تصميم أحمد بلال- المنصة
صناديق انتخابية

قانون الانتخاب وخطر التطبيع مع الصمت

لماذا لم نشهد حراكًا حقيقيًا نحو نظام انتخابي بديل قبل انتخابات المجلسين؟

منشور الاثنين 26 مايو 2025

تعجبتُ لبيانات الشجب الصادرة من بعض القوى السياسية ضد تعديلات قانون انتخاب مجلس النواب الذي مرره البرلمان، أمس الأحد، وبدا وكأن تلك القوى كانت تنتظر من الحكومة أو الموالاة النيابية تقديم تعديلٍ متطورٍ أو أكثر ديمقراطية، رغم انتشار تصريحات وتكهنات قبل بضعة أسابيع أشارت بوضوح إلى عدم تغيير عدد أعضاء المجلس أو النظام الانتخابي الذي يجمع بين القائمة المغلقة المطلقة والفردي مناصفةً.

أعرف أن الحركة المدنية الديمقراطية وبعض الأحزاب والشخصيات العامة تقدمت بمقترحات عدة لتعديل النظام الانتخابي، عبر الحوار الوطني وفي مشاورات سرية مع الأطراف المعنية بعيدًا عن الإعلام، قامت على أفكار مختلفة، منها تقليص نصيب القائمة المطلقة إلى 25% والباقي للفردي، أو تحويل نصف عدد مقاعد القائمة المطلقة أو أقل إلى القائمة النسبية، أو تخصيص القائمة المطلقة للمسيحيين والعمال والفلاحين والشباب وذوي الإعاقة والمقيمين بالخارج.

لكننا للأسف، وعلى مدار الفصل التشريعي المنصرم كاملًا، لم نشهد أي حراك حقيقي لبلورة نظام انتخابي بديل. أعني بذلك إعداد مشروع قانون متماسك بصياغات ونسب واضحة، والدخول في عملية حشد لهذا المشروع بفتح مساحات للحوار والنقاش في الأحزاب والكيانات السياسية، ليصبح لدينا، ونحن مقبلون على استحقاق انتخابي واسع يشمل مجلسي النواب والشيوخ، رصيد له ثقله من الأفكار والصياغات والدعم الشعبي على مختلف المستويات.

وعلى أرض الواقع، ابتُلينا بتغييب تام للحوار حول قانون الانتخاب، اللهم إلّا من إطلالات إعلامية نادرة حثت على الحركة أو ناقشت البدائل، وكأن القوى السياسية اتفقت مع الدولة وأجهزتها ضمنيًا على الصمت والنأي بالمسألة عن أي حوار مجتمعي، حتى تقدمت الأغلبية النيابية بهذا التعديل الضئيل الذي لا يتعدى تعديل عدد المرشحين في دوائر القوائم بلا تأثير على العدد الإجمالي للمقاعد (284 للقوائم المطلقة المغلقة و284 للفردي)، وتعديل التمثيل الفردي لبعض الدوائر وتغيير مكوناتها الجغرافية، فضلًا عن زيادة قيمة مبلغ تأمين الترشح.

هل من مساحات للحركة؟

لا أقصد إلقاء اللوم على كاهل الطرف الأضعف في المعادلة، الأحزاب والمجموعات التي تحاول ممارسة السياسة في حدود الهامش المتاح داخل وخارج البرلمان وعبر مؤسسات مختلفة كالمجالس والنقابات والمنظمات الأهلية. ولكن لا يجوز الرضا والتطبيع مع الصمت تحت السقف المفروض، خصوصًا في قضية التمثيل الديمقراطي التي تمس عصب الحياة السياسية، ولا تخص فقط الأحزاب والشخصيات الموصوفة بـ"النخبة"، بل من الواجب مراعاة مصالح 100 مليون شخص معظمهم يسمع عن "العمل السياسي" مرة كل خمس سنوات.

إذا قبلنا باستحالة فرض رؤية المعارضة فالأسوأ من ذلك الاعتقاد بأن الطرح والتشبيك والإلحاح لن تؤتي ثمارًا

نحن بشر، ومفهوم أن لكل منا طاقة وحدًا أقصى للمثابرة والتحمّل والمناطحة. غير أن قضية إحياء الحوار المجتمعي حول المسائل السياسية والاقتصادية والقانونية يجب أن تظل حاضرةً بقوة وبتجليّات مختلفة، عبر السوشيال ميديا وفي الجامعات والنقابات والجمعيات الأهلية، حتى وإن ضاقت الأرض بما رحبت، أو بقيت الآفاق منسدَّةً فلا تجد الرؤى للنفاذ سبيلًا. والسبب ببساطة ضرورة استشعار المسؤولية تجاه أجيال جديدة يجب أن تعرف حقوقها وتعي العقبات وتشارك في البحث إلى أن ترسم معالم تجربتها الخاصة، وتخوض معاركها فتخسر وتربح.

الصمت يقتل حقوق أبنائنا، والتطبيع معه مشاركة في المصادرة على مستقبلهم.

ولا ننسى أننا شهدنا خلال الشهور القليلة الماضية نقاشًا حيويًا متصاعدًا حول مجموعة من القوانين والملفات، بمشاركة مؤسسات المجتمعين السياسي والمدني، كقوانين الإجراءات الجنائية والعمل والمسؤولية الطبية ثم قضيتي الإيجار القديم والرسوم القضائية.

قد يقول البعض إن المعارضة لم تحقق أي انتصار، لكن حالة الزخم أدت إلى مكاسب متنوعة مثل إدخال بعض التعديلات التشريعية، واختراق الإعلام السائد من خلال توسيع دائرة النقاشات حول قضايا حساسة، بالتالي توسيع الهامش وإزاحة السقف إلى الأعلى قليلًا.

أما الأهم من كل ما سبق فهو عودة الروح للعديد من الساحات المهجورة، فرأينا لقاءات شعبية في مقار الأحزاب وحوارات موسعة حول بعض المشروعات في المنظمات الحقوقية والكيانات السياسية، وندوات وورش عمل في نقابات الصحفيين والأطباء والمحامين وبعض الجامعات الخاصة، بالتوازي مع نقاشات السوشيال ميديا، مما يسهم بالتأكيد في تنامي الوعي وإحياء المجال العام.

قضية رأي عام.. سرية!

كان من الممكن استغلال هذا الحراك لطرح مشروع موحد لتعديل قانون الانتخاب من قبل المعارضة الغاضبة اليوم، وربما كانت التربة خصبة للمزيد، بإقامة فعاليات وإطلاق مبادرات لتدشين قانون انتخاب جديد عصري بدلًا من الاكتفاء بمقترحات متناثرة أو ما أنتجه الحوار الوطني من توصيات افتقرت إلى التوافق في حده الأدنى، اشتملت على استمرار النظام الحالي، أو تخصيص 15 دائرة للقائمة النسبية، أو تقسيم النصف الخاص بالقوائم بين المطلقة والنسبية!

وإذا قبلنا باستحالة فرض رؤية المعارضة، فالأسوأ من ذلك الاعتقاد بأن الطرح والتشبيك والإلحاح لن تُؤتي ثمارًا على الإطلاق. فالتعامل الإيجابي مع هذا الاستحقاق وبذل جهد مضاعف لجعله "قضية رأي عام" لا يجب أن يُوجّه إلى السلطة بالأساس، بل لدمج المواطنين، لا سيما الشباب، وخلق مسار تراكمي من الوعي والمشاركة.

والعكس صحيح، فما حدث بإبقاء المداولات في هذا الملف سريّةً بين القوى السياسية والسلطة، يكرِّس جوهر قانون الانتخاب الحالي القائم على تركيز التمثيل الشعبي في عدد محدود من الأحزاب أو الأحلاف بسبب طبيعة القائمة المغلقة المطلقة، وحرمان الأحزاب الأخرى المنافسة على مقاعد القائمة من أي تمثيل حسب نسبة أصواتها، فضلًا عن صعوبة خوض المنافسة من الأساس نتيجة ضخامة حجم الدوائر (3 و6 و7 و11 محافظة) مما يسمح بفوز قائمة في محافظة كاملة دون أن تستطيع تمثيل ناخبي تلك المحافظة إذا هُزمت في باقي المحافظات المكونة للدائرة، غير المتجانسة شعبيًا والمختلفة حتمًا في المزاج والموارد وطبيعة التحديات.

التمثيل العادل الذي نريد

مقر مجلس النواب في العاصمة الإدارية الجديدة

إن تطبيق القائمة المغلقة المطلقة بهذه الصورة مع قصر عضوية الفردي على نصف النواب، يمثل ردّة عن المكتسبات التي حققها الشعب المصري في مجال النظام الانتخابي، بعد مروره بمراحل عديدة بين الفردي والقوائم المغلقة مطلقةً ونسبيةً، تداخلت فيها توجهات الأنظمة الحاكمة مع الأحكام القضائية وإشكاليات تقسيم الدوائر وتوزيع الناخبين توخيًا لتحقيق عدالة التمثيل وفقًا للمادة 102 من الدستور.

وإذا كان الدستور يوفر مظلة حماية من خطر أحكام البطلان، بإجازته الجمع بين الفردي والقوائم بأي نسبة، فلا يجوز أن ننظر لمسألة "عدالة التمثيل للسكان والمحافظات" من زاوية رقمية بحتة، ونجرّد اختيار النظام الانتخابي وتقسيم دوائر القوائم تحديدًا من العوامل الديموغرافية والثقافية، ثم نهضم حق التمثيل للمحافظات الأقل عددًا وللكيانات السياسية الأصغر، باسم مراعاة الفئات التي أوجب الدستور تخصيص نسب لها بزعم أن القائمة المغلقة المطلقة هي الحل السحري لذلك! على الرغم من إمكانية تحقيقه بواسطة القائمة النسبية وفق حسابات معينة.

في حكمها بحل مجلس الشعب عام 2012، قدمت المحكمة الدستورية العليا شرحًا معمقًا للمادة الثالثة من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس/آذار 2011 "السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها، ويصون الوحدة الوطنية"، التي تقابلها المادة الرابعة من الدستور الحالي وتزيد عليها بأن هذه الوحدة الوطنية "تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين".

قالت المحكمة إن "المضمون الحق" لعبارة "السيادة للشعب وحده" يكمن في "عدم عقد السيادة الشعبية لفئة دون أخرى، وعدم فرض سيطرة لجماعة بذاتها على غيرها"، وأن "تتوافر للمواطنين جميعًا الفرص ذاتها التي يؤثرون من خلالها وبقدرٍ متساوٍ فيما بينهم في تشكيل السياسة القومية وتحديد ملامحها النهائية"، معتبرةً أن إرادة الناخبين في مناسباتها المختلفة "تتبلور عن طريق الاختيار الحر لممثليها في المجالس النيابية، وعن طريق الوزن الذي تعطيه بأصواتها للمتزاحمين على مقاعدها".

كانت "الدستورية" في هذا الحكم تضمن تكافؤ الفرص في الترشح بين الحزبيين والمستقلين. اليوم تبدو المعضلة أكبر.

فمفهوم "عدالة التمثيل" متآكل تحت وطأة غياب السياسة على الأرض وابتعاد الأحزاب عن الناس، لكنه يظلّ أعمق من نظام أدى في 2020 إلى استئثار حزبين اثنين بأكثر من 60% من "النواب" وفوز 96 مستقلًا فقط، ربعهم عن طريق القوائم، وألّا يزيد نصيب ثمانية أحزاب على عشرة مقاعد.

أما الناخبون المصريون، فليسوا مجرد أعداد في مسألة تقسيم دوائر، ولا يجوز إبقاؤهم خلف جدار الصمت حتى تُفتح اللجان.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.