عادت وزارة الإسكان الشهر الماضي لطرح الأراضي المعدة لبناء المساكن متوسطة وصغيرة الحجم، ضمن مشروع "مسكن"، بعدما توقفت عن هذه السياسة منذ أكثر من خمس سنوات. يفترض أن تستهدف هذه الأراضي شرائح من متوسطي الدخل إلا أن سعر المتر فيها تجاوز 2000 جنيه، ما جعل الطرح يميل للطابع الاستثماري وليس لتلبية الإسكان الاجتماعي.
يشمل الطرح الأخير الذي يمثل المرحلة الرابعة من أراضي مشروع مسكن 1747 قطعة أرض، بينها 856 قطعة تصنفها الوزارة على أنها أراضٍ متوسطة وصغيرة، بمساحات تتراوح بين 150 إلى 300 متر ما يجعلها موجهة بالأساس للأسر التي تتطلع لبناء مسكن بتكلفة محدودة، على عكس الأراضي كبيرة المساحة والأعلى سعرًا والتي كانت تطرحها الوزارة بشكل مكثف على مدار السنوات الأخيرة وهي موجهة بالأساس لأصحاب الدخل الأعلى أو المصريين بالخارج.
وكانت وزارة الإسكان توقفت عن طرح أراضٍ تصنفها على أنها متوسطة الحجم منذ طرح أراضي مشروع الإسكان الاجتماعي في 2018، التي كانت تتراوح مساحاتها بين 209 و276 مترًا مربعًا.
نمو قوي في سعر المتر
ورغم أن أراضي "مسكن" المتوسطة والصغيرة لا تقع في أي من المدن الكبرى، حيث توجد غالبًا في مدن الصعيد، على رأسها مدينتا أسيوط والمنيا الجديدة، أو في مناطق على أطراف القاهرة في مدينة بدر؛ أقل من 100 قطعة أرض من إجمالي الطرح، فإن سعر المتر فيها جاء مرتفعًا، مقارنة بآخر طرح من هذا النوع. وصلت نسبة الارتفاع إلى حوالي 181% لمدينة بدر، و220% لمدينة أسيوط الجديدة تقريبًا.
تراوح سعر المتر في الطرح الحالي لأراضي الإسكان الصغيرة "الأقل من 300 متر" بين 2020 جنيهًا و2365 جنيهًا للمتر، بخلاف نسبة التميز والرسوم الإدارية التي قد تعادل قيمتها ربع قيمة الأرض تقريبًا في بعض المدن مثل بدر.
كما أن عدد الأراضي المتوسطة والصغيرة في الطرح الأخير يعد أقل من 10% من عدد الأراضي المصنفة على أنها بمساحات غير كبيرة في الطرح السابق، التي بلغ عددها 12721 قطعة أرض.
"إعادة طرح أراضٍ لمتوسطي الدخل بمساحات صغيرة أمر محمود خاصة بعد توقف طويل من الدولة، لكن التسعير في الطرح الحالي غير مناسب للفئات المستهدفة الحقيقية، أي الشباب والأسر متوسطة الدخل"، كما يقول الباحث والشريك المؤسس لـــ"10 طوبة" للدراسات العمرانية، يحيى شوكت لـ المنصة.
بدأ التوجه لبيع قطع أرض صغيرة للأفراد مع إطلاق مشروع "ابني بيتك" ضمن دعاية مبارك الانتخابية
ويوضح شوكت أنه وفقًا لأسعار الطرح الأخير تصل تكلفة قطعة أرض صغيرة في أسيوط أو المنيا إلى نحو 340 ألف جنيه، بخلاف نسب التميز والرسوم الإدارية وفوائد الأقساط السنوية، ما سيجعل وحدة مساحتها حوالي 110 أمتار تتكلف أكثر من مليون جنيه.
ويضيف شوكت "القطع الصغيرة يجب أن تكون أسعارها وتكلفة بنائها مناسبة لدخول الفئات الأقل دخلًا أو الشرائح الأولى في فئات الدخل المتوسط، خاصة أن الدولة لم تطرح شققًا سكنيةً مناسبة للفئتين خلال آخر عامين على الإطلاق، ويجب أن تغطي هذا القصور بالأراضي المناسبة".
الأسعار في زمن "ابني بيتك"
بدأ التوجه لبيع قطع أرض صغيرة للأفراد مع إطلاق مشروع "ابني بيتك"، كأحد عناصر الدعاية الانتخابية للرئيس الأسبق حسني مبارك في انتخابات 2005، لذلك طُرحت الأرض بسعر منخفض، 10 آلاف جنيه للقطعة، يضاف عليها دعم مالي من الدولة بقيمة 15 ألف جنيه لتغطية تكاليف البناء، وساهمت شركة حديد عز، المملوكة لأحد أكبر قيادات الحزب الحاكم وقتها، في تقديم طن حديد هدية لبعض المشاركين في المشروع، حوالي 30 ألف مستفيد.
يزيد سعر قطعة الأرض الصغيرة في "مسكن" بأكثر من 30 ضعف سعر الأرض في مشروع "ابني بيتك" وقت طرحه، ما يُفقد الفكرة طابع المساندة الاجتماعية الذي بدت عليه وقت البدء في هذه السياسة قبل نحو 17 عامًا.
ولا ينكر مسؤولو الإسكان الطابع الاستثماري الذي يطغى على المشروع حاليًا، ولكن تبريرهم أن بعض المواطنين استغلوا الأراضي الرخيصة المباعة في السابق وتاجروا فيها، ما دفع الدولة للتركيز على بيع القطع الكبيرة.
"بعض المستفيدين من الأراضي المتوسطة والصغيرة حصلوا على الأرض بسعر مخفض من الدولة ولم يبنوها بل نسبة كبيرة منهم أعادت بيعها بعد الحصول على أوفر برايس، أي أن النية كانت الاتجار وليس السكن الفعلي" كما يقول مصدر بالإدارة العقارية بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، لـ المنصة، طلب عدم نشر اسمه.
ويشير المصدر إلى أن الأفراد لم يُحرموا من الاستفادة من الأراضي الكبيرة، أو التي تطلق عليها الوزارة الأراضي المميزة، خلال الفترة الماضية، حيث سمحت "الإسكان" لأكثر من فرد بالاشتراك في شراء قطع أرض، خاصة أن قطعة الأرض في أغلب المدن يمكن أن تحتوي على 4 أدوار "أرضي + 3 أدوار متكررة" ما يغطي الاحتياج الفعلي لأكثر من أسرة.
إغراء العوائد
لكن رئيس جهاز إحدى المدن المحيطة بالقاهرة، التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، قال لـ المنصة إن هناك سببًا آخر وراء ميل وزارة الإسكان نحو بيع الأراضي كقطع مميزة بسعر مرتفع، وهو الإقبال القوي عليها من المواطنين والرغبة في تحقيق عوائد كبيرة من الطرح.
رغبة في تحقيق هذه الإيرادات تأتي مدفوعة باستهداف الهيئة لأن يغطي جهاز كل مدينة قائمة نفقاته السنوية
ويضيف المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، "الأراضي بالمدن القريبة من القاهرة عليها طلب كبير جدًا، لذا يفضل المسؤولون طرحها ضمن البرامج الأغلى سعرًا لفئات الدخل الأعلى ليتمكن الجهاز من تحقيق عائد مالي كبير ومتكرر في صورة أقساط الأرض ليغطي بها الجزء الأكبر من النفقات الدورية".
ويوضح المصدر أن الرغبة في تحقيق هذه الإيرادات تأتي مدفوعةً باستهداف الهيئة لأن يغطي جهاز كل مدينة قائمة نفقاته السنوية وأجور العاملين، مع تحقيق فائض مالي لاستقطاعه لتمويل المشروعات بالمناطق الجديدة تحت الإنشاء التي تحتاج لسنوات لتدر عوائد.
السعر ليس وحده المشكلة
ويشعر العديد من المتقدمين للطرح الأخير أنه رغم كونه موجهًا للفئات متوسطة الدخل، لكنه ينطوي على العديد من العقبات التي تحول دون استفادتهم منه، لا يقتصر الأمر على السعر المرتفع وحسب.
يقول صالح عبد الله، أحد المتقدمين للحصول على قطعة في مدينة بدر، إنه في الوقت الذي ترتفع فيه قيمة الأرض لما يقرب من نصف مليون جنيه، تزيد الدولة من العبء على المتقدم بجعل الأولوية في الحصول على الأرض لمن يقدر على سداد كامل المبلغ دفعة واحدة "الدولة قصدها ننافس بعض في دفع أموال أكثر مش بتوفر لنا فرصة للسكن"، على حد تعبيره.
أما حسن سيد محمد، متقدم لحجز قطعة أرض في مدينة السادات، فيشير إلى مشكلة عدم توافر أراضٍ في مناطق قريبة من القاهرة "الأرضي التي تقدمت لشرائها يصل سعرها إلى حوالي 600 ألف جنيه بخلاف الرسوم ونسبة التميز، كنت أتمنى أن أحصل على أرض بهذا السعر في مدينة أكتوبر لكن يبدو أن أكتوبر للأغنياء فقط".
يعكس مشروع مسكن واحدةً من حالات التسليع التي باتت تتنامى في ملف الوحدات والأراضي التي تطرحها وزارة الإسكان، حيث إن أكثر من 20% من وحدات الوزارة هادفة للربح، لكن الحكومة من جهتها تبرر ذلك بمحدودية الموارد والقلق من المتاجرة في الأصول المدعومة وإعادة بيعها.