
يوميات صحفية برلمانية| الإيجار القديم قانون بلا رابح.. كيف مر مشروع الحكومة في اللجنة؟
مررت اللجنة البرلمانية المشتركة المختصة بمناقشة التعديلات على مواد تنظيم الإيجار القديم؛ المشروع الحكومي في صيغته المعدَّلة دون تعديلات، في جلسة شهدت أمس الثلاثاء خلافات بين النواب على بعض مواد القانون، تدخَّل المستشار محمود فوزي وزير الشؤون النيابية لتهدئتها، بعد أن تسببت طريقة إدارة رئيس اللجنة، النائب محمد عطية الفيومي، في إشعالها.
أكدنا منذ أن قدّمت الحكومة نسختها الأولى من التعديلات في أبريل/نيسان الماضي، أن هذا المشروع المثير للجدل لن يمر بحالته، وستجري عليه تعديلات تمد الفترة الانتقالية لتحرير عقد الإيجار لأكثر من خمس سنوات.
حدث ذلك بالفعل بعد ست جلسات للحوار عقدتها اللجنة البرلمانية التي شُكّلت من أعضاء في مجلس النواب مع طرفي النزاع؛ الملاك والمستأجرين، وكذلك ممثلي النقابات، وكانوا جميعًا يتحفظون على المشروع في نسخته الأولى، وإن كان لكلٍّ أسبابه.
لن يرضى عنك المستأجرون ولا الملاك
بعد دقائق من نشر المواقع الصحفية نص التعديلات التي أعلن عنها مجلس النواب صباح أمس، ظهرت ردود الأفعال الرافضة للمشروع سواء على جروبات المُلاك أو المستأجرين على فيسبوك.
يرفض الملاك مد الفترة الانتقالية لتحرير العقد إلى سبع سنوات، ويعتبرون القانون منحازًا للمستأجرين. كان الملاك يطالبون في جلسات الحوار المجتمعي بتقليص الفترة الانتقالية إلى ثلاث سنوات فقط. أما المستأجرون فيرون أن مجرد إقرار فترة انتقالية لتحرير عقد الإيجار، سواء كانت سبعَ سنوات أو خمسًا، انحيازٌ للملاك وإهدارٌ لحقهم في السكن.
وبالإضافة إلى تعديل الفترة الانتقالية، تغيّرت في المشروع المعدل آلية رفع سعر القيمة وفقًا لقواعد حاولت مراعاة البعد الاجتماعي، من بينها طبيعة المنطقة السكنية، وذلك عبر لجان متخصصة تشكلها كل محافظة، كما أضافت التعديلات مادة تتعلق بالشقق المغلقة، وقضت بإخلاء المكان المؤجر ورده للمالك إذا ثبت ترك المستأجر له لمدة تزيد على سنة دون مبرر.
تدرك الحكومة هذه الأزمة. وعبَّر عن هذا الإدراك الوزير فوزي وهو يقول خلال اجتماع الأمس إن "محدش هيطلع كسبان بالكامل من هذا القانون أو خسران بالكامل"، معتبرًا أن الحكومة نفسها تتحمل جزءًا من المسؤولية في هذا القانون، لمعالجة المشكلة المزمنة الممتدة لعقود، من خلال المادة الثامنة في المشروع.
وتقرُّ هذه المادة أحقية المستأجر في تخصيص وحدة سكنية أو غير سكنية إيجارًا أو تمليكًا من الوحدات المتاحة لدى الدولة، من خلال طلب يقدمه مرفقًا به إقرارًا بإخلاء العين وتسليمها فور صدور قرار التخصيص واستلام الوحدة. وتكون الأسبقية للفئات الأَوْلى بالرعاية، وعلى الأخص المستأجر الأصلي وزوجه أو زوجته، ووالديه ممن امتد منهم إليه عقد الإيجار.
وجاء هذا النص بعدما اعترضت الأحزاب بما فيها حزب الأغلبية على النسخة السابقة التي اكتفت بالنص على منح المستأجرين المتضررين أولوية الحصول على الوحدات التي توفرها الدولة.
أخطأت الدولة
للمرة الأولى يشارك المستشار القانوني لرئيس مجلس النواب، المستشار محمد عبد العليم كفافي، مستهلًا مناقشات تعديلات قوانين الإيجار.
عادة ما يظهر كفافي في المشروعات المهمة المثيرة للجدل، مثل قانوني المسؤولية الطبية والإجراءات الجنائية.
في كلمته، فنَّد كفافي ما أثير في جلسات الحوار المجتمعي بشأن عدم أحقية مجلس النواب في تغيير القانون بما يحرر العلاقة الإيجارية، وضرورة الالتزام فقط بحكم المحكمة الدستورية الأخير المتعلق بزيادة القيمة الإيجارية، والالتزام بحكم الدستورية الصادر في 2002 بشأن امتداد عقد الإيجار للجيل الأول فقط.
قال كفافي الذي يمثل وجهة النظر القانونية لرئيس مجلس النواب، إن المجلس "لن يتخذ خطوة فيها عدم دستورية". وأسهب في شرح عدة أحكام دستورية تتعلق بالإيجار القديم، من ضمنها حكم المحكمة الصادر في 2002 الخاص بامتداد عقد الإيجار لجيل واحد فقط.
ولفت إلى الظروف الاستثنائية التي أشارت لها الأحكام السابقة وأدت لوجود قوانين الإيجار الاستثنائية التي لم تحدد مدة للعقود. قال كفافي "تدخلت الدولة لوضع بعض القيود على حق الملكية لمراعاة بعض الأمور، وهو ما ذكرته الأحكام الدستورية السابقة التي تحدثت عن الظروف الاستثنائية ومنها أزمة إسكان، يترتب عليها تشريد آلاف الأسر وتفتيت بنية المجتمع وإثارة الحقد والكراهية، وفق حكم 2002".
يدافع كفافي عن حق المجلس في التدخل التشريعي بما يحرر العقود، ردًا على بعض الآراء التي شككت في ذلك، مشيرًا إلى أن "حكم المحكمة الدستورية في 2002، تدخل في الامتداد وقصره على الجيل الأول فقط، لو المحكمة الدستورية، تدخلت وعدلت، أولى بالمشرع أن يتدخل ويعدل".
ويفسِّر عدم تدخل المحكمة حينها بشكل واسع لتحرير عقد الإيجار بقوله إن "أزمة الإسكان كانت قائمة حينها، لذا الحكم وضع حدًا معينًا لكنه أقر حق الملكية، وقال إن النص القانوني لم يعمد إلى تأبيد عقد الإيجار".
وبعد أن بدأ مستشار رئيس المجلس كلمته بالحديث عن الجانب الدستوري والقانوني، ذهب لأبعاد وسياقات سياسية دفاعًا عن المشروع "الدولة كانت سبب الإشكالية بدخولها في علاقة بين مؤجر ومستأجر، وكدولة تتحمل في المشروع مسؤولية كاملة، والظروف الاقتصادية تغيرت، الدولة تُلزم نفسها أن جميع المستأجرين المضارين تتوفر لهم وحدات سكنية بديلة على سبيل الإلزام، وجاءت صريحة بالنص على أحقية المستأجر في ذلك".
بدون نقاش
بعد كلمتي كفافي وفوزي، حاول رئيس اللجنة النائب محمد عطية الفيومي، توجيه الاجتماع للتصويت على مشروع القانون من حيث المبدأ دون النقاش المبدئي، وهو ما اعترض عليه النائب ضياء الدين داود وعدد من نواب المعارضة غير الأعضاء في اللجنة، لكن تكفل لهم لائحة مجلس النواب حضور اجتماعات اللجان والمشاركة في المناقشات دون أن يكون لهم حق التصويت.
رفض الفيومي فتح النقاش ورد على داود "إنت اتكلمت قبل كده، نتكلم في المواد"، واستمر داود في محاولة الحصول على حقه في الحديث والمناقشة من حيث المبدأ قبل التصويت بما أن المطروح على النواب نسخة جديدة من مشروع القانون وليست النسخة الأولى التي سبق مناقشتها، فسمح له الفيومي وقال "تعلم علم اليقين أعزك قد إيه".
مع الأجواء المشحونة، طالب الفيومي داود بالتوجه للمنصة للحديث في الميكروفون، ما رفضه داود في البداية طالبًا أن يتحدث من مكانه، ما عارضه الفيومي لاعتبارات التسجيل والتصوير، مشيرًا إلى أن هذه قواعد إدارة الجلسة.
الدولة عاجزة أم قادرة؟
انتقل داود للمنصة، تحدث عن الظروف الاستثنائية لقوانين الإيجار القديم، التي يعتقد أنها ما زالت موجودة وتؤثر على المواطنين وحقهم في السكن. يشير إلى الحرب على إيران واحتمالية قيام حرب عالمية ثالثة، وهي ذات الأجواء التي ظهرت فيها القوانين الاستثنائية التي لم تحدد مدة لعقود الإيجار.
"هذه قضية لا فيها فايز ولا مهزوم. هذه قضية بلد"، قال داود محذرًا من تفاقم الظروف الإقليمية والدولية وتأثر مصر بها، يشير إلى الموازنة العامة التي وافق عليها المجلس قبل ساعات قليلة من بدء اجتماع اللجنة، التي تشهد أعلى نسبة عجز وأقساط ديون، متوقعًا أن يجري البرلمان عليها تعديلات جديدة في أكتوبر المقبل نتيجة تأثير الظروف الإقليمية على مصر.
يشير إلى حكم المحكمة الدستورية في 2002 الذي أقر الامتداد للجيل الأول، رغم أن "ما كانش كيلو اللحمة أيامهم بـ 500 جنيه"، ينوه إلى معدلات الفقر في مصر " 55% من المصريين تحت خط الفقر بحسب تقديرات البنك الدولي، تقديراتنا احنا 35%"، يتساءل "دول بقى ملاك والا مستأجرين؟".
يتوقف أمام الترويج لقدرة الدولة على توفير البدائل وأحقية المستأجرين المتضررين في الحصول على وحدات سكنية "سعر الوحدة 90 متر إسكان اجتماعي تكلفتها تقترب مليون جنيه دون حساب متر الأرض" يتساءل عن قدرة أصحاب المعاشات من المستأجرين عن سداد تكلفة أقساط هذه الوحدات "لو بتديله معاش 6 آلاف يدفع منين؟".
يجزم داود خلال الاجتماع الذي حضرت جزءًا منه وزيرة التنمية المحلية منال عوض، بعدم قدرة الدولة على توفير البدائل "بقولك في حضور الوزيرة إن الدولة غير قادرة لا ماليًا ولا بالموازنة اللي إحنا شايفينها دي، والدولة لن تملك الحل بعد سبع سنوات".
ويختتم "أنا نائب عن دول ودول، عن المالك والمستاجر وأقسمنا على الحفاظ على البلد كرجال، هذا القانون قنبلة موقوتة".
بعدما أنهى داود كلمته، قال له الفيومي "هسمَّعك تسجيل كلمتك اللي فاتت هتلاقي نفسك قلت نفس الكلام"، ليرد داود "معلش عندي زهايمر"، مضيفًا "ده كلام تقولهولي؟ النائب يتكلم انشالله يقول نفس الكلام عشر مرات، إنما أنت مذكِّر لست عليهم بمسيطر".
تساؤلات مشروعة
يرفض النائب عبد المنعم إمام رئيس حزب العدل مشروع القانون، لكنه يطرح عدة تساؤلات بشأن أحقية المستأجر المتضرر من تحرير عقد الإيجار في الوحدات التي توفرها الدولة، إذا لم تنطبق عليه شروط الحصول على وحدات في هذه المشروعات.
يتساءل "هتغير قوانين البنوك والصندوق الاجتماعي وتعدِّل في الشروط التي يحصلوا بموجبها على الوحدات؟"، مضيفًا "هذا تعدٍّ على النظام البنكي المصري والمعادلات الاكتوارية التي تقوم عليها هذه المشروعات؟"، يلفت إمام إلى تقدم المستأجر الأصلي في السن "هتقسطهاله ازاي؟، والا هتديهاله كاش؟"، فرد مستشار رئيس المجلس "المشروع يتحدث عن الإيجار وليس التمليك فقط".
وهنا تساءل داود مجددًا "وصلنا للإخلاء ومافيش شقة، الأسرة هتروح فين؟" ليرد فوزي مشددًا على أن الحكومة لن تسمح بتشريد الأسر، وواصل داود "محمود بيه احنا نواب جايين من الشارع عندي 10 آلاف من الأسر المستحقة الأولى بالرعاية، المحافظة لم تستطع طوال ست سنوات توفير وحدات للأسر الأولى بالرعاية".
فعقَّب فوزي "نحن أمام قانون خاص وحالة خاصة والتزامات خاصة". وقال الوزير "ينسب للدولة أنها تصفي هذه المشكلة" ليرد داود "على الله بس وهي بتصفي المشكلة متصفيش الشعب معاها"، وهو ما رفضه فوزي "أتحفظ على الكلمة، هذه الحكومة حكومة الشعب والبرلمان برلمان الشعب، والحكومة مسؤولة أمام الشعب والبرلمان".
خلاف جديد
وصلنا إلى مرحلة الموافقة على المشروع من حيث المبدأ، بإجماع الحاضرين من أعضاء لجنة الإسكان ومكتب لجنة الشؤون الدستورية، في غياب رئيس لجنة الإدارة المحلية أحمد السجيني، ووكيل اللجنة محمد الحسيني بعد مغادرتهما دون إبداء الرأي، لعقد اجتماع آخر يناقش قياس أثر تطبيق قانون تنظيم إدارة المخلفات.
أدت إدارة الفيومي للجنة لخلاف جديد مع المعارضة
أدت إدارة الفيومي للجنة لخلاف جديد مع المعارضة امتد إلى النواب وبعضهم البعض، وانسحاب المعارضة خارج القاعة، ثم خروج وزير الشؤون النيابية لتهدئتهم وإعادتهم للجنة مرة أخرى.
بدأ الخلاف مع مطالبة نواب المعارضة غير الأعضاء في اللجنة بأخذ الرأي من حيث المبدأ لمن لهم حق التصويت نداءً بالاسم، وهو ما اعترض عليه النائب محمد السايح عضو اللجنة، مطالبًا المنصة بإدارة الجلسة وقال "مش هندير إحنا من هنا"، فرد الشرقاوي "بندير باللايحة يا أستاذ"، وتدخل النائب أحمد فرغلي قائلًا للسايح "إنت محامي اللجنة مثلًا؟" وتصاعدت المشادات، وقال الفيومي "أنا اللي بدير الجلسة"، وهددت المعارضة بإصدار بيان.
ومع عودة الهدوء بعد عدة دقائق أخذ الفيومي التصويت برفع الأيدي، وقال "إجماع الحاضرين، أغلبية اللجنة"، وقال داود "والله العظيم القانون ده هيولع في البلد"، فقال الفيومي "ماينفعش الكلام ده، قواعد الديمقراطية كده"، فرد داود "احنا هنقول للمصريين الديمقراطية جابت إيه".
وطالب الفيومي النواب الذين لديهم اقتراح بتعديلات كتابة تعديلاتهم، وهو ما رفضه نواب المعارضة مشددين على أنه غير منصوص عليه في اللائحة، يحاول الفيومي تطبيق ضوابط مناقشة التعديلات في الجلسة العامة على اللجان وهو ما لا تنص عليه اللائحة.
وتدخل النائب عبد المنعم إمام "هما مادتين عليهم مشكلة، استحملونا"، وتمسك الفيومي بالكتابة، بينما قال الشرقاوي "لو ماعنديش اقتراح يناقش المادة"، وقال فوزي "الحكومة تلتمس من حضرتك أن تفسح المجال لأي نائب تقدم بتعديلاته والحكومة كفيلة بالرد".
ووجه داود حديثه لرئيس اللجنة "بعد كل هذا الإنجاز الذي عملته في جلسات الاستماع، تعمل كده في الجلسة الأهم؟"، وقرر الانسحاب من اللجنة وخرج معه إمام والشرقاوي وفرغلي، ولحقهم وزير الشؤون النيابية وأعادهم للجنة مرة أخرى.
المستأجر الأصلي.. برّه
أثار النائب أحمد الشرقاوي الأزمة الخاصة بالمستأجر الأصلي "بعد 1981 كل مستأجر وكل مالك أجر وهو يعلم أن عقد الإيجار دائم، وتم مراعاة قيمة الأجرة والمقدم، ومن الظلم البيّن أن الذي اتفق عليه المالك والمستأجر نتدخل وننفي هذه الإرادة"، مضيفًا "أجَّر من 30 سنة شوف عمره كام النهارده".
ورفضت اللجنة التعديل المقترح من الشرقاوي على المادة الثانية الخاصة بتحرير العقد بعد 7 سنوات لغرض السكن، وخمس سنوات للغرض غير السكني، إذ طالب النائب باستثناء المستأجر الأصلي وزوجته وأولاده القُصر من هذا النص.
وعقب وزير الشؤون النيابية "الحكومة ترى أنه إخلال بفلسفة القانون، ونرى أن لا استثناءات والحكومة قدمت بديل واضح في المادة الثامنة، وقالت الأحقية للفئات الأَوْلى بالرعاية ومنها المستأجر الأصلي وزوجه ووالديه".
كما رفض المجلس اقتراح النائب عن حزب النور أحمد حمدي خطاب بمد الفترة الانتقالية للغرض السكني إلى عشر سنوات، بدل سبع سنوات، كما رفض اقتراح النائب نفسه باستثناء الصيدليات والعيادات ومعامل التحاليل من الإخلاء بعد الفترة الانتقالية.
مرَّ مشروع القانون كما هو دون تغيير في المواد المقدمة من الحكومة، وأضافت إدارة الفيومي للجلسة مزيدًا من التوتر وكأنه يمحي التقدم الذي حققه المجلس في جلسات الحوار المجتمعي الفريدة التي أجراها خلال الأسابيع الماضية، ظهرت الحكومة بقانونها من خلال وزير الشؤون النيابية أكثر لينًا وحرصًا على الاستماع للمعارضة أكثر من نواب ربما لديهم مهمة وتكليف خاص بإنهاء المشروع في أسرع وقت.