
يوميات صحفية برلمانية| الإيجار القديم.. ساعات البسترة من غرس الأمل إلى انتزاع الطمأنينة
على مدار ثلات جلسات، تابعتُ من مقعدي بغرفة الصحافة في البرلمان تفاصيل تمرير تعديلات قانوني الإيجار القديم (49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981) الذي بدا كعمل درامي متقن الصنعة: البداية التقليدية ثم انتفاضة، ثم ذروة الأحداث في الجلسة الثانية، إلى أن جاءت النهاية غير المبررة دراميًا في الجلسة الثالثة.
ظهر مجلس النواب منتفضًا لصالح الناس في جلسة الاثنين 30 يونيو/حزيران، يتوقف عن مناقشة قانون الإيجار القديم اعتراضًا على نقص المعلومات، وغياب خطط الحكومة البديلة بعد إخلاء المستأجرين الوحدات السكنية المؤجرة، عقب تحرير عقود الإيجار غير محددة المدة، بعد سبع سنوات. وأمام غموض الخطط يقرر المجلس إرجاء المناقشات لحين تقديم الحكومة البيانات اللازمة عن أعداد المستأجرين الأصليين والجيل الأول الذي يمتد إليه العقد.
في اليوم التالي، منح المجلس في جلسة الثلاثاء الأمل للمستأجرين في استمرار سترهم الذي بات مهددًا، خاصةً مع تأكيدات مصادر برلمانية وجود اتجاه لمنح المستأجر الأصلي وزوجه استثناءً وإقرار حقهم في استمرار عقد الإيجار بعد انتهاء السبع سنوات.
لكن الأمل انقلب انكسارًا، والاعتراض موافقة بعد تعديل وحيد فقط قدمته الحكومة على المادة الثامنة التي تنظم حصول المضارين على البدائل، متعهدة بتوفير البديل قبل عام على الأقل من انتهاء الفترة الانتقالية بموجب التعديلات التي تسري على عقود الإيجار السكني وغير السكني المحررة قبل صدور القانون 4 لسنة 1996.
المشهد الأول.. بيانات من زمن فات
وُضع المجلس المشروع على جدول أعمال الجلسة العامة الاثنين، وجاءت كلمة زعيم الأغلبية عبد الهادي القصبي تحمل مؤشرات على تغييرات ما قد تجري على المشروع، قال "أوافق على مشروع القانون من حيث المبدأ وأحتفظ بحقي في المداخلات".
العبارة ذاتها كررها النائب أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية، الذي قال "في دولة 30 يونيو بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لن يُضار أي مواطن مالكًا أو مستأجرًا بتطبيق هذا القانون، مش قادر أتخيل أن من يبني مدنًا جديدة ممكن يسمح بالمخاوف المطروحة".
مخاوف المعارضة
لفت نواب المعارضة في كلماتهم إلى تأثير القانون على حق السكن والأمن الاجتماعي، وأكد النائب أحمد الشرقاوي أن الأولوية للأمن السكني، مؤيدًا تحريك القيمة الإيجارية دون إنهاء العقود. أما النائب عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل، فاعتبر المشروع "عقاب اجتماعي"، وكأن الرسالة التي يوجهها للمستأجر "تموتوا قبل السبع سنين أو تطردوا في الشارع".
نائب التجمع هاجم الحكومة ووصفها بأنها نبت شيطاني فاعترض وزير الشؤون النيابية
غير أن النائب عن حزب التجمع، أحمد بلال البرلسي ربط مشروع القانون بسياسات الحكومة الاقتصادية "هذا القانون ينحاز للملاك الجدد، لشركات الاستثمار العقاري اللي أساميها على كل شوارع وعقارات وسط البلد"، كما لفت إلى استفادة الحكومة "عينيها فقط على الضرائب العقارية ودماغها في استخدام هذه الضرائب عشان سداد فوائد الديون التي حذرنا منها مرارًا وتكرارًا".
فيما خاطب النائب ضياء الدين داود، ضمير نواب الأغلبية مناشدًا إياهم رفض تمرير مشروع القانون بهذه الصورة "المشروع يقول للمستأجر حط إيدك على قلبك لمدة سبع سنين".
أما رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، النائب عاطف مغاوري، فسأل الحكومة "هل أنتِ نبت شيطاني أم انقلاب على حكومات أخرى؟"، فثار نواب الأغلبية ضده، قبل أن يرد وزير الشؤون النيابية والقانونية، المستشار محمود فوزي "عيب أوي، عيب جدًا أن تهان مؤسسة من مؤسسات الدولة بهذا الشكل خصوصًا أننا نحترم كل الآراء، إذا كان النواب يقولوا إننا نواب المستأجرين والمؤجرين، الحكومة أيضًا حكومة المستأجرين والمؤجرين"، وطالب بحذف العبارات التي اعتبرها مسيئة للحكومة من المضبطة تطبيقًا للائحة الداخلية للمجلس.
ورطة البيانات وغياب الخطة
صدرت أول مواقف الرفض من خارج المعارضة التقليدية عن النائب هشام هلال، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مصر الحديثة الذي تساءل "هل الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عنده إحصاء بعدد المستأجرين الأصليين والجيل الأول؟".
وعقَّب خيرت بركات رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، موضحًا أنه بموجب تعداد 2017، عدد المستأجرين كان 1.6 مليون، والوحدات المؤجرة 3 ملايين و19 ألف وحدة.
بينما تعهد وزير الشؤون النيابية في كلمته بتقديم بيان أكثر تفصيلًا في الجلسة العامة صباح اليوم التالي الثلاثاء، وعاتبه رئيس المجلس "كان يتعين إعداد كل أوراقكم وملفاتكم".
كانت أزمة الإحصاءات ظهرت منذ اليوم الأول لمناقشة مشروع القانون في اجتماعات اللجنة البرلمانية المشتركة لمناقشة تعديلات قوانين الإيجار القديم، في 6 مايو/أيار الماضي، وجلسات الحوار المجتمعي، وتبين غياب تصنيف المستأجرين وقياس مستوى دخولهم وأعمارهم، كمان أن البيانات المتاحة تعود لآخر تعداد سكاني أجراه الجهاز في 2017.
وأمام غياب البيانات، وعدم وضوح خطط الحكومة بشأن الوحدات البديلة للمستأجرين المضارين، أرجأ رئيس المجلس المناقشات لجلسة الثلاثاء على أن تقدم الحكومة للنواب قبل الجلسة بيانًا حديثًا بعدد المستأجرين الأصليين والجيل الأول والإجراءات التي ستتخذها الحكومة مع هذه الفئة بالذات في إطار الخطط البديلة بعد الفترة الانتقالية.
كما طالب بتقديم بيان بالأراضي المتوقع توفيرها لإقامة الأماكن اللازمة لتوفير الوحدات البديلة وأماكنها وعلى الأخص في المحافظات التي ليس لها بديل صحراوي.
المشهد الثاني..البرلمان ينتفض
بدأت الجلسة العامة الثلاثاء في الحادية عشر صباحًا، توقعت أن يبدأ وزير الشؤون النيابية والقانونية أو رئيس جهاز التعبئة العامة والإحصاء في عرض البيانات التي طلبها المجلس، غير أن رئيس المجلس منح النواب الكلمة لمناقشة مشروع القانون من حيث المبدأ دون التطرق لهذا الأمر.
عدد المستأجرين مليون و600 ألف وفق المسح السكاني لسنة 2017
توجهت بسؤال للنائب ضياء الدين داود بشأن تلقيه البيانات، فأخبرني أن المستشار محمود فوزي عقد لقاءً في مكتبه مع عدد من النواب قبيل الجلسة، لكنه لم يتضمن أي بيانات جديدة، بينما أكد النائب عاطف المغاوري في تصريحات لمحرري البرلمان عدم تلقيه أي بيانات.
تأجيل بعد موافقة
سارت الجلسة في مسار المناقشات المعتادة، إلى أن طرح رئيس المجلس مشروع القانون للتصويت من حيث المبدأ فوافق النواب، وأعلن جبالي تلقي الأمانة العامة للمجلس في التاسعة صباحًا بيانات من الحكومة لكنها "تخلو" من عدد المستأجرين الأصليين، والجيل الأول.
ردَّ رئيس الجهاز المركزي بأرقام بناها على اعتبار أن المستأجر الذي كان عمره أكثر من 60 عامًا خلال تعداد 2017 مستأجر أصلي، وقال "عدد المستأجرين حينها مليون و600 ألف مستأجر ، وعدد المستأجرين الأصليين 409 آلاف و276".
لم يناقش جبالي الأرقام، وكاد أن يبدأ مناقشة المواد، لكن النائب ضياء الدين داود نبه إلى ضرورة تحليل البيانات التي قالها رئيس الجهاز لاتخاذ قرار مناسب، وقال "الحكومة محتاجة تقول فيه أراضي للناس دي؟ فيه فلوس في الموازنة في 4 سنين جايين تمول مشروعات"، وعلق على حديث وزير الإسكان عن بناء 5 مليون وحدة سكنية "من أم 30 مليون عند نجيب ساويرس والا في ميڤيديا".
إشارة داود إلى المشروعات السكنية الفاخرة تحمل نقدًا مبطنًا لجرأة الحكومة على طرد مئات الآلاف من المستأجرين الذين تشملهم تعديلات القانون ووجود فجوة كبيرة في سوق العقارات المصري بين القوة الشرائية المحدودة لغالبية المصريين والأسعار الفلكية للوحدات السكنية في الكمباوندات الفاخرة. كما طالب داود بالحصول على البيانات المحدثة والسماح بدراستها وتحليلها، فرد جبالي "معندهمش، ده المتاح اللي عندهم".
تدخل زعيم الأغلبية وطالب وزيرة التنمية المحلية منال عوض بتوضيح خطة البدائل في المحافظات لبناء مساكن للمستأجرين المضارين، فأجابت إجابة عمومية، لفتت فيها إلى وجود أراض في ولاية المحافظات، وأخرى تابعة لوزارة الزراعة ومثلها تتبع وزارة الأوقاف.
فتح بعدها رئيس المجلس المجال للنواب، فتناوب ممثل عن كل هيئة برلمانية على الحديث؛ استنكر النائب عن حزب الوفد هاني أباظة غياب الرؤية، وعدم القدرة على اتخاذ قرار في ظل غياب البيانات والخطط، الأمر نفسه أكده النائب أيمن أبو العلا عن حزب الإصلاح والتنمية "لا نستطيع أن نوافق على هذا القانون أبدًا".
تكرر الأمر نفسه من جانب أحزاب حماة الوطن والمؤتمر والعدل والتجمع، وكذلك المستقلين، حتى وصلنا إلى حزب مستقبل وطن، فقال زعيم الأغلبية عبد الهادي القصبي "نحن لا نستهدف سوى مصلحة المواطن وفي ضوء ما استمعت إليه من السادة ممثلي الأحزاب أستأذن سيادتك في تأجيل مناقشة مشروع القانون".
وأعلن جبالي تأجيل المناقشة منتتقدًا الحكومة التي "أتت إلى البرلمان وهي غير مستعدة"، وصفق النواب وانطلقت من القاعة هتافات تحيا مصر.
نواب المعارضة انسحبوا اعتراضًا على تجاهل الحكومة والأغلبية لتعديلات تنحاز للمستأجر
بدا البرلمان في جلستي الاثنين والثلاثاء في صف الناس، ووجّه نوابه للحكومة عتابًا علنيًا على غياب الرؤية، فأعاد الأمل إلى المستأجرين، خاصة مع إفصاح رئيس لجنة الإسكان محمد عطية الفيومي تأييده مقترح منح المستأجر الأصلي صاحب التعاقد الأول مع المالك ميزة استثنائية تتيح له البقاء في مسكنه، وامتد الأمل إلى الجيل الأول مستبشرًا بتغيير قد ينهي كابوس خروجهم من مساكنهم.
المشهد الثالث.. تويست الانكسار
ترقبنا في جلسة أمس الأربعاء مناقشة المادة الثانية المفصلية الخاصة بتحرير العقود، لكن المفاجأة كانت في غياب أي تعديلات مقدمة من الأغلبية أو الحكومة على المادة محل الأزمة.
غابت الأصوات المحسوبة على الموالاة التي لمعت في اليوم السابق دفاعًا عن حقوق الناس وحذرت من خطورة القانون، لم يطرح النائب عن حزب الوطن أحمد العوضي تعديله الذي اقترحه في المناقشة من حيث المبدأ بمد الفترة الانتقالية لعشر سنوات، وغاب حديث الفيومي عن استثناء المستأجر الأصلي، وخفت صوت زعيم الأغلبية الذي كان يطالب بالبيانات والخطط.
انحسرت التعديلات المطروحة في المعارضة التقليدية، ورفضت الأغلبية جميع الاقتراحات سواء حذف المادة، الذي تبناه النائبان عاطف المغاوري ومحمد عبد العليم داود، أو مد الفترة الانتقالية مثل اقتراح النائبة سميرة الجزار، أو استثناء المستأجر الأصلي وزوجه من تحرير العقود، الذي اقترحه النائبان أحمد الشرقاوي وضياء الدين داود.
المعارضة تنسحب
للمرة الأولى منذ بداية الفصل التشريعي الحالي في يناير/ كانون الأول 2021، تنسحب المعارضة من الجلسة العامة، ما جاء بعد موافقة الأغلبية على المادة الانتقالية.
تقدَّم صفوف المنسحبين داود والشرقاوي وأحمد فرغلي، ونواب حزب التجمع يقيادة المغاوري، وعبد المنعم إمام، ونبيل عسكر، وسحر البشير، ويوسف الحسيني، ومحمد عبد العليم داود، وهاني خضر، وزينب السلايمي، وانضم لهم لاحقًا نواب الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والنائب أحمد دراج.
اجتمع المنسحبون في قاعة البهو الفرعوني، وأصدروا بيانًا معلنين فشلهم في تقديم منتج تشريعي يحافظ على حقوق الملاك والمستأجرين بشكل متوازن.
يتعجب الجميع من النقلة الدرامية المفاجئة، من ذروة الإصرار على البيانات والمعلومات والخطط الواضحة، والتلويح بحقوق مشروعة للمستأجر الأصلي انتصارًا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين إلى الاستسلام التام للمشروع وتصور الحكومة.
ربما لا تأتي الإجابات من مشاهد الجلسات الثلاث، لكن نحصل عليها من تكهنات المصادر التي كانت تشير في اليوم الأول إلى عدم وجود "تعليمات للنواب حتى الآن"، بينما بدأ اليوم الثاني بتصورات متشائمة وانتهى أكثر تفاؤلًا بعد تأكيد عدة مصادر وجود اتصال دفع المجلس لقرار التأجيل، لكن القرار النهائي أتى متسقًا مع السياسات العامة للحكومة، وتشير بعض المصادر البرلمانية إلى اتخاذه بعد اتصالات عدة بين رموز البرلمان والحكومة.
التعديل الوحيد
سارت المناقشات في مسارها الطبيعي بهدوء، لم تنشغل الأغلبية بالفترة الانتقالية أو القيمة الإيجارية وضوابط زيادتها، أو بضوابط إخلاء الشقق المغلقة والتمييز بين المستأجر الذي يغلق الوحدة لعمله في الخارج، أو الذي يغلقها لوجود بدائل أخرى.
وصلنا للمادة الثامنة وهي إحدى المواد الأساسية في المشروع، التي تنظم حصول المستأجرين المضارين على البدائل وأحقية كل مستأجر أو من امتد إليه العقد في طلب تخصيص وحدة بديلة من الدولة قبل انتهاء مدة الإيجار، بشرط تقديم إقرار بإخلاء الوحدة الأصلية. وتُمنح الأولوية في التخصيص للفئات الأولى بالرعاية، وعلى الأخص المستأجر الأصلي وزوجه ووالديه.
وأضافت الحكومة تعديلًا وحيدًا على النص، يلزم الدولة بتحديد وتسليم الوحدة البديلة للمستأجر الأصلي أو زوجه قبل عام على الأقل من تاريخ الإخلاء.
اعتبر زعيم الأغلبية هذه الإضافة تطمئن المواطن البسيط، رغم أنها مازالت غير واضحة، لا نعلم حتى الآن عدد المستحقين، ولم تكشف الحكومة عن خطط تنفيذ الوحدات، أو سبل دعم غير القادين على دفع القيم الإيجارية بعد زيادتها، واكتفى وزير الإسكان شريف الشربيني بالإعلان عن وجود 238 ألف وحدة تابعة للقوات المسلحة وهيئة المجتمعات العمرانية، ومنح فرص للمستأجرين في الإيجار التمليكي أو الإيجار، أو التمويل العقاري.
مرَّ مشروع القانون، وما زالت الخطط غائبة، فيما يطرح الآلاف على السوشيال ميديا عشرات الأسئلة دون إجابات شافية، بخلاف المناشدات تطالب رئيس الجمهورية بعدم التصديق على المشروع سواء من المجتمع المدني أو النواب أنفسهم.
رأيت في عيون بعض نواب المعارضة انكسارًا وهزيمة قاسية لم أشاهدها من قبل مع أي مشروع سابق فشلوا في تعديله، وشاهدت الأغلبية تمرر القانون ومع ذلك لم أجد في عيونهم الرضا. المهمة تمت بنجاح، لكن الريبة والشك في عيون الجميع.