للعام الثالث على التوالي يمثُل وزير المالية، محمد معيط، أمام مجلس النواب لعرض موازنة الظروف الاستثنائية والضغوط والتحديات وعدم اليقين واللا الثقة بما هو آت في المستقبل، وفي الوقت نفسه يحدثنا عن تقدم معدلات النمو واستقرار نسب البطالة، ويتلاعب بالأرقام وكأنه يتحدث عن دولة أخرى لا نعرفها ولا نعيش أزمات اقتصادها.
كان مجلس النواب على موعد أمس الثلاثاء، مع إلقاء معيط للبيان المالي لمشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2023/ 2024، التي تبلغ قيمة المصروفات فيها نحو 3 تريليونات جنيه، بينما تبلغ قيمة الإيرادات 2.1 تريليون، ونسبة العجز المتوقعة تصل إلى 6.5%.
عن فضل الله و"حكمة القيادة"
في كلمته الطويلة تحدث معيط عن التحديات المتلاحقة التي واجهت مصر منذ 2020، بالتزامن مع انتشار جائحة كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية التي يشير إلى تأثيراتها الممتدة حتى الآن. لكنه يستخدم خطابًا يحاول جذب التعاطف مع الحكومة التي تعرضت لانتقادات حادة من أعضاء مجلس النواب في الأشهر الأخيرة، بعد زيادة معدل التضخم بنسبة نحو 40% وفقًا للأرقام الرسمية، والارتفاع المتتالي للأسعار، وتجاهل رئيس الحكومة المطالب المتكررة للنواب بالحضور للمجلس وتوضيح حقيقة الأمور وسبل الخروج من الأزمة.
خاطب معيط النواب قائلًا "لدينا كل العزم والثقة على النهوض مرة أخرى واستمرار التوسع في الإنفاق الاجتماعي والتنموي لصالح المواطنين وتحسين ظروف المعيشة وتحسين مستويات الدخل وفرص العمل".
ولم يقدم معيط خلال بيانه خطة للخروج من الأزمة سوى الحديث عن زيادة مخصصات الحماية الاجتماعية
كما قال "تعرضنا لأزمات أعنف واستطعنا النهوض منها والوصول لنسب نمو ومؤشرات اقتصادية إيجابية، رغم العمل على بنية تحتية وتحسين الخدمات بفضل حكمة القيادة وصلابة الشعب العظيم ودعم ومواكبة التشريعات لجهود الإصلاح، وكل هذا تم ويتم في ظل ظروف شديدة الصعوبة والتعقيد تلقي بظلالها وأعبائها علينا وعلى اقتصادنا ومستقبل المنطقة بأكملها".
ولم يقدم معيط خلال بيانه خطة للخروج من الأزمة سوى الحديث عن زيادة مخصصات الحماية الاجتماعية في ملفات التموين والصحة والتعليم "بفضل توجيهات الرئيس".
قبل عرض البيان المالي بيومين، شارك معيط في مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب في برنامج الحكاية، للتعقيب على تخفيض وكالة فيتش التصنيف الائتماني لمصر إلى درجة "B" مع نظرة مستقبلية سلبية، وقال "منذ 15 شهرًا يتعرض الاقتصاد المصري لموجات من الصدمات الاقتصادية والأوضاع المضطربة، ومن المنطقي أن تتجه المؤسسات المالية الدولية لخفض التصنيف"، لكن في الوقت نفسه عدَّ المؤسسات الدولية تتحامل على الاقتصاد المصري.
مداخلة وزير المالية محمد معيط مع برنامج الحكاية
وضع معيط في البيان المالي عددًا من البنود اعتبرها مخاطر تهدد الاقتصاد العالمي، في مقدمتها التوقعات بأزمة مالية عالمية جديدة العام المقبل، وتأثير التغيرات المناخية على سلاسل الإمداد، ولا تزال احتمالات زيادة آثار الحرب الروسية الأوكرانية قائمة، بخلاف استمرار ارتفاع أسعار الفائدة لكبح معدلات التضخم المرتفعة والتي قد تؤدي إلى المزيد من الاضطرابات في الاقتصاد العالمي وأسواق المال العالمية والقطاع المصرفي العالمي.
الديون تحاصر الموازنة
يوضح البيان المالي أن نسبة العجز الكلي للموازنة 5.5% من يوليو/تموز 2022 إلى مارس/آذار 2023 بسبب زيادة المصروفات على الفوائد، الناتجة عن تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار وزيادة أسعار الفائدة بشكل كبير محليًا وخارجيًا، وزيادة تدابير الحماية الاجتماعية مقابل 4.9% من الناتج خلال نفس الفترة من العام السابق، وعجز بلغ 9.4% من الناتج خلال يوليو - مارس 2015/ 2016.
وبمطالعة سريعة للبيان المالي الذي صدر في 164 صفحة، ستنفجر ألغام الديون والقروض في وجهك عبر صفحات الكتاب، إذ مشروع الموازنة الدولة تريليونًا و120 مليار جنيه للإنفاق على فوائد الدين العام خلال العام المالي الجديد، بزيادة تصل إلى 45% عن نفقات الفوائد خلال العام المالي الحالي، بخلاف سداد القروض التي تصل إلى تريليون و315 مليار جنيه، بزيادة 350.5 مليار جنيه عن قروض العام الماضي، ما يعني أن سداد القروض والفوائد معًا يقدران بتريليوني و435 مليار جنيه (بفرض ثبات سعر صرف الدولار)، وبالطبع هناك ما سيستجد في موازنة العام التي ستعتمد على الاقتراض أيضًا لسد العجز.
تتعرض الحكومة لانتقادات حادة منذ أشهر طويلة من جانب أعضاء مجلس النواب، لاعتمادها على الاقتراض والتوسع في الاستدانة، لكن حتى الآن يمرر البرلمان كافة القروض التي تتعاقد عليها الحكومة سواء لمشروعات تتعلق بالاحتياجات الأساسية أو البنية التحتية والمشروعات الجديدة.
الغضب يمتد تحت القبة
رغم أن جدول الأمس لم يتضمن تعليق النواب على البيان المالي، كان النصف الثاني من الجلسة فرصة لحديثهم عن موقفهم من الأداء المالي والاقتصادي في وجود معيط ووكيل الجهاز المركزي للمحاسبات، أثناء مناقشة الحساب الختامي للعام المالي 2021/ 2022.
وكان لسياسات الديون والقروض نصيب من ملاحظات الجهاز المركزي للمحاسبات، التي أوضحها وكيل الجهاز خالد علام في كلمته بالجلسة، وقال إن الفجوة التمويلية بين الاستخدامات الفعلية المصروفات والإيرادات تم تمويلها من خلال الاقتراض بنسبة كبيرة، وتحقيق عجز كلي بلغ 484.4 مليار جنيه مقابل 472.3 مليار جنيه في السنة المالية 2020/ 2021، وأضاف "تلاحظ استمرار تزايد رصيد الديون التي بلغت 510 مليار جنيه مقابل 465 مليار جنيه فى العام المالي السابق".
كما أوضح عدم تحصيل إيرادات من السنة المالية 21/ 22 بقيمة 37.8 مليار جنيه، بخلاف تأخر تنفيذ الأعمال في المشروعات وعدم توافر العمالة المتخصصة، وكشف عن صرف مبالغ من بعض الصناديق والحسابات الخاصة فى غير الأغراض المنشأة من أجلها، وعدم الاستفادة من الأجهزة والمعدات الخاصة، وعدم الاستفادة من أراضي فضاء وبور غير مستغلة وعدم الاستفادة من بعض المنشآت الحكومية، وعدم الاستفادة من العديد من الأجهزة والمعدات، وعدم إحكام الرقابة على المخازن.
وطالب الجهاز بوضع أولويات لأوجه الإنفاق لترشيد الإنفاق العام والحد من الاقتراض، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحصيل الديون المستحقة لدى الحكومة، وإجراء الدراسات الاقتصادية والتمويلية لإصلاح الخلل، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من الزيادة المستمرة في الدين العام الحكومي.
حاول معيط الخروج من المأزق متباهيًا بتحقيق الضرائب 101% من المستهدف، وقال "خلال سبع سنوات استطعنا تخفيض العجز الكلي للموازنة بنسبة 50%".
رفض ممثل حزب الإصلاح والتنمية النائب أيمن أبو العلا تقرير الحساب الختامي للمرة الأولى.
وبشأن الديون قال معيط إنها تنقسم لجزئين داخلي وخارجي لافتًا إلى أن قيمة الدين بالعملة الأجنبية قيمته 108 مليارات وقال "تم تقييم الدين يوم 30 يونيو 2022 و سعر الدولار 18.8 جنيه، و كان سعر الدولار في العام السابق له 15.6 جنيه يعني فرق 3 جنيه، وهو ما حقق تأثيرًا 4.5% نتيجة تغير سعر الصرف"، يعتبر معيط أن الوزارة تعمل على خفض الدين "لكن تغيير سعر الصرف له تأثير".
ووسط الموافقات التقليدية من عدد من النواب مثل ممثلة الهيئة البرلمانية لحزب حماة الوطن، وممثل الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، وممثل حزب مصر الحديثة، رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية، رفض ممثل حزب الإصلاح والتنمية النائب أيمن أبو العلا تقرير الحساب الختامي للمرة الأولى.
فالنائب الذي كان طوال السنوات السابقة يوافق على الحساب الختامي مع توجيه بعض الانتقادات بدعوى النظر للأمام وعدم البكاء على اللبن المسكوب، قال في كلمته أمس "لا يوجد لبن يسكب هذه المرة". ورفض ما جاء في تقرير لجنة الخطة والموازنة من شكر للحكومة وقال "الحكومة ندعي لها ربنا يلهمها الصواب، ما يدور في مصر غير مقبول"، مشيرًا إلى أن الدين العام وصل إلى 7 تريليونات جنيه، وانتقد كلمة وزير المالية خلال عرض البيان المالي، وقال "لم يقدم آلية نسدد إزاي"، لافتًا إلى أن فوائد القروض بلغت 5.580 مليار جنيه.
وقال "فوائد القروض تضاعفت مادوش أي أمل للشعب نسدد عجز الموازنة تريليون وشوية أو فوائد القروض منين؟ في هذه المرحلة كنت أتوقع حلول وكلام عن الاستثمار ودعم الاستثمار المباشر، كل مرة نقول الحساب الختامي نبكي على اللبن المسكوب. لا يوجد لبن نبكي عليه هذه المرة".
ورفض ممثل الهيئة البرلمانية لحزب الوفد النائب محمد عبد العليم داود، تقرير الحساب الختامي، وقال "الإيرادات تريليون و 347 مليار و177 مليون، منهم 42% قروض لخنق الأجيال القادمة، ومنهم 41% ضرائب"، وتابع "بنلف حبل المشنقة حول أجيال الشعب المصري شوف كل مولود عليه كام؟ لما ألاقي ممثل الجهاز المركزي يقول مافيش دراسات مافيش استفادة جيدة من الأموال، إحنا بنخنق بيها الشعب المصري".
انتهى النقاش أمس ومر الحساب الختامي اليوم، وستمر الموازنة لاحقًا ربما مع تعديلات طفيفة لن تؤدي لتغييرات جوهرية بها، لتستمر السياسات المالية والاقتصادية، وانضممت للدكتور محمد معيط رجاء في فضل الله وكرمه وحده، فيبدو أن الحكومة حتى الآن، بلا خطة.