"عندما تكون في حفرة، توقف عن الحفر".
- ويل روجرز
بينما كانت القوات الخاصة الإسرائيلية تخوض معارك عنيفة بالأسلحة النارية مع مقاومين فلسطينيين صبيحة يوم السبت الماضي في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة لتحرير أربعة محتجزين، كان نتنياهو يتأهب لسماع إما خبر جيد له وحكومته، أو نهاية كارثية لهذه الحكومة التي تجلس على مقعد متأرجح يفقد قوائمه بالتدريج.
منحت عملية تحرير المحتجزين الأربعة قُبلة حياة لحكومة نتنياهو اليمينية، التي تحارب من أجل البقاء. والحرب هنا تحمل معناها الحرفي في غزة والشمال الإسرائيلي، ومعناها المجازي بعد دخول الوزارة في صدامات بين مكوناتها، والتهديد اليومي من أعضاء على يمينها ويسارها بإسقاطها.
بعد العملية، اجتاحت نشوة النصر السياسي اليمين الإسرائيلي، فضلًا عن الانتصار العسكري الذي يصحح صورة الجيش المنهك. ولكن رغم ذلك ظهرت آثار جانبية عكسية.
اتضح ذلك في الجدل السياسي المرتبط بفكرة الأولويات المتعارضة. فبينما يتبنى نتنياهو وحلفاؤه في اليمين مواصلة القتال للوصول لما سموه النصر الكامل على حماس، يتبنى قطاع آخر أولوية تحرير المحتجزين حتى ولو على حساب وقف إطلاق النار الدائم. والقطاع الأخير هو تيار داخل الرأي العام الإسرائيلي يمثله بيني جانتس وجادي آيزنكوت وحيلي تروبير داخل حكومة الحرب.
تفاقمت الاحتجاجات في شوارع تل أبيب بدلًا من الاحتفال بتحرير المحتجزين
كانت التوقعات أن عملية تحرير المحتجزين ستؤدي إلى تماسك الرأي العام الإسرائيلي بكل أطيافه خلف الحكومة، غير أن قطاعًا غير قليل اهتم بمناقشة أثر العملية على بقية المحتجزين الإسرائيليين وسلامتهم.
في المساء، تفاقمت الاحتجاجات في شوارع تل أبيب، واشتبك أهالي المحتجزين والمتعاطفون معهم مع الشرطة، وخرجت الأمور عن السيطرة. وبدلًا من الاحتفال بالنصر، طالب المتظاهرين بانتخابات مبكرة واستقالة الحكومة.
وفي اليوم التالي للعملية استقال بيني جانتس، رئيس الأركان السابق وعضو مجلس الحرب، وقال إنه قرر مغادرة حكومة الحرب لأن الاعتبارات السياسية لنتنياهو تعرقل القرارات الاستراتيجية، وتحول دون تحقيق نصر حقيقي.
قلق على المحتجزين من ظروف أسوأ بعد عملية النصيرات
استقال كذلك زميلاه الوزيران في حكومة الحرب جادي آيزنكوت وحيلي تروبير. فكيف تحول نصر تكتيكي مهم إلى أزمة، أو على الأقل لم يحُل دون تفاقم الأزمة كما كان متوقعًا؟
كانت العملية مكلفةً إنسانيًا، قُتل فيها أكثر من 200 فلسطيني وثلاثة محتجزين بينهم أمريكي وفقًا لرواية المقاومة، بخلاف مقتل قائد العملية نفسه أرنون زامورا في الاشتباك مع المقاومين الفلسطينيين؛ وبالتالي سيطر ثمن العملية الفادح على قطاع من الإسرائيليين الذين أدركوا أن خسائرها أكبر من مكاسبها.
وفقًا لهذه السردية، فالهدف ليس تحرير أربعة وترك ما يزيد عن مائة آخرين عرضة للغضب الفلسطيني، أو على الأقل تشديد إجراءات حراستهم أو حتى تفخيخهم لمنع خروجهم أحياء إذا ما صارت محاولة تحرير ثانية، وهو ما أكده الجنرال يسرائيل زيف، الرئيس الأسبق لهيئة العمليات في مقابلة مع راديو "FM 103".
اعتبر زيف أن عملية تحرير المحتجزين الأربعة كانت الإجراء الأكثر تعقيدًا وخطورة الذي نفذته إسرائيل على الإطلاق، وأن حماس ستتعلم الدرس وتُجري تغييرات لجعل الهجوم التالي أكثر صعوبةً.
يعكس تصريح الجنرال زيف مخاوف متزايدة لدى عائلات بقية المحتجزين والمتعاطفين معهم، حيث كان الأربعة المحررون فوق الأرض في منازل الأهالي، والآن سوف تتخذ حماس إجراءات أمنية أكثر حذرًا وتشددًا، تضع الباقين في ظروف أسوأ وربما يتنقلون في الأنفاق بدلًا من البقاء في البيوت.
ظهر الأمر وكأن العملية تحقق أهدافًا سياسيةً غير معنية بالحفاظ على سلامة المحتجزين، ومنح نتنياهو الصورة الهوليودية التي يحتاجها للبقاء في الحكم، حتى لو على دماء رعاياه.
تجاوزت الآثار الجانبية للعملية إسرائيل لتصل إلى حليفتها الأقرب الولايات المتحدة الأمريكية، بعد اعتراف إعلامي بمشاركة أمريكية على مستوى استخباراتي. وهو ما أضر بسمعة الرصيف البحري الأمريكي والقوات المصاحبة له أسوأ من أي وقت مضى.
بات من المعروف الآن أن ذلك الرصيف يعد قاعدة استخباراتية وعملياتية لقوات أمريكية مساندة لإسرائيل، وهو ما قد يزيد القلق بين صناع القرار الأمريكيين في موسم انتخابي صعب، من أن يُنظر إلى قواتهم التي تعمل على الرصيف البحري كقوات معادية على أرض غير صديقة.
بشكل عام، كانت عملية تحرير المحتجزين الأربعة انتصارًا تكتيكيًا لكنها لم تقنع المزيد من الإسرائيليين بتحقيق النصر الاستراتيجي المرجو، وهو ما لخصه الصحفي الإسرائيلي بن ميركوري في صحيفة معاريف الإسرائيلية "إن نجاح عملية تحرير أربع رهائن هو انتصار تكتيكي رائع. لكنه لم يغير الوضع الاستراتيجي المشين".
زاد نتنياهو من عمق الحفرة بدلًا من الخروج منها.