
يوميات صحفية برلمانية| الحكومة تلقي كرة لهب الإيجار القديم في مجلس النواب
في أجواء مشحونة بالتوتر والترقب، احتشد عدد كبير من النواب في القاعة الحمراء، إحدى قاعات المجلس الـ6، أمس الأحد، استعدادًا للاشتباك مع مشروع الحكومة تعديل قانون الإيجار القديم، وهو من القوانين الشائكة التي تمس الأمن المجتمعي، التي خشيت برلمانات متعاقبة الاقتراب منها.
بمجرد إحالة الحكومة نصوص تعديلاتها على أحكام الإيجارات القديمة إلى المجلس، لم تتوقف اتصالات المواطنين بنوابهم، ومعها أسئلة الصحفيين عن مصير الإيجارات القديمة التي يلتزم المجلس بتعديل منظومتها، بعد أن وضعتها المحكمة الدستورية العليا في حجرها.
يترقب المُلَّاك والمستأجرون مصير القانون الذي يشتبك مع أحد أهم الملفات الشائكة المؤجلة. لكن رغم إعلان المستشار حنفي جبالي رئيس المجلس الحرص على الخروج بقانون متوازن يحقق العدالة لطرفي العلاقة الإيجارية، وحديث وزير الشؤون النيابية والتواصل السياسي محمود فوزي عن انفتاح الحكومة على الاستماع لمقترحات المجلس، فإن النواب يخشون من تبعات المشروع المطروح عليهم.
حكومة متباطئة تنصب فخًا
كعادتها، تأتي الحكومة متأخرةً؛ تتقدم بأحد أهم مشروعات القوانين التي تتطلب حوارًا مجتمعيًا واسعًا والبحث عن أفكار خارج الأطر التقليدية لإرضاء طرفي العلاقة قبل أسابيع من فض دور الانعقاد الخامس، والأخير، في يوليو/تموز المقبل!
استغرقت الحكومة 6 أشهر لتتجاوب مع حكم المحكمة الدستورية العليا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بإلزام البرلمان إجراء تعديل تشريعي على قانون الإيجارات، لعدم دستورية البنود المتعلقة بثبات القيمة الإيجارية، فقدَّمت مشروعَ قانون تسري أحكامه على الأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين، سواء لغرض السكن أو لغيره، يتضمن رفع إيجارات الوحدات السكنية 20 ضعف القيمة الإيجارية السارية في العقود؛ على ألا تقل القيمة الإيجارية القانونية المستحقة شهريًا بعد الزيادة عن ألف جنيه في المدن والأحياء؛ وخمسمائة جنيه في القرى، وتزداد سنويًا بصفة دورية بنسبة 15%.
حمَل مشروع القانون فخًا للنواب والمستأجرين، فنصَّ على انتهاء عقود الإيجار بانتهاء مدة 5 سنوات من تاريخ العمل بالقانون؛ ما لم يتفق الطرفان على إنهائها قبل ذلك.
أثارت هذه المادة فزعًا لدى المستأجرين، حَمَلته عشرات الاتصالات التي تلقيتها وزملائي، ومئات التساؤلات التي طرحها مستأجرون على النواب خلال الأيام الماضية، بشأن مصيرهم ومصير ذويهم من كبار السن، وأصحاب المعاشات، والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة.
لم يكتف المشروع بهذا النص، بل رتَّب عليه بضعة نصوص تنظم إخلاء الأماكن المؤجرة، فنصت المادة السادسة على حق المالك في تقديم طلب إلى قاضي الأمور الوقتية، بإصدار أمر بطرد الممتنع عن الإخلاء دون الإخلال بحقه في طلب التعويض.
حاولت الحكومة تقديم ما تتصور أنه حل لإشكالية طرد المستأجرين من الوحدات المؤجرة؛ فمنحتهم في مشروع القانون أولوية فى الحصول على وحدات سكنية وغير سكنية، إيجار أو تمليك، من الوحدات المتاحة لدى الدولة، وفق القواعد والشروط والإجراءات التى يصدر بها قرار من رئيس الوزراء خلال شهر من تاريخ العمل بالقانون؛ مع مراعاة الفئات الأكثر احتياجًا.
أين المذكرة الإيضاحية؟
لأهمية القانون، حضر عدد كبير من النواب، بعضهم من مجلس الشيوخ، أول اجتماعات لجنة الإسكان والمرافق، المعنية بمناقشته، ووزعت أمانة اللجنة نسخة من المشروع على النواب.
لكن النائب ضياء الدين داود نبَّه رئيس اللجنة النائب محمد عطية الفيومي إلى أن النسخة التي معه ليست الرسمية المرسلة من الحكومة، وتضامن معه في طلبه النائب محمد عبد العليم داود. المعتاد في مناقشات مشروعات القوانين أن يتسلم النواب قبل مناقشة مشروعات القوانين نسخًا منها، ترفق بها مذكرة إيضاحية تشرح التعديلات وأسبابها وفلسفتها.
الأغلبية والمعارضة إيد واحدة
في مشهد نادر، توافق نواب الأغلبية والموالاة والمعارضة على خطورة نصوص مشروع القانون المقدم من الحكومة وتأثيرها على السلم المجتمعي.
النائب أحمد السجيني، القيادي بحزب مستقبل وطن، ورئيس لجنة الإدارة المحلية في المجلس، أثار عدة تساؤلات استنكارية بشأن بنود المشروع الحكومي، خصوصًا تلك المتعلقة بالإخلاء وطرد المستأجر بعد الفترة الانتقالية.
ركز السجيني على أهمية تحقيق التوازن بين المالك والمستأجر، ومراعاة الأبعاد الاجتماعية؛ هو يدرك معضلة القانون الأساسية بين ملاك لديهم إرث يعجزون عن التعامل معه، ومستأجرين "شعروا بحالة من الفزع من إمكانية طردهم من سكنهم خلال خمس سنوات"، كما قال قبل أن يستطرد "أتمنى أن يتسع صدر وزير الشؤون النيابية لما سأطرحه، الحقيقة أن قانون الحكومة المقدم بعيد كل البعد عما أثير في مجموعة 4+4".
كان السجيني يشير إلى اللجنة الثُّمانيَّة التي شُكِّلت عام 2022 من أربعة برلمانيين وأربعة تنفيذيين، لبحث سبل المعالجة التشريعية للقانون. لكنَّها لم تخرج بأي توصيات.
وتساءل السجيني "أمي وجدتي وشقيقتي المسنة المقيمة في الزمالك أو الدقي أو أي حي آخر، ومثلهم في المحافظات لا أملك أن أقول لهم اخرج للعيش في حي الأسمرات، ليس لأن الأسمرات سيئة إنما لأن هؤلاء استقرت حياتهم هنا".
يلفت السجيني إلى فزع آلاف المستأجرين، ليس فقط في الأحياء الراقية، بل حتى المتوسطة مثل شبرا والظاهر والعباسية وغيرها من أحياء مصر، التي يعجز من استقر بها سنوات عمره عن الانتقال لمسكن جديد في مدينة جديدة حتى وإن كانت تبدو أرقى، داعيًا الحكومة لإجراء دراسات مقرونة بلقاءات اللجنة الثُّمانيَّة ومناقشاتها للخروج بمعالجة شاملة للأزمة.
حذف من المضبطة
اعتدنا توثيق حالات الحذف من المضبطة التي تطول كلمات النائب الوفدي محمد عبد العليم داود خلال الجلسات العامة، لكن يبدو أن الضيق بكلماته امتد لقاعات اللجان أيضًا.
كان داود حذرًا في كلمته من أن مشروع القانون الحالي سيصبح مقبرة برلمان 2025. يبدو داود محقًا فالنواب لن ينجوا في الانتخابات المقبلة التي يتوقع إجراؤها قبل نهاية العام من مقصلة شعبية حال تمريره بصيغته الحالية.
دافع وزير الشؤون النيابية عن تدخل الحكومة بالنص على مدة لتحرير العلاقة الإيجارية
يتحدث داود عن تعقيد الأزمة "هناك ظلم بيِّن للمالك، ومستقبل مظلم للمستأجر"، معتبرًا أن النصوص الخاصة بإيلاء أولوية للمستأجرين الأكثر احتياجًا في مشروعات الإسكان التابعة للدولة "بنبيع سمك في ميه!".
وتساءل "إمتى الحكومة صدَقْت في أي تشريع وعدت به؟"، فقاطعه رئيس اللجنة النائب محمد عطية الفيومي معترضًا على العبارة وطلب حذفها من المضبطة، ووافقه داود قائلًا "احذفوا، هي كده كده وصلت".
غير أن الفيومي لم يكتفِ بالحذف، فقال لداود "عاوزين منك اعتذار"، فرد داود متهكمًا "ما تُسقِط عضويتي أحسن؟"، ثم استكمل كلمته مطالبًا بحذف النصوص المنظمة للإخلاء لتهديدها السِلم الاجتماعي.
كرة اللهب تهدد النواب
النائب مصطفى بكري الرافض لمشروع القانون اعتبر أن الحكومة ألقت كرة لهب في حِجر المجلس، مشيرًا إلى أن مشروع القانون يناقض حكمًا دستوريًا صدر في نوفمبر 2002 "انحازت فيه المحكمة الدستورية للمالك لمّا أوصت بامتداد العقد لجيل واحد وليس الورثة كلهم".
واعترض على عدة مواد في مشروع القانون وقال "انتوا بتكيدونا؟ بتلعبوا علينا؟ الحكومة دي متسلطة على الشعب المصري، رضينا وشربنا المر في كل حاجة".
النهج نفسه اتبعه النائب عمرو درويش، عضو المجلس عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، إذ قال "ماعنديش تساؤلات للحكومة، هسألها عن نواياها في إيه ؟ ما ظهرت خلاص".
وقال درويش إن "تحرير العلاقة الإيجارية سيضر نحو ما لا يقل عن 3 ملايين و258 أسرة في مصر "، وتابع "صحيح أن الكل يعلم أن حقوق الملاك أهدرت لسنوات طويلة، لكن ماذا عن المستأجر؟ إلى أين يذهب بعد تحرير مدة العلاقة الإيجارية؟".
هنا قاطعه الوزير محمود فوزي، متسائلًا "ماذا حدث عند تحرير العلاقة الإيجارية فى الأراضي الزراعية؟" فاعترض النواب على المقارنة، وردَّ درويش "الأمر مختلف حينما يكون الحديث عن السكن، أي البيت، للأسرة. ما حدش بينام في الأرض لكن الناس بتنام في البيت".
لماذا الإخلاء؟
دافع فوزي عن تدخل الحكومة بالنص على مدة لتحرير العلاقة الإيجارية، وقال "تثار تساؤلات عن أحقية المشرع في إنهاء العلاقة الإيجارية بموجب حكم المحكمة الدستورية العليا الأخير، والإجابة نعم".
وأضاف "المحكمة فتحت الباب ليتخير المشرع ما يراه من تنظيم، ومن وجهة النظر القانونية نعم يجوز تحرير عقد الإيجار بين المالك والمستأجر ولكن يمكن الاختلاف في المدد القانونية".
مع حضوره اجتماع اللجنة متأخرًا، أبدى وزير الإسكان شريف الشربيني بعض المرونة أمام انتقادات النواب لمشروع القانون، وطرح التساؤلات عن مستقبل المستأجرين من كبار السن والحالات الإنسانية الذين لم تستعد الحكومة للتعامل معهم في مشروعها.
قال الشربيني إن "الطرفين يعانيان، ولا بد من إيجاد آلية حقيقية للتطبيق، وارد أن نتفق أو نختلف على المقترحات ولكن يبقى الأهم هو التطبيق". وبشأن البعد الإنساني، قال الشربيني "لمراعاة البعد الاجتماعي والإنساني لغير القادرين، من الممكن أن يكون هناك عدم تحرير للعقود لبعض الحالات التي تستدعي ذلك".
وأكد أن الدولة لن تتوانى عن تقديم الدعم ولن تترك مستأجرًا يُطرد للشارع "الدولة لم ولن تتأخر لدعم أي حالة تستحق، سواء امتداد عقد الإيجار أو توفير البديل، وفيما يخص مصداقية الحكومة هناك جهود عظيمة فيما يخص تعويض وتوفير السكن البديل".
غير أنه قال "لكن نحتاج مهلة لبناء عدد من الوحدات لتلبية احتياجات الحالات التي سينطبق عليها الشروط، خاصة وأن عدد الوحدات الخاضعة للإيجار القديم 2.5 مليون وحدة، واللجان التي ستقوم بتقييم الحالات غير القادرة لا بد أن يكون هناك مشاركة مجتمعية لعمل تقييم دقيق".
وأمام مقاومة النواب ورفضهم للمشروع قال الوزير "الأمر شوري بيننا"، بينما قال فوزي "هذا اجتهاد الحكومة، والحكومة لا تشارك في التصويت"، داعيًا النواب للتقدم بمقترحات بديلة.
ماذا نتوقع؟
أمام المقاومة التي شهدها الاجتماع الأول لمناقشة مشروع القانون وتبني غالبية النواب من جميع القوى السياسية آراء تتحفظ على المشروع وتخشى أثره الاجتماعي على الحق في السكن، قد يجري تعديل المشروع بالأخص المادة التي تحيل المالك لقاضي الأمور الوقتية لطرد المستأجر بعد انتهاء المدة الانتقالية أو تعديل مدة الخمس سنوات ومدها عدة سنوات أخرى.
المؤكد أن مشروع القانون لن يمر بحالته الأولى المقدمة من الحكومة لخطورته الحقيقية على المواطنين، وأثره الكارثي على النواب بالشارع في الانتخابات بعد أشهر قليلة، إذ يحتاج النواب لرصيد من المقاومة يجعلهم قادرين على إقناع الناس بهم بعد فشلهم في تعديل السياسات الاقتصادية الضاغطة على حياة المواطنين.
في نهاية الاجتماع الذي امتد نحو 5 ساعات، ظهر حجم المأزق الذي وقعت فيه الحكومة والنواب في مواجهة استحقاق تعديل قانون يعود لنحو مائة عام، ترك أثره على الملاك انتقاصًا من حقوقهم إزاء ملكياتهم، ويهدد تعديله في سبيل استعادة هذه الحقوق، الحقوق الدستورية لملايين المستأجرين في سكنٍ ملائم.