كان آخر ظهور لرئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، في مجلس النواب خلال أبريل/نيسان 2021، عندما ألقى كلمةً بخصوص إعلان حالة الطوارئ في ذلك الوقت، ورغم مطالب النواب المتكررة بحضوره عقب تفاقم الأزمة الاقتصادية، فإنه لم يطل على البرلمان حتى صباح أمس الثلاثاء، لكنه حضر هذه المرة من أجل ملف غزة ومخاوف تهديد الأمن القومي المصري.
في خطوة مفاجئة، أضاف مجلس النواب إلى جدول أعماله للأسبوع الحالي جلسة عامة طارئة، حيث أعلن رئيس مجلس النواب، المستشار حنفي جبالي، في ختام جلسة الاثنين عقد جلسة يوم الثلاثاء، وأرسلت بعدها الأمانة العامة جدول أعمال الجلسة، التي ناقشت 16 طلب إحاطة تتعلق بسياسات الحكومة إزاء مخططات تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء.
تنوعت اتجاهات النواب مقدمي طلبات الإحاطة المدرجة في جدول الأعمال ما بين ممثلين عن الأغلبية البرلمانية (حزب مستقبل وطن)، وبين آخرين محسوبين على المعارضة، فضلًا عن نواب محافظة شمال سيناء. وأجمع الأعضاء على وجود مخاوف تهدد الأمن القومي المصري مع استمرار دفع أهالي غزة للنزوح من الشمال والجنوب والعمل على تكدسهم في رفح.
الجلسة التي استغرقت نحو ثلاث ساعات ونصف الساعة، تخللتها هتافات، وتكرر التصفيق في القاعة أكثر من 10 مرات كان لنواب المعارضة نصيب منها، حين اتفقت آراؤهم مع الأغلبية، فهي لحظة يعدها النواب اصطفافًا للدفاع عن الأمن القومي المصري والعربي وإدانة العدوان الإسرائيلي على غزة.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يفتح فيها البرلمان هذا الملف، ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي عقد المجلس جلسة طارئة لدعم الرئيس في مواجهة مهددات الأمن القومي، ورغم أن الجلسة لم تنته بقرار معلن بتفويضه لاتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية الأمن القومي، على غرار القرار الصريح الصادر عن جلسة مماثلة لمجلس الشيوخ، فإنها في مجملها سارت في ذلك الاتجاه.
لماذا جلسة جديدة؟
بعد نشر جدول أعمال الجلسة المفاجئة، بدا سؤالي عن سبب الجلسة وتوقيتها رغم منطقيته مربكًا للنواب، الذين غالبًا ما يتصدون للإجابة على الموضوعات الشائكة بشيء من الحرص خشية أن يقعوا في مأزق بسبب تصريحاتهم، أو بشكوك في أهداف السؤال من الأساس فإما يهربون من السؤال، أو تأتي إفاداتهم غامضة أحيانًا أو غير كافية في أحيان أخرى.
وعلى غموض ونقص المعلومات، أجمع عدد من النواب الذين تحدثت معهم على مدار اليومين الماضيين أن تلك الجلسة استهدفت توجيه رسائل للخارج، وتأكيد الموقف المصري المتمسك والرافض لما أسماه الرئيس تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الفلسطينيين قسرًا من الشمال للجنوب ودفعهم للتكدس في رفح مما ينذر بخطورة تنفيذ المخطط الصهيوني بتوطينهم في سيناء.
ورغم عدم بث الجلسة العامة على الهواء، عكس جلسة أكتوبر ، أجمع عدد من النواب على أن هدفها إيصال رسائل للخارج، مؤكدين تعرض مصر لضغوط كبيرة لتحقيق الهدف الإسرائيلي وتفريغ قطاع غزة من سكانه.
الضغوط مستمرة
أقر رئيس مجلس الوزراء خلال كلمته بوجود ضغوط على مصر لتحقيق مخطط التهجير، موضحًا "هناك دائمًا محاولات للنيل من دول لفرض أجندات عليها والنظر لنقاط الضعف التي يمكن من خلالها اختراق الدولة"، لافتًا إلى تعرض مصر لضغوط منذ 2011، وقال "وستظل تتعرض لهذه الضغوط".
لم يوضح مدبولي طبيعة تلك الضغوط، لكن النائب ضياء الدين داود أشار إليها خلال كلمته في الجلسة، "الأحاديث التي تتداولها وسائل الإعلام الدولية حوالين مِنح، قروض، 10 مليار رايحين، ناس هتحط ودايع، ناس مش هتسحب ودايع".
وأضاف داود منفعلًا "أمن مصر الاقتصادي مسؤولية العالم، ومسؤولية الشركاء الإقليميين، أنا حايش عنكم كتير، مصر حايشة عن أوروبا والشركاء الإقليميين كتير"، وتابع "نحن لا نستجدي أحد ولا نطلب عطايا من أحد ده فرض عين على الجميع، من حقوق ما كانوا يستطيعوا أن يحصلوها لولا أن هناك دولة كبيرة تسمى مصر في هذه المنطقة".
مخاوف مشروعة وتفويض جديد
زعيم الأغلبية، النائب عبد الهادي القصبي، أدان استمرار المذابح الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وسط دعم المجتمع الدولي، وفي الوقت نفسه عبَّر عن مخاوف موجودة، وقال "لدينا ولدى الشعب قلق بشأن هذا الأمر، ومن حق الشعب المصري أن يعلم بوضوح موقف الدولة المصرية ورؤيتها تجاه تلك المجازر التي تُرتكب ضد الشعب الفلسطيني الأعزل".
وقال القصبي إن النواب يرفضون توطين الفلسطينيين في سيناء "لا يتخيل أحد في العالم أن شعب مصر أو نواب شعب مصر يقبلون بهذا الأمر، وإذا كنا في جلسة سابقة فوضنا رئيس الدولة فنحن نجدد تفويضنا لاتخاذ كافة التدابير للحفاظ على الأمن القومي المصري".
وكرر عضو المجلس عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، النائب عماد خليل، تفويض الرئيس الذي اعتبره "يمارس سياسة شريفة في زمن عزَّ فيه الشرف"، وقال خليل "مصر مستضيفة 9 مليون ضيف الرئيس يقول إنهم ضيوف وليسوا لاجئين. لن يضرها استضافة 2 مليون آخرين، لكن الموقف المصري واضح وصريح حفاظًا على الفلسطينيين والقضية الفلسطينية".
أما النائب عن شمال سيناء، إبراهيم أبو شعيرة، فطالب بالضغط على إسرائيل وحماس لوقف الحرب فورًا، وقال "أنا من أهالي رفح والشيخ زويد وملم تمامًا بالوضع الحالي".
يقف أبو شعيرة في صف المتخوفين من تبعات تهجير الفلسطينيين لسيناء، ليس خوفًا من تصفية القضية الفلسطينية فحسب، ولكنه لفت إلى مخاوف جديدة "الشعب الفلسطيني الجبار يصنع الصاروخ في دقيقة"، واستطرد "أحميه عندي لكن لا أضمن أن يلتزم بتعليمات الدولة، لو ضرب الكيان الصهيوني دخلت في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل".
تنمية سيناء
أنتمي لجيل الثمانينيات الذي نشأ على شعارات تعمير سيناء في الأغاني وبرامج التليفزيون وخطابات مبارك وموضوعات التعبير؛ حديث لم ينقطع على مدار سنوات ويتجدد مع كل أزمة، فيتحدث عنه رئيس الوزراء كحل لحماية الأمن القومي المصري.
النائب جازي سعد، عضو مجلس النواب عن محافظة شمال سيناء، تحدث في كلمته عن أهمية العمل على تعمير سيناء بالبشر في مواجهة المخطط الصهيوني، وقال "عايزين البشر في سيناء، عايزين 5 مليون مواطن، المخطط الصهيوني عارفينه، عايزين البشر في وش اليهود".
وعلق مدبولي بأن مصر تستهدف وجود 8 ملايين مصري في سيناء بحلول عام 2050، وأشار إلى المشروعات التي نفذتها الدولة في سيناء، وزيارته الأخيرة في أكتوبر الماضي بصحبة عدد من النواب والإعلاميين لشمال سيناء، وكشف عن إنفاق أكثر من 300 مليار جنيه على عدد من المشروعات في شمال سيناء.
وكان سحب السفير المصري من تل أبيب وطرد نظيره الإسرائيلي من القاهرة أحد المطالب المتكررة من جانب بعض المتحدثين في الجلسة العامة، فضلًا عن دعوات مراجعة جدوى اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل.
كيف اصطفت المعارضة؟
خلال الجلسة العامة أجمع المتحدثون من صفوف المعارضة على ما أسموه "الاصطفاف لمواجهة المخاطر" التي تتعرض لها مصر وأمنها القومي.
ذلك الاصطفاف في مواجهة المخاطر والحفاظ على الأمن القومي المصري لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن حقوق الإنسان المصري وحقه في التعبير، لا سيما عندما يخرج في مظاهرات لمساندة القضية الفلسطينية التي تدعمها الدولة وترفض تصفيتها.
بينما لم يتحدث أي من نواب المعارضة عن المحبوسين احتياطيًا على ذمة عدد من القضايا المرتبطة بدعم القضية الفلسطينية، الذين سبق وأعلن المحامي خالد علي وصول عددهم إلى نحو 65 شخصًا، منسوبة لهم اتهامات تظاهر وتجمهر وتعدٍ على موظفين، وإتلاف ممتلكات، وانضمام لجماعة شُكلت على خلاف أحكام القانون.
وفي الوقت الذي تحدثت فيه النائبة أميرة صابر عن المظاهرات التي تشهدها عواصم العالم وتحركات الشعوب، على عكس قرارات وسياسات حكوماتهم الداعمة للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه، لم تتطرق إلى تقييد حق المصريين في التعبير عن رأيهم بعد مظاهرات 20 أكتوبر التي دعمتها الدولة.
أسئلة دون إجابات
أجمع النواب ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب على الرفض القاطع لتهديد الأمن القومي المصري، والضغط على مصر لتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
ورغم أن المحور الأساسي لطلبات الإحاطة الستة عشر التي قدمها النواب يدور حول التدابير التي اتخذتها الحكومة تجاه منع محاولات التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، لم أصل لإجابات محددة سوى تأكيد رئيس مجلس الوزراء رفض هذا المخطط وإعلانه أن تنمية سيناء هي السبيل لإنهائه، فضلًا عن دور مصر في تقديم المساعدات الإنسانية "كلما دخلنا مساعدات، قلت حاجة الشعب الفلسطيني للخروج من القطاع".
لم يشتبك رئيس مجلس الوزراء مع مطالب سحب السفير المصري وطرد نظيره الإسرائيلي، كما انتهت الجلسة دون إجابات عن معضلات رئيسية يبدو أنها أكبر من مدبولي نفسه ولا يمكن إثارتها في جلسة علنية، مثل تكدس الفلسطينيين في جنوب غزة ومخاوف التورط في وضع أشد تعقيدًا، والوقوف بين خيار تركهم للموت أو السماح بدخولهم.
قد تسمح الهدنة المؤقتة للجميع بالتقاط الأنفاس وإجراء الحسابات، لكن المؤكد أننا أصبحنا في المواجهة.