تصوير سالم الريس لـ المنصة
جيش الاحتلال يلقي في 22 يونيو، منشورات على رفخ وخانيونس تطالب الأهالي بالإبلاغ عن أماكن محتجزيه لدى الفصائل الفلسطينية

المقاومة وتفعيل الخيار "شمشون".. نموت معًا أو نحيا جميعًا

منشور الأربعاء 4 سبتمبر 2024

إما اتفاق نحيا به جميعًا أو نموت جميعًا. قد تكون هذه الرسالة الأكثر وضوحًا التي وجهتها المقاومة للاحتلال الإسرائيلي بعدما لقي ستة من المحتجزين الإسرائيليين مصرعهم قبيل تحريرهم.

في حادث نوعي يعكس فشل العمليات الخاصة الإسرائيلية، أعلن الجيش الإسرائيلي أن الجثث التي تم العثور عليها داخل نفق في رفح 31 أغسطس/آب الماضي "قُتلوا بوحشية على يد إرهابيي حماس قبل وقت قصير من وصولنا إليهم"، وهو ما نفته حماس مؤكدة أن القتلى سقطوا أثناء غارة إسرائيلية.

ازدادت دراماتيكية الأحداث حين كشفت وسائل الإعلام أن ثلاثة على الأقل من القتلى كانوا على كشوف تبادل المحتجزين التي وافقت عليها المقاومة، قبل أن تتباطأ الحكومة الإسرائيلية في إتمام الصفقة، معتقدة أن مزيدًا من الضغط على المقاومة سيؤدي لشروط أفضل.

لم تكن هذه الواقعة الوحيدة، فسبقتها أخرى حين لقي ستة آخرون مصرعهم داخل نفق في خانيونس قبل أيام، في ظروف غامضة، بينما أشارت تقارير  إلى اختناقهم بغاز ثاني أكسيد الكربون نتيجة نيران تسببت فيها القوات الإسرائيلية. 

حماس والخيار "شمشون"

حاولت حكومة الاحتلال الترويج لعملية النصيرات على الرغم من أن حسابات المكسب والخسارة المباشرة تجعل مكاسب تلك العملية صفرية، إذ سقط أربعة من القوات الإسرائيلية مقابل تحرير أربعة محتجزين، بالإضافة إلى مقتل أكثر من 200 مدني فلسطيني تحت الغارات الجوية والقصف الشديد. 

أي محاولة لتحرير المحتجزين ستكون مكلفة ولن يُسمح بخروجهم أحياء

كما كان متوقعًا، كانت عملية النصيرات نقطة تحول للمقاومة التي أعادت تصميم تكتيكاتها بما أضر بمصلحة المحتجزين الإسرائيليين، فعزلتهم في أنفاق بدلًا من الشقق السكنية، حتى وإن كان ذلك يعني عدم خروجهم أحياء. ذهبت نشوة عملية النصيرات والترويج المزيف للنصر واصطدمت إسرائيل بالواقع، حيث تذكر جثث رفح بتكلفة العمليات.

تتبنى إسرائيل في استراتيجيتها العسكرية الخيار "شمشون"، وهو اسم نظرية الردع الإسرائيلية الافتراضية المرتبطة بعمليات الانتقام واسعة النطاق بالأسلحة النووية، باعتبارها آخر الحلول. لكن يبدو أن المقاومة اختارت هي الأخرى تفعيل الخيار شمشون من جانبها، إما اتفاق نحيا به جميعًا أو نموت جميعًا؛ عملية النصيرات لن تتكرر مرة أخرى.

حكومة على الحافة

ردود الفعل في إسرائيل جعلت نتنياهو وحكومته في وضع أكثر تعقيدًا، فبعد الإعلان عن هوية القتلى، أعلن تجمع ما يعرف بـمنتدى عائلات الرهائن أنه سيُحدث "زلزالًا" في إسرائيل.

حمّلت المجموعة الحكومة مسؤولية مقتل المحتجزين، نتيجة التخريب والتخلي عنهم، في إشارة إلى التقارير التي تفيد بأن نتنياهو خرب عن عمد اتفاقًا وشيكًا توسطت فيه الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار كان من شأنه أن يطلق سراح باقي المحتجزين.

في مساء الأحد الأول من سبتمبر/أيلول، اندلعت مظاهرات في تل أبيب، قُدِّر عدد المشاركين فيها بمئات الآلاف. وأعلن الهستدروت/اتحاد عمال إسرائيل إضرابًا عامًا اليوم التالي. تلا ذلك استئناف المظاهرات بعد تشييع جنازة القتلى الستة، بعد ظهر الاثنين، وأغلق المحتجون التقاطعات والطرق السريعة، مؤكدين أن المحتجزين الستة كان من الممكن إعادتهم أحياء.

دخل نتنياهو حربًا لا يعرف كيف يخرج منها محتفظًا بمنصبه

على صعيد النخب السياسية، تصاعد التراشق بين الحكومة والمعارضة حتى وصل حد التهديد بالسجن بين قادة المعارضة وأعضاء في الحكومة. فبعد اتهام يائير لابيد، رئيس الوزراء السابق وأحد زعماء المعارضة، لنتنياهو بأنه "قاتل"، علق وزير الإسكان والبناء يتسحاق جولدنبف بأن أولئك يجب إرسالهم إلى السجن.

دخل نتنياهو حربًا لا يعرف كيف يخرج منها، أو بعبارة أكثر دقة لا يعرف كيف يحقق ذلك وهو محتفظ بمنصبه وامتيازاته وحصانته السياسية.

أزمة الجميع

تصاعدت الضغوط الداخلية على حكومة نتنياهو، لكن تبقى الأزمة بلا حل. ما زالت إسرائيل منقسمة بين تيارين، أحدهما يضع عودة المحتجزين أولوية، بينما الآخر، الذي تمثله الحكومة الإسرائيلية وحلفاؤها من القوميين والتيارات الدينية وأغلبية الكنيست، يفضل تدمير غزة بهدف الانتقام أو لاستعادتها وإعادة التوطين فيها. 

كان بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي ورئيس حزب "الصهيونية الدينية" عبّر عن أهداف هذا التيار الذي يسعى للانتقام حين قال إن إعادة المحتجزين من قطاع غزة "ليست الأهم"، وإنما تحقيق النصر على حركة حماس.

في الإطار نفسه، صرح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير صباح 2 سبتمبر/ أيلول الحالي "نحن نستخدم قوتنا في الحكومة لمنع أي صفقة متهورة مع حماس، لا نحتاج إلى التحدث إلا بفوهة البندقية".

لا يبدو الوزيران ورئيسهما نتنياهو استثناءً أو أصواتًا شاردة، فهم منتخبون ويمثلون قطاعات كبيرة من التيارات الدينية والقومية، ربما تمتنع عن الحشد في الشارع الآن لتجنب المواجهة في أوقات الأزمة، لكن لا يعني هذا عدم تأثيرها السياسي. لا توجد إسرائيل واحدة، بل إسرائيل مقسمة ومستقطبة.

العرب والأمريكيون والإسرائيليون والمقاومة عالقون فوق شجرة لا يستطيعون النزول منها

أما الجانب الآخر للأزمة، فيرتبط بالانتخابات الأمريكية والدعم الأمريكي الموجه للحكومة الإسرائيلية المتطرفة، التي ستحظى بالمزيد من الدعم حتى لو أضرمت النار في العالم كله، لتبقى أي محاولة للضغط على إسرائيل محفوفة بمخاطر لن يتحملها أي سياسي أمريكي، فالحسابات تتعلق بالأصوات والتبرعات، وكل ذلك يقع تحت تأثير منظمة AIPAC التي تمثل لوبيًا صهيونيًا قويًا. 

في النهاية، يبدو الجميع عالقين فوق شجرة لا يستطيعون النزول منها؛ العرب والأمريكيون والإسرائيليون والمقاومة. ومن قبلهم جميعًا الشعب الفلسطيني الذي يدفع الثمن الأكبر. لكن ربما يمنح فشل عملية رفح، ومن قبلها فشل عملية خانيونس، بعض الأمل في تصاعد الضغط على الجناح الأكثر تشددًا في إسرائيل للقبول بصفقة تضع إنقاذ المحتجزين فوق إنقاذ الحكومة!