في محاكمة انتهت إلى تأييد حبسه وجرى التحفظ عليه أمس تنفيذًا للحكم.
تحاول السلطة الاستنارة بمواقف الخبراء المختارين في مجلس الأمناء الذين يمثلون اتجاهات وتيارات مختلفة، وتسعى لتوحيد جبهة داخلية، لكنها ربما لا تدرك خطورة استمرار حبس المعارضين، أو المتظاهرين لدعم القضية الفلسطينية، وبقاء عدد من الملفات العالقة في مقدمتها الحبس الاحتياطي، فضلًا عن وضع اقتصادي مأزوم تدفع ثمنه الطبقة الوسطى وملايين الفقراء في مصر.
صمت اتحاد القبائل
من جانب آخر، لم يصدر عن اتحاد القبائل العربية، الذي تأسس مطلع مايو/أيار الجاري أي بيانات تتعلق بالواقعة، رغم إعلان المتحدث الرسمي باسم الاتحاد مصطفى بكري أن أحد أهدافه "مواجهة التحديات التي تواجه الدولة المصرية وتأكيد الدور التاريخي الذي تلعبه القبائل في مسيرة الوطن ودعم مؤسساته".
يأتي صمت الاتحاد، رغم سرعة تفاعله مع اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لرفح الفلسطينية في مايو الجاري، وإصداره بيانًا لإدانة واستنكار الاقتحام، قَبل البيان الرسمي المصري.
كان الاتحاد حذر في بيانه من خطورة اقتحام رفح وطالب المجتمع الدولي بالتدخل لوقف التغول الإسرائيلي على هذه المنطقة المكدسة بالسكان، ودعم دور الرئيس عبد الفتاح السيسي وحرصه على القضية الفلسطينية.
وقال مصدر في الاتحاد، رفض نشر اسمه لـ المنصة "لن يصدر عن الاتحاد أي بيانات أو مواقف بخصوص واقعة رفح"، معتبرًا أن عدم تأجيج مشاعر الرأي العام، عقب مقتل الجندي عبد الله رمضان سبب كافٍ ومقنع لهذا الصمت.
لم تصدر أي بيانات رسمية عن البرلمان المصري تتعلق بالموقف على الشريط الحدودي
لم يجب المصدر القيادي عن تساؤلاتنا حول وجود توجيهات من السلطة بالصمت، فيما نفى بصورة قاطعة صدور قرارات أو توجيهات بتعليق عمل الاتحاد، قائلًا "كنا في زيارة إلى ليبيا والتقينا رئيس مجلس النواب الليبي، كل ما في الأمر أن الإجراءات القانونية لتقنين الاتحاد وإشهاره في وزارة التضامن الاجتماعي بتاخد وقت".
اختفاء برلماني وحزبي
في المقابل، لم تصدر أي بيانات رسمية عن البرلمان المصري تتعلق بالموقف على الشريط الحدودي، أو نعي للجندي المصري القتيل، بينما كان آخر تعامل لمجلس النواب مع التطورات على الجبهة الشرقية البيان الذي ألقاه رئيس مجلس النواب، حنفي جبالي، في الجلسة العامة التي تلت اقتحام رفح واحتلال المعبر من الجانب الفلسطيني. أدان جبالي حينها عملية الاجتياح وحمَّل "الأطراف المعنية، خاصةً الحكومة الإسرائيلية، المسؤولية كاملة عن أي عمل يؤدي إلى التصعيد الخطير للأحداث، وتقويض مسيرة المفاوضات للوصول إلى حلّ سلمىّ يحقن دماء المدنيين".
ورغم أن البرلمان المصري بادر بعقد جلسة طارئة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يسفر عنها سوى إدانات للعدوان ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، وتفويض للرئيس، لم يبد المجلس أي ردود أفعال جديدة مع تصاعد الأحداث، واكتفى رئيسه بمناشدة كافة الأطراف "أن تعي جيدًا أننا إزاء معالجة أوضاع بالغة التعقيد وشديدة الحساسية، ولا يوجد فيها طرف هو الأعلى كعبًا أو الأرسخ قدمًا، وأنه لا فكاك من تبني لغة الحوار والتفاوض كوسيلةٍ لحل الخلافات، والاستماع لأصوات العقل بدلًا من صوت السلاح".
الأمر نفسه تكرر من جانب الأحزاب السياسية، سواء الموالية للسلطة أو المعارضة، باستثناء حزب المحافظين الذي نعى في بيان اليوم المجند عبد الله رمضان، وقال "لن نقبل أن تمر هذه الجريمة دون رد حازم، ونحن نؤمن بأن القوات المسلحة المصرية لن تتهاون في الدفاع عن الأرض ودماء جنودها البواسل".
فيما لم يصدر أي من الأحزاب الأخرى على اختلافها، أي بيانات أو مواقعة تتعلق بواقعة الشريط الحدودي.
ومع اشتعال مناقشات المصريين على السوشيال ميديا منذ إعلان الواقعة أمس، وصمت الساسة، وتعدد التساؤلات بشأن المستقبل يبقى الحوار الوطني، الذراع الوحيدة التي قررت السلطة تحريكها، لنرى ما قد ينتج عنه مطلع الأسبوع المقبل.