
يوميات صحفية برلمانية| قانون المياه يتسرَّب في زحام "الانتخابات" و"الإيجار القديم"
مرَّ قانونُ تنظيم مرفق مياه الشرب في مجلس النواب، في صمتٍ، وسطَ ازدحام أجندة هذا الأسبوع بمناقشة وإقرار قوانين تشغل الرأي العام، رغم ما يحمله مشروع القانون من دلالات اقتصادية واجتماعية مهمة.
تركز الاهتمام الإعلامي لتغطية ما جرى في أروقة البرلمان خلال الأيام الماضية على قانوني الانتخابات والإيجار القديم، نظرًا لأثرهما المباشر على شكل مؤسسات الحكم وكذلك حياة الملايين، خلال السنوات المقبلة. ولكن أيضًا من شأن فتح الباب أمام القطاع الخاص للمشاركة في مرفق حيوي كمياه الشرب، أن يغير شكل الخدمة في السنوات المقبلة.
أغلق البرلمان ملف قانون انتخاباته متجاهلًا جميع مطالب المعارضة، وعقد عدة جلسات استماع بشأن قانون الإيجار القديم ولم يحسم شيئًا بعد. وبينهما، تسرَّب قانون تنظيم مرفق مياه الشرب والصرف الصحي بلا نقاشات عميقة واسعة تنظر إلى مصالح المواطنين.
ما هي تعديلات قوانين الانتخابات؟
أبقت تعديلات التي تقدم بها زعيم الأغلبية عبد الهادي القصبي، ومعه أكثر من عُشر أعضاء مجلس النواب من حزب الشعب الجمهوري، وحماة الوطن وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، على النظام الانتخابي الذي يجمع بين القائمة المطلقة المغلقة، والنظام الفردي.
لم تغير التعديلات، التي رفضها خمسة نواب خلال المناقشات من حيث المبدأ، عدد مقاعد مجلس النواب التي تنقسم إلى 284 بالقائمة المطلقة و284 بالنظام الفردي، بخلاف حق رئيس الجمهورية في تعيين 28 نائبًا آخر بحدٍّ أقصى، ضمن نسبة الـ5% التي يحق لها تعيينها.
أما مجلس الشيوخ، فظل عدد أعضائه 300 عضو، منهم مائة يجري انتخابهم بالنظام الفردي، ومائة آخرون يحصلون على مقاعدهم من خلال القائمة المغلقة، ومائة يعينهم رئيس الجمهورية.
فيما أعادت التعديلات تقسيم بعض المقاعد في دوائر القائمة والفردي لمجلسي النواب والشيوخ، لضبط التمثيل العادل بالنسبة لعدد السكان وزيادة أعداد الناخبين أكثر من ستة ملايين، حسب القصبي.
صفر للجميع
شهدت المناقشات جدلًا حول تجاهل التعديلات لتوصيات الحوار الوطني والقفز عليها بدعم من الموالاة، على حساب مطالب المعارضة.
المعارضة تتهم الموالاة والحكومة بالضرب بتوصيات الحوار الوطني عرض الحائط، والحكومة تدافع.
فشلت المعارضة في تقديم مشروع قانون لمجلس النواب تضع فيه رؤيتها لنظام انتخابي مختلف
يرى المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، أن المخرجات النهائية للحوار الوطني لم تستقر على توصية محددة، حيث رفعت ثلاث توصيات لرئيس الجمهورية من بينها استمرار النظام القائم.
بينما يرى النائبان ضياء الدين داود وأحمد الشرقاوي أن فلسفة الحوار وهدفه الأساسي كانا تحديد أولويات العمل الوطني في المرحلة المقبلة، وهو ما عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي في دعوته لإجراء حوار وطني في أبريل/نيسان 2022.
لكن بعد أشهر من المكلمة والفضفضة والتوصيات القيمة، سار الحوار في مسار آخر وعزف عن متابعة تنفيذ توصياته، وتراجع دوره لصالح لقاءات محدودة تتعلق بالوضع الإقليمي والأمن القومي.
المعارضة عجزت عن ترجمة أفكارها عن النظام الانتخابي في شكل مشروع قانون، واكتفت بتقديم تصوراتها للحوار الوطني دون أن تتحرك في أروقة المجلس لحشد الدعم لرؤيتها، واختارت البقاء في وضع الانتظار، والآن تطلق تحذيراتها من جمود الحياة السياسية وكأنها فوجئت باستمرار الوضع القائم.
أما الأغلبية، فليست مضطرة للتنازل عن مكاسبها في قوانين اللعبة الحالية، بتقديم نظام نسبي يتيح للمعارضة هامش منافسة، خاصة في ظل تظاهر الحكومة بالحياد.
النتيجة؟ الكل يبقى في الدائرة نفسها، دون خطوة حقيقية للأمام، وتستمر اللعبة على الشروط القديمة بدون أي تغيير. قد تتصور الأغلبية أنها ستحقق مكاسب بينما نحن جميعًا في المربع صفر لم نتقدم خطوة.
الإيجار القديم.. الاستماع مستمر
في كل مرة أحضر فيها جلسات الاستماع المتعددة بشأن قانون الإيجار القديم، يتجدد في ذهني الحوارُ الوطنيُّ الذي انطلق بزخم كبير، ثم تحول جلسات فضفضة.
خلال الأسبوع، عقدت اللجنة البرلمانية المشتركة جلستي استماع لم تُضفا أي جديد للمشهد، ولم تُقدما أي أطروحات مبتكرة، وكأن الهدف أصبح مجرد إضاعة الوقت حتى الوصول لصيغة جديدة يُتوقع طرحها على النواب بعد عيد الأضحى.
تغيب نقيب المحامين عبد الحليم علام عن جلسة استماع بشأن قانون الإيجار القديم دون عذر
في الجلسة التي عقدتها اللجنة، مساء الأحد، شارك محافظو الإسكندرية والقاهرة والجيزة والقليوبية، تمثيلًا عن المحافظات التي يوجد بها نحو 82% من الوحدات المؤجرة بنظام الإيجار القديم.
عرض المحافظون أرقام الوحدات المؤجرة في كل محافظة وفقًا لآخر تعداد أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في 2017، لنتوقف مرة أخرى عند أزمة عدم وجود أرقام حديثة لحجم المتضررين.
وفي جلسة استماع أمس الاثنين، شارك نقيبا الأطباء والمهندسين وممثلون عن الصيادلة، وأجمعوا على رفض تحرير العلاقة الإيجارية خلال خمس سنوات، باعتباره قنبلةً مجتمعيةً لا تهدد فقط الحق في السكن وإنما تؤثر على القطاع الخاص والمهنيين في الهندسة والمجالات الطبية.
بينما تغيّب نقيب المحامين عبد الحليم علام دون عذر حسب بيان لمجلس النواب، رغم توجيه الدعوة له، وإعلانه في تصريحات تقديم رؤية جديدة حول القانون.
مستقبل مياه الشرب
هذا الزحام لم يمنع مجلس النواب من الموافقة النهائية على مشروع قانون تنظيم مرفق مياه الشرب والصرف الصحي.
بدأت مناقشة القانون في الجلسة العامة، يوم الأحد، بعد ساعات من الجدل السياسي المكثف حول قوانين الانتخابات، لتأتي قضية مياه الشرب وكأنها في مرتبة أقل من القوانين التي سبقتها.
أعترف أن تراجع الاهتمام لم يكن مقتصرًا على المعارضة التي تراجع حضورها في النقاش، بل أصابني شخصيًا، حتى أنني نسيت تسجيل أسماء نائبين رفضا المشروع من حيث المبدأ، وهما ليسا من رموز المعارضة أو النواب المعروفين على الساحة. ورغم ذلك، استغل بعض النواب الفرصة للحديث عن أزمات مياه الشرب في عدة مناطق، سواء من حيث تلوث المياه أو نقص توفرها.
يهدف مشروع القانون إلى توسيع مشاركة القطاع الخاص في هذا المرفق الحيوي، فنص على السماح للقطاع الخاص بالمشاركة في إنشاء وتشغيل وصيانة وتمويل شبكات المياه والصرف الصحي، كما نص على وجود ممثل للقطاع الخاص في مجلس إدارة الجهاز التنظيمي لمرفق مياه الشرب والصرف الصحي.
ومن بين مهام الجهاز وضع الأسس الاقتصادية التي يجري وفقها تحديد التعريفة، ويعرضها الوزير المختص على مجلس الوزراء ويتم إعلانها من خلال الجهاز.
هنا تكمن المخاوف الأساسية من المشروع، التي لم يتحدث عنها نواب المعارضة في كلماتهم، فالمشاركة الموسعة للقطاع الخاص يُفترض أن ترفع كفاءة التشغيل وجودة الخدمات من خلال استخدام تقنيات حديثة، ولكن قد تؤدي لاعتماد تسعير جديد يزيد الأعباء على المواطنين، رغم محاولات رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، محمد عطية الفيومي، التأكيد على عدم تأثر جيوب المواطنين بهذا المشروع.
وسط ضجيج تعديلات قوانين الانتخابات التي قد تعيد إنتاج برلمان مشابه للمجلس الحالي، وتراجع زخم مناقشات الإيجار القديم وغياب التعديلات البديلة لمشروع الحكومة، يأتي مشروع قانون مياه الشرب والصرف الصحي كاشفًا لترتيب اهتمامات النواب وانحيازاتهم وربما الصحافة أيضًا.
يعكس غياب الاهتمام أزمةً حقيقيةً في الأولويات السياسية، حيث تُغلق الأبواب أمام نقاشات عميقة حول مستقبل الخدمات العامة، وتتلاشى فرص التعديلات التي تتيح مشاركة القطاع الخاص بشكل مسؤول، ويكون المواطن هو الخاسر الأكبر أمام موجة ارتفاع الأسعار وانخفاض جودة الخدمات.