تصميم أحمد بلال، المنصة، 2024
حكم دستوري يلزم البرلمان بالنظر في قانون الإيجارات القديمة 9 نوفمبر 2024

شقة إيجار بحي شعبي.. حلم بسيط يستعصي على الفقراء

منشور الأحد 7 أيلول/سبتمبر 2025

فوجئ أحمد مصطفى بمالكِ الشقة يطلب رفع الإيجار من 3500 جنيه إلى 5000 جنيه، ما دفعه لترك حي إمبابة الذي يسكنه من سنوات والبحث عن مكان آخر تكون فيه أسعار الإيجار أقل. يتذكر أحمد، رب الأسرة المكونة من زوجة وثلاثة أبناء، أن إيجار الشقة التي تتكوّن من غرفتين وصالة لم يكن يتجاوز  450 جنيهًا في الشهر في عام 2007، وظل شبه مستقر لسنوات، قبل أن يشهد قفزات كبيرة في الفترة الأخيرة التي ارتفع فيها التضخم بقوة.

وفق البيانات التي جمعتها المنصة، تحتاج الأسرة في المتوسط إلى تدبير نحو أربعة آلاف جنيه شهريًا، وهو ما يزيد عن نصف الحد الأدنى للأجور ، إيجارًا لوحدة متوسطة في حي شعبي، فيما يبدو وكأن هذه الأحياء لم تعد ترحب بالفئات الأقل دخلًا، مثلها مثل الأحياء الفاخرة، في ظل الوتيرة المتسارعة في معدلات التضخم.

خلال عامين وصل التضخم إلى 100% متأثرًا بالحرب الروسية الأوكرانية وأزمة شح الدولار التي تسببت في تعويمات متتالية للعملة المحلية.

وتدفع الزيادات الكبيرة في قيم الإيجار للمطالبة بممارسة الدولة نوعًا من الرقابة على الإيجارات، بحيث لا تبقى رهن ممارسات ملاك الوحدات، بالأخص وأنها ستكون الملاذ الأكبر لعشرات الآلاف من المواطنين الذين سيضطرون لإخلاء مساكن الإيجار القديم خلال السنوات القليلة المقبلة. 

أزمة في الحي الشعبي؟

أحد أحياء القاهرة الشعبية، 2007

مطالبة المالك بزيادة قيمة الإيجار دفعت بأحمد مصطفى الذي يعمل محاسبًا، للبحث في المدن الجديدة عن شقة بإيجار أقل، وحين أرشده البعض إلى حدائق أكتوبر، وذهب إلى هناك، لم تتركه الموجة التضخمية في حاله وظلت تلاحقه هو وأسرته.

"إيجار شقة حدائق أكتوبر عام 2022 كان مناسبًا 2000 جنيه، وإن كانت بعيدة عن الخدمات والمدارس"، يقول لـ المنصة قبل أن يستدرك "بمجرد ما بدأنا في التكيف مع الوضع فاجأنا صاحب الوحدة برغبته في عدم تجديد العقد بعد توافر عروض من سوادنيين"، ما دفعه مرة أخرى للعودة إلى حي المنيب في شقة أقل من متواضعة وضيقة بإيجار 3500 جنيه وبدون غاز.

وفيما تربط تحليلات بين الزيادات الكبيرة في إيجارات السكن وتدفق لاجئين من سوريا والسودان إلى القاهرة، فإن خبراء سبق ونفوا لـ المنصة أن يكون ذلك هو السبب الوحيد.

أحد أسباب ارتفاع أسعار الإيجارات هو وقف تراخيص البناء في الأحياء القديمة

يعمل سامي مريت، بائعًا في محل ويعول أسرة مكونة من 5 أفراد، ويجد نفسه اليوم مضطرًا لدفع 3500 جنيه في وحدة مساحتها 80 مترًا عبارة عن غرفتين وصالة بمنطقة المرج القديمة، "زمان كنا بنأجر شقة 120 متر في المرج بـ500 جنيه في الشهر. دلوقتي نفس الشقة وصلت 3 أو 4 آلاف جنيه"، يقول لـ المنصة، نافيًا أن يكون لرفع القيمة الإيجارية أي علاقة بتحسن مستوى الحياة "الحي زي ما هو من سنين خناقات يومية ومرافق مهملة".

ظل حي المرج لعقود ملاذًا لقطاعات كبيرة من منخفضي الدخل في مصر، خصوصًا النازحين من الصعيد ومحافظات الدلتا، لكن مؤخرًا جرى له ما جرى لغيره، إذ قفزت فيه أسعار إيجارات الشقق السكنية، وهو ما يعيده سامي مريت لوقف تراخيص البناء في الأحياء القديمة خلال الفترة من 2021 إلى 2024.

وبالمثل ارتفعت الإيجارات بشكل جنوني في السيدة زينب، ويرجع السمسار محمد إدريس ذلك إلى توسع الحي في الأنشطة التجارية لتنافس الإيجار السكني "زمان كان أي حد من أي مستوى دخل كان يقدر يعيش هنا. دلوقتي أغلب الشقق اتحولت لمخازن أو محلات، ومع زيادة الطلب، أسعار الإيجار قفزت بشكل جنوني، ووصلنا لقيمة متوسطة 4000 و5000 جنيه شهريًا"، يقول لـ المنصة

ماذا يفعل بنا رفع الإيجارات؟

في سبيل تفضيلها السكن في الأحياء الشعبية، تتدبر بعض الأسر أمورها بالتخلي عن الكثير من احتياجاتها الأساسية، فكما يقول أحمد مصطفى فإن أسرته "اضطرت تتنازل عن مكونات أساسية زي الفاكهة واللحمة عشان نوفر فلوس الإيجار".

وتضطر فاطمة عبد العزيز، التي تعول أسرةً من 5 أفراد، للتخلي عن رفاهية أبنائها في سبيل المحافظة على شقتها الصغيرة (80 مترًا)، بحي فيصل، فرغم ارتفاع إيجارها الذي يصل إلى 4 آلاف جنيه فإن "الشقة صغيرة جدًا ومافيش مكان لأولادي يلعبوا فيه. حتى الميه والكهرباء بتقطع معظم الوقت. مضطرة أتحمل تكاليف مواصلات زيادة علشان أوصلهم لمركز شباب بعيد. ومع ذلك، ماقدرتش ألاقي بديل أرخص"، تقول لـ المنصة.

وتبدأ الإيجارات الشهرية لوحدات 90 مترًا في الأحياء الشعبية من 4000 جنيه شهريًا، بينما يبدأ إيجار وحدات 50 مترًا من 2000 جنيه، حسب بيانات جمعتها المنصة من سماسرة عقارات في عدد من الأحياء الشعبية.

أسعار الإيجارات في الأحياء الشعبية

المنطقة المساحة الأسعار تبدأ من الأسعار تصل إلى
فيصل 60 - 90  3000 5000
الهرم 70 - 120 3000 7000
إمبابة 50- 115 2000 6000
العاشر من رمضان 90 - 120 5000 8000
الخانكة 50 - 100 3000 6000
السيدة زينب  70 - 120  4000 7000
عابدين 70 - 120 4000 7000
مصر القديمة 70 - 120 4000 7000

ويحوُلُ ارتفاع الإيجارات دون إتمام مشروعات الزواج، فيعطل محمود الموظف في منتصف العشرينيات زواجه لعدم مقدرته على مجاراة زيادة القيم الإيجارية، "مرتبي 8 آلاف جنيه، بس مش كله ثابت. الجزء الثابت 4 آلاف، وخطيبتي بتاخد 5 آلاف. عندنا أقساط وجمعيات. كل اللي محتاجينه شقة صغيرة بـ3 آلاف جنيه، بس مش لاقيين بالسعر ده غير في مناطق بعيدة عن المواصلات والخدمات"، يقول لـ المنصة.

ويؤكد مجدي الأسيوطي، سمسار بمنطقة السيدة زينب ومصر القديمة، أن الشقق المتاحة التي يناسب إيجارها دخل عرسان جدد، بقيمة 2000 مثلًا، عادة ما تكون ضيقة وتناسب العمالة النازحة للعاصمة ولا تضمن حياة أسرية مستقرة.

ويشير الأسيوطي إلى أنه حتى في حال عثور عرسان جدد على شقة بسعر مناسب فـ"المالك بيرفض يكتب العقد لأكتر من سنة، وده ما بيساعدش على الاستقرار".

الإصلاح ضرورة

يدعو الخبير العمراني، وليد مرسي، لتدخل الدولة عبر فرض رقابة على تسعير الإيجارات الجديدة لضمان التوزان في العلاقة بين المالك والمستأجر، مع تقديم إعفاءات ضريبية للمُلاك تشجعهم على الحد من قيم الإيجارات، كما يؤكد لـ المنصة.

كانت الإيجارات في العاصمة تخضع لسلطة تشريعات تحد من نمو قيمها حتى عام 1996، حين صدر قانون يحرر العقارات التي لا تلتزم بعقود إيجار سارية من التشريعات القديمة ويجعلها خاضعة لأحكام القانون المدني، أي لقوى العرض والطلب.

ويحمِّل المحامي بالنقض والدستورية العليا، مصطفى جمال الدين، مسؤولية الإيجار الجديد لقانون رقم 4 لسنة 1996، الذي ألغى البعد الاجتماعي للعلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر وتركها مفتوحة لإرادة الطرفين، "رغم أن الواقع يفرض أن المستأجر لا يملك حرية الاختيار بحكم حاجته إلى السكن".

يشدد جمال الدين على أن العلاقة غير المتوازنة بين الطرفين في قانون الإيجار الجديد "جعلت المستأجر مضطرًا للقبول بعقود لا تتجاوز ثلاث سنوات في أفضل الأحوال، بينما يتغول الملاك بفرض عقود قصيرة الأجل وزيادات متكررة في الإيجار".

يتفق جمال الدين مع الدعوة لضرورة تدخل الدولة في تحديد الإيجارات، بعد أن صارت سوق محرَّرة بالكامل "نحتاج لإنشاء لجان لتقييم القيم الإيجارية في كل منطقة استنادًا إلى سعر الأغرض والتراخيص والمرافق والخدمات، بما يعيد التوازن والاستقرار إلى سوق الإيجارات"، يصرح لـ المنصة.

لا يتوقف مصطفى عن البحث عن شقة بإيجار مناسب، وتحلم فاطمة بشقة أوسع تناسب أطفالها، ويريد محمود التعجيل بزواجه شرط أن يجد شقة يستطيع تحمل تكلفة إيجارها، ويبقى السؤال هل ستمد الدولة يدها لإعادة ضبط سوق الإيجارات، أم ستتركها لتحكم قوى السوق؟