وفقًا لصحيفة فايننشال تايمز، اندلعت في يونيو/حزيران الماضي اشتباكات في غزة لم تكن أطرافها المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، بل كانت مواجهة فلسطينية - فلسطينية، مقابل ما يسمى بخطة الفقاعات الإنسانية.
أشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الاشتباكات التي اندلعت بين أفراد عائلة أبو عمرة وسط غزة، وأفراد من أمن حماس، كانت على أثر إعدام الحركة عميد تلك العائلة بعد اتهامه بالتنسيق مع أجهزة أمنية إسرائيلية تعهد إليه بدور في تنظيم نقل مساعدات غذائية لأفراد وعائلات ممن لديهم سجل أمني مقبول إسرائيليًا.
مخطط الفقاعات
تعتبر حماس أن إسرائيل تستخدم سلاح المساعدات وسيلة لهندسة أمنية إسرائيلية على القطاع هدفها الاستسلام أو الجوع، وعلى هذا يأتي تنسيق الاحتلال مع فلسطينيين داخل غزة لإيصال مساعدات في إطار مخطط أعلن عنه وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، الذي أشار لأهداف استراتيجية لما بعد الحرب، مع السعي لإيجاد بديل لحماس يكون أكثر "قبولًا" في إسرائيل.
يخطط الاحتلال لخلق مناطق عازلة خالية من نشطاء حماس والمدنيين الداعمين لها سيطلق عليها فقاعات أو جزر إنسانية، ليسهل استهداف الحمساوية في المناطق الأخرى المستباحة عسكريًا، وبذلك تفصل الرؤية الإسرائيلية بين الفلسطينيين "الجيدين" و "السيئين".
بدأ التطبيق في شمال غزة وهددت حماس بقطع أيادي المتعاونين
يتضمن المخطط أيضًا إحلال "قوى أمنية" تتولى الحفاظ على الأمن بديلًا عن حماس، على أن تُشكل أغلبها من قوات عربية مع إيجاد حكم محلي بديل في تلك الفقاعات.
الفرز الأمني للفلسطينيين ضلع مهم في المخطط، وهو ما أكده اللواء المتقاعد وأحد مهندسي "الفقاعات"، إسرائيل زيف، الذي أوضح أن الفلسطينيين الذين يناوئون جماعات المقاومة سيُمنحون الحق في العيش في فقاعة، وإعادة بناء منازلهم بموافقة وحماية إسرائيلية، وهو ما سيحرم منه الآخرون.
تنطلق المرحلة الأولى للخطة بنقل المساعدات من معبر إيريز إلى فلسطينيين محليين متعاونين، وتنظيم السكان لتولي حكم ذاتي محدود. وقد بدأت هذه المرحلة في عدة مناطق في الشمال، منها العطاطرة، وبيت لاهيا، وبيت حانون لكن يبدو أنها لم تزل متعثرة.
اكتشفت حماس الترتيبات الأمنية على الأرض بين إسرائيل وبعض العشائر الفلسطينية ووجدت نفسها تحارب في جبهة داخلية لمنع الخطة. وأصدرت بيانًا هددت فيه بقطع الأيادي التي تقبل التعاون مع الاحتلال.
الطريقة الشيشانية
تبدو هذه الخطة شبيهةً بما حدث في الشيشان، إذ غيّرت روسيا تكتيكاتها بدايةً من عام 2001، فيما عرف لاحقًا بسياسات "شيشنة الصراع". قسمت موسكو المواطنين وفقًا لتصنيف "الشيشاني الموالي"، و"الشيشاني المتمرد"، ورعت انتخابات موجهة بقوة النيران الروسية في الجو والأرض.
نجحت الخطة آنذاك وتم انتخاب القادة الموالين لروسيا مثل أحمد قديروف، فتحول الصراع من نزاع بين روسيا والشيشان لصراع شيشاني - شيشاني بين الحكومة الموالية لموسكو وبين الانفصاليين.
تسعى إسرائيل لتأجيج الصراع بين الفلسطينيين
تعول الخطة الإسرائيلية في هذا على أن سياسات الأرض المحروقة بعد طول أمد التدمير والقتل، تساعد في تحويل الغضب إلى نزاع داخلي بين الفلسطينيين وبعضهم البعض، بعد أن كان في بداية الحرب موجهًا بالكامل إلى إسرائيل.
بدأت هذه السياسة التي تعول عليها إسرائيل مستقبلًا تؤتي ثمارها، فبخلاف الاشتباكات المسلحة بين حماس والعشائر التي تنسق مع إسرائيل للحصول على المساعدات الغذائية وتوزعها، حدثت مناوشات بين عناصر من فتح ومن حماس وصلت لتهديدات بالاغتيال والاعتداءات البدنية.
كما صعدت السلطة الفلسطينية في رام الله من لهجتها ضد حماس واتهمتها بتقديم "ذرائع مجانية" لإسرائيل لاستمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بينما اتهمت حماس حركة فتح والسلطة باستغلال المجازر للعودة على الدبابات الإسرائيلية لحكم قطاع غزة. في وقت تحدثت تقارير أمنية وإعلامية أن رئيس المخابرات الفلسطينية، ماجد فرج، بالفعل بدأ بتحديد مرشحين محتملين من داخل غزة للحكم الذاتي.
مستقبل تفكيك المقاومة
تظهر خطة الفقاعات كحد إسرائيلي فاصل بين النصر والهزيمة، فبدون تفكيك المقاومة وخلق سلطة متعاونة أمنيًا مع إسرائيل في غزة، لا يمكن لإسرائيل تسويق نصرها للرأي العام الداخلي.
لكن المشكلة أن تلك الفقاعات تبدو مهددة بالانفجار بمجرد ملامسة الأرض، فعلى الرغم من تلقي حماس ضربات قوية في الحرب المستمرة على القطاع منذ تسعة أشهر، فإنها لا تزال القوة الأكثر فاعلية على الأرض، كما أنها قادرة على تعقب الأفراد والعشائر والعائلات ممن يظهرون استجابة للمحاولات الإسرائيلية للتنسيق، كما حدث مع عائلة أبو عمرة.
لا يزال الانقسام الفلسطيني في مرحلة التلاسن ومستوى منخفض من العنف الداخلي
في الوقت نفسه، يظل تطوير الخطة، المرتبط بوجود أمني لقوات عربية على الأرض، في حيز التمني لدى إسرائيل، فلا ترغب أي دولة عربية حتى الآن، في نشر قوات في غزة، وممارسة دور يظهرها قوة احتلال في إطار أهداف إسرائيلية.
كما أن التعويل على الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني لم يؤدِ للنتائج المرجوة بعد، فالاشتباكات أغلبها مقتصر على التلاسن اللفظي مع مستوى منخفض من العنف الداخلي. ولم يزل إلى الآن غالبية الفلسطينيين قادرين على التمييز بين خط واضح وكبير يفصل بين انتقاد جماعات المقاومة أو حتى الغضب من بعض تكتيكاتها من ناحية، وبين التعاون الأمني مع إسرائيل من ناحية أخرى.
لم يبق أمام إسرائيل إلا المراهنة على الوقت، لعل سياسات الأرض المحروقة تدفع مزيدًا من الفلسطينيين للانقلاب على المقاومة، لكن تظل الضغوط التي تتعرض لها الحكومة الإسرائيلية في الداخل الإسرائيلي عائقًا أمام هذا الرهان.
ومع غياب ملامح النصر العسكري، تظل خطط الفقاعات أو الرهان على الاقتتال الداخلي الفلسطيني وتصعيد الغضب ضد حماس، وسيلة إسرائيل للعبور من الهزيمة إلى النصر.