مجلس النواب
علاء فؤاد، وزير شؤون المجالس النيابية

يوميات صحفية برلمانية| الحكومة تواجه المساءلة بالحذف من المضبطة

منشور الخميس 2 مارس 2023 - آخر تحديث الخميس 2 مارس 2023

مع حالة الغلاء غير المسبوقة والغليان المكتوم بين المصريين، وإصرار الحكومة على الاستمرار في نفس السياسات التي أدت للوضع الحالي، وقف وزير شؤون المجالس النيابية علاء فؤاد، متربصًا بكلمات أعضاء مجلس النواب الناقدة للحكومة، رافضًا ما يصفه بالعبارات "المسيئة"، مدافعًا عن الحكومة "التي لا تنام".

كان مجلس النواب يناقش الثلاثاء الماضي، طلبات الإحاطة والأسئلة وطلبات المناقشة العامة، الموجهة لوزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، وكالعادة شهدت الجلسة التي تتناول أدوات رقابية موجهة للوزيرة المسؤولة عن ملف الحماية الاجتماعية بعض الانتقادات.

يبدو أن الحكومة ما زالت مصرة على إنكار مسؤوليتها عن تدهور الأوضاع الاقتصادية، ويدعي وزراؤها إدراكهم للواقع وعدم انفصالهم عن الفقراء، بل إن الحكومة التي أطلقت برنامجًا لإنقاذ الأطفال والكبار بلا مأوى؛ تنكر وجود مشردين ينامون في الشوراع تحت الكباري، وتدعي دفاعها عن حقوق الأيتام بينما انتزعت الطفل "ش" من أسرته.

موقعة الكباري

ألقى رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد النائب محمد عبد العليم داود، طلب إحاطة موجه للوزيرة، طالب فيه بضرورة "أن يكون فيه وقفة مع الحكومة لأننا انتقلنا من مرحلة إفقار الشعب المصري إلى مرحلة إذلال الشعب المصري"، مضيفًا "من خلال تكافل وكرامة، ظلموا كلمة تكافل وظلموا كلمة كرامة، لما أذل الشعب علشان يأخذ تكافل وكرامة 450 جنيه".

وجاءت الجلسة قبل يومين من قرار رئيس الجمهورية عبد الفتاح السييسي، برفع معاش تكافل وكرامة بنسبة 25%، بالإضافة إلى زيادة المعاشات بنسبة 15%، وزيادة الحد الأدنى للأجور ليبدأ من 3500 جنيه للدرجة السادسة. 

داود تحدث في كلمته عن تدهور الأوضاع الاقتصادية لعدد من الفئات "قعدتوا تقولوا ذوي الاحتياجات الخاصة وسايبينهم شوف حالهم إزاي، أطفال الشوارع، امشي على الكباري. بص تحت كل كباري مصر".

لكن لم يحتمل وزير شؤون المجالس النيابية، الهجوم على الحكومة، وأبدى اعتراضه على ما قاله النائب، "الحكومة لا تذل الشعب وتسعى جاهدة لتوفير كل حاجة، الحكومة ما بتنامش"، ونالت كلمته استحسان عدد من النواب الذين صفقوا له.

واستكمل فؤاد "الحكومة تُدخل أسرًا جديدة في حياة كريمة، الحكومة لا تذل الشعب وماعندناش حد بينام تحت كباري. دي مصر يا معالي النائب"، ليقف النائب أحمد الشرقاوي معترضًا على كلمة الوزير وعدد من النواب الجالسين على يسار المنصة.

وربما يقصد ممثل الحكومة أنه لم تعد هناك مساحة أسفل الكباري بعد استثمار الحكومة في المساحات الشاغرة، بتحويلها إلى محال تجارية.

في منتصف الجلسة، واجه النائب المستقل علاء سليمان الوزير ببعض الصور لمواطنين بلا مأوى يفترشون الطرقات، ورفع بعض الصور المطبوعة "الوزير اللي بيقول الناس لا تنام تحت الكباري الصور أهه في أسيوط أهه وفي كل حتة، ينزل يمر"، واستكمل "اللي بيقول الكلام ده ما حصلش يقدم استقالته أهه بيحصل أهه، بيحصل أهه، ارحموا الفقير ارحموا الفقير".

لم يتحمل الوزير مجددًا كلمات النقد التي وجهها له سليمان، وطلب الكلمة بعد مرور بعض الوقت، وطالب رئيس المجلس بحذف ما اعتبره "عبارات مسيئة"، وقال فؤاد "إن الكلمة حملت إساءة للحكومة وإساءة لي أنا شخصيًا"، رغم أن كلمة النائب لم تتضمن كلمته أي عبارات مسيئة وفقًا للعرف البرلماني.

وكعادته استجاب رئيس مجلس النواب لطلب الحذف من المضبطة "لا نقبل الإساءة للحكومة، تحذف أي عبارات مسيئة"، ولم يحدد الكلمات أو العبارات التي يعتبرها جبالي أو الوزير مسيئة.

ومنح جبالي الكلمة للنائب أشرف رشاد الشريف زعيم الأغلبية، الذي قال "كل الشكر والتقدير للوزراء الواقفين على منصة مجلس النواب، المستشار علاء فؤاد من أكثر الشخصيات تعاونًا مع مجلس النواب في كل ما يطلب منه"، ليعقب الجبالي موجهًا التحية لرئيس مجلس الوزراء والوزراء ويوجه النواب "انتقدوهم كما شئتم انتقدوا أعمالهم لكن لا تمسوا أشخاصهم، هذه نصوص لائحية ليست اختراعًا مني".

النائب أشرف رشاد

ولم تقتصر تدخلات الحذف من المضبطة على طلب ممثل الحكومة فقط، بل امتدت إلى النواب أنفسهم، حيث طلب النائب خالد بدوي عضو المجلس عن حزب مستقبل وطن حذف كلمة "إذلال المصريين" التي قالها زميله النائب الوفدي، وهو ما وافق عليه رئيس المجلس ووجه بحذفها من المضبطة.

تخاذل وإهانة

مشروع تكافل وكرامة الذي بدأ في عام 2015، ويمنح معاشًا يتراوح بين 325 و500 جنيه للأسر الأكثر فقرًا، ويستفيد منه أكثر من 5 مليون مصري، كان محور الهجوم الأساسي من جانب النواب على الوزيرة.

واستعرض النواب بمختلف انتماءاتهم ما بين أغلبية ومعارضة المعاناة التي تعانيها الأسر الأشد احتياجًا والإهانة التي تتعرض لها في سبيل الحصول على قرار الوزارة باستحقاق الدعم، مشيرين إلى سوء معاملة من جانب موظفي التضامن الاجتماعي في المحافظات المختلفة، والطلبات التي تستغرق سنوات، وبطاقات الصرف غير الصالحة في بعض الأحيان، واستبعاد مستحقين في أحيان أخرى.

النائب علاء جعفر، عضو مجلس النواب عن حزب مستقبل، وجه انتقادًا للوزيرة مشيرًا لتعطيل أوراق المتقدمين للحصول على معاش تكافل وكرامة "وزارة هدفها شبكات أمان اجتماعي تعجز عن استيعاب المستحقين وتلجأ للمماطلة وتعطيل الأوراق".

أما النائب المستقل طلبة النحال، كان أول المطالبين بزيادة قيمة معاش تكافل وكرامة ليصل إلى 1050 جنيهًا أسوة بالحد الأدنى للمعاش، وفي الوقت نفسه تحدث عن العقبات التي تواجه المستحقين خلال رحلة إثبات استحقاقهم للمعاش التي قد تستمر لسنوات.

أما النائب باسل حجازي، فقال إن معاش تكافل وكرامة "ما يكفيش 30 يوم عيش وطعمية"، فيما قال النائب حشمت أبو حجر "الفقير اللي مش لاقي بيشوف أكبر معاناة علشان ياخد الـ 450 جنيه معاش تكافل وكرامة"، أما النائب أحمد دراج فقال "إحنا لا شايفين تكافل ولا شايفين كرامة".

بينما ترجم النائب ضياء الدين داود قيمة المعاش موضحًا أن المعاش الذي يبلغ 450 جنيهًا يساوي 15 دولارًا بسعر الصرف الحالي "يعني 50 سنت في اليوم"، وقال "أصر على أن يحضر رئيس الحكومة يقول لنا إزاي الشعب المصري يقتصد ويعيش بـ 50 سنت في اليوم"، واختتم كلمته مؤكدًا ضرورة إجراء تعديل وزاري.

واختصر النائب علاء عابد، نائب رئيس حزب مستقبل وطن، الأزمة خلال إشارته إلى الموازنة التي وافق عليها النواب التي تحدد قيمة المعاش وعدد المستحقين.

كلمة عابد تمثل اعترافًا بشراكة المجلس في الأزمة "الموازنة 25 مليار جنيه علشان 5 مليون أسرة فقيرة. إحنا اللي نحدد الأسرة تاخد كام، لا نلقي اللوم على الوزيرة"، ووجه اللوم للمجموعة الاقتصادية بالكامل محملًا إياها المسؤولية عن السياسات التي أدت لضعف الناتج القومي "علشان الناتج يبقى تريليون دولار سنويًا على الأقل علشان المواطن يعيش عيشة كريمة"، واختتم مشيدًا بالرئيس ومطالبًا بتعديل وزاري "أول من يتم تعديله المجموعة الاقتصادية، للأسف مصر منذ فجر التاريخ لم تصل لهذه المرحلة تقريبًا، في الزراعة والصناعة لو الرئيس ما وجهش بنفسه ماعندناش إنتاج".

الوزير يغضب مرة أخرى

النائب أحمد بلال البرلسي، عضو المجلس عن حزب التجمع، اتهم الحكومة بتفريغ برنامج تكافل وكرامة من مضمونه "لا أعرف أي تكافل ممكن الحكومة تعمله للمواطن بفرختين معرفش أي كرامة نحافظ للمواطن عليها بكيلو ونصف لحمة، هذا البرنامج لا يمكن أن نناقشه إلا ونحن نناقش زيادة هذا المعاش"، وأكد أن المسؤولية لا تتحملها وزيرة التضامن فقط، لكنها مسؤولية تضامنية "سياسات الحكومة وصلتنا لهذه الحالة، حكومة لا عارفة سعر العيش ولا اللحمة ولا الرز، هذه مسؤولية تضامنية على الحكومة أن تتحملها بالكامل، حكومة تتحايل على الموضوع لأن ببساطة التضامن الاجتماعي غير قادرة على التعامل مع المواطنين".

نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي

لم تمر كلمة "تتحايل" مرور الكرام، حيث أبدى وزير شؤون المجالس النيابية امتعاضه، ليستكمل البرلسي "زعلان من كلمة تتحايل؟"، مضيفًا "حكومة معترفة أن المعاش مستحق ولا تصرفه لمدة سنتنين. تبعت بطايق الصرف للمواطن من غير كلمة سر. هل دي تصرفات تقول إن الحكومة عايزة تصرف؟"

وعقَّب الوزير مرة أخرى "أعترض الحكومة لا تتحايل على أحد الحكومة تبذل أقصى جهد، وقت صرف المعاش كان له قيمة اليوم علشان سعر الصرف والأزمة العالمية غير كافي لكن الحكومة لا تتحايل، غير قابل هذا الكلام".

تمسك البرلسي بحقه كنائب في التعبير عن رأيه بالمفردات التي يراها التي لا تخرج عن سياق الموضوع، ليرد الوزير "من حقي أعترض على ما تقوله".

"فلا تقهر"

تحدث النائب رياض عبد الستار، عضو المجلس عن حزب مستقبل وطن عن معاناة الأيتام، بخلاف حديث نواب آخرين عن حقوقهم، فيما لم يفتح أي منهم الحديث عن القضية الأشهر في ملف حقوق الأيتام وكفالة الأطفال الخاصة، بالطفل "ش" الذي انتقل من أحضان أسرته المسيحية التي تبنته، وعمره أيام إلى دار للأيتام، برعاية وموافقة وزارة التضامن الاجتماعي وقرار إيداعه بدار الأورمان وحرمانه من أسرته.

واكتفت الوزيرة في حديثها بالتأكيد على مراعتها حقوق الأيتام "أُساءل عن الأيتام أمام الله"، مشيرة إلى زيادة عدد الحاصلين على الدعم من الأيتام ليمتد إلى 400 شخص، بموازنة تبلغ مليار و 400 مليون جنيه، كما أشارت إلى منح شقق مجهزة لخريجي دور الرعاية.

بينما لا تلتفت الوزيرة التي "تُساءل أمام الله "عن الأيتام إلى انتزاع طفل من أمان أسرته، أو العقبات التي تواجه الأسر الكافلة مع أبنائها، أو ضعف الضوابط والتدريب والإشراف في دور الرعاية لحماية الأطفال من العنف والانتهاكات المتكررة.

الجلسة التي انتهت بعد نحو 6 ساعات من الاستماع لطلبات الإحاطة والأسئلة الموجهة للوزيرة، ودفاعها المستميت عن إدارة ملف تكافل وكرامة والرعاية الاجتماعية، انتهت بإحالة الرد للجان المختصة، ليرحل وزيرا الحكومة التي لا تنام عن المجلس بلا تقديم حلول للفئات الأكثر فقرًا التي لا تزال تبحث عن سبل الحياة بـ 15 دولارًا في الشهر، وينتظر الطفل "ش" وأمه وأبيه بالتبني، المثول مجددًا أمام محكمة القضاء الإداري في 18 مارس/ آذار الجاري أملًا في حكم قضائي ينهي قرار الوزارة ويعيد الطفل لمنزله مرة أخرى.