صفحة محمد عزت عرفات، فيسبوك
محمد عزت عرفات، النائب المستقل ممثل دائرة شبراخيت - البحيرة في برلمان 2020، وعضو لجنة العلاقات الخارجية

يوميات صحفية برلمانية| كيف قمعت الأغلبيةُ المعارضةَ وبايعت الحكومة

منشور السبت 20 يوليو 2024

أكثر من ثماني سنوات قضيتُها محررةً برلمانيةً أتابع جلسات واجتماعات مجلسي النواب والشيوخ، لم أرصد خلالها قمعًا للمعارضة مثل الذي شاهدته في جلسة منح الثقة لحكومة الدكتور مصطفى مدبولي، يوم الخميس 18 يوليو/تموز 2024.

لن أكتب رأيًا هذه المرة، بل سأخصص هذه الحلقة من السلسلة التي بدأتها معكم منذ عام 2016، لتوثيق ما رأيت وسمعت، في الجلسة التي حصل فيها ممثل الأغلبية على الكلمة أربع مرات؛ واحدة منهم للتعليق على برنامج الحكومة، والثلاث الأخرى للهجوم على زملائه في صفوف المعارضة. 

المشهد الأول: بداية متأخرة

في مقر المجلس بالعاصمة الإدارية الجديدة، انعقدت الجلسة العامة متأخرة عن موعدها المعلن بساعة كاملة دون تنويه، في سابقة لم تحدث منذ بدء الفصل التشريعي الحالي في يناير/كانون الثاني 2021، فكان يمكنك ضبط ساعتك على الحادية عشرة، عندما ينطلق صوت رئيس المجلس حنفي جبالي "باسم الله، باسم الشعب، أفتتح الجلسة".

بحضور رئيس مجلس الوزراء وأغلبية أعضاء الحكومة الجديدة، والنواب، بدأت الجلسة بعرض تقرير اللجنة البرلمانية لدراسة برنامج الحكومة التي رأسها وكيل أول مجلس النواب أحمد سعد الدين. أوصت اللجنة في تقريرها بالموافقة على برنامج الحكومة ومنحها الثقة، بينما رفض ستة من أعضائها البرنامج المقدم من الحكومة الجديدة: عاطف المغاوري رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، وأيمن أبو العلا رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الإصلاح والتنمية، وإيهاب منصور رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وإيرين سعيد عضوة المجلس عن حزب الإصلاح والتنمية، والنائبان المستقلان أحمد الشرقاوي وأحمد فرغلي.

المشهد الثاني: إشادات وموافقات

بدأت المناقشات بكلمة لزعيم الأغلبية عبد الهادي القصبي، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن، أشاد فيها بالبرنامج "تبين أن هناك توجيهات للحكومة الجديدة واضحة وصريحة، مضمونها الانحياز للمواطن المصري والتفاعل مع كل الأزمات التي يواجهها، تفضل بإصدارها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي"، واستكمل واصفًا برنامج الحكومة بأنه كان "واضحًا واعيًا ثريًا في مكوناته، مُدركًا للتحديات مُلبيًا للاحتياجات".

وتحدث النائب محمد سليمان رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية، مؤكدًا أن "البرنامج يعمل على تحقيق مستوى لا بأس به من الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية".

وأعلن النائب أحمد بهاء شلبي، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب حماة الوطن، موافقته على برنامج الحكومة الجديدة، مثمنًا السيرة الذاتية للتشكيل الوزاري، وكذلك أعلن النائب محمد أبو هميلة رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري موافقته.

مطالب بإصلاحات سريعة لمواجهة عدم الرضا

وكذلك أعلن النائب محمد إسماعيل موافقة  تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين على برنامج الحكومة. وطالب الوزراء ببذل المزيد من الجهد لاستكمال مسيرة الإصلاح الاقتصادي.

وعدّ النائب هشام هلال، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مصر الحديثة، برنامج الحكومة "استجابة لتكليفات الرئيس"، مشيرًا إلى أنه يتضمن "سياسات رشيدة لدعم الفئات الأكثر احتياجًا".

المشهد الثالث: البحث عن الأمل

كان أول مَن قطع مسلسل الإشادات النائبة المستقلة نشوى الديب، التي حاولت إيجاد بارقة أمل في برنامج الحكومة، لكنها لم تتمكن خلال مدة الدقيقتين المخصصتين لكل نائب، من إعلان موقفها من البرنامج بالرفض أو الموافقة.

قالت "ندرك التحديات التي نواجهها، وندرك أيضًا أنين المواطن المصري الذي لم يعد قادرًا على تحمل انقطاع كهرباء أو نقص خدمات صحية أو تعليمية"، واعتبرت نشوى أن مبعث الأمل في البرنامج يكمن في مجالي النقل والصناعة، مشيرة إلى خطة وزارة الصناعة "لتوفير سبعة ملايين فرصة عمل، وزيادة الإنتاج 20%، وإيجاد حلول لمشاكل الصناعة والمصانع المتوقفة عن الإنتاج".

بحثًا عن الأمل أيضًا، قال النائب مصطفى بكري "هناك أمل بدأ يتبادر خاصة من المجموعة الاقتصادية"، وأضاف أن "الشعب المصري قادر على الصبر والصمود طالما هناك أمل"، مطالبًا برفع المعاناة عن الفقراء والطبقة المتوسطة، و"الحفاظ على الدولة المصرية وأصولها بالأساس، ودعم القوات المسلحة والشرطة المصرية".

أما دينا عبد الكريم، النائبة عن حزب مستقبل وطن، فبعد موافقتها على البرنامج طالبت بسرعة إجراء إصلاحات لمواجهة عدم الرضا الشعبي، وشددت على ضرورة إصلاح أوضاع التعليم والصحة. 

المشهد الرابع: رفض وقمع 

كان النائب أيمن أبو العلا، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الإصلاح والتنمية، أول المعارضين؛ أعلن رفضه لبرنامج الحكومة وأشار  إلى أنه جاء فيه أن "الاقتراض الخارجي له ضوابط وحد أقصى"، لكنه "لم يوضح آلية سد عجز الموازنة لكي نطمئن"، مضيفًا "وزير الصحة قال خلال سنتين سنؤمن على 85 مليون مواطن، ولم يوضح آلية التمويل".

وحدد أبو العلا مشكلة البرنامج "إما أنه لا يوجد به توقيت، أو لا توجد آلية، أو كلاهما"، معلنًا أنه "لظروف مصر، انتهينا إلى رفض البيان".  

بعد ساعة وخمسين دقيقة من بدء الجلسة، تبدلت الأحوال في القاعة وسادت الفوضى عقب مداخلة للنائب المستقل محمد عزت عرفات من ست كلمات، وصف فيها برنامج الحكومة بأنه "بيان إنشائي، موضوع تعبير كويس جدًا".

دفعت الكلمات الست الأغلبية البرلمانية من حزب مستقبل وطن لمقاطعته. لم أتمكن من خلال مشاهدتي للجلسة عبر شاشة البث في غرفة الصحافة من تحديد النائب الذي بادر بالمقاطعة، وإن تمكنت من سماع رد عرفات عليه "حقي يا باشا، فيه إيه؟ حقي أتكلم". 

القصبي يطالب بتطبيق اللائحة على من تطاول على الأغلبية

تصاعدت حدة الفوضى في القاعة؛ انتفض نواب الأغلبية في مواجهة نواب المعارضة، تحرك نواب من الطرفين من مقاعدهم، وبدأ الشجار. ثبت عرفات في مكانه متمسكًا باستكمال كلمته، بينما طالب رئيس المجلس حنفي جبالي الأعضاء عدة مرات بالهدوء والعودة لمقاعدهم.

استمر الشجار في القاعة أكثر من عشر دقائق، ثم خفتت المشادات مع منح جبالي الكلمة لزعيم الأغلبية، الذي قال "إن ما حصل الآن في قاعة مجلس النواب وما تفضل به السيد النائب، ورد الفعل الذي حدث من القاعة استشعارًا منها بأن مصر في ظروف لا تتحمل هذه الإيماءات وتلك الإشعارات"، ليصفق له النواب.

واستطرد القصبي منفعلًا "علينا كنواب الشعب أن نتحمل مسؤولية الدولة المصرية في توقيت فيه كل الجهات مفتوحة ضد الدولة المصرية"، مطالبًا بتطبيق "اللائحة ضد كل من يتطاول على الأغلبية"، ليحظى بتصفيق  النواب مرة أخرى.

تواصلت حالة الهرج في القاعة بضعة ثوان بعد كلمة القصبي، التي حاول رئيس مجلس النواب تداركها بقوله "هل ترون حذف هذه العبارات من المضبطة؟".

ومع استمرار المشادات، وجه جبالي سؤالًا للقصبي "ماذا تقترح؟"، فأجاب "اتهام الأغلبية الوطنية مرفوض بكل المقاييس"، مضيفًا "لا نُزايد ولا نتاجر بمستقبل مصر يا سيادة الرئيس". 

حذف "بيان إنشائي وموضوع تعبير" من المضبطة

سأله جبالي مجددًا "ماذا تقترح؟"، فأجاب القصبي "نطبق اللائحة"، استفسر رئيس المجلس "أي مادة؟"، فرد زعيم الأغلبية "المادة 361"، داعيًا لإحالة النائب محمد عزت عرفات للتحقيق مع هيئة المكتب؛ الرئيس والوكيلين.

"خلاص سمعنا هذا الاقتراح، هل يتم التصويت عليه؟ الموافق يتفضل" قال جبالي، بينما استمر الجدال بين الأعضاء، ليتدخل القصبي داعيًا زملاءه للهدوء "سيادة الرئيس، حرصًا من الأغلبية على قيمة هذه الجلسة التاريخية أستأذن سيادتك بحذف ما تفضل به سيادة النائب من المضبطة".

المشهد الخامس: اعتذار للأغلبية

في مشهد نادر، اضطر النائب عبد المنعم إمام رئيس حزب العدل لتقديم اعتذار للأغلبية، عن شيء لم يرصده الصحفيون عبر شاشات البث.

فوجئنا خلال متابعة البث، بمنح الكلمة مرة أخرى للقصبي بعد انتهاء الأزمة وعودة الهدوء واستكمال المسار الطبيعي للمداخلات.

ممنوع الإساءة لبرنامج الحكومة

قال القصبي "النائب عبد المنعم إمام وجّه إهانات للأغلبية"، وطالب بالاستماع له قبل اتخاذ قرار بشأنه. ليعقب إمام بقوله "اعتراضي كان على قطع كلمة الزميل في مشهد غير معتاد". وأضاف "أنا ماليش دعوة بحاجة فهمتوها غلط. أتحدث عمّا أقوله، كل الاحترام للأغلبية"، وقاطعه نواب مستقبل وطن، ما دفع إمام للمطالبة بـ"حماية الأقلية من سطوة الأغلبية". 

تدخل القصبي ليحسم الجدل "الزميل تقدم باعتذاره للأغلبية، والأغلبية قبلت هذا الاعتذار"، بينما قال  جبالي "أطالب النائب عبد المنعم إمام أن يكون واضحًا في الاعتذار للأغلبية"، فرد إمام "كل الاحترام والتقدير للأغلبية، إذا فُهم شيء من كلامي بشكل خطأ أعتذر عنه".

ختم جبالي المشهد بتعليقه على منع استكمال كلمة عرفات "حين تحدث الزميل ووصف البرنامج والتقرير بأنه إنشائي، لم يتطرق مباشرة، كما تحدث الجميع، إلى نقاط محددة في برنامج الحكومة". وأضاف "انتقد الحكومة كما شئت ولكن بطريقة واحد اتنين تلاتة، كما تحدث بعضكم باحترام شديد". واستطرد رئيس المجلس "عدد كبير من الأغلبية انتقد بيان الحكومة، ارجعوا للمضبطة". وتابع "أن نسيء للبرنامج أو بيان الحكومة هذا مرفوض ويخالف اللائحة"، مشيرًا إلى أن اللائحة تمنع الخروج عن سياق الموضوع المطروح. 

المشهد السادس: إشادة بالديمقراطية

الالتزام باللائحة والحديث في الموضوع كان مثار مناقشة أخرى مع النائب ضياء الدين داود، الذي أعلن رفضه البرنامج، مبررًا ذلك بفشل الحكومة السابقة التي رأسها مدبولي، خاصة خلال السنوات الأربع الأخيرة.

وقال داود "فوائد الديون هي التي حرمتنا من التنمية الحقيقية والاستقلال الوطني وبناء الإنسان المصري"، مشيرًا إلى زيادة معدلات الفقر "وصل خلال الأربع سنوات الأخيرة من 7.1% إلى 35%". واختتم حديثه "البرنامج خالي من أي إجابات، به كلمات فضفاضة، لا بد أن نرفضه".

وهنا رد جبالي على داود قائلًا "كل ذلك ولم تتحدث عن البرنامج المقدم من الحكومة، تتحدث عن الماضي، لم تتحدث في الموضوع يا سيادة النائب".

عقب ذلك تحدث علاء عابد، نائب رئيس حزب مستقبل وطن، معلنًا موافقته على البرنامج، وقال مخاطبًا رئيس المجلس "أشكرك على الممارسة الديمقراطية".

المشهد السابع: العودة للقمع

لم ينته الأمر عند هذا الحد، حيث طالب النائب عاطف المغاوري رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، الذي رفض البرنامج، بمنح النائب محمد عزت فرحات حقه في استكمال كلمته.

قال المغاوري"ما شهدته منذ لحظات داخل القاعة يخالف ما عشناه مدة ستة أيام، هي فترة مناقشة اللجنة الخاصة لبرنامج الحكومة، حيث لم يُصادر رأي للمعارضة. اليوم نسفنا كل ما أنجزناه في لحظة فيها توتر". ودعا لمنح عرفات حقه في الكلام "هذه حقوق تاريخية برلمانية"، فانفعل نواب الأغلبية وبدأت مشادات جديدة بين الجانبين، انتهت بمنح جبالي الكلمة للقصبي مرة أخرى، وليس لفرحات.

قال زعيم الأغلبية "هذا المجلس له ضوابط وله لائحة حاكمة"، وأضاف "المادة 302 من اللائحة تنص على أنه يجب على المتكلم التعبير عن رأيه ووجهة نظره مع المحافظة على كرامة المؤسسات الدستورية بالدولة وهيبتها وكرامة المجلس، ولا يجوز له أن يخرج عن الموضوع المطروح، ولا يأتي أمرًا مخلًا بالنظام والوقار، ويُحظر استخدام السباب".

وعقّب رئيس مجلس النواب "هذا ما نوهت عنه سابقًا، وهذه الجلسة لا يوجد بها أية مخالفات، واتبعنا فيها جميع الإجراءات القانونية".

المشهد الثامن: الحكومة لم تضع برنامجًا

كشف عدد من نواب المعارضة خلال كلماتهم عن أن الحكومة التي أدت اليمين الدستوري في الثالث من يوليو/تموز، لم تُشارك في وضع البرنامج المعروض على المجلس.

وقال النائب عبد المنعم إمام في مداخلته، إنه خلال مناقشات اللجنة الخاصة بدراسة برنامج الحكومة تم توجيه سؤال لوزيرة التنمية المحلية بشأن البرنامج، ونفت الاطلاع عليه.

الأمر نفسه أكده النائب أحمد الشرقاوي، الذي قال "إن الوزراء الجدد لم يساهموا في رسم برنامج الحكومة"، وتساءل "إزاي وزيرة التخطيط ووزير المالية ييجوا بعد إقرار خطة وموازنة سنة جاية". فيما قال النائب أحمد بلال البرلسي عضو المجلس عن حزب التجمع "حاجة غريبة! حكومة جديدة جاية لتنفيذ برنامج حكومة مُقالة؟ حكومة تحدّيات جاية تنفذ برنامج من صنعوا الأزمة؟".


المشهد التاسع: مدبولي يتعهد بخطة

في كلمة مقتضبة، عقب رئيس مجلس الوزراء على كلمات النواب التي استمرت أكثر خمس ساعات، متعهدًا بوضع خطة عمل لبرنامجه.

"كل البرامج الزمنية الدقيقة التفصيلية على مدار ستة أشهر من عمر البرنامج، ستكون أمام حضراتكم بما فيها الأجندة التشريعية الدقيقة، بما يلبي طموحاتكم جميعًا" قال مدبولي متعهدًا. بعدها، وافق النواب بالأغلبية على منح الحكومة الثقة. 

هذه شهادتي عما جرى في جلسة امتدت لأكثر من خمس ساعات ونصف الساعة، ربما تكون نقطة تحول في التعامل مع المعارضة، أو قد يعيد نواب الأغلبية ورئيس المجلس والمسؤولون عن إدارة الملف حساباتهم فلا تتكرر مشاهد القمع مرة أخرى.