يُجبر حكم المحكمة الدستورية العليا بشأن عدم دستورية بعض نصوص قانون الإيجار القديم، مجلس النواب، على فتح واحد من أهم الملفات المؤجلة بعد سنوات من المماطلة والتسويف، وتشكيل لجان متعددة لدراسته وإعداد مقترحات بشأنه، والوصول لمخرجات قابلة للتنفيذ.
البرلمان أعلن في بيان مساء أمس السبت 9 نوفمبر/تشرين الثاني، التزامه بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الذي يقضي بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين 1 و2 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. وتضمنت الفقرات ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكن اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.
التزام برلماني
وأكد المجلس في بيانه، الذي اطلعت عليه المنصة، الالتزام بتطبيق حكم المحكمة من خلال تدخل تشريعي "بروح من التوازن والعدالة". وأوضح أن المحكمة استندت في قضائها على أن القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى تنطوي على قاعدتين، أولاهما الامتداد القانوني لعقود إيجارها، والأخرى التدخل التشريعي في تحديد أجرتها، وكلتاهما ليست عصية على التنظيم التشريعي، وفي تحديد القيمة الإيجارية يتعين دومًا الاعتماد على ضوابط موضوعية تتوخى تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية.
ولفت البيان إلى تكليف المجلس للجنة الإسكان والمرافق العامة والتعمير، خلال دور الانعقاد الرابع، بإعداد دراسة مستفيضة عن ملف قوانين "الإيجار القديم"، وتقييم أثرها التشريعي، تتضمن دراسة الخلفية التاريخية للتشريعات الخاصة، وكذلك الاطلاع على أحكام المحكمة الدستورية العليا المتعلقة بهذا الشأن كافة، مع دراسة وتحليل كل البيانات الإحصائية التي تسهم في وضع صياغة تضمن التوصل إلى أفضل البدائل الممكنة التي تتوافق مع المعايير الدولية والدستورية بشأن الحق في المسكن الملائم والعدالة الاجتماعية.
تشكلت لجنة لبحث تعديل القانون عام 2022 ولم تخرج بأي توصيات
وأشار البيان إلى أن اللجنة أعدت تقريرًا مبدئيًا، ومن المقرر عرضه على المجلس خلال الجلسات العامة المقبلة. وشدد مجلس النواب على أنه "الحارس الأمين لحقوق الشعب، سيواصل مناقشة القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن، والتعديلات التشريعية اللازمة لتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا، بروح من التوازن والعدالة، ملتزمًا بحماية مصالح جميع الأطراف دون تغليب مصلحة طرف على حساب طرف آخر؛ فالأمر لا يتعلق فقط بضبط العلاقة بين المالك والمستأجر، بل بخلق بيئة قانونية تعزز من الاستقرار الاجتماعي وتدعم النسيج المجتمعي".
لجان بلا توصيات
كان ملف الإيجار القديم أحد الملفات العالقة بين الحكومة ومجلس النواب خلال السنوات الأخيرة، وفي عام 2022، تشكلت لجنة ثمانية مكونة من أربعة برلمانيين وأربعة تنفيذيين لبحث سبل المعالجة التشريعية للقانون، وتوقف عمل اللجنة ولم تخرج بأي توصيات.
وقال النائب أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية في مجلس النواب، في تصريحات لـ المنصة، إن اللجنة لم تخرج بتقرير أو توصيات لكن مضابطها موجودة في حالة الرغبة في الاستعانة بها، واعتبر السجيني أن الحرب الروسية الأوكرانية والمحنة الاقتصادية التي تلتها أدتا لتعطل عمل اللجنة.
فيما شدد السجيني على عدم وجود مفر من التعامل مع الملف، بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا، لافتًا إلى حكم سابق للمحكمة الدستورية برئاسة المستشار عوض المر حدد الفئات المستفيدة من امتداد الإيجار، لكن الحكم الجديد يتطرق لأزمة ثبات القيمة الإيجارية، معلقًا إن الإيجار القديم "لا بد أن يتغير حتى نصل لتحرير العلاقة الكاملة بين المالك والمستأجر".
تجربة الإيجار غير السكني
هذه ليست المرة الأولى التي يضطر فيها المجلس إلى فتح ملف الإيجار القديم، فقد سبق وأجبرته المحكمة الدستورية العليا على بعض التعديلات التشريعية الخاصة بضوابط الإيجار لغير الغرض السكني للأشخاص الاعتبارية، مثل المؤسسات والشركات، وتخلف المجلس عن الموعد الذي حددته المحكمة لتعديل القانون عدة سنوات.
كانت المحكمة الدستورية قضت في القضية رقم 11 لسنة 23 قضائية، بجلستها المعقودة في الخامس من مايو/أيار سنة 2018، بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون 136 لسنة 1981 فى شأن الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر والخاصة بعقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى.
غير أن المجلس انتهى من تعديل هذا النص في عام 2022، وصدر في الجريدة الرسمية ودخل حيز التنفيذ في مارس/ أذار 2022، بعد نحو أربع سنوات من حكم المحكمة الدستورية. ومنح القانون الخاص بالأشخاص الاعتبارية من المستأجرين لغير أغراض السكن مهلة خمس سنوات لتوفيق الأوضاع وتحرير العلاقة الإيجارية، ورفع قيمة الإيجار خمسة أمثال القيمة السارية، ثم تزداد سنويًا وبصفة دورية آخر قيمة قانونية مستحقة بنسبة 15%.
بينما لم يتدخل مجلس النواب في تعديل النصوص الخاصة بالإيجار لغير أغراض السكن للأشخاص الطبيعية، ويوضح السجيني "حذرنا حينها من هذا التدخل وهذا الجزء هو المشكلة الأكبر، الأشخاص الطبيعية المقصود بهم هنا مكوجي، صيدلي، سوبر ماركت، وهؤلاء أيضًا يجب التعامل مع الشق الخاص بهم بحساسية وتوازن"، مرجحًا أن مهلة خمس سنوات لتوفيق الأوضاع قد تكون ملائمة حتى لا تكون تغيرات مفاجئة.
المجلس في انتظار الحكومة
أما النائب محمد عطية الفيومي، رئيس لجنة الإسكان والمرافق العامة والتعمير بمجلس النواب، فيؤكد لـ المنصة أن اللجنة درست الإيجار القديم وسياقه التاريخي والدستوري والقانوني والوضع الحالي، وستعرض نتائج الدراسة على مجلس النواب.
يقدر الفيومي عدد الوحدات المؤجرة وفق أحكام قانون الإيجار القديم بما يتجاوز مليون وحدة، مستبعدًا أن تشكل قنبلة موقوتة كما يتصور البعض، يقول "دول 5% فقط من إجمالي السكان، القصة كلها الملاك عاملين جروبات، والمستأجرين عاملين جروبات فتبان كأنها حرب، يصوروا الدنيا أن مصر كلها إيجار قديم ولكن هذا مبالغة كبيرة، ويمكننا الوصول لصيغة متوازنة تضمن حقوق الطرفين ولا تضر الأمن المجتمعي".
حسب الفيومي، يمكن التعامل مع الملف من خلال 3 مواد قانونية، تحدد القيمة الإيجارية، وتمنح تدرجًا زمنيًا للوصول لتحرير العلاقة بين المالك والمستأجر "سنسأل الحكومة هل هتقدم مشروع قانون أم لا؟ إن لم تتقدم بمشروع قانون سيكون للنواب دور في تقديم مشروعات، ونناقش سبل تحديد القيمة الإيجارية والمدد، وقد نتناول الموضوع بكل تفاصيله الإيجار للغرض السكني وغير السكني".
يتوقع الفيومي والسجيني انتهاء المجلس من مشروع قانون خلال دور الانعقاد الحالي التزامًا بحكم المحكمة الدستورية وستكشف الأيام المقبلة ردة فعل الحكومة بشأن الحكم ومد استعدادها للتقدم بمشروع قانون في وقت ملائم قبيل انتهاء المدة التي حددها المحكمة الدستورية.