لم يكن في حسبان كثيرين أن يومًا سيأتي لتضرب موعدًا مع أصدقائك تحت أحد الكباري لمشاهدة مباراة كرة قدم، لكنه أصبح واقعًا اليوم ولم يعد الجلوس تحت الكوبري دليلًا على الصعلكة بل نوعًا من الوجاهة.
خلال الأشهر الأخيرة، انتشرت صور لأسفل كباري مصر الجديدة، تشمل مقاهٍ ومطاعم يقبل عليها الزوار، وتحمل علامات تجارية عدة، محلية ودولية، وهو ما يراه البعض استغلال أمثل للكباري "بدلًا من تركها للبلطجية والسرسجية، وأكوام الزبالة والتبول".
مقاهي الكباري واحدة من مظاهر منافسة غير معلنة على المساحات الخالية في الطرق العامة، والتي باتت تزدحم بالعلامات التجارية لمقدمي خدمات القهوة والغذاء وبيع السلع الاستهلاكية، بعد أن كان هذه المساحات خالية أو تشغلها أكشاك يتم تخصيصها للفئات الأكثر احتياجًا.
من أين أتت كل هذه الكافيهات؟ هل غيرت الدولة نظرتها بشأن المساحات الخالية في الشوارع ورأت فيها فرصة لزيادة إيراداتها؟
وما رأي خبراء العمران في هذه الظاهرة، من حيث تأثيرها على الحق الطبيعي للمواطن في "الفراغ"؟
مدينة الألف كوبري
بحسب نشرة حصر الطرق والكباري، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، في يناير/ كانون الأول 2019، تجاوز إجمالي أعداد الكباري في مصر 36 ألف كوبري، حتى 30 يونيو/ حزيران 2018.
هذا الرصيد الضخم من الكباري كانت الدولة على مدار تاريخها الطويل تتعامل معه على أنه مجرد بنية أساسية للنقل.
وبينما اتجهت الدولة مؤخرًا لإضافة كبارٍ جديدة في شرق القاهرة، ضمن ما تسميه "رؤية شاملة" لتيسير الحركة المرورية، كانت هناك إشارات واضحة في التصريحات المتداولة إلى العبء المالي الذي تتحمله الدولة بسبب تلك التوسعات.
في أبريل/ نيسان 2020 أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، أثناء افتتاح مشروعات في شرق قناة السويس عن أن "الدولة تعكف الآن على تنفيذ 40 كوبري في منطقة شرق القاهرة"، وفي يونيو من العام نفسه أعلن اللواء إيهاب الفار، رئيس الهيئة الهندسية تنفيذ 40 كوبري لرفع كفاءة محاور شرق القاهرة.
وأكد السيسي أن تكلفة هذه الكباري (شرق القاهرة) تصل إلى 16 مليار جنيه "أنتوا عارفين يعنى إيه 40 كوبري يعنى كام؟.. الكوبري الواحد 300 مليون يعنى 16 مليار جنيه.. إحنا بنعمل كباري وطرق.. وبفضل الله وسبحانه ماشيين بمعدلات فيها كتير من كرم ربنا لينا، بنعمل كل ده بفلوس وأموال هائلة".
تركيز التصريحات على عنصر التكلفة، يوحي بأن النشاط الاستهلاكي الذي سمحت به الدولة تحت هذه الكباري فيما بعد، كان محاولة جديدة لخلق إيرادات تغطي جزء من تكاليف البنية الأساسية.
السيسي نفسه في أكثر من ظهور سابق أكد أن "مفيش حاجة ببلاش"، وهو ما وضحه مصدر في ديوان عام محافظة القاهرة قال للمنصَّة، إن العديد من البلدان تعوِّض تكاليف إنشاء الطرق الرئيسية من خلال إلزام السيارات العابرة بدفع رسوم خدمات "لكن داخل المدن لا يمكن تنفيذ ذلك، لذا لجأت الدولة إلى فكرة استغلال أسفل الكباري، لتكون مصدر دخل بديل عن فرض رسوم على الطرق والكباري، وفي نفس الوقت المحافظة على المنظر الحضاري".
من ينظم هذا النشاط؟
هذا التوجه الجديد في التعامل مع البنية الأساسية، لم يكن نابعًا من جهاز محافظة القاهرة، إذ ما زالت تسيطر على الجهاز رؤية تقليدية بشأن أعمال البنية الأساسية.
"الموضوع كله عند الشركة الوطنية"، كما قال أحد المستأجرين وهو يشرح تجربته للمنصَّة، في إشارة للشركة الوطنية للطرق التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع بدوره لوزارة الدفاع.
وتابع "قدمت طلب بنوع النشاط اللي عايز أعمله في مقر الشركة، ودفعت 300 جنيه، والشركة هي اللي بتحدد المكان، حسب المتوفر لديها". وأضاف "يتم الرد على الطلب بعد فحصه، وإجراء تحريات عن مقدم الطلب"، مشيرًا إلى أن الشركة هي المسؤولة عن تحديد المكان، وتقوم بتسليم المحل محارة من الخارج وبه وصلات المرافق.
حديث المستأجر الذي فضّل عدم نشر اسمه، بشأن تبعية المحال للشركة الوطنية، أكدته مصادر داخل المحافظة. واللافت أن لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية خبرة مشابهة في استغلال المساحات بأسلوب تجاري، من خلال إدارته لمحطات وقود وطنية، التي أصبحت تضم أسماء تجارية مثل لابوار وسيركل كيه، كما يذكر الجهاز على موقعه الرسمي.
وتعكس تفاصيل طريقة إدارة تلك المساحات حرص الأجهزة القائمة عليها على خلق إيرادات من ورائها بأسلوب استثماري، يضمن تحقيق أكبر عوائد ممكنة. وذكر لنا أكثر من مستأجر لمحلات أسفل كباري بميادين المحكمة والميرغني أن قيمة الإيجار الشهرية تتحدد على أساس موقع المحل ومساحته وطبيعة النشاط.
ولم نتمكن من التواصل مع مصدر رسمي للحصول على معلومات بخصوص تكاليف الإيجار تحت كباري شرق القاهرة، لكن أحد المستأجرين قال لنا إن محله أسفل كوبري الميرغني مساحته 10 أمتار وإيجاره الشهري 68 ألف جنيه، وأن عقد الإيجار سنوي، وقال مستأجر آخر إن إيجار المحل الذي لا يتجاوز مساحته ستة أمتار يصل إلى 25 ألف جنيه شهريًا.
ورغم أن تكلفة الإيجار ليست هينة، لكن يبدو من حديث المستأجرين أن النشاط تحت الكوبري يحقق إيرادات كافية لتغطية هذه التكاليف، وهو ما كان واضحًا عندما أبدى مستأجرون قلقهم بشأن عدم تجديد عقودهم، في ظل المنافسة التي يواجهونها من كيانات عالمية تسعى للوصول إلى تلك المساحات.
نحن إذن أمام بيزنس رائج وعليه طلب قوي من المستأجرين والزبائن، وهو على الأرجح كان دافعًا قويًا لدى بعض أجهزة الدولة لتغيير نظرتها بشأن المساحات الخالية وطريقة استغلالها.
محال السلع الاستهلاكية خط أحمر
ومع تعرُّض تجارب إقحام النشاط الاستهلاكي في المساحات العامة لنقد خلال الفترة الماضية، لكن بعض هذه المشروعات اُعتبر خطًا أحمر، فيما لم يكن معروفًا مَن هي الجهة المسؤولة عنها.
في فبراير/ شباط 2021، قال وزير السياحة خالد العناني في البرلمان إنه ما دام في الوزارة "فلن يكون هناك أكشاك في المناطق السياحية".
شهد نفس الشهر جدلًا على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب ظهور محلات سيركل كيه داخل قصر البارون، ومورست ضغوط شعبية من أجل وقف هذا المد الاستهلاكي داخل القصر الأثري، حتى استجابت الدولة لاحقًا لتلك المطالب.
تكررت ظاهرة مشابهة في محيط قصر عابدين، ورغم مما أثارته من انتقادات في وسائل الإعلام وداخل البرلمان، خلال أبريل الماضي، لكن هذه المرة لم تتم الاستجابة.
فيما علقت الإعلامية لميس الحديدي على منافذ بيع الأغذية في محيط قصر عابدين بلهجة شديدة الحدة قائلة "أكيد مش حنحمر سمك ونقلي سمك وريحة السمك تطلع ع القصر".
ونقل الكاتب الصحفي سليمان جودة، عن مسؤولة في الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، انتقادات مشابهة لهذا المنافذ، ما يوحي بأن أجهزة الدولة ليس لديها رأي موحد حول هذا النمط من المشاريع التجارية.
ورغم كل تلك الانتقادات، لكن التقارير المنشورة عن أكشاك عابدين لا تشير إلى الجهة المسؤولة عن تخصيص هذه المساحات.
من جهتنا، حاولنا معرفة الجهة المسؤولة عن أكشاك قصر عابدين، وباءت كل محاولاتنا بالفشل؛ تواصلنا مع 11 نائبًا في البرلمان منهم أمين سر لجنة الإدارة المحلية ووكيلي اللجنة، وكانت الإجابات توحي إما بعدم المعرفة أو عدم الرغبة في الإفصاح.
وفي 23 أبريل الماضي أعلن النائب أحمد مهني، وكيل لجنة القوى العاملة، أنه تقدم بطلب إحاطة إلى المستشار حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، بشأن انتشار الأكشاك ومنافذ بيع السلع الاستهلاكية بمحيط قصر عابدين، إلا أن الطلب لم يدرَج على جدول أعمال اللجنة حتى الآن، بحسب تصريح مهني للمنصَّة، موضحًا "ليس لدي معلومات عن الجهة التي سمحت بإقامة هذه الأكشاك وفي انتظار مناقشة طلب الإحاطة في لجنة الإدارة المحلية، ورد محافظة القاهرة وحي عابدين".
فيما قال مصدر في رئاسة حي عابدين للمنصَّة إن الحي لا علاقة له بهذه الأكشاك.
"أمان" على الخط
ظاهرة أخرى، لكن معروف الجهة المسؤولة عنها، هي منافذ بيع "أمان" التابعة لوزارة الداخلية، وهي سلسلة تجارية منتشرة بكثافة في مناطق شديدة الحيوية في شوارع القاهرة.
وبحسب تقارير صحفية، تعود نشأة "أمان" إلى عام 2015، عندما أعطت وزارة الداخلية توجيهات بإنشاء محال لبيع الأغذية الأساسية للمواطنين، وتطور عددها ليصل إلى 740 منفذًا على مستوى الجمهورية.
محال الداخلية وإن كانت تختلف عن التجارب السابقة، من حيث أن الهدف المعلن من ورائها ليس تجاريًا، ولكنها تسعى لتقديم السلع بأسعار مخفضة، لكن البعض رأى أن الداخلية تمارس نوعًا من الاعتداء على المساحات الخاصة بالطرق.
وكتب السيناريست الراحل وحيد حامد مقالًا في 2019 ينتقد فيه أكشاك الداخلية، قائلًا "اللحوم يا سادة لا تباع في عرض الطريق"، كما أشار إلى أن مسؤولية توفير السلع ترجع إلى وزارات التموين والزراعة.
في 2020 تقدم النائب السابق في مجلس النواب، هيثم الحريري، بطلب إحاطة بشأن انتشار هذه الأكشاك في شوارع الإسكندرية، وقال إن بعضها "بدون ترخيص"، ويتم "استغلال أسوار المدارس والميادين العامة لوضع هذه الأكشاك كما يتم إشغال الرصيف الذي هو حق للمواطن، ويتم إتلاف الأسفلت بسبب كثرة المياه".
وقال الحريري في حديث إلى المنصَّة "كل الردود التي وصلتني عند تقديم طلب الإحاطة، الردود الرسمية كانت تقول إن هذه الأكشاك تتبع وزارة الداخلية وهي خط أحمر وهناك تعليمات بعدم تحرير أي مخالفات لها".
هل نقول وداعًا كشك السجائر ؟
يتنافس هذا النمط التجاري، مع رؤية الدولة سابقًا بشأن تلك المساحات، التي كانت تعتبرها غير ذات أهمية، أو أنها مساحة متاحة لركن السيارات أو إنشاء أكشاك صغيرة، لبيع السجائر والجرائد أو الورود أو لتصوير المستندات وغيرها من الخدمات البسيطة.
ولأن الدولة لم تكن تنظر لهذه المساحات كفرصة لتوليد الإيرادات، لم تكن هناك قبضة قوية تحكم عملية التخصيص، بل كان الأمر متروكًا للسلطات المحلية.
يقول مصدر ثانٍ في ديوان محافظة القاهرة إنه في السابق "لم يكن هناك مخطط عام لاستغلال أسفل الكباري، وكان الأمر متروكًا للأحياء ومجالس المدن، التي كانت تخصِّص قطعًا محددة من هذه المساحات لبعض الفئات (المُعيلات والأرامل والمعاقين)، وفي الغالب كان التخصيص يكون بإنشاء كشك سجائر".
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وصل إجمالي عدد الأكشاك في مصر إلى أكثر من 60 ألفًا.
والمسمى القانوني لهذا النوع من الأكشاك هو "إشغال مؤقت"، وعادة ما كان يخصَّص بأسعار رمزية للمعاقين أو أصحاب الأمراض المزمنة، ولحالات أخرى للنساء المعيلات.
واقعيًا، لم يكن عالم الأكشاك بالصورة المثالية التي يبدو بها في التشريعات القانونية، فمن جهة شاعت حالات تأجير الأكشاك المرخصة من الباطن بإيجارات تتراوح بين خمسة آلاف و25 ألف جنيه، بحسب مصدر آخر في محافظة القاهرة. وهناك أيضًا عدد هائل من الأكشاك غير المرخصة، التي تم التوسع في إنشاءها بشكل ملحوظ خلال فترة الغياب الأمني بعد ثورة يناير.
وفي محاولة للحد من انتشار الأكشاك سعت محافظة القاهرة في 2013 إلى التوقف عن إصدار تراخيص جديدة للأكشاك، ومحاولة تعطيل عملية تجديد التراخيص لبعض الأكشاك القائمة في الحدود التي يسمح بها القانون.
لكن هذا لا يعني أن كل القرارات كانت تصب في خانة تضييق الخناق على الأكشاك، بالعكس كان هناك توجهًا للاستفادة من هذا النشاط وتوليد الإيرادات من وراءه.
تذكر تقارير صحفية أن محافظة القاهرة أصدرت العام الماضي قرارًا برفع الرسوم المفروضة على الأكشاك بمعدلات مرتفعة بشكل لافت للنظر، على سبيل المثال زادت الرسوم الشهرية المفروضة على أحد فئات الأكشاك من 70 إلى ألف جنيه.
من جهة أخرى، دار جدل محتدم في البرلمان خلال 2018 حول عربات المأكولات، وكيف تطورت خلال العقود الأخيرة بحيث لم تعد تقتصر على عربات الفول والطعمية التي تدر إيرادات قليلة على أصحابها، ولكن هناك أيضا عربات تقف في المناطق الراقية وتدر الآلاف، مما دعى النواب لإعادة النظر في الرسوم المفروضة عليها.
وفي هذا السياق وافق المجلس على تعديل بعض أحكام القانون رقم 140 لسنة 1956، الذي تندرج عربات المأكولات ضمن الأعمال التي ينظمها، وذلك بإضافة مادة جديدة برقم "4 مكرر".
وأتاح هذا التعديل حصول الأجهزة المعنية على رسوم من وراء هذه الأعمال تصل إلى مستويات مرتفعة، حيث نص على أن "يؤدى طالب التصريح عند تقديم الطلب رسم إشغال حسب نوع الأماكن والطرق وطبيعة الإشغال والنشاط بما لا يقل عن خمسمائة جنيه ولا يزيد على عشرين ألف جنيه تسدد نقدًا".
وأثار هذا التعديل انتقادات خبراء، معتبرين أنه ركز على خلق إيرادات للدولة، ولم يضع في اعتباره تضرر الطريق العام من انتشار هذا النمط من الإشغالات. بينما اشتكى أصحاب عربات المأكولات الشعبية من هذا المستوى الجديد من الرسوم، وقالوا إنه يفوق طاقاتهم.
عشوائية أم تعظيم موارد؟
هناك إجماع إذن بين أجهزة الدولة وصغار المستثمرين، على أن المساحات الخالية تحت الكباري وفي الميادين فرصة ذهبية لبيع السلع التجارية، ولكن كيف يرى خبراء العمران هذا التوجه؟
الأستاذ في قسم التخطيط العمراني بكلية الهندسة في جامعة الأزهر عماد عثمان مصطفى، يرى أن هناك مشكلة في الطريقتين، القديمة والجديدة، في استغلال هذه المساحات.
ويقول مصطفى إن طريقة استغلال المساحات القديمة، بإقامة الأكشاك، كانت تتسم بالعشوائية. ويضيف للمنصَّة أنه "تم توطين تلك الأكشاك بشكل غير منتظم ومتباعد وبمظهر غیر حضاري ومتنافر".
أما التجربة الجديدة، بحسب عثمان، فهي وإن كانت تتسم بمظهر أكثر جمالًا من الأكشاك القديمة، لكن ما يعيبها هو أنها تقدم تقريبًا نفس الخدمات في كل المناطق، التي تتركز بشكل كبير في مجالات الأغذية والمشروبات.
ويرى عثمان أن أصل المشكلة ينبع من مبدأ الولاية على الكوبري، أو ما يمكن تعريفه بأن من يقيم كوبري يكون له حق الاستفادة منه، حيث يتسبب ذلك في عدم وجود رؤية موحدة بين أجهزة الدولة لاستغلال تلك المساحات بطريقة تجعلها تساهم فعلًا في تقديم خدمات تحتاجها كل منطقة.
ويؤكد المعماري والباحث العمراني، أحمد زعزع، على أن الأماكن أسفل الكباري، هي فراغ عام، وبالتالي فهو ملكية عامة. وأن استراتيجية الدولة الجديدة في التعامل مع تلك المساحات كانت بهدف تحويلها إلى الملكية الخاصة، وليس تحقيق الصالح العام.
ويوضح زعزع أن هناك دولًا كثيرة حول العالم قامت باستغلال هذه المساحات، ولكن في الخدمات العامة، مثل إنشاء مسارح، وسينمات وحتى إذا وجدت أكشاك فتكون جزء من الفراغ العام، بمعنى أن يتم إنشاء حديقة عامة أسفل الكوبري وداخل هذه الحديقة توجد أكشاك للطعام أو المشروبات تخدم رواد هذه الحديقة، لكنها ليست الأصل، فالأصل هو الحديقة أو المسطح الأخضر.
وأيًا كانت طريقة استغلال تلك المساحات، فإن القرار بشأنها يجب أن لا يكون حكرًا على أجهزة الدولة، كما يؤكد زعزع.
وهو ما يتفق معه عماد عثمان، إذ يشير في دراسة سابقة منشورة، إلى نموذج استغلال أسفل الكباري في بولندا، والذي تضمن طرح استبيانات على سكان المناطق وإجراء نقاشات مع المجتمع المحلي لتحديد الاحتياجات المختلفة لكافة الأشخاص من كافة الفئات والأعمار والمستويات لاستيعابها في المخطط العام وتوطينها فيه.
وتنضم إلى مطالبات الخبراء، أصوات نواب برلمانيين طالبت مؤخرًا باستغلال المساحات العامة بصورة مختلفة عن النمط التجاري السائد.
في مارس/ أذار الماضي تقدمت النائبة سمر سالم، باقتراح برغبة إلى رئيس الوزراء ووزير التنمية المحلية ووزير البيئة، بشأن تجميل المساحات غير المستغلة الموجودة أسفل الكباري الموجودة بمختلف أنحاء الجمهورية، بشكل يهدف لخدمة البيئة والمجتمع.
وأيضًا تقدمت النائبة في البرلمان السابقة أنيسة حسونة، في نوفمبر/ تشرين 2019 بطلب إبداء اقتراح برغبة، موجه لرئيس مجلس الوزراء ووزيري النقل والتنمية المحلية، بشأن العمل على زراعة الخضرة أسفل الكباري لمنع انتشار القمامة والتقليل من الباعة الجائلين بجانب شكلها الجمالي.
ولكن هذه المقترحات لم تجد سبيلًا للتنفيذ، خاصة مع سيطرة النزعة التجارية على سياسة الدولة تجاه المساحات العامة، والسعي لاستغلال كل شيء لتحقيق مزيدٍ من الثروة حتى لو باستغلال الفراغ العام والمتنفس الطبيعي للمواطن، كمساحات تزيد من إيرادات الدولة، بدلًا من حماية الحق في هذه المساحات.