الأزهر الشريف على إكس
وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري، في ضيافة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، 16 يوليو 2024

يوميات صحفية برلمانية| حين انتصر الأزهر وخسرت الصحافة

منشور الأحد 18 مايو 2025

كاد مشروع قانون تنظيم الفتوى يمر في غيبة عن أضواء الإعلام التي كانت متجهةً صوب مناقشات قوانين الإيجار القديم وتعديلاتها. لكن اعتراض الأزهر على مشروع القانون خلال مناقشته في لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، قبل عرضه على الجلسة العامة، سمح ببعض الاهتمام، في ضوء الصراع على سُلطة الفتوى.

انتصر الأزهر في معركة خاضها بكبرياء، فحافظ على مكانته وسط المؤسسات الدينية، سواء دار الإفتاء أو الأوقاف، التي وضعها مشروع القانون المقدم من الحكومة طرفًا ضمن الجهات المنوط بها إصدار الفتوى، في المقابل، ضيّق المشروع مزيدًا من مساحات حرية الرأي والفكر والتعبير، وهي في الأساس حقوق غير مكتملة وتخضع لقيود مزمنة.

صراع قديم جديد

قدمت الحكومة في مارس/آذار الماضي مشروع قانون لتنظيم الفتوى الشرعية، يحدد الجهات المنوط بها إصدار الفتاوى والأشخاص المؤهلين، ويضع عقوبات على تجاوز هذه المنظومة.  

وضع مشروع القانون وزارة الأوقاف طرفًا في تقديم الفتوى الشرعية عبر لجان تنشئها الوزارة، وهو صلب اعتراض الأزهر بهيئة كبار علمائه على المشروع. الاعتراضات التي نقلها وكيل الأزهر الدكتور محمد الضويني إلى لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، شملت رفض "تداخل الاختصاصات بين الأزهر والأوقاف"، معترضًا على إنشاء لجان فتوى تابعة لوزارة الأوقاف. 

الصراع على سلطة الفتوى ليس جديدًا، إنما يرجع إلى عام 2018 في الفصل التشريعي السابق الذي شهد مناقشات مشروع قانون مشابه لكنه لم يمر بعد تحفظات الأزهر.

رغم اعتراضات الأزهر، خرج مشروع القانون من لجنة الشؤون الدينية محتفظًا لوزارة الأوقاف بدورها في الفتوى العامة من خلال اللجان التي تنشئها. 

لم يستجب نواب اللجنة لرفض الأزهر، بل إن رئيسها الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق، أصر مدافعًا عن حق المجلس في إصدار مشروع القانون، وقال جمعة في اجتماع اللجنة الأخير إن "المجلس سيد قراره". 

تمنح المادة السابعة من الدستور الأزهر مكانةً خاصةً، تنص على أنه هيئة إسلامية علمية مستقلة يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه وأنه هو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء. 

بموجب هذه المكانة، استطاع الأزهر في هدوءٍ الاحتفاظ بمكتسباته، وتنازل سيد قراره عمّا كان متمسكًا به في لجنة الشؤون الدينية، بل وتراجعت وزارة الأوقاف نفسها عن جزء من صلاحيتها في القانون تقديرًا للأزهر.

ترتيبات خارج القاعة

تؤكد عدة مصادر برلمانية أنه قبل مناقشة مشروع القانون جرت اتصالات عدة، وتدخل رئيس المجلس المستشار حنفي جبالي بنفسه لتهدئة الأمور والخروج بمشروع قانون يرضى عنه الأزهر، فأصبحت القاعة تحت السيطرة. 

استجاب مجلس النواب لجميع التعديلات التي عرضها وكيل الأزهر الشريف خلال المناقشات في الجلسة العامة. أصبح الأزهر صاحب القرار في منح رخصة الإفتاء، وإجراء الاختبارات للجان التي تشكلها وزارة الأوقاف للإفتاء، ويحق للأزهر الذي يمنح الرخصة سحبها. 

احتفظ الأزهر لنفسه بدوره في قيادة منظومة الفتوى الشرعية التي تضم دار الإفتاء ولجان الأوقاف، فهو المشرف بشكل فعلي على اللجان التي تشكلها الوزارة، كما حصل على سلطة تشكيل اللجنة التي تعدُّ اللائحة التنفيذية لمشروع القانون. 

لا يعد انتصار الأزهر جديدًا، فخلال الفصل التشريعي السابق فشلت محاولة النائب محمد أبو حامد تعديل قانون تنظيم الأزهر، ومن بين نصوصه خضوع شيخ الأزهر للتحقيق ومحاسبته وتوقيع عقوبات عليه تبدأ باللوم والإنذار وتنتهى بعدم الصلاحية، وعزله بموافقة ثلثي أعضاء هيئة كبار العلماء.

أمام مكاسب الأزهر، تعرضت مساحات حرية الفكر والتعبير لخسارة جديدة، فمشروع القانون الذي يستهدف التصدي للفتاوى المتطرفة، يضع قيودًا قد تضع حدًا لمحاولات الاجتهاد التي باتت محدودةً، وتهدد الصحفيين أيضًا بعقوبات تصل إلى الحبس. 

كان نقيب الصحفيين خالد البلشي خاطب رئيس مجلس النواب قبل يوم واحد من مناقشة مشروع القانون يدعو لتعديل المادة الثامنة التي تضمنت الحبس لمدة 6 أشهر، على مخالفة مواد القانون المتعلقة بنشر وبث الفتاوى، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وأكد البلشي أن هذه المادة مخالفة صريحة لنصي المادة 71 من الدستور المصري، والمادة 29 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018، اللذين يمنعان توقيع عقوبات سالبة للحرية في الجرائم المتعلقة بالنشر أو العلانية، مما يمثل ضمانة دستورية لحماية حرية الصحافة والإعلام في مصر.

وكيل الأزهر ووزير الأوقاف خلال مناقشة القانون في مجلس النواب

لكن لم يلتفت النواب لهذه الأزمة، ومن بين المحسوبين على المعارضة لم يتطرق لها سوى النائب عاطف مغاوري، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، معربًا عن مخاوفه من غلق باب الاجتهاد بموجب المادة الثامنة.

وخلال مناقشة المواد، كان صوت النائبة أميرة العادلي وحيدًا في طلب تعديل هذه المادة وإلغاء عقوبة الحبس.

بينما اعتبر النائب أحمد بهاء شلبي رئيس الهيئة البرلمانية لحزب حماة الوطن، أن مشروع القانون لا يمس الصحافة. فيما قالت هناء فاروق عضوة المجلس عن حزب مستقبل وطن إن العقوبة للردع والتخويف. 

وأمام محاولات "ردع وتخويف" الصحفيين، جاء تبرير المستشار محمود فوزي وزير الشؤون النيابية والقانونية لنص المادة، بأن المادة 71 من الدستور والمادة 29 من قانون تنظيم الصحافة تمنعان الحبس في قضايا النشر، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون.

وقال فوزي "العقوبة الواردة في هذه المادة لن تنطبق على أحد فيما يتعلق بجرائم النشر أو العلانية، وأطمئن الجميع: هذه المادة لا تخالف الدستور"، وأضاف "أي شواغل للجماعة الصحفية نوضحها. والعقوبة المقترحة متناسبة مع الفعل". 

حصل الأزهر على ما أراد مستندًا إلى مكانته الدستورية بينما خسرت الصحافة جولة جديدة لأنها دخلت متأخرة

رفض المجلس التعديلات المقترحة من أميرة العادلي وسط صمت أو غياب النواب الصحفيين مثل أحمد بلال ومحمود بدر ومارسيل سمير ومي كرم جبر ومحمد عبد العليم داود ونادر مصطفى.

حصل مشروع القانون على موافقة الأعضاء وقوفًا، في غياب نواب حزب النور، وحسب مصدر برلماني "ظلت النائبة أميرة العادلي جالسة ومعها النائب محمد عبد العزيز والنائبة أميرة صابر والنائب ضياء الدين داود والنائب أحمد الشرقاوي".

حصل الأزهر على ما أراد مستندًا إلى مكانته الدستورية ورصيده التاريخي، بينما خسرت الصحافة جولةً جديدةً لأنها دخلت متأخرة، منقسمة، ومن دون ضغط منظم أو ظهير نيابي واضح. وبينما يتعزز نفوذ المؤسسات الدينية، تنكمش مساحات حرية الرأي والفكر والتعبير، في مشهد تتكرر فيه الخسارة.